أنهت سلسلة غارات إسرائيلية استهدفت المقر المركزي لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، مسيرة الأمين العام الثالث لحزب الله، حسن نصر الله، الذي قاد الحزب على مدى 31 عاما.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، مقتل نصر الله، وقادة آخرين، بغارات جوية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت، الجمعة.
وأكد حزب الله في بيان، السبت، مقتل أمينه العام بالضربات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، الجمعة.
وولد الرجل الذي عاش في الخفاء لسنوات، في عائلة متواضعة في برج حمود، وهو الابن الأكبر لعبد الكريم نصر الله، الذي كان يعمل بائع خضار في حي الكرنتينا الشعبي، ووالدته نهدية صفي الدين.
واهتم نصر الله من صغره بدراسة أصول الدين، وفي شبابه المبكر، ساعد والده في "الدكان"، الذي كان يمثل مصدر رزق الأسرة الأساسي، كما كان يساعد عائلته في تعشيب الأرض والاهتمام بها.
مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، عادت عائلة نصر الله من بيروت إلى مسقط رأسها بلدة البازورية في جنوب لبنان، وقد تم تعيينه ممثلًا لحركة أمل في قريته، حيث كان نشطاً في تنظيم الشباب الديني المحلي.
أكمل نصر الله تعليمه الثانوي في مدرسة صور الحكومية، ثم توجه إلى مدينة النجف في العراق لمتابعة الدراسات الدينية العليا، هناك التقى عباس الموسوي، الذي أصبح لاحقاً معلمه في حزب الله، خلال تلك الفترة.
في عام 197، تزوج نصر الله من فاطمة مصطفى ياسين من قرية العباسية الجنوبية، وأنجب منها خمسة أبناء، بينهم هادي الذي قُتل في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي عام 1997.
وفي بداية الثمانينيات، عاد نصر الله إلى حركة أمل تحت قيادة موسى الصدر، لكنه سرعان ما انشق عن الحركة في عام 1982، وأسس مع آخرين حركة "أمل الإسلامية" تحت قيادة، حسين الموسوي.
وفي إطار الدعم الإيراني، اندمجت "أمل الإسلامية" مع مجموعات شيعية أخرى لتشكيل حزب الله، ليصبح نصر الله من المؤيدين الأساسيين لفكرة "ولاية الفقيه"، داعياً إلى تحويل لبنان إلى جزء من دولة إسلامية أكبر تحت حكم المرشد الأعلى الإيراني.
وفي عام 1989، غادر نصر الله بيروت متوجهاً إلى مدينة قم في إيران، حيث تابع دراساته الدينية هناك، قبل أن يعود إلى لبنان في عام 1991 بعد النزاعات المسلحة بين حزب الله وحركة أمل.
وبعد اغتيال الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي في غارة إسرائيلية عام 1992، اختير نصر الله ليخلفه. وفي يوليو 1993، تم انتخابه رسمياً أميناً عاماً من قبل مجلس شورى الحزب.
دخل نصر الله في صراع مع إسرائيل منذ العام 1993، وفي عام 2000، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود باراك، عن سحب جميع القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، مما زاد من شعبية نصر الله داخل بيئته، كما قاد حرب 2006 ضد إسرائيل التي استمرت 33 يوما.
وخلال فترة قيادته، طوّر حزب الله قدراته العسكرية بشكل كبير بدعم رئيسي من طهران. وأصبح الحزب يمتلك أسلحة دقيقة ومتطورة، كما أعلن نصر الله أن حزبه يضم 100 ألف مقاتل.
وصنّف حزب الله تحت حكم نصر الله كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وعدد من الدول، ورغم ذلك ينخرط الحزب في الحياة السياسية اللبنانية، حيث يشارك في مختلف الحكومات اللبنانية والمجالس النيابية.
ويتهم نصر الله بتوريط لبنان في حروب إقليمية تزيد من التوترات الداخلية وتعمق حالة الانقسام بين الشعب اللبناني، لاسيما وقوفه إلى جانب النظام السوري في قمع الثورة السورية، التي اندلعت عام 2011 مطالبة بإسقاط بشار الأسد.
في 17 أكتوبر 2019، انطلقت الثورة في لبنان نتيجة للأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي يعاني منها البلد، وقد طالت الاحتجاجات جميع الأطراف السياسية، بما في ذلك حسن نصر الله، حيث رفع الثوار شعار "كلن يعني كلن، نصر الله واحد منن".
وفي عام 2020 تم توجيه الاتهام من قبل لبنانيين إلى نصر الله بتخزين 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم في العنبر 12 بمرفأ بيروت، والتي انفجرت مسفرة عن خسائر كارثية بشرية ومادية.
وفي ذات العام رفض نصر الله، القرار الصادر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، الذي اتهم سليم عيّاش، وهو عنصر في حزب الله، بالمسؤولية عن اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري، الذي قتل نتيجة انفجار 1000 كغ من مادة الـ"تي أن تي" أثناء مرور موكبه في بيروت في 14 فبراير 2005، وأكد نصر الله أن حزبه سيتعامل مع القرار "كأنه لم يصدر".
وبعد عملية السابع من أكتوبر 2023، أطلق نصر الله استراتيجية "وحدة الساحات"، حيث أعلن عن فتح جبهة جنوب لبنان لدعم وإسناد حركة حماس في حربها مع إسرائيل، وأكد مراراً أن هذه الجبهة لن تهدأ إلا بعد إنهاء الحرب في غزة، إلا أن هذه الاستراتيجية كانت سبباً في التصعيد العسكري الحاد بين حزب الله وإسرائيل وصولاً إلى اغتياله، حيث رحل تاركاً وراءه إرثاً من التوترات السياسية والمواجهات العسكرية.