البريكس تسعى لخلق عالم متعدد الأقطاب
البريكس تسعى لخلق عالم متعدد الأقطاب

في وقت يسعى القادة المجتمعون في روسيا ضمن مجموعة "البريكس" إلى تسريع خطط الخروج من الهيمنة الغربية وتحقيق قدر من الاستقلالية بشأن التمويل والطاقة والتجارة عبر الحدود، تبدو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين نوايا وأهداف عدة تفرضها تطورات متلاحقة وضغوط يجابهها في مرحلة دقيقة.

ويستقبل بوتين، اعتبارا من الثلاثاء في مدينة قازان حوالي 20 من قادة العالم الحلفاء أو الشركاء في إطار "بريكس بلس"، وهو تجمع يعد الأكبر من نوعه على الأراضي الروسية منذ غزو أوكرانيا 2022.

وستكون القمة، التي تعقد بين 22 و24 أكتوبر، الأولى بحضور أعضاء جدد، لذلك أطلق على المجموعة اسم "بريكس بلس".

وكان هذا التكتل الدبلوماسي يضم في الأصل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ثم انضمت إليه هذا العام 4 دول هي إثيوبيا وإيران ومصر والإمارات.

والتقى بوتين رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، ورئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامابوزا، والرئيس الصيني، شي جينبينغ، على هامش أول أيام القمة.

ووفق تقرير نشره المعهد الأميركي لدراسات السلام، الخميس الماضي، تقدمت أكثر من 30 دولة بطلب رسمي أو أبدت اهتماما بلانضمام إلى مجموعة بريكس"، تشمل دول بجنوب شرق آسيا مثل تايلاند وماليزيا وفيتنام، بالإضافة لتركيا وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ودول منتجة للنفط والغاز الطبيعي مثل الجزائر، وأكبر دولة إسلامية وهي إندونيسيا، ونيجيريا التي تمتلك أكبر عدد سكان في أفريقيا، وبنغلادش، ثامن أكبر دولة من حيث التعداد السكاني عالمياً.

والدول التي تشكل "بريكس بلس" اليوم تمثل 45 في المئة من تعداد سكان العالم، و28 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي، و47 في المئة من إنتاج النفط الخام العالمي، وفق تقرير لموقع مجلس العلاقات الخارجية.

موسكو .. تسعى لإنهاء عزلتها

يسعى الرئيس الروسي، الذي جعل من توسيع البريكس إحدى ركائز سياسته الخارجية، إلى استغلال القمة في مواجهة سياسة العزلة والعقوبات التي ينتهجها الغرب ردا على غزو أوكرانيا.

وقد اعتبر الكرملين القمة بمثابة "انتصار دبلوماسي سيساعده في بناء تحالف قادر على تحدي الهيمنة الغربية"، في وقت ترى الولايات المتحدة أن روسيا "غير قادرة على التحول إلى منافس جيوسياسي".

ويسعى الكرملين من استضافة القمة في قازان إلى "إظهار ليس فقط أن روسيا غير معزولة، بل لديها شركاء وحلفاء"، وفق المحلل السياسي، كونستانتين كالاتشيف، المقيم في موسكو، متحدثا لفرانس برس.

وبوتين بحقه مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، في عام 2023، على خلفية ترحيل غير قانوني لأطفال من أوكرانيا، وهو لم يشارك في القمة السابقة التي استضافتها جنوب أفريقيا، العضو في المحكمة.

ووفق كالاتشيف، يسعى الكرملين إلى إظهار أن "العالم متعدد الأقطاب حقيقة واقعة"، في إشارة إلى جهود تبذلها موسكو لنقل مركز الثقل الدولي من الغرب إلى مناطق أخرى.

ويتهم بوتين الغرب مرارا بـ"استفزاز" روسيا، رافضا توصيف غزو قواته للبلد الأوروبي بأنه استيلاء على أراض على الطريقة الإمبراطورية، وذلك رغم أن موسكو استولت على 4 مناطق أوكرانية وأعلنت من طرف واحد ضمها إلى أراضيها.

ويقول الكرملين إنه يريد أن يكون القانون الدولي هو المعيار الذي يحكم القضايا الدولية "وليس القواعد التي تضعها دول منفردة وتحديدا الولايات المتحدة".

ويشير موقع مجلس العلاقات الخارجية إن مجموعة البريكس تأسست عام 2009 على افتراض أن المؤسسات الدولية أصبحت خاضعة لهيمنة القوى الغربية، وتوقفت عن خدمة البلدان النامية.

وللخروج من هذه الهيمنة، سعت المجموعة إلى تنسيق السياسات الاقتصادية والدبلوماسية لأعضائها، وتأسيس مؤسسات مالية جديدة، والحد من الاعتماد على الدولار الأميركي.

هيمنة الدولار.. إلى أين؟

وتشعر دول باستياء من هيمنة الدولار على المعاملات المالية الدولية، وهو ما يعرضها للعقوبات الغربية، لذلك تدعو منذ فترة طويلة بالتخلي عن الدولار لصالح التجارة بالعملات المحلية أو حتى إنشاء وتبني "عملة مشتركة".

ومن الملفات الرئيسية المطروحة على جدول أعمال القمة مقترح بوتين إنشاء نظام دفع خاص لبريكس يفترض أن يكون منافسا لنظام "سويفت"، الشبكة المالية العالمية التي استُبعدت منها روسيا عام 2022.

وهذا النظام يفترض أن يسمح "بالعمليات الاقتصادية دون الاعتماد على أولئك الذين قرروا تسليح الدولار واليورو"، وفق الكرملين.

والمفترض أن يتم بناء هذا النظام المالي في غضون عام، بغرض السماح لتلك الدول بإجراء معاملات مالية عبر الحدود باستخدام منصات رقمية تديرها بنوكها المركزية، وفق ما أوردته مجلة الإيكونوميست.

وتحاول بعض الدول، ومن بينها الصين، منذ فترة طويلة، التخلص من هيمنة الدولار على المعاملات التجارية الدولية، من خلال زيادة مستويات التجارة الدولية بينها واستخدام عملاتها الوطنية.

وهناك أيضًا رغبة في إنشاء عملة جديدة على مستوى البريكس، والتي يعد الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، من كبار المؤيدين لها.

وتسعى المجموعة أيضا إلى إنشاء نظام تمويل بديل للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تأمل أن يزيد من التعاون بين بلدان الجنوب، وأن يحد من الاعتماد على مصادر التمويل التقليدية.

لكن مراقبين يقولون إن هذه الطموحات بعيدة المنال لأسباب عدة.

فعملة البريكس تتطلب تنازلات سياسية كبرى، واتحاد مصرفي، وفق موقع مجلس العلاقات الخارجية.

كما لا يزال الدولار، العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم منذ فترة طويلة، ويستخدم في أكثر من 80 في المئة من التجارة العالمية. ورغم أن البنوك المركزية نوعت من أصولها الاحتياطية، فإن نحو 58 في المئة من احتياطيات النقد الأجنبي مقومة بالدولار.

ويشك العديد من الخبراء في أن عملة البريكس ستكون مستقرة أو موثوقة بما يكفي لاستخدامها على نطاق واسع في المعاملات الدولية.

كما قالت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، الثلاثاء، إنها "واثقة في قوة الدولار ووضعه، ولا أرى عملة أخرى مرشحة في المستقبل القريب لتحل محل الدولار في التعاملات المالية الدولية".

وتشير إيكونوميست إلى أن "هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي ركيزة أساسية للنظام المالي بعد الحرب العالمية الثانية. وتعكس ثقلها الاقتصادي والعسكري وأيضا حقيقة مفادها أن الأصول المقومة بالدولار مثل سندات الخزانة الأميركية ستكون آمنة من مصادرة الحكومات لها والتضخم، ويسهل شراؤها وبيعها".

النفط.. والوحدة

كما ستسعى القمة أيضا إلى تأكيد "الاستقلالية في الطاقة". 

وكانت مجموعة الدول السبع وضعت في أعقاب غزو أوكرانيا سقفا لأسعار النفط الروسي للحد من العائدات وبالتالي خفض تمويل جهودها الحربية في أوكرانيا. وفرض الاتحاد الأوروبي أيضا آلية لتقييد توريد وتصدير سلع وتقنيات خاضعة للعقوبات إلى روسيا.

وذكرت مصادر عدة من بينها صحيفة نيويورك تايمز أن العقوبات لم تحقق غرضها إلى حد كبير.

ونشرت نيويورك تايمز في 14 أكتوبر الجاري تقريرا قال إن الإجراءات لحرمان روسيا من عائدات النفط تعثرت إلى حد كبير، إذ تمكنت غالبية شحنات النفط المنقولة بحرا من روسيا من تجنب القيود التي كان من المفترض أن تحد من سعر الخام الروسي.

وسمح نجاح روسيا في التحايل على العقوبات التي فرضتها مجموعة الدول السبع لها بمواصلة تمويل الحرب، وفق الصحيفة.

ويبدو أن العقوبات المفروضة على النفط وغيره من الضروريات تدفع دول مجموعة البريكس إلى التقارب فيما بينها، حسبما صرح من قبل راسل هاردي، الرئيس التنفيذي لشركة فيتول لتجارة الطاقة.

وقال المحلل وفق ما أوردته رويترز: "الجانب الآخر للعقوبات أنها تخلق روابط أقوى بين دول البريكس، التي بدورها تشكل قوة معاكسة للسياسة الغربية".

ويقول معهد الولايات المتحدة للسلام إن البلدان المتأثرة بالعقوبات الأميركية وضوابط التصدير، مثل روسيا والصين وإيران وفنزويلا، تريد إضعاف قوة الدولار من أجل التهرب من العقوبات وكبح النفوذ الأميركي.

لكن رغم هذه المساعي نحو الاستقلالية، يواجه التحالف الناشئ توترات متزايدة وتنافسا بين الأعضاء.

وعلى سبيل المثال، شهدت الصين والهند توترات سياسية بسبب نزاعهما الحدودي المستمر منذ عقود من الزمان، فضلا عن المنافسة المتزايدة بينهما على الزعامة الاقتصادية والجيوسياسية للجنوب العالمي.

وتقول إيكونوميست إن المجموعة متنوعة اقتصاديا إلى الحد الذي يمنعها من تبني اتحاد نقدي أو منطقة تجارة حرة، وتتبنى أيضا أنظمة سياسية مختلفة وأهدافا استراتيجية متناقضة، لذلك، سيصعب أن يكون لها موقف موحد.

وواجهت المجموعة بالفعل صعوبات في اتخاذ القرارات، وهو ما ظهر خلال اجتماعات الجمعية العامة في سبتمبر بشأن طريقة عمل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق.

دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي تقوم بدورية في مدينة البعث السورية
دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي تقوم بدورية في مدينة البعث السورية

بهدوء شديد ووسط صمت سوري تام، وعلى وقع تغيرات تعيشها المنطقة كتبعات لهجوم السابع من أكتوبر 2023، يعزز الجيش الإسرائيلي من وجوده في سوريا ببناء منطقة أمنية تشمل تسعة مواقع عسكرية.

الأنباء التي نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية تشير إلى أن ثلاثة ألوية تعمل هناك مقارنة بكتيبة ونصف الكتيبة قبل هجمات السابع من أكتوبر.

النقاط العسكرية الإسرائيلية تقع في كل من القنيطرة وجبل الشيخ والحميدية.

وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، صرح الشهر الماضي خلال زيارته لموقع تمركز القوات الإسرائيلية في جبل الشيخ، بأن اسرائيل ستبقى في المنطقة الأمنية لفترة غير محدودة.

وقال: "لن نسمح  للقوة المعادية بترسيخ وجودها في جنوب سوريا".

ويرى عضو هيئة التفاوض السورية سابقا، يحيى العريضي، في مقابلة مع برنامج "الحرة الليلة" أن هذا التصريح يعكس حالة القلق والاضطراب داخل إسرائيل ومحاولتها تشتيت الانتباه عما يجري في غزة.

مناطق السيطرة في سوريا

كما أن هذا التصريح يشير، بحسب العريضي، إلى سعي إسرائيل للقضاء على أي قدرة عسكرية سورية، خصوصا بعد استهدافها مواقع عسكرية قبل 8 ديسمبر 2024، وهو تاريخ سقوط نظام بشار الأسد، ودخول قوات المعارضة بزعامة هيئة تحرير الشام إلى دمشق.

وجاء التوغل الإسرائيلي في وقت تعيش فيه الدولة السورية في ظل نظام سياسي هش لا يزال يتلمس خطواته ويلملم شتات نفسه، ويسعى للانفتاح على المجتمع الدولي لحشد الدعم اللازم لإعادة إعمار البلد الذي دمره صراع استمر لسنوات.

يضاف إلى كل ذلك وضع الجيش السوري المفكك والمنهك، والذي تركت الغارات الإسرائيلية المتواصلة مخازنه خالية من الأسلحة، ما يطرح تساؤلات حول شكل خريطة سوريا في ظل هذه المتغيرات.

ويرى العريضي أن "إسرائيل كانت مرتاحة لاتفاقية فصل القوات منذ عام 1974، لكن التغيرات الأخيرة في سوريا بعد 14 عاما من مقاومة الاستبداد تثير قلقها، حيث بدا أن النظام السابق كان أكثر راحة لها".

التحركات الإسرائيلية يقابلها هدوء تام من الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، الذي اكتفى بالتأكيد على التزام إدارته باتفاق عام 1974 مع إسرائيل، داعيا لإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل التوغل الإسرائيلي في المنطقة العازلة.

واعتبر الشرع أن التقدم الإسرائيلي للمنطقة العازلة كان بذريعة وجود الميليشيات الإيرانية وأفراد من حزب الله، وأن هذه الميليشيات غير موجودة في الوقت الحالي.

لكن رئيس قسم الأبحاث في منتدى الدفاع والأمن الإسرائيلي، أور يساكر، اعتبر في مقابلة مع برنامج "الحرة الليلة"، أن المعاهدة التي وقعتها بلاده مع حكومة الأسد عام 1974 "أصبحت ملغية بعد سقوط النظام".

وأشار يساكر إلى أن "إسرائيل تسيطر على المنطقة العازلة في هضبة الجولان نتيجة للميزة الجغرافية".

وقال إن "المزيد من الفرق العسكرية ستوضع هناك لأن اسرائيل تعتقد أن النظام الجديد في سوريا غير مستقر وتسيطر عليه مجموعة متمردة".

وأضاف: "لهذا السبب، إسرائيل دمرت الجيش السوري خلال 48 ساعة، استخدمت أو دمرت الذخائر والأسلحة الاستراتيجية حتى لا تقع في الأيدي الخطأ".