حاملة الطائرات لينكولن واثنان من مدمراتها تتواجد حاليا في خليج عُمان
حاملة الطائرات لينكولن واثنان من مدمراتها تتواجد حاليا في خليج عُمان (afp)

بعد نحو أسبوعين من إعلان الولايات المتحدة نشر منظومة "ثاد" المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية القصيرة ومتوسطة المدى في إسرائيل، عادت وأكدت أنها ستعزز وجودها العسكري في الشرق الأوسط عبر إرسال قاذفات ومقاتلات وسفن حربية.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الجمعة، أن وزير الدفاع لويد أوستن قرر إرسال قاذفات قنابل ومقاتلات والمزيد من السفن الحربية، مع استعداد حاملة طائرات إبراهام لينكولن وسفنها للمغادرة.

وقال المتحدث باسم البنتاغون الميجور جنرال بات رايدر في بيان إن أوستن أمر بنشر عدة طائرات قاذفة من طراز "بي-52 ستراتوفورتريس" وسرب من المقاتلات وطائرات التزود بالوقود ومدمرات بحرية في الشرق الأوسط.

وأضاف أنها ستبدأ في الوصول إلى المنطقة في الأشهر المقبلة، حيث تبدأ حاملة الطائرات "يو أس أس أبراهام لينكولن" في العودة إلى الوطن.

رايدر أشار إلى أن أمر أوستن الأخير يظهر "قدرة الولايات المتحدة على الانتشار في جميع أنحاء العالم في غضون مهلة قصيرة لمواجهة تهديدات الأمن القومي المتطورة".

وأضاف أن أوستن "يواصل توضيح أنه إذا استغلت إيران أو شركاؤها أو وكلاؤها هذه اللحظة لاستهداف مواطنين أميركيين أو مصالح أميركية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستتخذ كل الإجراءات اللازمة للدفاع عن شعبنا".

تأتي هذه التحركات العسكرية في الوقت الذي تتصاعد حدة الصراع في الشرق الأوسط بين إسرائيل من جهة وحركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان من جهة ثانية.

كذلك شهدت المنطقة مؤخرا ضربات متبادلة بين إسرائيل وإيران التي هددت، السبت، بالرد على الضربات الإسرائيلية الأسبوع الماضي التي يعتقد أنها الحقت أضررا جسيمة بمصانع صواريخ باليستية إيرانية.

ونقلت وسائل إعلام رسمية في طهران عن الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي قوله، السبت، إن الولايات المتحدة وإسرائيل "ستتلقيان بلا شك ردا ساحقا" على ما تفعلانه ضد إيران.

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين، مطلعين على التخطيط العسكري لطهران، القول إن المرشد الأعلى علي خامنئي أمر المجلس الأعلى للأمن القومي يوم الاثنين بالاستعداد لمهاجمة إسرائيل.

واتخذ خامنئي هذا القرار بعد اطلاعه على تقرير مفصل من كبار القادة العسكريين حول حجم الأضرار التي لحقت بقدرات إنتاج الصواريخ الإيرانية وأنظمة الدفاع الجوي حول طهران والبنية التحتية الحيوية للطاقة وميناء رئيسي في جنوبي البلاد، وفق للمسؤولين.

وقال خامنئي إن نطاق الهجوم الإسرائيلي وعدد الضحايا، حيث قُتل ما لا يقل عن أربعة جنود، كبير للغاية بحيث لا يمكن تجاهله، مشددا أن عدم الرد سيعني الاعتراف بالهزيمة، وفقا لهؤلاء المسؤولين.

وتضغط الولايات المتحدة من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار، بينما تؤكد أنها ستدافع عن إسرائيل وستستمر في حماية الوجود الأميركي ووجود الحلفاء في المنطقة، بما في ذلك من هجمات الحوثيين المتمركزين في اليمن ضد السفن في البحر الأحمر.

وجرى نشر قاذفات B-52 طويلة المدى القادرة على حمل أسلحة نووية بشكل متكرر في الشرق الأوسط كتحذيرات موجهة إلى إيران.

وهذه هي المرة الثانية هذا الشهر التي ستستخدم فيها القاذفات الاستراتيجية الأميركية لتعزيز الدفاعات الأميركية في المنطقة.

في الشهر الماضي، استخدام الولايات المتحدة قاذفات "B-2" الشبحية لضرب أهداف حوثية تحت الأرض في اليمن.

لماذا؟

ولم يقدم رايدر العدد المحدد للطائرات والسفن التي ستتحرك إلى المنطقة، لكن من المرجح أن تؤدي هذه التحركات إلى تقليل إجمالي عدد الجنود الأميركيين في الشرق الأوسط، وذلك لأن حاملة الطائرات التي ستغادر تضم ما يصل لنحو 5 آلاف بحار.

لكن إضافة الطائرات القاذفة ستعزز القوة القتالية الأميركية في المنطقة، حيث وصل عديد القوات هناك مؤخرا إلى نحو 43 ألف عنصر، وفقا لـأسوشيتد برس.

وبحسب مسؤولين أميركيين فمن المقرر أن تغادر حاملة الطائرات أبراهام لينكولن وثلاث مدمرات بحرية تابعة لها الشرق الأوسط بحلول منتصف الشهر، لتعود لمقرها في سان دييغو بكاليفورنيا.

وهذا يعني أن الشرق الأوسط سيكون خاليا من تواجد أية حاملة طائرات أميركية لفترة من الزمن، حسبما أفاد المسؤولون. 

ويؤكد القادة العسكريون أن وجود مجموعة ضاربة من حاملة الطائرات، مع مجموعة من الطائرات المقاتلة وطائرات الاستطلاع والسفن الحربية المدججة بالسلاح، يُعد رادعا كبيرا، وخاصة ضد إيران.

ولتعويض هذه الفجوة، أمر أوستن بنشر مدمرات بحرية أخرى في المنطقة، ستكون قادرة على إطلاق صواريخ باليستية ومن المرجح أن تتحرك إما من منطقة المحيطين الهندي والهادئ أو من أوروبا، وفقا لمسؤول أميركي.

كذلك من المتوقع أن تنتقل حاملة الطائرات هاري ترومان وثلاث سفن حربية تابعة لها إلى البحر الأبيض المتوسط، لكنها لن تصل قبل مغادرة حاملة الطائرات لينكولن.

وتتواجد حاملة الطائرات لينكولن واثنان من مدمراتها الآن في خليج عُمان، بينما تتواجد المدمرات الثلاثة الأخرى مع سفينتين حربيتين في البحر الأحمر
 

حزب الله تعرض لانتكاسات- أسوشيتد برس
حزب الله تعرض لانتكاسات- أسوشيتد برس

في عام 2012 اختار حزب الله اللبناني مدينة القصير السورية بوابة لتدخله العسكري من أجل تقديم الدعم على الأرض لقوات نظام الأسد، وبعد 12 عاما من هذا التاريخ لعبت هذه المدينة دورا مماثلا لكن بصورة مختلفة وبالاتجاه المعاكس.

تقع القصير بريف محافظة حمص السورية وسط البلاد، وتحاذي الحدود مع لبنان، وبعد معارك استمرت لأكثر من 3 أيام دخلتها فصائل من المعارضة المسلحة، قبل يومين، ضمن عمليات عسكرية أوسع وصلت من خلالها إلى أبواب العاصمة دمشق، وأدت في النهاية إلى سقوط نظام الأسد.

ولم يصدر أي تعليق حتى الآن من جانب حزب الله على سقوط الأسد، وكذلك الأمر بالنسبة للتغير الكبير الذي طرأ على خريطة النفوذ في البلاد، والذي تمثل بسيطرة فصائل المعارضة على كامل الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة الأسد، بينها القصير ومناطق حدودية أخرى مع لبنان.

ويقول باحثون سوريون تحدثوا لموقع "الحرة" إن دخول فصائل المعارضة إلى القصير الحدودية مع لبنان بمثابة ضربة كبيرة لـ"حزب الله"، لكنها لا تضاهي حجم الضربة الأكبر، بسقوط نظام الأسد كاملا.

وفي المقابل، يوضحون أن دخول الفصائل المسلحة المدينة المذكورة لا يعني السيطرة الكاملة عليها في الوقت الحالي، خاصة أن حزب الله كان حولها لسنوات طويلة إلى حديقة خلفية وشريان حيوي للحصول على الإمدادات من السلاح.

"السيطرة تتطلب وقتا"

وتضم القصير مركز مدينة وتقع في محيطها أكثر من 80 قرية وبلدة، ورغم أن نفوذ حزب الله قبل سقوط نظام الأسد كان يشمل أيضا مناطق أخرى تقع على الحدود السورية-اللبنانية، إلا أن المدينة تحظى برمزية عسكرية ومعنوية في آن معا.

وكانت سيطرة الجماعة اللبنانية المدعومة من إيران على القصير بعد 2012 قد فتحت لها الكثير من الأبواب داخل سوريا، وصولا إلى المناطق الحدودية مع العراق. وليس ذلك فحسب طالما كان أمين حزب الله الراحل، حسن نصر الله يتغنى بـ"الانتصارات" التي حققوها هناك.

ويرى الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان، أن "إتمام سيطرة الفصائل المسلحة على القصير سيأخذ وقتا أطول ولن يكون بشكل سريع".

علاوة على ذلك، ما تزال الكثير من المستودعات التابعة للجماعة اللبنانية هناك، وقد يكون من الصعب اكتشافها في وقت قصير، لاسيما أنها تحولت قبل شهرين لهدف متكرر للجيش الإسرائيلي.

ويضيف الباحث لموقع "الحرة": "بحسب ما وصلني فإن تمركز فصائل المعارضة في القصير مازال حذرا"، دون أن يشمل ذلك الطرقات الواصلة إليها، والتي تنطلق في غالبيتها من مركز مدينة حمص.

وكان حزب الله دفع الكثير في معركة القصير ضد فصائل "الجيش السوري الحر"، بعد 2012، واتبع ذات الإجراء بالتدريج ليوسع نفوذه إلى عموم المناطق السورية، في وقت كانت تتقاطر قوافل الميليشيات القادمة من إيران.

لكن بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية في جنوب لبنان تغيّر كل شيء ليس فقط على مستوى وجود حزب الله في سوريا، بل على مستوى الأراضي اللبنانية التي كانت ينتشر فيها، وأبرزها الضاحية الجنوبية.

ولم تكن العمليات العسكرية التي جرت بشراسة لأكثر من شهرين متركزة فقط على ضرب حزب الله في معاقله، بل تحولت بالتوازي إلى سوريا، لتبدأ إسرائيل بضرب ما تقول إنه "طرق إمداد حزب الله".

"تركها في خراب"

وتمر غالبية طرق الإمداد التي كان يعتمد عليها حزب الله من مدينة حمص وتصل إلى القصير لتخترق بعدها الحدود السورية-اللبنانية.

ويوضح الشاب السوري، محمد الزهوري، الذي عاد إلى القصير قبل يومين في أعقاب سقوط نظام الأسد وتمدد سيطرة الفصائل المسلحة على عموم المناطق السورية أن مدينته "أشبه بخراب".

ويقول لموقع "الحرة": "تغيّر فيها كل شيء. نرى الدمار القديم الذي خلفته عمليات حزب الله العسكرية وخرابا جديدا أحدثته الضربات الإسرائيلية على مستودعات ونقاط تمركز" الجماعة اللبنانية.

ونشرت الفصائل المسلحة، خلال اليومين الماضيين، حواجز أمنية على الطرقات الواصلة إلى القصير، لكنها ما تزال هذه الجماعات بعيدة عن إتمام السيطرة كاملة على المدينة وأريافها، وفق الزهوري.

ويشير إلى محاولات لتمشيط المدينة بشكل كامل مع القرى والبلدات الواقعة في محيطها، على يد أبنائها العائدين ومسلحين آخرين من "إدارة العمليات العسكرية" التي تضم خليطا من الفصائل المسلحة.

ويقول الباحث شعبان إن فصائل المعارضة المسلحة "لم تتمركز حتى الآن بشكل مباشر على طول الحدود السورية مع لبنان"، مضيفا: "من منطقة العريضة حتى القصير هناك تأمين طرق فرعية وأوتوسترادات فقط".

ويتابع الباحث السوري قائلا: "حزب الله دخل سوريا من القصير في 25 مارس 2012 وخرج من ذات المنطقة في الثامن من ديسمبر 2020.. المدينة كانت بوابة دخول وخروج في آن معا".

"بيئة غير ودودة"

وتكنّ الفصائل المسلحة التي سيطرت على دمشق وعموم مناطق سيطرة نظام الأسد سابقا الكثير من العداء لحزب الله والميليشيات الإيرانية في سوريا، وحتى أنها وضعت على رأس أهداف عمليتها العسكرية محاربة هذه الجماعات.

ويشير الباحث السوري، ضياء قدور إلى تسجيلات مصورة انتشرت، خلال الأيام الماضية، ووثقت انتشار الفصائل المسلحة في القصير، والساحل، وحمص، والقلمون.

وفي حين يوضح الباحث لموقع "الحرة" أن "هذا الانتشار ليس كاملا على المعابر الحدودية" يعتقد أن "حالة الانهزام والفشل التي عاشتها قوات الأسد وما تبعها من انسحابات إيرانية تصب في فكرة أن حزب الله بات ينظر للجغرافيا السورية كبيئة غير ودودة".

ولم يعد هناك أي وجود لحزب الله على المعابر الشرعية وغير الشرعية من الطرف السوري مع لبنان، لكن قد تختلف الصورة على الطرف المقابل في لبنان، بحسب الباحث.

وبينما يرى أن التحديات العسكرية باتت كبيرة على الفصائل، خاصة أنها سيطرت على مناطق لم يكن من المتصور أن تستحوذ عليها بوقت قصير يعتقد أن الأمر قابل للتعويض مع تشكيل الحكومة الجديد، وتأسيس جيش موحد، وإعادة فتح باب التطويع.