ترامب
تساؤلات عديدة عن مستقبل السياسة الخارجية الأميركية في ظل إدارة ترامب. أرشيفية

اكتساح للجمهوريين، حيث فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بأغلبية ساحقة ليصبح الرئيس المنتخب، وفاز كذلك بالتصويت الشعبي وهو ما لم تتوقعه مراكز الاستطلاع، كما سيطر الجمهوريون على عدد كبير من المقاعد في مجلس الشيوخ، فيما احتفظوا بالأغلبية في مجلس النواب.

جرت هذه الانتخابات في ظل حالة من عدم الاستقرار العالمي، ربما لم يحدث منذ العام 1980 أن كانت الولايات المتحدة منخرطة بشكل كبير في الصراعات حول العالم خلال الانتخابات الرئاسية. فهناك أوكرانيا وغزة ولبنان، والتوترات في شرق آسيا، والفظائع في السودان والإرهاب في الساحل الإفريقي. وهي فترة تشهد حالة من عدم الاستقرار العالمي.

برنامج "داخل واشنطن" الذي يقدمه، روبرت ساتلوف، ناقش في حلقته الانتخابات الأميركية وحالة عدم الاستقرار في عدة مناطق حول العالم.

"عدم اليقين" و"الغموض"

ماركو روبيو الذي اختاره الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وزيرا للخارجية

الدبلوماسي الأميركي الأسبق، دينيس روس، يرى أن نتائج الانتخابات الأميركية "تبعث برسالة إلى بقية العالم، وخاصة في أوروبا، مفادها عدم التيقن وقلق حقيقي حيال ما يعنيه انتخاب ترامب رئيسا بالنسبة لحلف الناتو، والعلاقة مع أوروبا، وتأكيده على تطبيق التعرفة الجمركية الشاملة".

وقال لقناة "الحرة" إنه "يعتقد أن هناك حالة من الغموض الحقيقي هنا، إذ أن هناك مخاوف حيال ما يعنيه ذلك بالنسبة لأوكرانيا".

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط فإن "انتخابه يبعث برسائل متضاربة. ليس هناك توقعات بأن يكون له دور أكبر في المنطقة، لكن هناك تصور بعدم توقع تصرفاته يجعل الناس أو البعض على الأقل، يعتقدون أنه قد يجعل الإيرانيين وغيرهم يتصرفون بحذر أكبر، وقد يكونون أكثر حذرا خاصة بعد تعرضهم لنفس الانتكاسات التي طالت كلا من حزب الله وحماس، وكذلك إيران نفسها. 

لذلك يوجد شعور في الشرق الأوسط بشكل عام أن هذا "قد لا يكون أمرا سيئا بالنسبة لمصالحهم وما سيحمله المستقبل للمنطقة"، بحسب روس المبعوث الأميركي السابق لمحادثات السلام في الشرق الأوسط.

وزاد أن المخاوف من إدارة ترامب تمتد إلى آسيا "إن هناك تساؤلات ومخاوف حقيقية حول ترامب ونهجه في التعامل مع الحلفاء، فهو عادة يفترض أن على الحلفاء دفع الأموال لنا لا أن ندفع نحن لهم".

وكرر روس أنه يعتقد أنه "سيكون هناك الكثير من الغموض، كما أن هناك تساؤلات حول أفضل طريقة للتعامل معه"، متسائلا "هل سيكون أداؤه مختلفا عما كان في فترته الرئاسية الأولى؟".

"استقرار الديمقراطية"

هيمنة الجمهوريين تعني أنهم في وضع يسمح لهم بفرض الخطط ومساعدة ترامب على الوفاء بوعوده

الخبير في شؤون الأمن القومي، خوان زاراتي، لفت إلى أن مسار الانتخابات الرئاسية أرسى نوعا من الإحساس بـ "استقرار الديمقراطية".

وقال لقناة "الحرة" أن "حقيقة سير الانتخابات بطريقة سلمية نسبيا من دون أي مشاكل كبيرة، أو اتهامات بالتزوير أو أي من الأمور المرتبطة بفوضى الانتخابات والتي خشي الكثيرون وقوعها، فهي إشارة جيدة على نجاح العملية الانتخابية"، مضيفا أن النتائج كانت بـ "موجة حمراء إن صح التعبير لصالح الجمهوريين، لكن المخاوف بأن الديمقراطية الأميركية هشة كما تشير الفوضى الانتخابية لم تتحقق، وهذا أمر جيد".

وأكد زاراتي وهو مستشار أسبق في الأمن القومي لمكافحة الإرهاب "أننا لم نشهد قيام أي أطراف خارجية بالتلاعب في النتائج أو أي من هذه الأمور التي كانت جزءا من السيناريوهات المخيفة قبل الانتخابات"، وتابع هذا "أمر جيد، وهو الإحساس باستقرار الديمقراطية حتى إن كان هناك غموض يحيط بتوجهات السياسة الخارجية".

"التوازن" والسياسة الخارجية الأميركية

مخاوف من تراجع دعم واشنطن لأوكرانيا في عهد ترامب

ويرجح الخبير الأمني، زاراتي أن إدارة الرئيس المنتخب، ترامب ستعمل على إحداث "التوازن في السياسة الخارجية"، وقال إن "العالم يحبس أنفاسه مترقبا، لكن ترامب ليس شخصا جديدا، فقد رأى العالم الطابع الشخصي في تعاملات ترامب في السياسة الخارجية".

ويرى أن "السؤال الأهم بكل تأكيد سيتعلق بأوكرانيا، هل سيبدأ ترامب ونائبه في هذه القضايا، هل سيبدآن بسحب الدعم من أوكرانيا؟ هل سيعملان على إضعاف حلف الناتو؟ هل سيدفعان بـ (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي لقبول تسوية ما، ليست في صالح أوكرانيا أو أمن أوروبا؟".

ويلفت إلى أن الأشخاص الذين يحيط ترامب نفسه بهم "سيساعدون في تحديد اتجاه سير هذه الأمور، فإذا قام بتعيين وزير دفاع ووزير خارجية ومستشار أمن قومي يضعون في اعتبارهم أهمية تلك التحالفات وأهمية إعادة بناء الردع ضد إيران والصين وضد روسيا بالطبع، والذين يضعون في اعتبارهم القدرة على مواجهة التحالف الناشئ بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، حينها سيؤدي ذلك لصياغة شكل جديد من السياسة الخارجية، لأن هؤلاء الوزراء وكبار العاملين في السياسة الخارجية سيعملون على صياغة ردود فعل ترامب اليومية".

ويعتقد زاراتي أن ترامب في نهاية الأمر سيكون "متقلبا في سياسته الخارجية مما سيزيد من حالة الغموض وعدم اليقين، وهذا ليس جيدا، لكنه في مرحلة ما سيزيد من قيمة الردع الأميركي حول العالم".

بوتين وإدارة ترامب

بوتين قال إنه مستعد للتحدث مع ترامب (AFP)

ورغم حالة عدم اليقين من حلفاء واشنطن تجاه إدارة ترامب، إلا أن الأمر قد يكون مختلفا من قبل "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سيستيقظ ولديه شعور أفضل بكثير مما كان عليه بالأمس. والسبب هو أن لديه مجموعة توقعات حيال الرئيس، الرئيس السابق ترامب والرئيس المنتخب ترامب" بحسب الدبلوماسي الأسبق، روس.

وأضاف أنه "من اللافت رؤية ما إذا أثبتت التوقعات صحتها"، والمبنية على العلاقة التي كانت تجمع الرئيس الروسي بترامب في رئاسته الأولى إذ يرجح أن الرئيس المنتخب سيكون أكثر تجاوبا مع مصالح بوتين ومخاوفه، كما يعتقد أنه "سيجد طريقة للخروج من أوكرانيا وتقليل مستوى الدعم الأميركي مما سيقود إلى الضغط على زيلينسكي وتهيئة الظروف ليصبح أكثر انفتاحا على المفاوضات، لكنها ستكون مفاوضات تبقي على جزء من أوكرانيا أكبر من القرم، ربما في إقليم دونباس، كجزء من روسيا، كما ستضع روسيا في موقف يتيح لها تهديد الأوكرانيين بشكل مستمر، ومواصلة الضغط عليهم لئلا تصبح أوكرانيا عضواً في حلف الناتو أو في الاتحاد الأوروبي".

الصين وتايوان

الرئيس الصيني، شي جين بينغ، حث الولايات المتحدة على إيجاد الطريقة الصحيحة للتوافق مع الصين.

وعلى صعيد العلاقات الأميركية الصينية، يرى خبير الأمن القومي زاراتي "أن الصينيين حذرين.. ويشعرون بقدر أقل من الراحة مما كانوا عليه خلال إدارة بايدن".

وعزا ذلك إلى "أن ترامب لم يتوان عن استخدام السلطة التنفيذية للبيت الأبيض لمواجهة الصينيين"، مشيرا إلى توافق في الرؤية "ليس فقط من الجمهوريين، بل ومن الديمقراطيين أيضا، بما يتوافق مع رؤية ترامب في مواجهة الصين، وربما تجاوزتها إلى حد ما، فهناك مخاوف متزايدة حيال كافة أشكال النفوذ الصيني والتهديد الموجه للولايات المتحدة والذي واجهته دول أخرى تدرك أن الخطر الصيني أكبر من أي وقت مضى، كأستراليا واليابان والهند".

ولفت إلى أن سياسة أوروبا تجاه الصين أيضا، حيث هناك "وجهة نظر في العالم ترى أن نهج ترامب الذي تبنى فرض الرسوم الجمركية القاسية، وفرض العقوبات والمواجهة المباشرة مع الصين، هو الأمر الطبيعي، لذا سيكون من اللافت رؤية ما سيفعله ترامب، لكنه وعد بفرض الرسوم الجمركية، ووعد بمواجهة الصين بشكل مباشر وغير مباشر".

وأشار زاراتي إلى هذه الإجراءات قد يكون لها "أثر على حلفاء آخرين مثل المكسيك حيث هدد ترامب بفرض رسوم جمركية على الصناعات المكسيكية المرتبطة بالصين. لذا سيكون هناك آثار وتداعيات للمواجهة مع الصين، وسيكون هناك توتر بالتأكيد، وفي نهاية الأمر، سنرى إلى أي حد ستكون إدارة ترامب مستعدة للدفاع عن تايوان في وجه العدوان الصيني. وهذه باعتقادي هي المسألة الجوهرية التي تتعلق بمدى عدائية إدارة ترامب في شرق آسيا، وهي قضية الدفاع عن تايوان".

وذكر أن هناك أوساط داخل الحزب الجمهوري حزينة على "فقدان واشنطن قوة الردع تجاه الدول المنافسة، والأطراف الفاعلة غير الدول، قائلة إن هناك شعوراً بأن أعداءنا لم يعودوا يخشوننا، وأن علينا فعل المزيد لردعهم، وهذا يضع عبئا على الأصول العسكرية وغيرها من أدوات الدولة، لإثبات أن الولايات المتحدة لن تكون غائبة".

السياسة الخارجية خلال الفترة الانتقالية

بايدن في البيت الأبيض عقب الانتخابات الرئاسية - أسوشيتد برس

من الملامح المميزة للنظام الدستوري الأميركي، هو أن الإدارة تستغرق وقتا طويلا في التغيير، حيث سيمضي شهران ونصف حتى الأسبوع الثالث من يناير، قبل أن يؤدي دونالد ترامب اليمين الدستورية كرئيس مرة أخرى.

حتى ذلك الحين، لا يزال جو بايدن هو الرئيس، ولهذا "فيما يتعلق بأوكرانيا فهو سيحاول بالتأكيد تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية، فهو يعلم أن ترامب سيتولى الرئاسة لكنه لا يعلم إن كان سيواصل تقديم الدعم، لذا سيحاول الحصول على كافة المساعدات الممكنة من وزارة الدفاع" وفقا لروس.

ويعتقد أن بايدن "يريد بشدة أن يشهد نهاية للحرب في غزة. فالإدارة قريبة من التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار في لبنان. وهو يريد أن يرى نهاية الحرب في غزة".

وينوه روس إلى "مفارقة لافتة هنا، أن رئيس الوزراء نتانياهو أدرك عندما قال الرئيس المنتخب ترامب (أريد أن تنتهي الحرب، ويفضل أن تنتهي قبل أن أتسلم السلطة). أعتقد أنه أدرك أن من مصلحته أن يحاول التوصل إلى تفاهم مع بايدن والحصول على بعض الالتزامات من بايدن، والتي قد تكون في صالحه، مع الأخذ بالاعتبار مذكرة التفاهم، فترة مذكرة التفاهم سوف تنتهي، وهي المذكرة التي تنص على منح مساعدات عسكرية لعشر سنوات، بقيمة 3.8 مليار دولار سنوياً لإسرائيل. ستنتهي مدة هذه الاتفاقية في العام 2026 ما يعني أنه يجب التفاوض عليها العام القادم".

وأضاف أنه يتوقع أن "يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس بايدن التوصل إلى بعض المعايير أو المبادئ المتعلقة بهذه الاتفاقية ليرثها الرئيس ترامب، والذي قد يتعامل معها من منظور آخر بالقول، لا يمكنني أن أفعل أقل مما فعله الرئيس بايدن. لذا أظن أنه سيكون هناك اهتمام، أولاً في محاولة إنهاء الحرب، وثانياً في محاولة التوصل إلى تفاهمات حول طبيعة المساعدات الأمنية لإسرائيل خلال السنوات المقبلة".

وأشار روس إلى أن "ترامب ليس بالشخص الذي يحبذ تقديم كميات كبيرة من المساعدات الأمنية للآخرين، لكن هذا لا يعني أنه لن يفعل، لكنه بطبيعته سيقدم أقل وليس أكثر".

أولويات بايدن

من جانبه يرجح زاراتي أننا "سنشهد تسارعا في الإجراءات والخطوات والمساعدات لكافة القضايا التي تهم الإدارة الحالية وتخشى ألا تكون من أولويات الرئيس ترامب، وهذا يشمل أوكرانيا ومحاولة إنهاء الحروب أو تسهيل التوصل لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط في محاولة لخفض التصعيد كلما أمكن".

وزاد أن "إدارة بايدن ستقوم بكل ما في وسعها لتقليل التوترات ومنع أي تصعيد آخر"، خاصة بين إسرائيل وإيران.

وعلى الصعيد الداخلي للولايات المتحدة وحتى خلال الدورة الانتخابية، بدأت إدارة بايدن في "تسريع إقرار الكثير من السياسات والقوانين وغيرها والتي تريد إنجازها قبل عملية الانتقال، وهذا ليس الوضع المعتاد في الفترات الانتقالية السابقة" وذلك كنوع من تقديم الاحترام للإدارة المقبلة بحسب زاراتي.

تعيينات ترامب

ترامب اعلن نيته إنشاء "إدارة الكفاءة الحكومية" بقيادة إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي

ويؤكد الخبير الأمني، زاراتي أن إدارة الرئيس المنتخب تمتاز بـ "تنظيم واحترافية أكثر بكثير مما حدث في العام 2016، خلال 2015 و2016. وهذا أمر جيد"، مشيرا إلى أن "هناك قدرا أقل من الفوضى المحيطة بالموظفين وتدقيقهم".

ويرى أن "ترامب سيرغب بتعيين أشخاص كانوا مخلصين وموالين له في السراء والضراء وفي احداث السادس من يناير، لذا فهناك احتمال وجود بعض المتملقين في مناصب عليا".

ويرجح زاراتي أن ترامب لن يعمل فقط وفق رغباته الشخصية بتعيين الموالين له، بل إن هناك أيضا "ضرورة سياسية لتعيين أشخاص موالين له في مناصب قيادية. لذا لن أفاجأ إن رأيت أشخاصا مثل مايك بومبيو يعود إلى منصب ذي صلة، أو تعيين ماركو روبيو في منصب ما ليصبح لدينا خليط من الموالين في الإدارة".

بدوره يقول الدبلوماسي الأسبق، روس إن "أحد الدروس التي تعلمها (ترامب) من فترته الرئاسية الأولى، هو عدم تعيين أشخاص يخالفون رغباته، وهو لن يعرف إلا في وقت لاحق أنهم لم يفعلوا ما أراد. وهذا يعني أنه سيعين أشخاصا يثق في تنفيذهم لرغباته".

وأضاف أنه "مع ذلك فقد يكون لدينا شيء من التوازن"، متوقعا "أن يعين بعض المقربين منه ممن يشعر أنهم سيحرصون على تنفيذ القرارات التي اتخذها". 

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟