اكتساح للجمهوريين، حيث فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بأغلبية ساحقة ليصبح الرئيس المنتخب، وفاز كذلك بالتصويت الشعبي وهو ما لم تتوقعه مراكز الاستطلاع، كما سيطر الجمهوريون على عدد كبير من المقاعد في مجلس الشيوخ، فيما احتفظوا بالأغلبية في مجلس النواب.
جرت هذه الانتخابات في ظل حالة من عدم الاستقرار العالمي، ربما لم يحدث منذ العام 1980 أن كانت الولايات المتحدة منخرطة بشكل كبير في الصراعات حول العالم خلال الانتخابات الرئاسية. فهناك أوكرانيا وغزة ولبنان، والتوترات في شرق آسيا، والفظائع في السودان والإرهاب في الساحل الإفريقي. وهي فترة تشهد حالة من عدم الاستقرار العالمي.
برنامج "داخل واشنطن" الذي يقدمه، روبرت ساتلوف، ناقش في حلقته الانتخابات الأميركية وحالة عدم الاستقرار في عدة مناطق حول العالم.
"عدم اليقين" و"الغموض"
الدبلوماسي الأميركي الأسبق، دينيس روس، يرى أن نتائج الانتخابات الأميركية "تبعث برسالة إلى بقية العالم، وخاصة في أوروبا، مفادها عدم التيقن وقلق حقيقي حيال ما يعنيه انتخاب ترامب رئيسا بالنسبة لحلف الناتو، والعلاقة مع أوروبا، وتأكيده على تطبيق التعرفة الجمركية الشاملة".
وقال لقناة "الحرة" إنه "يعتقد أن هناك حالة من الغموض الحقيقي هنا، إذ أن هناك مخاوف حيال ما يعنيه ذلك بالنسبة لأوكرانيا".
وفيما يتعلق بالشرق الأوسط فإن "انتخابه يبعث برسائل متضاربة. ليس هناك توقعات بأن يكون له دور أكبر في المنطقة، لكن هناك تصور بعدم توقع تصرفاته يجعل الناس أو البعض على الأقل، يعتقدون أنه قد يجعل الإيرانيين وغيرهم يتصرفون بحذر أكبر، وقد يكونون أكثر حذرا خاصة بعد تعرضهم لنفس الانتكاسات التي طالت كلا من حزب الله وحماس، وكذلك إيران نفسها.
لذلك يوجد شعور في الشرق الأوسط بشكل عام أن هذا "قد لا يكون أمرا سيئا بالنسبة لمصالحهم وما سيحمله المستقبل للمنطقة"، بحسب روس المبعوث الأميركي السابق لمحادثات السلام في الشرق الأوسط.
وزاد أن المخاوف من إدارة ترامب تمتد إلى آسيا "إن هناك تساؤلات ومخاوف حقيقية حول ترامب ونهجه في التعامل مع الحلفاء، فهو عادة يفترض أن على الحلفاء دفع الأموال لنا لا أن ندفع نحن لهم".
وكرر روس أنه يعتقد أنه "سيكون هناك الكثير من الغموض، كما أن هناك تساؤلات حول أفضل طريقة للتعامل معه"، متسائلا "هل سيكون أداؤه مختلفا عما كان في فترته الرئاسية الأولى؟".
"استقرار الديمقراطية"
الخبير في شؤون الأمن القومي، خوان زاراتي، لفت إلى أن مسار الانتخابات الرئاسية أرسى نوعا من الإحساس بـ "استقرار الديمقراطية".
وقال لقناة "الحرة" أن "حقيقة سير الانتخابات بطريقة سلمية نسبيا من دون أي مشاكل كبيرة، أو اتهامات بالتزوير أو أي من الأمور المرتبطة بفوضى الانتخابات والتي خشي الكثيرون وقوعها، فهي إشارة جيدة على نجاح العملية الانتخابية"، مضيفا أن النتائج كانت بـ "موجة حمراء إن صح التعبير لصالح الجمهوريين، لكن المخاوف بأن الديمقراطية الأميركية هشة كما تشير الفوضى الانتخابية لم تتحقق، وهذا أمر جيد".
وأكد زاراتي وهو مستشار أسبق في الأمن القومي لمكافحة الإرهاب "أننا لم نشهد قيام أي أطراف خارجية بالتلاعب في النتائج أو أي من هذه الأمور التي كانت جزءا من السيناريوهات المخيفة قبل الانتخابات"، وتابع هذا "أمر جيد، وهو الإحساس باستقرار الديمقراطية حتى إن كان هناك غموض يحيط بتوجهات السياسة الخارجية".
"التوازن" والسياسة الخارجية الأميركية
ويرجح الخبير الأمني، زاراتي أن إدارة الرئيس المنتخب، ترامب ستعمل على إحداث "التوازن في السياسة الخارجية"، وقال إن "العالم يحبس أنفاسه مترقبا، لكن ترامب ليس شخصا جديدا، فقد رأى العالم الطابع الشخصي في تعاملات ترامب في السياسة الخارجية".
ويرى أن "السؤال الأهم بكل تأكيد سيتعلق بأوكرانيا، هل سيبدأ ترامب ونائبه في هذه القضايا، هل سيبدآن بسحب الدعم من أوكرانيا؟ هل سيعملان على إضعاف حلف الناتو؟ هل سيدفعان بـ (الرئيس الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي لقبول تسوية ما، ليست في صالح أوكرانيا أو أمن أوروبا؟".
ويلفت إلى أن الأشخاص الذين يحيط ترامب نفسه بهم "سيساعدون في تحديد اتجاه سير هذه الأمور، فإذا قام بتعيين وزير دفاع ووزير خارجية ومستشار أمن قومي يضعون في اعتبارهم أهمية تلك التحالفات وأهمية إعادة بناء الردع ضد إيران والصين وضد روسيا بالطبع، والذين يضعون في اعتبارهم القدرة على مواجهة التحالف الناشئ بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران، حينها سيؤدي ذلك لصياغة شكل جديد من السياسة الخارجية، لأن هؤلاء الوزراء وكبار العاملين في السياسة الخارجية سيعملون على صياغة ردود فعل ترامب اليومية".
ويعتقد زاراتي أن ترامب في نهاية الأمر سيكون "متقلبا في سياسته الخارجية مما سيزيد من حالة الغموض وعدم اليقين، وهذا ليس جيدا، لكنه في مرحلة ما سيزيد من قيمة الردع الأميركي حول العالم".
بوتين وإدارة ترامب
ورغم حالة عدم اليقين من حلفاء واشنطن تجاه إدارة ترامب، إلا أن الأمر قد يكون مختلفا من قبل "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سيستيقظ ولديه شعور أفضل بكثير مما كان عليه بالأمس. والسبب هو أن لديه مجموعة توقعات حيال الرئيس، الرئيس السابق ترامب والرئيس المنتخب ترامب" بحسب الدبلوماسي الأسبق، روس.
وأضاف أنه "من اللافت رؤية ما إذا أثبتت التوقعات صحتها"، والمبنية على العلاقة التي كانت تجمع الرئيس الروسي بترامب في رئاسته الأولى إذ يرجح أن الرئيس المنتخب سيكون أكثر تجاوبا مع مصالح بوتين ومخاوفه، كما يعتقد أنه "سيجد طريقة للخروج من أوكرانيا وتقليل مستوى الدعم الأميركي مما سيقود إلى الضغط على زيلينسكي وتهيئة الظروف ليصبح أكثر انفتاحا على المفاوضات، لكنها ستكون مفاوضات تبقي على جزء من أوكرانيا أكبر من القرم، ربما في إقليم دونباس، كجزء من روسيا، كما ستضع روسيا في موقف يتيح لها تهديد الأوكرانيين بشكل مستمر، ومواصلة الضغط عليهم لئلا تصبح أوكرانيا عضواً في حلف الناتو أو في الاتحاد الأوروبي".
الصين وتايوان
وعلى صعيد العلاقات الأميركية الصينية، يرى خبير الأمن القومي زاراتي "أن الصينيين حذرين.. ويشعرون بقدر أقل من الراحة مما كانوا عليه خلال إدارة بايدن".
وعزا ذلك إلى "أن ترامب لم يتوان عن استخدام السلطة التنفيذية للبيت الأبيض لمواجهة الصينيين"، مشيرا إلى توافق في الرؤية "ليس فقط من الجمهوريين، بل ومن الديمقراطيين أيضا، بما يتوافق مع رؤية ترامب في مواجهة الصين، وربما تجاوزتها إلى حد ما، فهناك مخاوف متزايدة حيال كافة أشكال النفوذ الصيني والتهديد الموجه للولايات المتحدة والذي واجهته دول أخرى تدرك أن الخطر الصيني أكبر من أي وقت مضى، كأستراليا واليابان والهند".
ولفت إلى أن سياسة أوروبا تجاه الصين أيضا، حيث هناك "وجهة نظر في العالم ترى أن نهج ترامب الذي تبنى فرض الرسوم الجمركية القاسية، وفرض العقوبات والمواجهة المباشرة مع الصين، هو الأمر الطبيعي، لذا سيكون من اللافت رؤية ما سيفعله ترامب، لكنه وعد بفرض الرسوم الجمركية، ووعد بمواجهة الصين بشكل مباشر وغير مباشر".
وأشار زاراتي إلى هذه الإجراءات قد يكون لها "أثر على حلفاء آخرين مثل المكسيك حيث هدد ترامب بفرض رسوم جمركية على الصناعات المكسيكية المرتبطة بالصين. لذا سيكون هناك آثار وتداعيات للمواجهة مع الصين، وسيكون هناك توتر بالتأكيد، وفي نهاية الأمر، سنرى إلى أي حد ستكون إدارة ترامب مستعدة للدفاع عن تايوان في وجه العدوان الصيني. وهذه باعتقادي هي المسألة الجوهرية التي تتعلق بمدى عدائية إدارة ترامب في شرق آسيا، وهي قضية الدفاع عن تايوان".
وذكر أن هناك أوساط داخل الحزب الجمهوري حزينة على "فقدان واشنطن قوة الردع تجاه الدول المنافسة، والأطراف الفاعلة غير الدول، قائلة إن هناك شعوراً بأن أعداءنا لم يعودوا يخشوننا، وأن علينا فعل المزيد لردعهم، وهذا يضع عبئا على الأصول العسكرية وغيرها من أدوات الدولة، لإثبات أن الولايات المتحدة لن تكون غائبة".
السياسة الخارجية خلال الفترة الانتقالية
من الملامح المميزة للنظام الدستوري الأميركي، هو أن الإدارة تستغرق وقتا طويلا في التغيير، حيث سيمضي شهران ونصف حتى الأسبوع الثالث من يناير، قبل أن يؤدي دونالد ترامب اليمين الدستورية كرئيس مرة أخرى.
حتى ذلك الحين، لا يزال جو بايدن هو الرئيس، ولهذا "فيما يتعلق بأوكرانيا فهو سيحاول بالتأكيد تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية، فهو يعلم أن ترامب سيتولى الرئاسة لكنه لا يعلم إن كان سيواصل تقديم الدعم، لذا سيحاول الحصول على كافة المساعدات الممكنة من وزارة الدفاع" وفقا لروس.
ويعتقد أن بايدن "يريد بشدة أن يشهد نهاية للحرب في غزة. فالإدارة قريبة من التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار في لبنان. وهو يريد أن يرى نهاية الحرب في غزة".
وينوه روس إلى "مفارقة لافتة هنا، أن رئيس الوزراء نتانياهو أدرك عندما قال الرئيس المنتخب ترامب (أريد أن تنتهي الحرب، ويفضل أن تنتهي قبل أن أتسلم السلطة). أعتقد أنه أدرك أن من مصلحته أن يحاول التوصل إلى تفاهم مع بايدن والحصول على بعض الالتزامات من بايدن، والتي قد تكون في صالحه، مع الأخذ بالاعتبار مذكرة التفاهم، فترة مذكرة التفاهم سوف تنتهي، وهي المذكرة التي تنص على منح مساعدات عسكرية لعشر سنوات، بقيمة 3.8 مليار دولار سنوياً لإسرائيل. ستنتهي مدة هذه الاتفاقية في العام 2026 ما يعني أنه يجب التفاوض عليها العام القادم".
وأضاف أنه يتوقع أن "يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس بايدن التوصل إلى بعض المعايير أو المبادئ المتعلقة بهذه الاتفاقية ليرثها الرئيس ترامب، والذي قد يتعامل معها من منظور آخر بالقول، لا يمكنني أن أفعل أقل مما فعله الرئيس بايدن. لذا أظن أنه سيكون هناك اهتمام، أولاً في محاولة إنهاء الحرب، وثانياً في محاولة التوصل إلى تفاهمات حول طبيعة المساعدات الأمنية لإسرائيل خلال السنوات المقبلة".
وأشار روس إلى أن "ترامب ليس بالشخص الذي يحبذ تقديم كميات كبيرة من المساعدات الأمنية للآخرين، لكن هذا لا يعني أنه لن يفعل، لكنه بطبيعته سيقدم أقل وليس أكثر".
أولويات بايدن
من جانبه يرجح زاراتي أننا "سنشهد تسارعا في الإجراءات والخطوات والمساعدات لكافة القضايا التي تهم الإدارة الحالية وتخشى ألا تكون من أولويات الرئيس ترامب، وهذا يشمل أوكرانيا ومحاولة إنهاء الحروب أو تسهيل التوصل لوقف إطلاق النار في الشرق الأوسط في محاولة لخفض التصعيد كلما أمكن".
وزاد أن "إدارة بايدن ستقوم بكل ما في وسعها لتقليل التوترات ومنع أي تصعيد آخر"، خاصة بين إسرائيل وإيران.
وعلى الصعيد الداخلي للولايات المتحدة وحتى خلال الدورة الانتخابية، بدأت إدارة بايدن في "تسريع إقرار الكثير من السياسات والقوانين وغيرها والتي تريد إنجازها قبل عملية الانتقال، وهذا ليس الوضع المعتاد في الفترات الانتقالية السابقة" وذلك كنوع من تقديم الاحترام للإدارة المقبلة بحسب زاراتي.
تعيينات ترامب
ويؤكد الخبير الأمني، زاراتي أن إدارة الرئيس المنتخب تمتاز بـ "تنظيم واحترافية أكثر بكثير مما حدث في العام 2016، خلال 2015 و2016. وهذا أمر جيد"، مشيرا إلى أن "هناك قدرا أقل من الفوضى المحيطة بالموظفين وتدقيقهم".
ويرى أن "ترامب سيرغب بتعيين أشخاص كانوا مخلصين وموالين له في السراء والضراء وفي احداث السادس من يناير، لذا فهناك احتمال وجود بعض المتملقين في مناصب عليا".
ويرجح زاراتي أن ترامب لن يعمل فقط وفق رغباته الشخصية بتعيين الموالين له، بل إن هناك أيضا "ضرورة سياسية لتعيين أشخاص موالين له في مناصب قيادية. لذا لن أفاجأ إن رأيت أشخاصا مثل مايك بومبيو يعود إلى منصب ذي صلة، أو تعيين ماركو روبيو في منصب ما ليصبح لدينا خليط من الموالين في الإدارة".
بدوره يقول الدبلوماسي الأسبق، روس إن "أحد الدروس التي تعلمها (ترامب) من فترته الرئاسية الأولى، هو عدم تعيين أشخاص يخالفون رغباته، وهو لن يعرف إلا في وقت لاحق أنهم لم يفعلوا ما أراد. وهذا يعني أنه سيعين أشخاصا يثق في تنفيذهم لرغباته".
وأضاف أنه "مع ذلك فقد يكون لدينا شيء من التوازن"، متوقعا "أن يعين بعض المقربين منه ممن يشعر أنهم سيحرصون على تنفيذ القرارات التي اتخذها".