من مشاهد الدمار في خان يونس - رويترز
من مشاهد الدمار في خان يونس - رويترز

قبل الحرب في غزة دائما ما كانت إيران ووكلائها في المنطقة يروجون للشعار المتعلق بـ"وحدة الساحات"، من منطلق القوة والتنسيق الفعّال، والأوراق التي يمسكون بها على الأرض، وذلك في حال اندلعت أي مواجهة فعلية ومباشرة على الأرض بمواجهة إسرائيل.

وبعد اندلاعها، وضعت هذه "الوحدة" على سكة اختبار فعلية، على صعيد المحور المرتبط بإيران من جهة وعلى صعيد إسرائيل أيضا، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أمام الكنيست، الأسبوع الماضي.

ووفقا لنتانياهو فإن محور القرار الأول الذي اتخذته إسرائيل بعد هجوم السابع من أكتوبر كان يرتبط بالإجابة عن سؤال رئيسي، مفاده: "كيف يمكننا أن نفصل بين وحدة الساحات التي تشكلت".

فهل تمكنت إسرائيل بالفعل من فصل (تفكيك) تلك "الساحات" بعد أكثر من عام؟ وما الذي كسبته إيران من تلك "الوحدة"؟ وهل ترجمتها على الأرض بالفعل؟ وما الحال الذي باتت عليه "ساحات المحور"؟

مصطلح "وحدة الساحات" كان أطلق لأول مرة بعد المعركة التي أطلقتها حماس في مايو عام 2021، ردا على القرارات التي اتخذتها إسرائيل في حي الشيخ جراح بالقدس. ومنذ تلك الفترة دخل في مرحلتين آخرها عام 2023، عندما أطلقت "حركة الجهاد الإسلامي" معركة في غزة انتهت بوقفٍ لإطلاق النار.

لكن الاختبار الأكبر والفعلي حصل بعد السابع من أكتوبر، عندما شنت حركة حماس هجومها الأكبر وغير المسبوق على صعيد الشكل ضد إسرائيل، مما دفع الأخيرة لفتح باب حرب لا تزال قائمة حتى الآن في القطاع المحاصر والممزق عسكريا وفي جنوب لبنان، ووصلت شراراتها مؤخرا لأكثر من مرة إلى عمق إيران وساحات نفوذها الأخرى، باليمن وسوريا والعراق.

نهج على مراحل وبالتدريج

ويوضح الخبير الجيوسياسي الأردني، عامر السبايلة أن إسرائيل ومنذ اليوم الأول لهجوم السابع من أكتوبر "انتهجت نهج تفكيك الساحات والانفراد بها كل على حدى، لمواجهة حالة الوحدة" التي كان يروج لها منذ سنوات.

واستهدفت كأولوية قصوى وأولى في عملية "التفكيك" الساحات التي تؤثر على الجغرافيا الأمنية لإسرائيل، وهو ما رأيناه في غزة أولا، ومن ثم الضفة الغربية، وصولا إلى لبنان وسوريا.

ويضيف السبايلة لموقع "الحرة": "وبالتالي. قامت إسرائيل فعليا وفي البداية بعملية تفكيك ساحات حماس والجهاد الإسلامي، ومن ثم انتقلت لتنفيذ عمليات في الضفة ولاحقا والآن في جنوب لبنان".

على مدى الأشهر الماضية تمكنت إسرائيل، بحسب الخبير، بالفعل من "تفكيك الساحات" التي يمكن من خلالها نقل الأزمة الأمنية للداخل الإسرائيلي (الجغرافيا الأمنية) (غزة، لبنان).

ويعتبر أن "من دفع الثمن الأكبر هو لبنان بعد غزة في هذا الإطار"، في إشارة من السبايلة لعملية "التفكيك" التي انتهجتها إسرائيل كقرار أول.

ولا يعتقد الباحث السوري المختص بالشأن الإيراني، ضياء قدور، أن إيران "هي من أوجدت وحدة الساحات وتخلت عنها في ذات الوقت".

ويقول لموقع "الحرة": "(الوحدة) لم تكن شيئا واقعيا على أرض الواقع رغم أن إيران استخدمتها بشكل فاقع لتعزيز دعايتها، ولضح الروح المعنوية في صفوف شبكة الوكلاء التابعين لها في المنطقة".

وخلال الأحداث الإقليمية الكبيرة الأخيرة وفي خضم ما يسمى "وحدة الساحات" لم يتحرك النظام الإيراني ضد إسرائيل إلا في حالتين. الأولى بعد أن كانت سمعته على المحك بعد ضربة الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق.

ويضيف قدور أن الحالة الثانية جاءت عندما تعرضت حياة النظام الإيراني للخطر، بعد الضربة الإسرائيلية التي نفذتها إسرائيل في عمق الجغرافيا الخاصة به.

وكانت الضربة الإسرائيلية الأخيرة "نوعا من الضربات التطبيعية لمزيد من الهجمات الإسرائيلية الجديدة نحو الجغرافيا الإيرانية"، بحسب الباحث المختص بالشأن الإيراني.

هل كانت "الوحدة" وهمية؟

في ورقة بحثية تحليلية نشرها الكاتب والباحث السياسي اللبناني، قاسم قصير، بعد أشهر من اندلاع الحرب في غزة قال إن "هذه الحرب وضعت استراتيجية وحدة الساحات على المحك"، وأجبرت الشركاء في المحور الإيراني على توضيح "معنى التنسيق".

ومنذ البداية، أوضح حزب الله وإيران أن هناك حدودا لما سيسمح المحور لإسرائيل بالقيام به في غزة، بما في ذلك غزو القطاع. ومع ذلك، لم يوضِّحا أبدا ما سيكون ردهما، ولا إلى أي مدى سيذهبان، مع الاحتفاظ بهامش من المناورة، بحسب الكاتب المقرب من حزب الله.

ورغم أننا شهدنا العديد من التحركات لتثبيت منطق "وحدة الساحات"، على مدى الأشهر الماضية لكنها لم تصل إلى مستوى إطلاق الحرب الشاملة والمشتركة.

وعزا القصير السبب في ذلك إلى "غياب التنسيق والتحضير المسبق بين هذه القوى، وكذلك لأن بدء حرب شاملة قد يؤدي إلى حرب دولية كبرى في المنطقة، وخصوصا في ظل التهديدات الأميركية لإيران وحزب الله بأن توسعة الجبهة ستؤدي إلى ردود قاسية عليهما".

وقبل مقتل أمينه العام حسن نصر الله كان حزب الله يؤكد على انخراطه في الحرب لدعم حماس من منطلق "جبهة الإسناد"، ورغم أن العديد من المناوشات حصلت من جبهة اليمن والعراق إلا أنها لم تصل إلى حد توجيه الضربات الكبيرة لإسرائيل.

وفقد حزب الله خلال الشهرين الماضيين قادة الصف الأول والثاني والثالث، ويمضي الآن باتجاه وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لوقف إطلاق مع إسرائيل يراه مراقبون "هزيمة" بالنسبة له.

النظام السوري، من جهته، وبعد اندلاع الحرب في غزة، اتبع سياسة ابتعد فيها كل البعد عما يجري في محيطه، ولا يزال يسير عليها، رغم تلقي قواته العديد من الضربات، وتعرضه لتهديدات من جانب إسرائيل، آخرها يوم الاثنين.

وكذلك الأمر بالنسبة لإيران، التي لم توجه ضربتين لإسرائيل إلا بعد تعرض سفارتها بدمشق لقصف كمرحلة أولى وفي أعقاب اغتيال زعيم حماس السياسي، إسماعيل هنية على أراضيها وسط طهران.

ويعتبر الباحث قدور أن "وحدة الساحات كانت شعارا وهميا"، ويستند بذلك على المؤشرات الحاصلة الآن، والتي تذهب باتجاه أن إيران تفقد نقاط قوتها الإقليمية وتتعرض لانتكاسات خطيرة فيما سمته العمق الاستراتيجي في المنطقة.

علاوة على ذلك، يضيف قدور أن "(الوحدة) التي كان يتم الترويج لها تجعل يد إسرائيل مفتوحة لضرب عمق الجمهورية الإيرانية، واستهداف مشاريع النظام الإيراني التي تعتبر بمثابة حياتية بالنسبة له"، قاصدا أنظمة الصواريخ البالستية والمشروع النووي.

جبهة دفاعية لإيران؟

التطورات والمحطات التي شهدتها المنطقة بعد الحرب في غزة كانت أوضحت، بحسب تقرير نشرته "لوفيغارو" الفرنسية، في مارس 2024، أن "وحدة الساحات" اعتبرت بمثابة "جبهة دفاعية للمصالح الإيرانية".

وقالت الصحيفة إن "إيران لم تترجم إلى أي شيء آخر غير فتح جبهات تحويلية ذات طموحات محدودة في لبنان وسوريا والعراق واليمن"، في وقت تجاهلت نداءات حماس.

كما اصطدمت تلك "الوحدة" بتعطش إسرائيل للانتقام، فتحدت كل قواعد الاشتباك لاستعادة موقعها بعد السابع من أكتوبر، بحسب ما ذكرته الصحيفة الفرنسية.

ويرى الباحث السياسي العراقي، هيثم الهيتي، أن المجموعات المرتبطة بإيران كانت أصيبت "بشلل تام" على الجبهة الأمامية خلال الأشهر الماضية، على صعيد البنى التحتية والقدرات العسكرية التي تمتلكها.

ويقصد الباحث بتلك المجموعات حزب الله في جنوب لبنان، وحماس بشكل رئيسي، وسوريا التي قد أصابتها عدة ضربات، وزادت من حالة الشلل العسكري الذي تعاني منه بالأصل.

ومع ذلك، ورغم "تحطم ساحات الجبهة الأمامية" لا تزال هناك جبهة خلفية ترتبط بالعراق، تعتبر الأساس في تقديم الدعم اللوجستي والمالي والاستخباراتي والبشري، بحسب حديث الهيتي لموقع "الحرة".

وبالتالي، لا يعتقد الباحث السياسي أن "الساحات انهارت بشكل كامل دون أن ينطبق ذلك في حال حصل هجوم جوي هائل على البنى التحتية والقيادات اللوجستية والأمنية وقواها في العراق، مما يعني انهيارا كاملا للمحور عسكريا".

ومن جانبه، يشير الباحث قدور إلى أن "وحدة الساحات" كانت بدت كاستراتيجية منظّمة قبل تصاعد التوترات الإقليمية، من أجل التأثير على الخصوم.

لكنها تبينت اليوم أنها استراتيجية مضطربة، لا تمتلك أي أفق وتخطيط واضح، وفق ذات المتحدث.

ويضيف أن "ما يحصل تحركات عشوائية من ساحة إلى أخرى لم يكن لها تأثير على عمليات إسرائيل في غزة ولا على عملياتها في جنوب لبنان".

ما المتوقع على صعيد "التفكيك"؟

ولا تزال إسرائيل تسلط أنظارها على سوريا، وهو ما بدا خلال الأسابيع الماضية عندما بدأت بضرب أهداف ومستودعات أسلحة وقطع عسكرية كونها تستخدم في عمليات تهريب السلاح لحزب الله في لبنان، وفقا للرواية الإسرائيلية.

واتهم الجيش الإسرائيلي لأكثر من مرة النظام السوري بتقديم الدعم لحزب الله، ونشر يوم الاثنين بطاقة تعريفية عن قوات تتبع لفرع الأمن العسكري في سوريا، وقال إنها تسهل عمليات تهريب السلاح وإمداد حزب الله لوجستيا.

وجاء ما سبق في ظل تصعيد ومؤشرات على نية إسرائيل استهداف الفصائل العراقية المسلحة المدعومة من إيران.

ويعتقد الخبير الجيوسياسي السبايلة أن "إسرائيل ستواصل حربها إلى الساحات الأخرى التي تعد نقطة تهديد ونقطة إدامة لوجستية للساحات المحيطة بها. وهذا يعني الجغرافيا السورية والعراقية في المقام الأول".

ويوضح السبايلة أن "إيران لم تربح من معادلة وحدة الساحات".

ويقول: "الساحات ضربت بالقدرات الحقيقية، لأنه ليس هناك أي قيمة لأي جبهة لا تستطيع نقل الأزمة الأمنية للداخل الإسرائيلي. والآن يتم احتواؤها تدريجيا".

ومن جهته يضيف الباحث السياسي العراقي، الهيتي أن "العراق هو الساحة الوحيدة الآن على صعيد الدعم البشري والعسكري والمالي والاستخباراتي" لبقية ساحات المحور الذي تقوده إيران.

يصف الهيتي العراق بـ"الجبهة الخلفية النشطة والفاعلة للمحور"، كما يرى أنها "تستطيع أن تدعم بقية القوى من جديد وتعيدها لواقعها السابق من الناحية العسكرية".

ومن ناحية أخرى يعتبر الباحث السياسي أن إيران لا تزال تمسك بالورقة الاستخباراتية، مشيرا إلى الهجوم الذي استهدف السفارة الإسرائيلية في الأردن قبل يومين، وحادثة قتل الحاخام تسيفي كوغان في الإمارات.

ويتابع: "بالتالي يبرز التساؤل الآن: "هل تتحول إيران بعد خسارة جبهتها الأمامية إلى العمل والحرب الاستخباراتية؟"

الأردن كان قد أغلق معبر جابر عدة مرات منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011 (رويترز)
الأردن كان قد أغلق معبر جابر عدة مرات منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011 (رويترز)

ترأس العاهل الأردني عبدالله الثاني، السبت، اجتماعا لمجلس الأمن القومي، تم فيه بحث آخر المستجدات على الساحة الإقليمية، وخاصة الأحداث الجارية في سوريا.

وقالت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" إن الاجتماع تطرق إلى "الجهود الكبيرة التي تقوم بها القوات الأردنية في الحفاظ على الأمن الوطني وأمن الحدود، وإلى الخطوات الضرورية التي تقوم بها لضمان حماية وتأمين الحدود الشمالية."

واستعرض الاجتماع، بحسب الوكالة، "الجهود التي تبذلها مؤسسات الدولة المعنية من أجل سلامة الأردنيين المتواجدين في سوريا، والإجراءات المتخذة لتسهيل عودة المواطنين والشاحنات الأردنية إلى أراضي المملكة بعد قرار وزارة الداخلية يوم أمس بإغلاق معبر جابر الحدودي مع سوريا".

وقرر الأردن، الجمعة، إغلاق معبر جابر الحدودي الوحيد العامل مع سوريا بسبب "الظروف الأمنية" في البلد المجاور، وفق ما أعلن وزير الداخلية.

ويرتبط الأردن بجارته الشمالية سوريا عبر حدود برية تمتد الى 375 كيلومترا. وكان قد أغلق معبر جابر عدة مرات منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011.

وتقول عمان إنها تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئا سوريا منذ اندلاع النزاع، ووفقا للأمم المتحدة هناك نحو 680 ألف لاجئ سوري مسجل في الأردن.

ويواصل مقاتلو المعارضة السورية تقدمهم الخاطف حيث أعلنوا سيطرتهم، السبت، على معظم أنحاء المناطق الجنوبية، فيما تحاول القوات الحكومية الدفاع عن مدينة حمص في مسعى لإنقاذ حكم الرئيس بشار الأسد المستمر منذ 24 عاما.

واجتاح مقاتلو المعارضة حلب قبل أسبوع لتنهار بعدها الدفاعات الحكومية في أنحاء البلاد بسرعة مذهلة إذ استولى المقاتلون على سلسلة من المدن الكبرى وانتفضوا في أماكن بدا أن المعارضة انتهت فيها منذ فترة طويلة.

وإلى جانب السيطرة على حلب في الشمال وحماة في الوسط ودير الزور في الشرق، قال مقاتلو المعارضة إنهم سيطروا على القنيطرة ودرعا والسويداء في الجنوب وتقدموا لمسافة 50 كيلومترا من العاصمة.