يُصاب كل يوم 4000 شخص بالإيدز في المنطقة
يحل الأول من ديسمبر من كل عام باعتباره اليوم العالمي للإيدز.

يحل الأول من ديسمبر من كل عام باعتباره اليوم العالمي للإيدز، وهو مناسبة تجمع بين الأمل والتحدي لملايين المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة حول العالم. في العالم العربي، لا تزال وصمة العار والتمييز من أبرز التحديات التي تواجه المتعايشين مع الفيروس، مما يدفع العديد منهم إلى العيش في صمت خوفًا من رفض المجتمع.

صراع من أجل الوعي والتغيير

مايا، شابة لبنانية تبلغ من العمر 28 عامًا، عاشت لحظة صادمة عندما أخبرها الطبيب بأنها مصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة. كانت تلك اللحظة أشبه بزلزال قلب حياتها رأسًا على عقب. 

في البداية، دخلت مايا في حالة من الإنكار، غير قادرة على استيعاب حقيقة الأمر تقول في حديثها مع موقع "الحرة": "شعرت وكأنني فقدت السيطرة على كل شيء وبأن حياتي تنتهي ماذا سأفعل؟ كيف سأواجه عائلتي؟ هل سيتركني أصدقائي؟".

مايا عاشت أشهرًا من العزلة والخوف، تحاول التعايش مع السر الذي أثقل كاهلها. كانت تخشى أن تكون نظرة عائلتها إليها مليئة بالإدانة والعار، خاصة أن المجتمع اللبناني لا يزال يعاني من وصمة اجتماعية كبيرة تجاه المرض. 

تضيف مايا:" كان أكثر ما يؤلمني هو خوفي من أن أكون مصدر خيبة أمل لأمي وأبي فكرت ألف مرة في الحديث معهم، لكن الكلمات كانت تختفي كلما حاولت أن أتكلم".

تجربة مايا ليست فريدة من نوعها، إذ يواجه آلاف المصابين بفيروس نقص المناعة في لبنان تحديات مشابهة. 

وفقًا للدكتورة هيام يعقوب، مديرة البرنامج الوطني لمكافحة السل والسيدا في لبنان التابع لوزارة الصحة اللبنانية أكدت في اتصال مع موقع "الحرة"، أن "البلاد تُعتبر من الدول ذات نسب الإصابة المنخفضة مقارنة بغيرها، حيث تم تسجيل 3018 حالة منذ عام 1984".

ومع ذلك، تشير يعقوب إلى "أن الوصمة الاجتماعية لا تزال واحدة من أبرز العقبات التي تحول دون مواجهة المرض بشكل فعال".

ويقدم البرنامج الوطني لمكافحة السيدا في لبنان العلاج مجانًا لجميع المصابين، وهو عبارة عن حبة دواء يومية تسيطر على الفيروس دون إمكانية الشفاء التام منه. الالتزام بالعلاج يمكن أن يحقق نتائج إيجابية مذهلة، إذ يصبح المريض غير قادر على نقل العدوى حتى في العلاقات الجنسية بنسبة تتجاوز 90%، كما يحافظ على مناعته من التدهور. 

تضيف يعقوب: "التحدي الأكبر ليس فقط في توفير العلاج الطبي، بل أيضًا في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، لأن هذا المرض لا يجب أن يكون مصدرًا للخوف، بل يمكن التعايش معه بشكل طبيعي".

وسجل البرنامج الوطني لمكافحة السيدا والسل، التابع لوزارة الصحة العامة، 204 حالات جديدة بين 1 ديسمبر /كانون الأول 2023 و 30 أكتوبر / تشرين الثاني 2024. أما العدد التراكمي للأشخاص الذين كانوا تحت العلاج خلال المدة ذاتها فقد بلغ 2472 حالة.

معركة ضد الوصمة المجتمعية والإيدز

أحمد (اسم مستعار)، شاب مصري يبلغ من العمر 35 عامًا، يحمل قصة مليئة بالتحديات والآلام. أثناء عمله في الخارج، أُصيب بفيروس نقص المناعة المكتسبة، وكانت عودته إلى وطنه نقطة تحول صعبة في حياته. 

يقول أحمد في حديثه لموقع "الحرة": "كنت أشعر بالخوف المستمر من أن يكتشف أحد إصابتي. فكرت في العواقب: كيف ستنظر إلي عائلتي؟ كان الخوف من الأحكام الاجتماعية كابوسًا يلاحقني".

في مواجهة هذا القلق، اضطر أحمد لاتخاذ قرار صعب بعد طرده من عمله "قررت عندها الانتقال إلى مدينة أخرى وبدء حياة جديدة، هربًا من نظرات الناس وأحكامهم. رغم التحديات، لم تكن هذه الخطوة سوى البداية لمحاولة التكيف مع واقع جديد فرضته الإصابة".

تجربة أحمد تسلط الضوء على واقع آلاف المصريين الذين يواجهون الوصمة المجتمعية المرتبطة بالمرض. 

ويقول الدكتور أمجد الحداد، أخصائي أمراض المناعة في حديث لموقع "الحرة"، "إن الكثير من المصابين يرفضون الكشف عن إصابتهم خوفًا من التمييز الاجتماعي، بخاصة في بيئات العمل. 

هذا الخوف المستمر دفع وزارة الصحة والسكان المصرية إلى توفير خدمات تحليل فيروس نقص المناعة بسرية تامة، دون الإفصاح عن هوية المرضى.

بالإضافة إلى ذلك، توفر الوزارة العلاج المجاني للمصابين من خلال 44 مركزًا موزعًا في جميع المحافظات، تشمل المستشفيات النفسية ومستشفيات الحميات". ويضيف الدكتور الحداد "أن هذه الجهود تهدف إلى تحسين جودة الحياة للمصابين وتشجيعهم على التعايش مع المرض".

وعن حقوق المصابين الذي يتم طردهم تعسفيا من العمل كأحمد أكد المحامي رالف أبي عساف في حديثه لموقع "الحرة" أنه "في العديد من الدول العربية، بما في ذلك مصر ولبنان، لا توجد حماية قانونية واضحة ضد الطرد التعسفي للأفراد المصابين بأمراض مزمنة. 

وأضاف أن القوانين المحلية في بعض هذه الدول لا تقدم إجابة شافية بشأن حقوق هؤلاء الأشخاص في مواجهة الطرد من أماكن العمل بناءً على حالتهم الصحية".

وأشار أبي عساف إلى أن "الدساتير في بعض الدول العربية تضمن مبدأ المساواة أمام القانون، مما يعني أن الطرد بسبب مرض معين يُعتبر انتهاكًا لهذا المبدأ. كما أن قوانين العمل، رغم وجود نصوص تحمي العمال من الطرد التعسفي، تظل مليئة بالثغرات التي تجعل من الصعب تطبيق هذه الحماية في حالات معينة. 

ورغم ذلك، تلتزم العديد من الدول العربية بالمواثيق الدولية التي تحظر التمييز على أساس الحالة الصحية، ما يضع الضغوط على أصحاب العمل لضمان بيئة عمل خالية من التمييز".

وفي سياق متصل، ذكر أبي عساف "أن القضايا المتعلقة بالطرد بناءً على الحالة الصحية تظل معقدة، حيث يمكن لصاحب العمل أن يبرر الطرد في حال كانت الحالة الصحية تؤثر فعليًا على قدرة العامل على أداء مهامه".

دور الجمعيات الأهلية والطب النفسي

وتُبرز الجمعيات الأهلية والجهود النفسية أهمية التعامل الشامل مع القضايا الصحية التي تواجه المجتمع، خاصة تلك التي تتسم بحساسيتها وصعوبة الحديث عنها علناً.

ووفقاً للدكتورة ناديا بادران، المديرة التنفيذية لجمعية العناية الصحية للتنمية المجتمعية الشاملة، فإن التحديات تشمل قلة الوعي ووصمة العار الاجتماعية التي تحول دون الوصول إلى المعلومات والخدمات الصحية الضرورية. 

وتقول بادران في اتصال مع موقع "الحرة": "المشكلة لا تقتصر على فئة عمرية واحدة. نلاحظ في مراكزنا وجود أشخاص من مختلف الأعمار يعانون من صعوبة الحديث عن قضاياهم الصحية بسبب الحرج أو الخجل. هذه الحواجز تمنعهم من الوصول إلى المراكز أو حتى مجرد السؤال للحصول على المعلومات." 

وتؤكد على أن توزيع الخدمات الصحية بشكل غير متكافئ، حيث تتركز في المدن الكبرى مثل بيروت، يزيد من صعوبة حصول سكان المناطق الريفية على الدعم اللازم".

وتشير بادران إلى أهمية التوعية المبكرة والفحوصات الدورية التي تساعد الأفراد على فهم حالتهم الصحية والتعامل معها بفعالية.

وتضيف: "في لبنان، يتوفر العلاج بشكل مجاني من خلال برامج وطنية، وهذه خطوة مهمة لضمان حصول الجميع على الرعاية الصحية المناسبة بغض النظر عن الجنسية أو الخلفية الاجتماعية".

بالإضافة إلى توفير الخدمات، تعمل الجمعية على مواجهة الوصم والتمييز المرتبط ببعض الحالات الصحية. 

وتوضح بادران في معرض حديثها للموقع: "علينا العمل على أكثر من مستوى، بدءاً من تغيير النظرة الاجتماعية العامة وتعزيز قبول الآخر، إلى تدريب الإعلاميين على كتابة موضوعية خالية من الأحكام. كما أن رجال الدين يلعبون دورًا رئيسيًا في الوصول إلى شرائح مختلفة من المجتمع لنقل الرسائل الصحية بطريقة مسؤولة."

وتؤكد بادران أيضًا على أهمية الإطار القانوني لحماية الأفراد من التمييز في العمل وضمان حقوقهم الصحية والاجتماعية. وتشدد على أن الحق في الصحة والعلاج هو حق أساسي يجب أن يُكفل للجميع.

من جهة أخرى، تلقي التحليلات النفسية الضوء على التأثيرات النفسية العميقة التي قد تنشأ نتيجة الوصم الاجتماعي والخوف من الأحكام المسبقة. وترى المحللة والمعالجة النفسية ريما بجاني أن هذا الخوف يؤدي في كثير من الأحيان إلى القلق والاكتئاب، حيث يتجنب البعض الإفصاح عن مشكلاتهم خوفاً من نظرة المجتمع.

وتقول بجاني في اتصال مع موقع "الحرة": "الناس غالباً ما يشعرون بثقل كبير عند محاولتهم إخفاء حالتهم الصحية، وهذا يولد لديهم خوفاً دائماً من الحكم أو الرفض".

وتشير بجاني إلى أن "التغيير التدريجي في النظرة المجتمعية ضروري لتخفيف العبء النفسي عن الأفراد". 

وتضيف: "مع تطور العلاجات، من المهم أن يتمكن الناس من التحدث عن مشكلاتهم بحرية والحصول على الدعم اللازم دون خوف من الأحكام." وتؤكد على "أهمية وجود مساحات آمنة تتيح للأفراد التعبير عن أنفسهم وتلقي المساعدة المتخصصة بعيداً عن أي نظرة سلبية".

وفي اليوم العالمي للإيدز، تتجدد الدعوة إلى التضامن مع المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسبة، ليس فقط من خلال تقديم العلاج والخدمات الصحية، بل أيضًا عبر مواجهة الوصمة الاجتماعية التي تثقل كاهلهم. 

وتبقى قصص مثل مايا وأحمد، رغم خصوصيتها، مرآة لواقع الآلاف في العالم العربي، حيث الخوف من الرفض الاجتماعي يعمّق معاناتهم. فاليوم العالمي للإيدز ليس مجرد مناسبة سنوية، بل فرصة لنشر الأمل والاعتراف بحق كل إنسان في العيش بكرامة، بغض النظر عن حالته الصحية.

الملابس الصينية السريعة

توفر شركات الموضة الصينية منتجات شبيهة بأحدث منتجات دور الأزياء العالمية، بأسعار زهيدة مغرية. لكن السؤال: هل يمكن تحمل تكاليفها؟

يقول إينار تنجين، الخبير في الشأن الصيني، إن شركات الأزياء الصينية تلاحق آخر صيحات الموضة، وتقدم منتجا يشبه ما يراه الناس في عروض الأزياء في نيويورك أو ميلان، على سبيل المثال، وبسعر متاح على نطاق واسع، رغم أن المنتج ليس بنفس الجودة.

لكن الجودة، هنا، لا تتعلق بمتانة المنتج أو تميزه حِرفيا، فحسب.

السموم

تعتمد كبريات علامات الأزياء الصينية، بشكل كبير، على الألياف الصناعية ـ البوليستر والنايلون والاكليريك ـ وموادة مستخلصة من البتروكيمياويات.

تشكل المواد الداخلة في صناعة تلك الأقمشة ـ وفق دراسة لمؤسسة "Plastic Soup" ـ خطرا كبيرة على صحة المستهلك.

ما يقرب من 70 في المئة من ملابس علامات الأزياء التجارية الصينية، ومعظم المفروشات والستائر والسجاد مصنوعة البوليستر والنايلون والأكريليك، وبمجرد استنشاقها، وفق الدراسة، يمكن للألياف الاصطناعية أن تخترق أنسجة الرئة وتسبب التهابا مزمنا. 

وتربط تقارير علمية بين المواد الصناعية المستخدمة في صنع الأقمشة بأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والربو والسكري. 

ويمكن لجزيئات تلك المواد أن تصل، إذ نستنشقها، إلى الكبد والقلب والكلى والمخ، وحتى إلى الأجنة في الأرحام.

في خريف 2021، كشفت تحقيقات صحفية، في كندا، وجود مواد ضارة في الملابس التي يقتنيها الكنديون عبر مواقع التسوق الصينية. 

في سترة أطفال تم شراؤها من موقع Shein الصيني، اثبتت الاختبارات وجود ما يقارب 20 ضعفا من كمية الرصاص المسموح بها قانونية لأسباب صحية. 

وبحسب موقع وزارة الصحة الكندية، يتسبب الرصاص بأضرار في الدماغ والقلب والكلى والجهاز التناسلي. 

الرضّع والأطفال والحوامل هم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للخطر. 

رغم أن الرصاص عنصر طبيعي يمكن  العثور عليه في البيئة المحيطة، تتجاوز نسبته في الملابس الصينية، وفق نتائج الدراسة، مستويات التلوث البيئي، أو الكميات الصغيرة التي تتعرض لها الملابس عن غير قصد أثناء عمليات التصنيع. 

إثر التحقيقات الكندية، أعلنت شركة Shein سحب قطع ملابس، وأكد المتحدث باسم الشركة "الامتثال لمعايير السلامة"، الا أن الاتهامات تصاعدت لتطال كبريات منصات التسوق الصينية، مثل TEMU وAli Express. 

وأكدت نتائج فحوص مختبرية، أجريت في كوريا الجنوبية وفرنسا، ارتفاع نسب المواد السامة في منتجات الموضة السريعة الصينية. 

يقول نيكولاس لوريس، الخبير في شؤون الطاقة والسياسات البيئية إن مواد سامة تُستخدم في جميع أنواع الصناعات تقريبا، لكن ضمن معايير محددة تحمي العمال والمستهلكين، وتحافظ على البيئة. 

"مشكلة النموذج الصيني هي أنهم يتجاهلون كل هذه المعايير، وهنا يكمن الخطر الحقيقي". 

إغراء الأسعار

التقارير عهن سموم المواد البيتروكيمياوية لم تحُل دون تهافت الزبائن ـ حول العالم ـ على الصناعات الصينية. 

الأسعار مغرية.

لهذا، تسبق الصين دول العالم في إنتاج الأنسجة وتصديرها.

في عام 2022، شكلت صادرات الصين من المنسوجات 43 في المئة من الصادرات العالمية. وفي عام 2023، أنتجت الصين 19.36 مليار قطعة ملابس. وبلغ حجم صادرات الصين عام 2024 أكثر من 301 مليار دولار.

وساهمت شركات الموضة السريعة الصينية على نحو كبير في تحقيق هذا التفوق. وبحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، تشحن شركتا TEMU وShein مجتمعتين، حوالي 9000 طن من البضائع إلى دول حول العالم يوميا، أي ما يساوي حمولة 88 طائرة بوينغ عملاقة. 

تقول هدى حلبي، وهي حرفية متخصصة في الخياطة، إن البضاعة الصينية اليوم تغزو العالم، لكن غالبيتها غير صالحة للخياطة. "لا تملك الناس المال لشراء النوعية الجيدة للأقمشة ولذلك تشتري الأرخص وسرعان ما يقومون برميه".

وفرة نفايات

ما يظنه المستهلك توفيرا، يدفعه أضعافا، تقول حلبي، في سباق محموم للحاق بصيحات الموضة السريعة. وتضيف دارين شاهين، إعلامية، خبيرة موضة لبنانية، أن الدخول في لعبة الترند والموضة يجعلنا ندفع بضع دولارات على بعض الألبسة لنقوم بالنهاية برميها إلى النفايات. 

وتتابع حلبي أن "الأزياء التي تعتمد على الكلاسيكية، الأزياء البطيئة، هي قطع ممكن شراؤها من ماركات عالمية، وهي غالبا تكون أسعارها مكلفة أكثر، ولكن بطبيعة الحال تكون أنواع القماش من مواد صديقة للبيئة، مثل القطن العضوي، ويكون عمر هذه القطعة أطول، ويمكن أن نرتديها أكثر من ثلاثين مرة من دون رميها".

"إنتاج ضخم + ملابس قصيرة العمر = ملايين الأطنان من نفايات الملابس سنويا على مستوى العالم؛" معادلة بسيطة، وفق ما يؤكده لـ"الحرة" سامي ديماسي، مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.

 يتم التخلص من 92 مليون طن من نفايات المنسوجات سنويا، يقول ديماسي، "أي ما يعادل شاحنة قمامة مليئة بالملابس كل ثانية".

ويشير تقرير لموقع Firstpost الإخباري أن الصين هي المصنِّع والمستهلك الأكبر للملابس في العالم، وهي أيضا المساهم الأعلى في نفايات المنسوجات. ينتهي المطاف سنويا بحوالي 26 مليون طن من الملابس في مكبات النفايات ـ معظمها منسوج من مواد صناعية غير قابلة لإعادة التدوير.

عدم قابلية الألياف الصناعية على التحلل عضويا، وصعوبة إعادة تدويرها، جعلا من المكبات والمحارق، المستقر النهائي لنفايات الملابس.

تؤكد تقارير دولية أن كميات قليلة من هذه النفايات تم التخلص منها بطرق آمنة. ويقول ديماسي لـ"الحرة" إن 8 في المئة فقط من ألياف المنسوجات في عام 2023 صُنعت من مواد أعيد تدويرها، وأقل من واحد بالمئة من إجمالي سوق الألياف مصدره منسوجات أعيد تدويرها، "وهذا يبيّن أن هناك كثيرا من المنسوجات التي لا يعاد تدويرها، ترمى في النفايات، أو تحرق أو ترمى في المياه".

ألوان الأنهار

إلقاء نفايات الملابس في المسطحات المائية ليس سوى مصدر من مصادر  التلوث في الصين. فمصانع الأزياء تتخلص من ملايين الأطنان من المياه الملوثة في المجاري المائية. 

ومن المفارقات الشائعة ـ المقلقة ـ في الصين، أنه يمكن التنبؤ بألوان موضة الموسم من خلال متابعة مياه الأنهار. ويؤكد تقرير لمجلة "فوردهام" للقانون الدولي أن (70%) من البحيرات والأنهار (و90%) من المياه الجوفية في الصين ملوثة، ما يهدد الحياة البرية وإمكانية وصول المواطنين إلى مياه نظيفة. 

وتقدّر مجموعة البنك الدولي أن ما بين (17% و 20%) من التلوث الصناعي للمياه في الصين ناتج عن عمليات صباغة ومعالجة المنسوجات. 

علاوة على ذلك، تحتوي المياه في الصين على 72 مادة كيميائية سامة مصدرها صباغة المنسوجات؛ 30 مادة منها لا يمكن إزالتها من المياه.

ألوان الهواء

يقول مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا، سامي ديماسي، لـ"الحرة" إن سلسلة قيمة المنسوجات، كل عام، تشير إلى أنها مسؤولة عن نحو 8 في المائة من انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. 

لا تقتصر المسألة على الأضرار البيئة اليوم، يقول ديماسي؛ الأضرار ستمتد لعقود قادمة. "والأجيال الشابة التي ترى في الموضة السريعة فرصة لشراء منتجات رخيصة جدا، يفرحون بها أمام أصدقائهم، لا يدركون التكلفة الاقتصادية والبيئية لتلك الصناعة". 

رغم كل هذه الآثار البيئية، تبقى العروض المغرية والأسعار التي تصعب مقاومتها، أحد الأسباب وراء لجوء المستهلكين إلى مواقع التسوق الصينية.

فهم يستطيعون تحمل تكاليفها، لكن ـ مرة أخرى ـ يبقى السؤال قائما: هل يستطيعون بالفعل؟