إنها سنة المفاجأت والأحداث الكبيرة في الشرق الأوسط؛ ففيها دمرت إسرائيل القدرة العسكرية لحماس وقتلت معظم قادتها. كما صفت حسن نصرالله وقيادات "حزب الله"، وضربت القدرة العسكرية لهذه الميليشيا الموالية لإيران في لبنان وفي سوريا.
وأخيرا وربما ليس آخرا: فقد سقط بشار الأسد بسرعة أمام هجمات المعارضة السورية. فتلقت إيران وروسيا ضربة كبيرة بانهيار نظام آل الأسد في سوريا، وحزب الله وحماس. ونال الرئيس الأميركي، جو بايدن تصفيق الكثيرين بسبب هذه التحولات.
"مركزية القوة الصارمة في السياسة الخارجية الأميركية"
يقول الرئيس الأميركي، بايدن "لقد نجح نهجنا في تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط. ومن خلال هذا المزيج من الدعم لشركائنا، والعقوبات والدبلوماسية، والقوة العسكرية عند الضرورة، نرى الآن فرصا جديدة تنفتح أمام شعب سوريا والمنطقة بأسرها".
ويضيف "كانت إيران وحزب الله وروسيا الداعمين الرئيسين لبشار الأسد لسنوات عديدة. ولكن دعمهم انهار خلال أسبوع، وهم جميعا اليوم أضعف كثيرا مما كانوا عليه عندما توليت منصبي".
ويعتقد السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب سيواجه عالما أكثر عدائية لأميركا مما واجهه ترامب في ولايته الأولى.
ويضيف "سعى الرئيس بايدن إلى إدارة التهديدات من خلال المشاركة والتكيف. لكن القوى الانتقامية اليوم لا تسعى إلى تكامل أعمق مع النظام الدولي القائم، بل ترفض أساساته كلها، وتستمد قوتها من الضعف الأميركي، وتزداد شهيتها للهيمنة". ويختم ماكونيل بهذه التوصية: "إن الولايات المتحدة بحاجة ماسة للتوصل إلى إجماع بين الحزبين على مركزية القوة الصارمة في السياسة الخارجية الأميركية. ولابد أن تتغلب هذه الحقيقة على إيمان اليسار بالعولمة الجوفاء، ومغازلة اليمين للعزلة والانحدار. والآن هو الوقت المناسب لاستعادة القوة الأميركية الصارمة".
كيف ساهمت التحديات الخارجية في صناعة إرث الرئيس بايدن؟
دعم الرئيس بايدن العملية الإسرائيلية الانتقامية من حماس في غزة. ودعم إسرائيل في حربها على ميليشيا إيران في لبنان. وتستمر القوات الأميركية بضرب الحوثيين في اليمن لإيقاف قرصنتهم وهجماتهم على الملاحة التجارية الدولية في كل منطقة البحر الأحمر.
ويشكل الوضع المستجد في سوريا تحديا جديا للسياسة الأميركية بعد هزيمة بشار الأسد، ويجادل فريد زكريا في واشنطن بوست بأن "ضعف الأعداء يحدد إرث الرئيس، وما ضعف روسيا وإيران إلا دليلا على نجاح بايدن".
ويلاحظ زكريا أن "سقوط بشار الأسد يشير إلى ضعف روسيا المتزايد. روسيا التي أصبحت "قوة إقليمية"، كما وصفها باراك أوباما بازدراء".
يقول السفير الأميركي السابق جيمس جيفري لبرنامج "عاصمة القرار" من الحرة: "سينظر إلى الرئيس بايدن على أنه قائد من خلال تعاونه مع شركائنا وحلفائنا، وخاصة مع إسرائيل. لقد تمكنت تركيا بشكل غير مباشر من إنهاء حكم إيران الإرهابي الذي استمر لمدة عشرين عاما في المنطقة. ورغم أن المهمة لم تكتمل بعد، ولا يزال يتعين علينا مواجهة البرنامج النووي الإيراني، إلا أن هذا يمثل تحولا استثنائيا في المنطقة. وقد تحقق ذلك من خلال تعاوننا مع شركائنا وحلفائنا وبفضل القوة العسكرية الأميركية. يعتبر هذا تطورا غير عادي في الشرق الأوسط، وقد يكون أحد أبرز جوانب إرث الرئيس بايدن، إلى جانب دعمه لأوكرانيا".
من جانبه يقول الخبير الأميركي إدوارد جوزيف "تغير شكل الشرق الأوسط كليا، خاصة بعد السقوط غير المتوقع لنظام الأسد. يستحق بايدن التنويه لأنه دعم العمليات الإسرائيلية ضد حزب الله وأذرع إيران في سوريا. إيران هي الآن أضعف في الشرق الأوسط وأمام الرئيس ترامب، حين يتسلم السلطة، الفرصة لتحقيق اختراق في العلاقة مع إيران لأنها في موقف ضعف".
بايدن وصمود أوكرانيا في وجه الهجوم الروسي
شكل غزو بوتين لأوكرانيا في عهد الرئيس بايدن حدثا عالميا كبيرا وتحديا للولايات المتحدة وللرئيس شخصيا.
يقول جيك ساليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي "أعتقد أن إرث إدارتنا يتحدد في جزء كبير بما قمنا به بشأن أوكرانيا. يمكن أن يتم تلخيص ذلك في كلمتين: كييف صامدة".
ولكن مصير المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، وكل ما يتعلق بدعمها مرهون بقرار ترامب بعد تسلمه السلطة.
كيف غيرت التطورات الدولية أولويات بايدن الخارجية؟
حين وصل الرئيس بايدن إلى المكتب البيضاوي، نادى بسياسة خارجية لخدمة العائلات الأميركية، وأسماها حينها السياسة الخارجية للطبقة المتوسطة. لكن التطورات الدولية المتسارعة، غيرت أولويات الرئيس الأميركي. فأعطى أولوية لتحقيق التقدم في الدبلوماسية، وعزز العلاقات مع المملكة المتحدة والهند وأستراليا لمواجهة الصين، وأصلح العلاقات مع الحلفاء في أوروبا وحلف شمال الأطلسي، وهو ما أدى إلى رد فعل أقوى على الغزو الروسي لأوكرانيا.
كما أنهى بايدن حرب أفغانستان، أطول حروب أميركا، ولم يورثها لرئيس آخر، كما ورثها عن أسلافه من الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين. لكن ما وصف بالتسرع في الانسحاب من أفغانستان، جلب الكثير من النقد الجمهوري للرئيس الأميركي، وسيؤثر حتما على إرثه.
وبالمقابل، تعتقد دونا برازيل، الخبيرة في الحزب الديمقراطي، أن "بايدن هو أحد أعظم رؤسائنا، وأن التشهير به لن يؤدي إلى تشويه إرثه. فعلى المستوى الدولي رمم بايدن العلاقات مع الحلفاء بعد أن أضر بها ترامب، وقوى ووسع الناتو، إضافة إلى دعم إسرائيل".
يقول جوزيف "يستحق الرئيس بايدن الإشادة لأنه حشد تحالفا دوليا قويا لدعم أوكرانيا. كما تجنبت إدارة بايدن مواجهة مباشرة مع الصين، وحافظت على مستوى معقول من العلاقات الدبلوماسية، كما سعى بايدن إلى دعم دول مثل الفليبين واليابان وكوريا الجنوبية عبر خلق تحالفات مثل "أوكوس" و"كواد".
ويرى السفير جيفري أن "إيران وروسيا والصين، وكوريا الشمالية وغيرها من الدول ليست مجرد أنظمة استبدادية فقط، بل أنظمة عدوانية. لقد اتخذ الرئيس بايدن مواقف قوية تجاه إيران والصين، وأوصل بوتين إلى طريق مسدود في أوكرانيا".
سيودع الرئيس بايدن البيت الأبيض والسياسة، تاركا إرثا كبيرا سيختلف عليه النقاد والمؤرخون الأميركيون بين من يعتبر أن بايدن هو أحد صقور السياسة الخارجية، ومن يصنفه من حمائمها وينتقد ضعفه تجاه أعداء أميركا وخصومها الدوليين.
يتلقى معظم رؤساء أميركا الهجمات خلال فترتهم الرئاسية. حيث يتم انتقادهم بشدة وتشويه صورتهم من قبل الخصوم. والرئيس بايدن ليس استثناء. لكن حين تتكشف كل الأوراق، سيحكم التاريخ على بايدن بشكل أكثر دقة كما حصل مع رؤساء آخرين.