تكتيكات خبيثة.. و"إنترنت مظلم".. و"مدربون افتراضيون".. هكذا يبث تنظيم داعش الإرهابي سمومه بحثا عن "متلقين".. عن أولئك الذين يتحولون إلى "ذئاب منفردة" تخرج من أوكارها بين الحين والآخر لتنفيذ هجمات، لا يزال المجتمع الدولي عاجزا عن القضاء عليها.
بهجوم تلو الآخر.. روّع تنظيم داعش الإرهابي العالم أجمع قبل سنوات، عندما انتشر عناصره بأنحاء واسعة من سوريا والعراق وارتكبوا الفظائع.. ومع هزيمته على يد قوات التحالف الدولي، انحسر الخطر وتنفس العالم الصعداء، إلا أن "ذئابه المنفردة" لا تزال تشكل تحديا أمنيا يبحث عن حلول.
فرغم تراجع قدراته ونفوذه، لا يزال داعش قادرا بين الفنية والأخرى على تنفيذ هجمات، كما حدث، الأربعاء، بمدينة نيو أورليانز الأميركية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 15 شخصا وإصابة 30 بجروح.
اللافت في هذا الهجوم الدموي، هو راية تنظيم داعش الإرهابي التي عثرت عليها القوات الأمنية في المركبة التي استخدمها شمس الدين جبار في الهجوم.
ويرجع الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، ماهر الفرغلي، في حديثه إلى موقع "الحرة"، استمرار خطر تلك الهجمات إلى عدة أسباب، أبرزها أن "الأفكار التي يؤمن بها التنظيم لا تزال موجود ومنتشرة"، مضيفا: "لا أعتقد أنها ستنتهي بشكل مطلق".
وشدد على أن أيديولوجية داعش المتطرفة "تنجح في استقطاب خلايا من الذئاب المنفردة، بإقناع عناصرها بتكفير الغرب الذين يعيشون فيه، ناهيك عن غياب ما يسمونها (الخلافة الرشيدة)، التي يجب أن تحكم العالم وفق التفسير المتشدد لمبادئ الشريعة".
ولفت الفرغلي إلى أن ما يجري حاليا هو محاولة "القضاء على التنظيمات المتطرفة دون منع أو محاربة الفكر المنتشر عبر العديد من المنابر الإلكترونية، خاصة (الإنترنت المظلم) ومنصات التواصل الاجتماعي".
الباحث في في قضايا الإرهاب الدولي بمنتدى الشرق الأوسط، أحمد عطا، يرى في تصريحات لموقع "الحرة"، أن "خطورة الذئاب المنفردة تكمن في أنها تنفذ ما يعرف بالهجمات الكريستالية، أي إيقاع الكثير من الضحايا بأقل التكاليف، والتي يتم اللجوء إليها في فترات مختلفة، لشن هجمات تعجز عن تنفيذها تلك الجماعات بالأساليب الكلاسيكية المعتادة".
واعتبر أن الهدف من تلك الهجمات هو "توجيه (انتقام) مباشر من الدولة التي ينفذ فيها داعش تلك العمليات الإرهابية".
وفي هذا السياق، أوضحت دراسة كانت قد نشرت عام 2017، أن داعش يعتمد على "مدربين افتراضيين، يعملون بصورة مستقلة عن قيادة الجماعة الإرهابية لتوجيه ذئاب منفردة، وحضهم على تنفيذ هجمات محدودة".
وقال باحثان في "البرنامج بشأن التطرف" بجامعة جورج واشنطن، إن الأدلة تشير إلى أن العديد من منفذي الهجمات المعروفين بـ"الذئاب المنفردة" لتحركهم بمفردهم، "يتلقون في الواقع التشجيع والتوجيه من عناصر في تنظيم داعش، يدفعونهم لتنفيذ هجمات يمكن للتنظيم لاحقا تبنيها".
وقال ألكسندر ميلياغرو-هيتشنز الذي وضع الدراسة بالاشتراك مع سيموس هيوز: "هناك أشخاص يبادرون إلى ابتكار أساليب جديدة لنشر العقيدة الجهادية وتشجيع الهجمات"، وفق وكالة فرانس برس.
والجديد على حد قوله، هو أن هؤلاء الأفراد الذين يطلق عليهم الباحثان تعبير "المدربين الافتراضيين"، يعملون بصورة مستقلة لتطوير مخططات اعتداءات بعيدا عن أي إشراف أو توجيه من قادة داعش، مستخدمين شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الرسائل المشفرة.
وتابع الباحث: "يتهيأ لنا أنهم متروكون إلى حد بعيد لشأنهم، مع وسائلهم الخاصة. إنهم يستخدمون حسهم بالابتكار لإيجاد وسائل جديدة لاجتذاب عناصر وتشجيعهم على شن هجمات، وكذلك الخروج بأساليب جديدة لمهاجمة الغرب".
"هجمات منخفضة التكلفة"
والهجوم الذي وقع في مدينة نيو أورليانز، يشير إلى ما كان صدر عن تنظيم داعش الإرهابي بشأن تشجيع خلايا الذئاب المنفردة، باعتباره "منخفض التكلفة ونتائجه مضمونة إلى حد بعيد".
وفي عام 2016، ومع صعود داعش وسيطرته على مساحات واسعة في الشرق الأوسط، اتخذ التنظيم استراتيجية لنشر الرعب عالميًا، إذ رأى قادته أن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي تطرف أتباعهم في الغرب، وتحفيزهم على تنفيذ هجمات لا تتطلب مهارات كبيرة أو تمويلًا ضخمًا.
وحث أبو محمد العدناني، المتحدث باسم داعش آنذاك، أتباع التنظيم الإرهابي، باستهداف من وصفهم بـ"الكفار"، بسكين أو بدهسهم بالسيارة، في حال لم تتوفر قنابل أو أسلحة، بل وقام إرهابيو داعش، بتوضيح تفاصيل دقيقة حول كيفية تنفيذ هجمات باستخدام المركبات، في مجلة دعائية أطلقها التنظيم.
وأشارت المجلة إلى أن استهداف الأسواق المفتوحة والتجمعات الاحتفالية سيؤدي إلى إصابة أعداد كبيرة من الأشخاص، ونشر الذعر على نطاق واسع.
وحسب صحيفة "التايمز" البريطانية، فإنه بين عامي 2014 و2017، نفذ الإرهابيون 17 هجومًا معروفًا باستخدام المركبات، مما أدى إلى مقتل 173 شخصًا وإصابة 667 آخرين.
ولفت تقرير الصحيفة إلى أن السيارة تعد "السلاح المفضل للإرهابيين، لأنها سهلة الاستخدام وتقلل من خطر اكتشاف المخططات مسبقًا".
كما أن الوصول إلى سيارة أو شاحنة لا يثير الشبهات كما هو الحال مع شراء أسلحة نارية أو مواد لصنع القنابل، مما دفع البعض إلى وصف هذه الهجمات بأنها "سلاح الدمار الشامل للفقراء"، وفق تقرير الصحيفة، الإثنين.
"هجمات بالنيابة"
من جانبه، علق آرون زيلين، زميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية، على هجوم نيو أورليانز، بالقول: "ما شهدناه يتماشى مع النمط المعتاد الذي رأيناه من تنظيم داعش منذ فترة طويلة. لقد دعوا مرارًا إلى تنفيذ هجمات باستخدام المركبات كأسلحة".
وأوضح زيلين في حديث إلى موقع "صوت أميركا"، الأربعاء، أن داعش "دأب يوميًا على نشر دعوات لأنصاره ومجندين محتملين لتنفيذ هجمات بالنيابة عنه".
ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة سان خوسيه، فقد وقع أكثر من نصف الهجمات، في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأوروبا.
ومنذ عام 2003، شهدت الدول المتقدمة 41 هجومًا باستخدام المركبات، وتصدرت الولايات المتحدة القائمة بـ 13 هجومًا، تلتها فرنسا بـ 10 هجمات، وبريطانيا بـ 5 هجمات.
وفي تقرير نشر بموقع "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، نوه الباحث ماثيو ليفيت، إلى أن داعش "شديد الوضوح" في دعوته إلى اعتماد اعتداءات فردية وفق نمط "الذئاب المنفردة" في أي مكان بالعالم.
وشدد على أنه "مع تزايد عدد هجمات الذئاب المنفردة سيصعب على وكالات الاستخبارات وقف انتشار العنف المتزايد والفوضى في الغرب".
وبدوره، قال فرغلي في حديثه إلى موقع "الحرة"، إنه "لا يمكن القضاء على تلك العمليات رخيصة التكلفة وغير المتوقعة بشكل تام، مهما تم اتخاذ الاحتياطات اللازمة".
وأشار إلى أن بالإمكان الحد من تلك الاعتداءات، "لكن الحل الأمثل يبقى في محاربة الأفكار الإرهابية، والعمل على عدم انتشارها بين الشباب وصغار السن في الدول الغربية".
أما عطا، فيعتقد أن الغرب "عاجز عن مواجهة تلك الهجمات، لعدم وجود معلومات تتعلق بالعناصر الجهادية المحترفة التي تنتمي إلى تنظيمات مثل داعش والقاعدة"، القادرة على تنفيذ هجوم كالذي وقع في نيو أورليانز.
وختم حديثه بالتحذير من "الحروب الكريستالية التي ينفذها داعش بشكل ممنهج".