تنظم مجلة "شارلي إبدو" الفرنسية، الثلاثاء، مراسم لإحياء الذكرى العاشرة للهجوم الذي شنه تنظيم القاعدة على مقرها عام 2015، والذي أودى بحياة معظم أفراد طاقمها التحريري، في الوقت الذي لا يزال العالم فيه يواجه خطر التنظيمات الإرهابية وهجمات "ذئابها المنفردة"، وآخرها الذي شهدته مدينة نيو أورليانز الأميركية.
وبعد 10 سنوات على هجوم السابع من يناير الذي تبناه تنظيم القاعدة، تصدر المجلة عددا خاصا من 32 صفحة، يتضمن رسوما كاريكاتورية، ضمن مسابقة دولية أطلقتها عام 2024.
وقال رئيس التحرير، جيرار بيار، لوكالة فرانس برس تزامنا مع الذكرى: "لم يقتلوا شارلي إبدو.. نريدها أن تدوم ألف سنة".
ونفذ الهجوم الشقيقان الفرنسيان من أصل جزائري، شريف وسعيد كواشي، وقتلا 12 شخصا، من بينهم 8 من هيئة تحرير المجلة.
"شارلي إبدو" التي عُرفت بمعارضتها لرجال الدين، تأسست عام 1970 على أنقاض مجلة "هارا-كيري"، وتعرضت لتهديدات منذ نشرها رسوما كاريكاتورية للنبي محمد عام 2006.
وهز الهجوم العالم وانتشر شعار "أنا شارلي" تضامنا مع المجلة. وفي 11 يناير 2015، تظاهر حوالي 4 ملايين شخص في أنحاء فرنسا، على رأسهم عدد من رؤساء الدول والحكومات في باريس.
ومن المقرر أن تكرم بلدية باريس ضحايا اعتداءات يناير 2015، بحضور الرئيس إيمانويل ماكرون، وفق فرانس برس.
وستنطلق هذه المراسم عند الساعة 11,30 بالتوقيت المحلي، من شارع نيكولا أبير في الدائرة الحادية عشرة من باريس حيث كان مقر "شارلي إبدو" في 2015.
وستنتقل بعدها إلى بولفار ريشار لونوار حيث قتل الأخوان كواشي، على أن تنتهي في الساعة 13,10 بتكريم لضحايا متجر أطعمة يهودية تعرض لهجوم في نفس الشهر أيضًا.
وفي 13 نوفمبر 2015، شهدت فرنسا هجمات إرهابية أوسع نطاقا، أسفرت عن مقتل 130 شخصا في قاعة باتاكلان للحفلات الموسيقية في باريس، وعلى أرصفة عدد من المطاعم والحانات.
وقال ماكرون خلال اجتماع لمجلس الوزراء، الجمعة، إن "الذكرى القريبة لاعتداءات 2015، تذكرنا بأن المخاطر ما زالت قائمة وينبغي ألا نتهاون بتاتا في نضالنا من أجل حماية الفرنسيين والدفاع عن حرياتنا".
وتأتي الذكرى العاشرة للاعتداء، غداة انطلاق محاكمة 6 شبان على خلفية هجوم بالسكين أمام المقر السابق لـ"شارلي إبدو" سنة 2020.
وبدأت، الإثنين، في باريس، محاكمة الفرنسي بيتر شريف، أمام محكمة الجنايات الساعية إلى كشف الحقائق بشأن أعوام أمضاها في اليمن، وعلاقته بأحد منفذي الهجوم على "شارلي إبدو" عام 2015.
وسيحاكم شريف بتهمة "تشكيل عصابة مجرمين إرهابيين" بين عامي 2011 و2018، حين كان في اليمن في صفوف تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب".
كما أن تورطه المحتمل في جريمة القتل التي ارتكبت في مقر "شارلي إبدو" عام 2015، سيكون في صلب المحاكمة.
خطر "الذئاب المنفردة"
ولا تزال التنظيمات الإرهابية قادرة بين الفنية والأخرى على تنفيذ هجمات، كما حدث، الأربعاء، بمدينة نيو أورليانز الأميركية، مما أسفر عن مقتل 14 شخصا.
ونفذ الهجوم شخص يتنبى أفكار داعش، وقد عثر بحوزته على راية للتنظيم الإرهابي.
وفي حديث سابق لموقع الحرة، أرجع الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، ماهر الفرغلي، استمرار خطر تلك الهجمات إلى عدة أسباب، أبرزها أن "الأفكار التي يؤمن بها التنظيم لا تزال موجود ومنتشرة"، مضيفا: "لا أعتقد أنها ستنتهي بشكل مطلق".
ولفت الفرغلي إلى أن ما يجري حاليا هو محاولة "القضاء على التنظيمات المتطرفة دون منع أو محاربة الفكر المنتشر عبر العديد من المنابر الإلكترونية، خاصة (الإنترنت المظلم) ومنصات التواصل الاجتماعي".
من جانبه، رأى الباحث في في قضايا الإرهاب الدولي بمنتدى الشرق الأوسط، أحمد عطا، في تصريحات سابقة لموقع "الحرة"، أن "خطورة الذئاب المنفردة تكمن في أنها تنفذ ما يعرف بالهجمات الكريستالية، أي إيقاع الكثير من الضحايا بأقل التكاليف، والتي يتم اللجوء إليها في فترات مختلفة، لشن هجمات تعجز عن تنفيذها تلك الجماعات بالأساليب الكلاسيكية المعتادة".
وفي هذا السياق، أوضحت دراسة كانت قد نشرت عام 2017، أن داعش يعتمد على "مدربين افتراضيين، يعملون بصورة مستقلة عن قيادة الجماعة الإرهابية لتوجيه ذئاب منفردة، وحضهم على تنفيذ هجمات محدودة".
وقال باحثان في "البرنامج بشأن التطرف" بجامعة جورج واشنطن، إن الأدلة تشير إلى أن العديد من منفذي الهجمات المعروفين بـ"الذئاب المنفردة" لتحركهم بمفردهم، "يتلقون في الواقع التشجيع والتوجيه من عناصر في تنظيم داعش، يدفعونهم لتنفيذ هجمات يمكن للتنظيم لاحقا تبنيها".
وقال ألكسندر ميلياغرو-هيتشنز الذي وضع الدراسة بالاشتراك مع سيموس هيوز: "هناك أشخاص يبادرون إلى ابتكار أساليب جديدة لنشر العقيدة الجهادية وتشجيع الهجمات"، وفق وكالة فرانس برس.
والجديد على حد قوله، هو أن هؤلاء الأفراد الذين يطلق عليهم الباحثان تعبير "المدربين الافتراضيين"، يعملون بصورة مستقلة لتطوير مخططات اعتداءات بعيدا عن أي إشراف أو توجيه من قادة داعش، مستخدمين شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الرسائل المشفرة.
وتابع الباحث: "يتهيأ لنا أنهم متروكون إلى حد بعيد لشأنهم، مع وسائلهم الخاصة. إنهم يستخدمون حسهم بالابتكار لإيجاد وسائل جديدة لاجتذاب عناصر وتشجيعهم على شن هجمات، وكذلك الخروج بأساليب جديدة لمهاجمة الغرب".
وفي هذا الصدد، قال فرغلي إنه "لا يمكن القضاء على تلك العمليات رخيصة التكلفة وغير المتوقعة بشكل تام، مهما تم اتخاذ الاحتياطات اللازمة".
وأشار إلى أن بالإمكان الحد من تلك الاعتداءات، "لكن الحل الأمثل يبقى في محاربة الأفكار الإرهابية، والعمل على عدم انتشارها بين الشباب وصغار السن في الدول الغربية".