في يوم عيد الميلاد المجيد، لاحظت السلطات في إستونيا وفنلندا التوقف المفاجئ لكابل الكهرباء البحري "إستلينك 2" الذي يربط بين البلدين، وذلك في الوقت الذي أظهرت فيه بيانات تتبع السفن مرور السفينة "إيجل إس"، وهي تغادر من الساحل البلطيقي لروسيا في طريقها إلى مصر.
وفي نوفمبر، أمضت الناقلة الصينية "يي بينغ 3" أكثر من شهر راسية في مضيق كاتيجات بين الدنمارك والسويد، بعد أن كانت مشبوهة باستخدام مرساها لقطع كابلين آخرين للألياف الضوئية، أحدهما يربط بين ألمانيا وفنلندا والآخر بين السويد وليتوانيا.
وفقا للمدعين العامين في السويد، طلبت السلطات الصينية الحق في إجراء تحقيق خاص بها على متن السفينة، وهو ما سمح المسؤولون السويديون بمراقبته لفترة قصيرة.
ولكن السفينة في النهاية أبحرت دون أي توضيح رسمي حول ما إذا كانت مسؤولة عن الأضرار.
أما فيما يتعلق بسفينة "إيجل إس"، فقد كانت السلطات في فنلندا مصممة على التحرك بسرعة.
وقالت السلطات الفنلندية آنذاك إنها تعتقد أن السفينة كانت جزءًا من "الأسطول الظلي" لروسيا، وهو أسطول يتكون عادة من سفن رديئة الصيانة تُستخدم للتهرب من العقوبات، وأحيانًا لتنفيذ عمليات خفية بالنيابة عن الكرملين.
كانت عملية اعتراض السفينة واحتجازها من قبل فنلندا واحدة من أكثر الخطوات التي اتخذتها دولة غربية حتى الآن في مواجهة ما يقول المسؤولون إنه حملة متصاعدة من التخريب والتخريب المضاد وأنشطة "الحرب الهجينة" الأخرى التي تنفذها كل من روسيا والصين.
على الجانب الآخر من العالم، قال خفر السواحل التايواني إن سفينة أخرى - مسجلة في كل من تنزانيا والكاميرون ولكن بطاقم صيني - يشتبه في أنها كانت وراء قطع كابل بحري آخر، وهو الحادث الثاني من نوعه في المياه المحيطة بالجزيرة في السنوات الثلاث الماضية.
ومثلما هو الحال في الأحداث في أوروبا، يبدو أن مثل هذه الحوادث مصممة عمدًا للتخويف، على الرغم من أن كل من موسكو وبكين ينفيان غالبًا أي تورط.
"حرب هجينة" لتخويف حلفاء الولايات المتحدة
بينما يستعد الرئيس المنتخب دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض في 20 يناير، يشعر حلفاء الولايات المتحدة في كل من أوروبا ومنطقة المحيط الهادئ بقلق متزايد من أن الإدارة الأميركية المقبلة قد تتركهم أكثر عرضة للعدوان الروسي والصيني، وربما حتى الهجوم العسكري التقليدي.
وبسبب هذه المخاوف، تواصل العديد من حلفاء أميركا في أوروبا وآسيا بالفعل مع إدارة ترامب، وتعهد العديد من حلفاء أوروبا أيضًا بزيادة الإنفاق على دفاعاتهم الخاصة.
لكن تلميح ترامب بأنه قد يستخدم القوة العسكرية للاستيلاء على جزيرة غرينلاند من الدنمارك أثار بالفعل انتقادات من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا.
لم يتحدث ترامب كثيرًا عن نهجه تجاه حلفاء الولايات المتحدة في آسيا، بخلاف تعهده بفرض تعريفات جمركية على الصين، ولكن تساءل سابقا ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة أن تتدخل للدفاع عن تايوان إذا غزت بكين الجزيرة.
تعهد الرئيس المقبل بتعزيز "السلام من خلال القوة"، بما في ذلك تعزيز الجيش الأميركي، ولكنه لم يقدم وضوحًا حول ما يعنيه ذلك عمليًا.
لكن بعض العلامات تشير إلى أنه يأمل في إظهار قوة وقدرة دبلوماسية لإدارته الجديدة من خلال إبرام "صفقات" لإنهاء أو إدارة الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط، بينما يضغط على أعضاء حلف الناتو الأوروبيين لزيادة إنفاقهم العسكري بسرعة.
وفي هذا السياق، قد تختار روسيا والصين عدم المخاطرة بالحرب الشاملة من خلال مهاجمة تايوان أو أحد أعضاء الناتو الشرقي.
ولكن بدلا من ذلك قد تشعران بالحافز لزيادة الضغط من خلال "الحرب الهجينة" أو "الحروب الرمادية"، بهدف تخويف الشركاء الأميركيين الذين يعتبرونهم أضعف أو أكثر عرضة للخطر، دون تجاوز حدود الصراع المفتوح.
تمزيق القواعد .. مقاربة ليست خالية من المخاطر.
بينما يستعد ترامب لتسلم منصبه الرئاسي، يبدو بوضوح أنه يبحث عن أمثلة لإثبات قوته وهيمنة الولايات المتحدة، وهذا دفعه مثلا لطرح فكرة استعادة قناة بنما أو حتى استخدام الأدوات الاقتصادية لجعل كندا ولاية أميركية.
ولم يكن لأي رئيس أميركي هذا التوجه منذ الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من مئة عام، وهناك مخاوف من أن مثل هذه الخطوة قد تشجع جهود التوسع الروسي والصيني.
على الأقل، سيؤدي ذلك إلى تمزيق القواعد التي شجعت الدول الغربية على اتباعها منذ عام 1945، مما قد يفتح الباب أمام المزيد من الأعمال "الهجينة" أو "في المناطق الرمادية".
وفي العام الأخير من ولاية الرئيس، جو بايدن، كانت هناك زيادة ملحوظة في أعمال التخريب المرتبطة بروسيا وأعمال أخرى قابلة للإنكار ولكنها عدوانية بلا شك في أوروبا، بالإضافة إلى الاستعراضات العسكرية الصينية تجاه تايوان وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين مثل اليابان والفلبين.
واستمرت تلك الأنشطة حتى في ديسمبر الماضي بل ربما ازدادت حدتها، وفي آخر عامين من ولايته، أشارت إدارة بايدن بشكل متكرر إلى ردع غزو صيني لتايوان باعتباره أولوية استراتيجية رقم واحد.
وفي الأسابيع الأخيرة من ولايته، وافقت الإدارة أيضًا على صفقة كبيرة لتوريد الأسلحة لأوكرانيا لمساعدتها على الاستمرار في القتال ضد روسيا قبل بدء أي مفاوضات بمجرد أن يصبح ترامب رئيسًا.
وستتجه الأنظار إلى البيت الأبيض لمراقبة الأسابيع والأشهر الأولى من إدارة ترامب القادمة عن كثب بحثًا عن مؤشرات على أي تغييرات في تلك الديناميكيات.
ووضع البنتاغون بالفعل جدولا لتدريبات كبيرة في كل من أوروبا ومنطقة المحيط الهادئ للنصف الأول من هذا العام، ومن غير المرجح أن يتم تعديلها.
لكن يتوقع العديد من شركاء الولايات المتحدة مزيدًا من التصعيد والمواجهة، وهو أحد الأسباب التي جعلت فنلندا تتحرك بسرعة بعد حادثة الباخرة.
إستونيا زادت بدورها من دورياتها في منطقة بحر البلطيق الوسطى، بينما ستقوم القوة الاستكشافية المشتركة بقيادة بريطانيا بإعداد قدرة خاصة باستخدام الذكاء الاصطناعي لتتبع "الأسطول الظلي" الروسي وغيرها من السفن المشتبه بها عندما تقترب من الكابلات الرئيسية أو النقاط الاستراتيجية الأخرى.
وحذر مسؤولون أميركيون مرارًا من أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أمر جيشه بأن يكون جاهزًا لغزو تايوان بحلول عام 2027، على الرغم من أنهم يقولون إنه لا يوجد دليل على أنه اتخذ قرارًا بذلك بعد.
لكن إذا حدث ذلك، يعتقد هؤلاء المسؤولون وغيرهم أنه قد يصاحبه هجوم روسي في أوروبا حيث يعمل البلدان معا بشكل أكثر قربا.
تحرك صيني لزعزعة الاستقرار
تستعد بكين بالفعل لتهديدات ترامب المتعلقة بزيادة الرسوم الجمركية، فضلا عن احتمال وقوع مواجهة أوسع.
وبحسب المعطيات، ستواصل الصين زيادة الضغط، بما في ذلك حوادث الكابلات البحرية، والانتهاكات العسكرية، والهجمات الإلكترونية، فضلا عن زعزعة الاستقرار السياسي عندما تستطيع.
في الأسبوع الثاني من الشهر الماضي، أفاد المسؤولون في تايوان بأن أكثر من 90 سفينة صينية كانت تجري ما بدا أنه تدريبات حول الجزيرة. في حين أن التدريبات الصينية الكبرى السابقة كانت تُعلن بشكل مكثف على وسائل الإعلام الاجتماعية الصينية الحكومية والعسكرية.
ووفقًا للبيانات فإن الطائرات الحربية الصينية دخلت المجال الجوي الذي تسيطر عليه تايوان أكثر من 3000 مرة في 2024، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق.
وتقول اليابان إن خفر السواحل الصيني سجل أيضًا رقمًا قياسيًا جديدًا لعدد الأيام التي انتهكت فيها المياه التي تطالب بها طوكيو كجزء من جزر سينكاكو/دياويو المتنازع عليها.
ويقول المسؤولون الفلبينيون إن أكبر سفينة خفر سواحل صينية قد دخلت مرة أخرى المياه المعترف بها من قبل محكمة الأمم المتحدة الدولية للملاحة كجزء من المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين.
ولكن على الرغم من أن أيًا من هذه المواجهات قد يؤدي إلى حرب من الناحية النظرية، فإن تايوان تُعتبر أكبر نقطة اشتعال محتملة.
تشير التقارير إلى أن بكين قد منحت الجنسية الصينية لمئات أو ربما لآلاف أو أكثر من المواطنين التايوانيين الذين طلبوا ذلك.
تخشى حكومة تايبيه أن يتم استخدام هذه الخطوة في النهاية لتبرير عملية عسكرية ضد الجزيرة
قد يعكس هذا النوع من الاستراتيجية الجهود الروسية الطويلة في أوروبا، بما في ذلك في أوكرانيا، حيث استخدم الكرملين السكان الناطقين بالروسية لزعزعة استقرار الدول التي تميل إلى الغرب على طول حدوده وتبرير العمل العسكري المحتمل.
ترامب لم يدخل البيت الأبيض بعد، وعندما يصل إلى هناك، قد تتصاعد هذه الاختبارات للقوة بشكل أكبر، أو قد تتلاشى تمامًا إذا اعتقد أعداء الولايات المتحدة المحتملون أنها لا تستحق المخاطرة.