يمثل ملف "تسليم بشار الأسد" شرطا أساسيا للحكومة السورية المؤقتة بشأن بحث إعادة العلاقات مع روسيا، رغم الرسائل الإيجابية التي تصدر عن مسؤولين في الإدارة الجديدة حول هذا الملف.
ولا يستبعد محللون تحدثوا في برنامج "الحكي سوري" أن يكون ملف "الأسد" ضمن صفقة، قد تبرمها دمشق تعيد رسم العلاقات فيها مع موسكو، مقابل إعادة الرئيس السوري السابق الهارب إلى روسيا، بشار الأسد، وقد تتضمن دفعا لتعويضات للشعب السوري، وهو ما قد يحدد المستقبل الروسي في الداخل السوري.
وأكد الرئيس الانتقالي في سوريا أحمد الشرع لنظيره الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء على العلاقة "الاستراتيجية الوطيدة" بين البلدين، في أول تواصل بين الرجلين منذ إطاحة الرئيس الأسد الذي حظي بدعم منقطع النظير من موسكو.
تسليم الأسد
المحلل السياسي والكاتب السوري، غسان ياسين أكد أن جلب المسؤولين السوريين السابقين إلى العدالة، هو مطلب للدولة السورية الجديدة والشعب السوري، في إشارة إلى ضرورة تسليم روسيا للأسد إلى دمشق.
وأضاف في حديث لقناة "الحرة" أن سوريا تريد علاقة متوازنة مع الجميع، مبنية على المصالح المشتركة، ولكن هناك شروط بالنسبة لموسكو، في مقدمتها تسليم رموز النظام السابق الموجودين في روسيا.
وشدد أن الاحتفال بـ "النصر للسوريين لن يكتمل إلا بتحقيق العدالة الانتقالية لشهداء الثورة"، أو حتى بحث ملف دفع التعويضات من موسكو للشعب السوري.

وقال غسان إن هناك مسارات قانونية للمحاسبة على الجرائم التي ارتكبتها روسيا بحق السوريين، وبالتأكيد سيكون هناك مسارات في المفاوضات تتضمن: تسليم الأسد والمسؤولين، دفع التعويضات، الوجود المستقبلي في سوريا.
وخلال اتصال تلقاه من بوتين، أكد الشرع الأربعاء "على العلاقة الاستراتيجية الوطيدة بين البلدين، وانفتاح سوريا على كل الأطراف، بما يخدم مصالح الشعب السوري ويعزز الأمن والاستقرار في سوريا".
وتبادل الرجلان، وفق بيان للرئاسة، "وجهات النظر حول الوضع الحالي في سوريا وخارطة الطريق السياسية لبناء سوريا الجديدة".
ووجه بوتين، وفق البيان، "دعوة رسمية إلى وزير الخارجية السوري... لزيارة روسيا" التي كانت تعد من أبرز داعمي النظام السابق.
الباحث السياسي والاستراتيجي الروسي، ديمتري بريجع، يرجح أن أي صفقة ستكون بين موسكو ودمشق، قد تتضمن مصير الأسد، أو أن يكون هناك طلب من دمشق رسميا بهذا الخصوص.
وقال لـ "الحرة" إن مسألة الأسد قد تكون صعبة، ولكن روسيا استراتيجيتها المتعلقة بسوريا ترتبط باستراتيجيات عسكرية ترسمها وزارة الدفاع.
ولم يكشف ما إذا كانت موسكو منفتحة على تسليم الأسد، مشيرا إلى أن الأمر يرتبط بالتطورات التي تحصل في الداخل السوري، وفي حال كانت خسارة لروسيا لقواعدها العسكرية هناك، سيمثل هذا ضربة لمصالح موسكو.
وقال بريجع إن الباب سيبقى مفتوحا لأي صفقة بتسليم الأسد أو أمواله إلى دمشق، ولكن هذا يرتبط بالمصالح الروسية أيضا.
علاقة دمشق مع موسكو
لأول مرة منذ إطاحة النظام، زار وفد رسمي روسي برئاسة نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف دمشق نهاية يناير مؤكدا دعمه "وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها".
واعتبرت السلطات السورية الجديدة في بيان إثر الزيارة أن "استعادة العلاقات يجب ان تعالج أخطاء الماضي".
وسبق لبوتين أن أكد في منتصف ديسمبر أن سقوط الأسد لا يشكل "هزيمة" لروسيا، رغم أن الأخيرة كانت، إلى جانب إيران، أبرز داعمي الرئيس المخلوع منذ اندلاع الاحتجاجات في العام 2011، والتي تحولت الى نزاع دام بعدما قمعتها السلطات بعنف.
وقال المحلل السياسي السوري ياسين إن العلاقات بين الشعب السوري مع موسكو، علاقة معقدة وشائلة ولا يمكن أن ينسوا ما حدث في الغوطة وحلب عندما تدخل الجيش الروسي من أجل دعم دمشق وإيران في سنوات سابقة.
وزاد أن السوريين لن ينسى تفاخر المسؤولين السوريين السابقين بأنه تم تجربة مئات أنواع الأسلحة فوق أجساد المدنيين في سوريا.

واعتبر أن التصريحات التي يدلى بها مسؤولون في الإدارة السورية المؤقتة هي لفتح باب التفاوض مع موسكو، إذ كان لروسيا تواجد في طرطوس بقاعدة بحرية صغيرة من قبل الحرب، وهذه يمكن أن تبقى، لكن لا يمكن إبقاء قاعدة حميميم التي انطلقت منها الطائرات الحربية الروسية ودمرت المدن السورية.
وشكلت موسكو داعما رئيسيا للأسد على امتداد حكمه الذي استمر ربع قرن.
وبعدما قدمت له دعما دبلوماسيا في مجلس الأمن الدولي إثر اندلاع النزاع عام 2011، تدخلت قواتها عسكريا لصالحه بدءا من العام 2015 وساهمت، خصوصا عبر الغارات الجوية، في قلب الدفة لصالحه على جبهات عدة في الميدان.
ويتفق بريجع أن التواجد الروسي في سوريا يرتبط بمصالح جيوإستراتيجية، خاصة في ظل التوترات مع الغرب.
ويرى في حديثه لـ "الحرة" أن التسابق الروسي مع الغرب يحتم عليها إبقاء قواعدها في سوريا، والتي تعتبر نقطة هامة لخدمة قواعدها الأخرى الموجودة في أفريقيا.
وأكد بريجع أن روسيا بالنهاية منفتحة على إعادة الإعمار وملف الطاقة في سوريا، منوها إلى أن الاتفاقيات التي أبرمت مع نظام الأسد، تبقى نافذة حتى مع الإدارة الجديدة.
وتسعى روسيا لضمان مستقبل قاعدتيها البحرية في طرطوس والجوية في حميميم، وهما الموقعان العسكريان الوحيدان لها خارج نطاق الاتحاد السوفياتي السابق، في ظل السلطات الجديدة.
وللموقعين أهمية كبرى لموسكو للحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.
الخبير العسكري السوري المقيم في إسطنبول، أحمد رحال أكد أنه لم تكن هناك قواعد عسكرية لروسيا في سوريا في الفترة التي سبقت 2011.
وقال لـ "الحرة" كان هناك "نقطة فينة" عبارة عن سفينة للإصلاح ومشفى ميداني ومهبط حوامة فقط.
وأكد أن التواجد الروسي في روسيا كان لخدمة أهداف أكبر لموسكو، إذ كانت تطمح لأن تكون لها نقطة انطلاق للشرق الأوسط، وهي كانت مدخلا لها عندما توجهت إلى أفريقيا.
حماية الأسد
وتعرضت روسيا لانتقادات شديدة بسبب تدخلها العسكري في سوريا دعما للأسد، خصوصا عبر الضربات الجوية المدمّرة الي شنتها على معاقل المعارضة المسلحة، لا سيما في مدينة حلب والغوطة الشرقية قرب دمشق.
مدير برنامج روسيا وأوروبا في معهد الولايات المتحدة للسلام، دونالد جنسن لم يستبعد أن تحمي روسيا بشار الأسد من أي قرار قد يتخذه مجلس الأمن الدولي بطرح "الفيتو".
ويعتقد أن بوتين سيحمي الأسد وذلك حتى لا يكون هناك تداعيات ضمن جبهة الدول المتحالفة معهم، مثل كوريا الشمالية.
وقال جنسن لـ "الحرة" إنه من الممكن أن يحاول بوتين إبرام صفقة ترتبط بتسليم الأسد، مقابل أمر يتعلق بأوكرانيا، ولكن الأسرة الدولية لن ترى أي ارتباط بين مصير الأسد وأوكرانيا.

وأواخر ديسمبر، التقى وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيغا الشرع في دمشق، ودعا إلى "القضاء" على الوجود الروسي في سوريا، مؤكدا أن هذا من شأنه أن يساهم "في الاستقرار ليس فقط على صعيد الدولة السورية، بل أيضا في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بأكملها".
أكد جنسن هناك شعورا بالسعادة بسبب "مباغتة" روسيا بعد التطورات التي حصلت في سوريا، إذ ضعف نفوذها عما كان عليه سابقا.
وأشار إلى أن الخبراء في واشنطن يرون أن معظم وجود روسيا العسكري قد أفرغ في سوريا، ناهيك عن إضعافها لنفسها في الحرب على أوكرانيا حتى من قبل انهيار الأسد، بينما هي تحاول الآن التوسع في أفريقيا، على ما أفاد جنسن لقناة "الحرة".
ورغم أن موسكو كانت من أبرز الداعمين للأسد، تعتمد الإدارة الجديدة نبرة تصالحية إلى حد ما، مبدية الرغبة في إعادة بناء العلاقة مع موسكو، فيما سيبقى تحقيق العدالة الانتقالية رهنا بملف "تسليم الأسد".