ذخائر وقنابل لم تنفجر تهدد الأطفال في سوريا وغزة . أرشيفية
ذخائر وقنابل لم تنفجر تهدد الأطفال في سوريا وغزة . أرشيفية

عبوات أسطوانية ومربعة الشكل، تنتشر في مناطق الحرب، فضول الأطفال يحوم حولها، ولا يعلمون أنها قد تكون السبب في إنهاء حياتهم.

إنها "مخلفات الحروب" سواء في سوريا أو قطاع غزة أو لبنان، وصولا إلى دول أخرى تعاني من صراعات وحروب. 

هذه المخلفات لا تختفي خطورتها بمجرد انتهاء الحرب أو وقف إطلاق النار، بل تمتد لما بعد المعارك، وقد يعتقد الأطفال أنها "خردة" حديد يلهون بها، أو قد تكون مدفونة تحت الأرض من دون معرفتهم، لتنفجر عند اقتراب أي شخص منها.

في سوريا قتل أكثر من 169 شخصا منذ بداية 2025، بينهم 31 طفلا وست نساء بمخلفات الحرب، فيما أصيب 205 أشخاص بجروح وحروق بينهم 88 طفلا وسيدة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتشكل هذه المخلفات في سوريا تهديدا مع عودة العائلات إلى بلداتهم بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ووجود إدارة جديدة في دمشق تحث على عودة اللاجئين والنازحين.

وفي غزة، حيث ما زالت هدنة هشة تسكت صوت الحرب، تحذر منظمات من خطورة مخلفات الحرب خاصة مع انتشار الركام بعد دمار أكثر من 70 في المئة من المباني والبنية التحتية في غزة.

ويعتبر موضوع هذه المخلفات من القضايا الهامة التي تبحث عند الحديث عن إعادة إعمار غزة، والتي قد تتطلب سنوات طويلة لإزالة الركام.

وتعبر هذه المخلفات مشكلة لا تزال تهدد المدنيين، في العراق ولبنان وليبيا وأفغانستان وأذربيجان، والعديد من الدول التي شهدت صراعات لسنوات.

قنابل وذخائر بالجملة

مخلفات الحرب تتضمن ذخائر غير منفجرة في العديد من المناطق. أرشيفية

تضم مخلفات الحرب "الذخائر المتفجرة بجميع أشكالها وأنواعها المتروكة أو غير المنفجرة التي تظل في منطقة معينة بعد انتهاء نزاع مسلح ما"، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وقد تكون على شكل "قذائف المدفعية والقنابل اليدوية وقذائف الهاون والقذائف الأخرى، والصواريخ" بسائر أبعادها.

وتفرق اللجنة بين "الذخائر غير المنفجرة" والتي تعتبر "أشد مخلفات الحرب القابلة للانفجار خطورة" وهي تلك التي أطلقت أو ألقيت لكنها لم تنفجر على النحو المنشود، خاصة وأنها قد تنفجر في حالات كثيرة عند "لمسها أو تحريكها".

وبين "الذخائر المتفجرة المتروكة" التي تركت أثناء النزاعات في مواقع غير آمنة من دون حراسة، والتي قد تعبر عن مستودعات الأسلحة والذخائر.

وفي سوريا تشير التقديرات إلى وجود مخلفات الحرب المدمرة بما في ذلك حوالي 320 ألف ذخيرة غير منفجرة، والتي تشكل خطرا يؤثر على خمسة ملايين طفل يعيشون في مناطق شديدة الخطورة تنتشر فيها الذخائر غير المنفجرة والألغام المضادة للأفراد، على ما أكد ريكاردو بيرس مدير التواصل لحالات الطوارئ لدى يونيسف منتصف يناير الماضي.

وأضاف "ان ذلك السبب الرئيسي لوفيات الأطفال في سوريا حاليا ومنذ سنوات".

وأوضح أنه خلال السنوات التسع الماضية تم تسجيل ما لا يقل عن 422 ألف حادثة تتعلق بالذخائر غير المنفجرة في 14 محافظة في عموم البلاد "وأسفر نصفها عن خسائر فادحة يبن الأطفال".

وفي غزة، كان معضلة مخلفات الحرب مشكلة سابقة، فاقمتها الحرب الأخيرة التي استمرت 15 شهرا، وبعد تحقيق دام عدة أسابيع، الذخائر المتفجرة، سواء انفجرت أم لا، موجودة في العديد من المناطق المأهولة بالسكان في غزة، على ما أكد مجلس اللاجئين الدنماركي في نوفمبر الماضي.

وقال المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، جورجي مورييرا دا سيلفا الأحد الماضي، إن منطقة الشرق الأوسط تمر بلحظة حاسمة في ظل قيادة جديدة في لبنان، ونظام جديد في سوريا، ووقف إطلاق النار في غزة.

وأشار إلى أن إزالة الكميات الهائلة من الركام والحطام في غزة هي المهمة الأكثر إلحاحا الآن، بعد جهود إنقاذ الأرواح، خاصة مع وجود نفايات خطرة وذخائر غير منفجرة بينها.

وأكد دا سيلفا أن إعادة الإعمار في هذه الدول يتطلب إزالة التهديدات الناجمة عن المتفجرات غير المنفجرة. 

وقال "للأسف، نحن نواجه في العديد من هذه المناطق مستويات مرتفعة من الذخائر غير المنفجرة، سواء في لبنان أو سوريا أو غزة. لذا، من الضروري عند التحضير لإعادة الإعمار والتعافي على المدى الطويل، حشد جميع الجهود اللازمة لإزالة الألغام".

وتحدث عن دور الأمم المتحدة في دعم جهود إزالة الألغام في البلاد، وكذلك القيام بإعادة تأهيل المناطق المتأثرة بانفجار مرفأ بيروت عام 2020.

وأشار إلى أنه على مدى السنوات الـ 25 الماضية، لعب مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع دورا رئيسيا في إزالة الألغام بموجب ولاية "أونماس".

 وسيكون هذا "أمرا حاسما لإزالة كل الركام في غزة. وفي سوريا ولبنان. فانتشار الذخائر غير المنفجرة كبير للغاية. لقد فعلنا ذلك في مالي ونفعل ذلك في أوكرانيا".

ومع انتشار هذا الخطر في مناطق تهدد المدنيين، فمن يتحمل مسؤولية إزالتها؟

بروتوكول دولي للتعامل مع مخلفات الحرب. أرشيفية

يضع بروتوكول دولي إزالة مخلفات الحرب والتخلص منها وتدميرها، ضمن الأولويات بعد توقع أي نزاع مسلح.

ويوجب "البروتوكول الدولي بشأن المتفجرات من مخلفات الحرب" الذي أبرم، في عام 2003، على أطراف أي نزاع مسلح اتخاذ تدابير ملموسة للحد من أخطارها.

ويعد هذا الاتفاق الدولي "أداة أساسية للجهود المبذولة للحد من مما ينجم عن الحروب الحديثة من وفيات وإصابات في صفوف المدنيين"، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

ويحمل الاتفاق الدولي كل طرف في الحرب مسؤولية "مخلفات الحرب في الإقليم التابع لسيطرته"، وتدعوهم لتقديم "مساعدات تقنية ومالية ومادية وفنية" أو السماح لطرف ثالث مثل المنظمات التابعة للأمم المتحدة أو غيرها بتحديد مناطق مخلفات الحرب وإزالتها والتخلص منها.

ألغام ليبيا
إزالتها تتطلب 15 عاما.. الألغام تنتشر بنصف مليار متر مربع من ليبيا
قالت مديرة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في ليبيا، فاطمة زريق، إن 444 مليون متر مربع من مساحة البلد "بحاجة إلى التنظيف" من مخلفات الحرب والألغام، وهو ما يمثل أكثر من 64 في المئة من الأراضي المصنفة على أنها تحتوي على مخاطر الألغام ومخلفات الحروب في البلد.

ولكن بعض البروتوكولات الدولية لا تشمل الألغام الأرضية أو العبوات الناسفة الخداعية، ولكنها تشمل بقية الذخائر بما في ذلك الذخائر العنقودية.

ووضع الاتفاق الدولي حزمة من الإجراءات بعد توقف أعمال القتال الفعلية، والتي تتضمن:

- توعية المدنيين بأخطار مخلفات الحرب للابتعاد عنها.

- استقصاء وتقدير خطر مخلفات الحرب، وتسجيل أنواع الذخائر وأماكنها، وتحديد المناطق التي قد تكون مفخخة بالألغام.

- تقدير الاحتياجات وترتيبها حسب الأولوية لتحديد المناطق التي تتواجد فيها المخلفات والتخلص منها.

- وضع علامات لتحديد المتفجرات من مخلفات الحرب.

- اتخاذ خطوات لتعبئة الموارد لتنفيذ خطة التخلص من مخلفات الحرب.

- يمكن للدول طلب التعاون مع منظمات دولية معنية في هذا الشأن، إذ يمكن حصولهم على مساعدات فنية ومادية في هذا الإطار، مع توفير الحماية لهم.

ومع استمرار وقف إطلاق النار في غزة، وعودة العديد من النازحين إلى مناطقهم، يحذر الهلال الأحمر الفلسطيني من خطورة مخلفات الحرب هناك.

ومع شح المساعدات الإنسانية، يشير تقرير لمجلس اللاجئين الدنماركي إلى أن سكان غزة يفتقرون إلى كل شيء، وخلال بحثهم عن "الضروريات الأساسية بين الأنقاض" يمكن أن يكونوا عرضة لهذه الأسلحة.

وقال رئيس قسم إدارة ودعم البرامج في دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام "أونماس"، تاكوتو كوبو في نوفمبر الماضي إنه تم إجراء 379 تقييما لمخاطر المتفجرات في غزة.

الحرب دفعت غالبية سكان غزة إلى النزوح - صورة أرشيفية - رويترز
بعد الحرب في غزة.. خسائر بالمليارات وسنوات لإعادة الإعمار
بعد الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحماس في غزة، يبرز ملف الخسائر في المباني والممتلكات العامة والخاصة والبنية التحتية إلى الواجهة، خاصة مع المساعي التي ستبذل باتجاه إعادة الإعمار، بعد حرب مدمرة خلفت عشرات آلاف القتلى والجرحى.

وقال في نوفمبر الماضي إن الجهود تتركز في غزة على التوعية بمخاطر الذخائر ووضع علامات لتحذير المدنيين.

وأشار كوبو إلى أن خبراء "أونماس" يجرون تقييما للمناطق التي يشتبه في وجود مخاطر فيها للتأكد مما إذا كانت آمنة للاستخدام في العمل الإنساني، ولا يمكن في ظل الظروف الأمنية التخلص من أي عناصر من الذخائر المتفجرة أو تدميرها.

وأكد على أهمية تدابير التخفيف الأساسية على التوعية بالمخاطر ووضع علامات على المناطق لإبلاغ المدنيين بالتهديدات المحتملة.

وحدد مجموعة من التحديات التي تواجههم في الاستجابة لمخلفات الحرب في غزة، والتي تضم: تقييد الحصول على معدات الحماية الشخصية، والقيود على إدخال معدات البحث عن الذخائر المتفجرة، وانقطاع التيار الكهربائي والاتصالات وهو ما يقيد من إجراء اتصالات بشكل فاعل.

ومع تزايد الأمل بعودة النازحين واللاجئين في مناطق الصراعات إلى بيوتهم، تبقى هذه المخلفات تشكل خطرا يعكر صفو الهدوء الذي يعيشونه، وهو ما يحتاج إلى دعم دولي لتطهير مناطق النزاعات من هذه القنابل الموقوتة.

برنامج "داخل واشنطن" استضاف السفير الأميركي السابق، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة.
برنامج "داخل واشنطن" استضاف السفير الأميركي السابق، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة.

شهدت الأيام القليلة الماضية حدثين مهمين: الأول، تصويت الكونغرس الأميركي على تمديد الميزانية الفيدرالية حتى سبتمبر، وشمل ذلك الانفاق على جميع البرامج الرئيسية مثل الدفاع والضمان الاجتماعي. إضافة الى برامج أخرى منها البث الدولي.

ولكن بعد يوم واحد من التصويت، قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلغاء تمويل البث الدولي، وإلغاء تمويل صوت أميركا، وراديو أوربا الحرة، وقناة "الحرة".

وفي خضم هذا الخلاف، يبرز سؤالان: من يتحكم بالإنفاق في نظامنا الدستوري، الكونغرس أم الرئاسة؟

وفي الوقت الذي ينفق فيه أعداء أميركا مئات ملايين الدولارات على الدعاية، هل هذا هو الوقت المناسبة لحكومتنا كي تستسلم في معركة الأفكار؟

لمناقشة دور البث الدولي في معركة الأفكار،  استضاف برنامج "داخل واشنطن" الذي يبث باللغة الإنكليزية على قناة "الحرة"، السفير الأميركي المخضرم، رايان كروكر، رئيس مجلس إدارة الشبكة، والدكتور جيفري غيدمان، الرئيس والمدير التنفيذي للشبكة، في حوار حول مستقبل قناة "الحرة" وأهمية دورها الحيوي في المشهد الإعلامي العربي.

روبرت ساتلوف: رايان، لماذا لدى الحكومة الأميركية وجود دولي في مجال البث، وجود يمتد منذ الحرب العالمية الثانية؟

رايان كروكر: السبب في وجود البث الحكومي الأميركي هو ذاته الآن كما كان في الأيام العصيبة خلال الحرب العالمية الثانية عندما انطلق آنذاك أول بث لـ "صوت أميركا" من مدينة نيويورك. قيل حينها "سنخبركم بالحقيقة. بعض الأيام ستكون الأخبار عن الحرب جيدة بالنسبة لنا، وبعض الأيام سيئة. لكننا سنخبركم بالحقيقة".

وكانت هذه هي السمة المميزة للبث الممول من الحكومة الأميركية منذ ذلك الحين. وبالتأكيد، كانت هي البداية لشبكات البث في الشرق الأوسط. تم تأسيس قناة "الحرة" عام 2004 لمكافحة التضليل الإعلامي في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية حول الولايات المتحدة وما كانت تفعله.

لذا، نحن لسنا ذراعًا دعائيًا. نحن موجودون لنقول الحقيقة باللغة العربية للجمهور العربي عما يحدث فعليًا في منطقتهم وفي الولايات المتحدة. الأمر بسيط كما هو مهم.

ساتلوف: جيف، أنت رئيس شبكة الشرق الأوسط للإرسال. كانت هذه الشبكة نتاج أحداث 11 سبتمبر. عالم ما بعد 11 سبتمبر. كيف حدث ذلك؟ ما هو الهدف الفريد لهذه الشبكة؟

جيفري غدمن: أعتقد أنه من العدل القول إن الهدف قد تطور مع مرور الوقت وتكيف مع المتغيرات. كما قال رايان، هي الشبكة الوحيدة الممولة من قبل الولايات المتحدة والتي تبث باللغة العربية. 

وهي بالطبع تشمل التلفزيون والوسائل الرقمية. تمتد تغطيتها إلى 22 دولة عبر العالم العربي، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. ونحن نريد أن نسلط الضوء على القصة الأميركية.

نريد أن يكون لدى مستمعينا، ومشاهدينا، وقرائنا فهماً أفضل لما يحدث في الولايات المتحدة من خلال السياسة في واشنطن. 

نحن أيضًا مهتمون بالديمقراطية والتنمية. ونحن مهتمون بما تفعله دول مثل إيران والصين وروسيا عبر المنطقة. لذا أعتقد أن الشبكة اليوم ما زالت ذات صلة بشكل كبير، ولدينا مواهب رائعة تعمل لدينا.

ساتلوف: هناك العديد من وسائل الإعلام في الشرق الأوسط. الشرق الأوسط ليس خاليًا من محطات التلفزيون والصحف والإذاعات. ما الذي يميز ما نقوم به؟

جيفري غدمن: الأمر صعب وبسيط في ذات الوقت. بمعنى أننا مستقلون صحفيًا، وهذا يحمي نزاهتنا الصحفية ويعزز مصداقيتنا مع الجمهور. ولكننا في ذات الوقت الشبكة الوحيدة التي تتماشى مع الأهداف الواسعة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية.

رايان كروكر: دعني أتناول هذا من زاوية أخرى. كما كنت أشير سابقًا، من نواحٍ عديدة، بدأت شبكات الشرق الأوسط للإرسال من خلال قناة "الحرة" في العراق. وأنا كنت سفيرا لمدة عامين، من 2007 إلى 2009. وكان العراق يتمتع حينها ببيئة إعلامية حرة للغاية. وأحد الأسئلة التي طرحتها كسفير أميركي كان: هل يمكن لأحد أن يخبرني ما الذي تقدمه هذه القناة ولا تطرحه بقية وسائل الإعلام الحرة المنتشرة في كل مكان؟

وقد عكست إجابة جيف حول تغطية الولايات المتحدة، حيث أن وسائل الاعلام "الحرة" لا تعني بالضرورة أن تكون "مسؤولة" أو "صادقة" أو "دقيقة" أو "موضوعية". 

لكن قناة "الحرة" تمثل كل تلك القيم، هذه القناة أكدت أنها تقول الحقيقة وتقدم الأخبار بدقة. وقد أقنعوني بذلك. ذهبت إلى الأستوديو، وأجريت مقابلة بنفسي، وتعرضت لأسئلة صعبة كسفير أميركي.

وما رأيته هناك هو ما أراه اليوم أيضًا: هذه المؤسسة موجودة لتقديم أعلى مبادئ الصحافة لمنطقة لا تتمتع كثيرًا بتلك المبادئ.

ساتلوف: سيقول النقاد إن هناك توترًا متأصلًا. فالإعلام الممول من الحكومة، بحكم تعريفه، يحتوي على توتر داخلي بين كونه إعلامًا حرًا، وبين من يمولونه، أي الحكومة التي تموله في الأصل. ما هو ردك على هذا الانتقاد؟ جيف؟

غدمن: هناك دائمًا توتر بين الإعلام المستقل والممول. وبالمناسبة، هذا ينطبق أيضًا على التمويل الخاص. 

هل تتذكر في عام 2016 عندما قال رئيس شبكة CBS للأخبار "إن دونالد ترامب قد لا يكون جيدًا للبلاد، لكنه مفيد جدًا لمساهمينا" جميع وسائل الإعلام العربية المستقلة في المنطقة لديها ممولين، حكومات تدعمها.

في حالتنا، الأمر صعب للغاية (خيط دقيق يجب تمريره) ولكن حتى الآن، كنا محظوظين بوجود جدار "Firewall" يحمي استقلاليتنا.

 نحن ممولون من قبل الحكومة الأميركية، ولكننا محميون من التدخلات السياسية. وهذا شيء سحري عندما يعمل بشكل صحيح. وحتى الآن، لقد نجح هذا النظام.

الرئيس التنفيذي لـ MBN: أميركا يجب أن تحافظ على صوتها الوحيد في الشرق الأوسط
في ردٍّ على قرار إلغاء منحة تمويل شبكة الشرق الأوسط للإرسال (MBN) من قبل الوكالة الأميركية للإعلام الدولي (USAGM)، صرح الرئيس التنفيذي للشبكة، جيفري غدمن قائلاً: "تعد شبكة الشرق الأوسط للإرسال، التي تشمل قناة الحرة ومنصاتها الرقمية، والتي تصل إلى عشرات الملايين من المشاهدين في المنطقة، الصوت الوحيد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا."

ساتلوف: يمكنني فقط أن أضيف أن هذه هي الحلقة رقم 928 لي، ولم أتلقَ أبدًا، في ما يقارب 21 عامًا، طلبًا أو تعليمات أو انتقادًا أو مطالبات من أي شخص حول ما يقال أو ما لا يقال في هذا العرض. هذا أمر نادر.

غدمن: دعني أضيف أنني كنت رئيسا تنفيذيًا مرتين في "إذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية" والآن أعمل رئيس تنفيذيا منذ 11 شهرًا في "شبكة الشرق الأوسط للإرسال". لم يتم إخباري أبدًا من البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو أعضاء الكونغرس بما يجب فعله أو عدم فعله.

كروكر: وكمشاهد لبرنامجك من حين لآخر، روب، دعني أقول إنك قدمت كل وجهات النظر الممكنة من اليمين المتطرف إلى اليسار المتطرف، وهذا واضح جدًا أن ذلك لم يأت من إدارة هذه المؤسسة.

ساتلوف: ساخذ هذا على إنه إطراء! دعني أسألكما، هناك مهمة لهذه الشبكة، ولكن من ناحية ما، هي أيضًا عمل تجاري. كيف تقيس النجاح عندما تكون مهمتك هي الصحافة الحرة التي تحدثت عنها؟

غدمن: لدينا أدوات، رغم أنها غير كاملة، لقياس النجاح. في الأسبوع الجيد، نصل إلى 30 مليون شخص أو أكثر عبر المنطقة. ثم، بالطبع، من الناحية النوعية، بما أن جمهورنا هو أساسًا، إذا جاز لي القول، صناع القرار والأشخاص المؤثرين وفي الحكومة والإعلام وفي تلك المجالات ذات التأثير الكبير، لذلك لدينا الكثير والكثير من التفاعل والتواصل والشهادات.

إذن لدينا مقاييس كمية ونوعية. ولكن ربما يرغب رايان في إضافة شيء إلى ذلك.

كروكر: أعتقد أن ذلك صحيح تمامًا. كنت في المنطقة قبل أسبوعين فقط. بما في ذلك في العراق، في بغداد، وكنت أشارك في مؤتمر دولي نظمته الحكومة العراقية. وكانت قناة "الحرّة" هناك، مع كاميراتها، ومقابلاتها مع كل شخص مهم شارك في المؤتمر.

وكانت تلك هي القناة المفضلة من قبل المشاركين في المؤتمر للحديث معها. وأعتقد أن ذلك مؤشر واضح على الحضور والمهنية التي تتمتع بها هذه الشبكة.

غدمن: هناك معيار نوعي آخر. فبينما نواجه الآن قضايا تتعلق بتمويلنا، نسمع من "حزب الله" اللبناني، والمليشيات المدعومة من إيران في العراق، يحتفلون بزوال "الحرّة". هذا أيضًا اختبار للسوق، أعتقد.

ساتلوف: إذا توقفت "الحرة" عن البث، ما الذي سيفتقده الناس؟

غدمن: أعتقد أن الناس يقدرون الاستقلالية، كما قال رايان، والسعي وراء الحقيقة. وإذا جاز لي أن أقول بصراحة، نحن منصة نادرة، إن لم نكن الوحيدة، التي تقدم فرصة للسياسيين الإسرائيليين والمسؤولين والمجتمع المدني للتحدث. أعتقد أن ذلك في نظر العديد من جمهورنا يعد أمرًا مثيرًا للجدل ومطلوبًا، ويحظى بشعبية كبيرة مع فضول كبير.

أعتقد أن هذه هي بعض الأشياء التي ستُفقد على الفور.

كروكر: سنفتقد صوتا صادقا وموضوعيا في منطقة مليئة بالأكاذيب والتشويهات وأنصاف الحقائق والتضليل الكامل. 

وكما أشار جيف، عندما أصبح خبر إنهاء تمويل الشبكة، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة. وكانت هناك تغريدات، على سبيل المثال، تقول: "بضربة قلم واحدة، قضى ترامب على صوت التابعين، أولئك الذين يهاجمون إيران، والذين يهاجمون المقاومة الشعبية، والذين يهاجمون الميليشيات الموالية لإيران في العراق".

حسنًا، هذا بالفعل إشادة عالية لعرض موضوعي لمنطقة معقدة جدًا. لذا، عندما يفرح أعداء الولايات المتحدة، فهذا ليس شيئًا ينبغي أن نكون سعيدين بشأنه هنا في الوطن. وهم يفرحون بالإعلانات حول إلغاء التمويل لـ "الحرّة".

ساتلوف: دعني أسألك رايان، أنت واحد من أبرز وأمهر الدبلوماسيين الأميركيين الذين مروا على الشرق الأوسط. لماذا لم توافق على الخروج من التقاعد، كما يمكن القول، لتصبح رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال؟

كروكر: كما قلت سابقًا، روب، كانت لي تجربة مباشرة خلال مسيرتي المهنية مع هذه المؤسسة، ومع قناة "الحرة" على وجه الخصوص. ورأيت عن كثب العمل الاستثنائي الذي كانوا يقومون به في العراق، عندما كنت سفيرًا هناك، من أجل نقل القصة الأميركية، بشكل صادق ودقيق، وأيضًا لنقل أخبار المنطقة، بشكل صادق ودقيق، مع تضمين وجهات نظر لم تقدمها أي وسيلة إعلامية ناطقة بالعربية أخرى.

كما أشار جيف، قناة "الحرة" هي القناة العربية الوحيدة التي تجري مقابلات بشكل دوري مع الإسرائيليين، وهي منطقة، على الرغم من كراهيتها لإسرائيل على بعض المستويات، إلا أن لديها جوعًا شديدًا لمعرفة الأخبار الدقيقة حول ما يفكر فيه الإسرائيليون؟ ماذا يعتقدون ذلك؟ ونحن نوفر ذلك، بالإضافة إلى تقارير دقيقة أخرى.

لذا، كنت مشككًا في البداية حول دور القناة عندما وصلت إلى بغداد. لكنني كنت داعما قويا للمؤسسة عندما تركت العراق. وعندما أتيحت لي الفرصة للانضمام إلى مجلس إدارة الشبكة قبل عدة سنوات، اغتنمتها فورًا. وكان شرفًا وامتيازًا لي أن أصبح رئيسًا لذلك المجلس في الصيف الماضي.

ساتلوف: حسنًا، جيف، دعني أسألك. لقد أمضيت جزءًا كبيرًا من مسيرتك المهنية في صراع الأفكار، محاربًا ضد الأنظمة الاستبدادية، خاصة ضد الأنظمة في أوروبا الشرقية والكتلة السوفيتية السابقة. لماذا قبلت تحدي الشرق الأوسط بأن تصبح رئيسًا ومديرًا لشبكة الشرق الأوسط للإرسال؟

غدمن: روب، هناك ثلاث إجابات قصيرة لذلك. الأولى، لقد طورت على مدار سنوات علاقات مودة وإعجاب من خلال تنظيم المؤتمرات والسفر إلى العراق والأردن ومصر والكويت وما إلى ذلك. لذلك، لدي مودة وإعجاب عميقين بالمنطقة. السبب الثاني ببساطة هو أنني أؤمن بالرجال والنساء في هذه المؤسسة، الذين لطالما أعجبت بهم، رجالًا ونساء من أعمق المواهب، والتفاني الكبير، والمعرفة والخبرة.

وأخيرًا، أُتيحت الفرصة لأن رايان كروكر اتصل بي في الربيع الماضي وطلب مني أن أتولى هذا الدور. وعندما يتصل السفير كروكر، يجب أن ترد، وعندما يطلب، يجب أن تقول نعم.

ساتلوف: خصصنا حلقة اليوم من البرنامج للحديث حول تهديدات غلق مؤسسة الشرق الأوسط للإرسال، كما نعرف أن الكونغرس مرر مؤخرًا قرار الاستمرارية في انفاق الميزانية الفيدرالية على الأقل حتى شهر سبتمبر، هذا التمويل شمل هذه المؤسسة أيضا. لكن في اليوم التالي، أعلنت إدارة ترامب أنها ستنهي المنحة وأنها لن تقوم فعليًا بتحويل الأموال التي أقرها الكونغرس للحفاظ على عمل الشبكة. بمعنى آخر، قرروا أنهم يريدون إغلاقها. تحدث عن هذا الصراع بين السلطات الدستورية بين الكونغرس والجهات التنفيذية.

كروكر: نعم، هذا هو بالضبط. روب، إنها لحظة فريدة في تاريخ أميركا يجب أن نوليها جميعًا اهتمامًا. تتعلق بسؤال السلطة التنفيذية، وامتيازات السلطة التشريعية، وولاية السلطة القضائية. وجميع هذه الأطراف تلعب دورًا، كما وصفت. بالنسبة لي، نحن نأمل بشدة أن يُسمع صوت فرعنا التشريعي، أي الكونغرس، الذي يخصص الأموال، في هذا الموضوع.

مصلحتهم أيضًا على المحك، وهي مسألة دستورية. لدينا أيضًا السلطة القضائية، ونحن نراقب عن كثب وبدقة لإمكانية تقديم تحدٍ قانوني لهذا. الجهد الذي تبذله السلطة التنفيذية لإيقاف البث، لأننا نرى هذا ليس فقط قضية لقناة الحرة وبقية المؤسسة، ولكن أيضًا مسألة أساسية في القانون الأميركي وتنفيذه.

روبرت ساتلوف: الدكتور جيفري غدمن هو الرئيس والمدير تنفيذي لشبكة الشرق الأوسط للإرسال، الشركة الأم لقناة الحرة. خدم لمدة أربع سنوات كرئيس ومدير تنفيذي لـ "إذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية"، وهي منظمة إعلامية ممولة من الحكومة الأميركية تبث في منطقة الإعلام الصعبة في أوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى.

وكان أيضًا مؤسسًا مشاركًا ورئيس تحرير لمجلة فكرية هامة تسمى "الهدف الأميركي"، ورئيسًا للمركز البحثي المؤثر "معهد ليجاتوم" في لندن، ورئيسًا ومديرًا تنفيذيًا لمعهد آسبن في برلين، ألمانيا.

روبرت ساتلوف: السفير رايان كروكر، هو رئيس مجلس إدارة شبكة الشرق الأوسط للإرسال، وعلى مدار مسيرته المهنية التي امتدت لـ37 عامًا، شغل منصب السفير الأميركي في ست دول مختلفة: أفغانستان، العراق، باكستان، سوريا، الكويت ولبنان، حيث مثل بلاده في غالب الأحيان في أوقات الصراع الشديدة ولحظات الخطر البالغة.

تكريمًا لخدمته الاستثنائية، تم منح رايان كروكر ميدالية الحرية في عام 2009، وهي أعلى وسام مدني في الولايات المتحدة. تقاعد من الخدمة الخارجية كسفير مهني، وهو أعلى رتبة في وزارة الخارجية الأميركية. ثم أمضى ست سنوات كعميد لكلية بوش للحكومة والخدمة العامة في جامعة تكساس. ووصفه الرئيس جورج بوش الابن بـ "لورنس العرب الأميركي".

روبرت ساتلوف: أود أن أشكركم. شكرًا لك، الرئيس والمدير التنفيذي جيفري غدمن، شكرًا لك، السفير رايان كروكر، وقبل كل شيء، شكرًا لجميعكم، مشاهدينا عبر الشرق الأوسط الذين كنتم داعمين مخلصين ومتابعين لهذا البرنامج وكل ما قامت به قناة الحرة. نحن لم نغادر. سنعود. ولكن شكرًا لكم.