عناصر من طالبان مع أسلحة بعد سيطرة الحركة على البلاد

يعود ملف الأسلحة الأميركية المتبقية في أفغانستان إلى الواجهة ضمن أجندة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخارجية، فالإدارة الأميركية الجديدة تسعى لإثارة ملف الأسلحة في أكثر من موقع.

وقد طالب ترامب باستعادة الأسلحة الأميركية من أفغانستان التي تركت هناك عقب انسحاب القوات الأميركية، وازداد حماس الرئيس لذلك بعد وصوله إلى الحكم حيث يصف عملية الانسحاب بأكثر اللحظات المخزية في التاريخ الأميركي الحديث.

وكجزء من استراتيجية الهجوم التي يتبعها في ملفات كثيرة على إدارة بايدن السابقة يتهمها في التسبب في ترك الأسلحة الأميركية وبقاء تلك المعدات العسكرية في أيدي طالبان التي تقوم ببيعها الآن، حسب قوله.

ماذا يريد ترامب ؟

في أول اجتماع للحكومة الأميركية سلط ترامب الضوء مجددا على ملف الأسلحة الأميركية الي استولت عليها طالبان، وفي كلمة له أثناء اجتماع الكابينيت في البيت الأبيض أعاد التأكيد على ضرورة إعادة تلك الأسلحة إلي الولايات المتحدة، واشترط تقديم المساعدة الأميركية لأفغانستان بالتقدم في هذا الشأن قائلا: "نقدم لأفغانستان مليارات من الدولارات سنويا، هل يعرف أحد أننا لا نزال نقدم لهم كل تلك المليارات، إذا كان ذلك فليتم إعادة الأسلحة التي تقدر بمليارات الدولارات إلينا".

 وترى الإدارة الجديدة أن الإدارة السابقة ارتكبت أخطاء جسيمة تتطلب التحقيق ومحاسبة المسؤولين عن الانسحاب "المخزي" من أفغانستان.

وبشأن إمكانية تجاوب طالبان مع دعوات ترامب بشأن تسليم الأسلحة، يقول شاه محمود مياخيل وزير الدفاع الأفغاني السابق للحرة "حتى إن وافقت طالبان ضمن صفقة ما على تسليم بعض هذه الأسلحة، وهو أمر مستبعد، فإن عملية نقل وجمع هذه المعدات ليست مجدية من الناحية العسكرية للولايات المتحدة، معظم هذه الأسلحة انتهت صلاحيتها وهي غير صالحة للاستخدام حسب معايير الجيش الأميركي، وكلفة نقلها أكثر من سعر هذه الأسلحة"، وأبدى شكوكه حول حجم الأسلحة التي يتم الحديث عنها في تصريحات ترامب.

موقف طالبان

حتى الآن، رفضت حكومة طالبان المؤقتة المطالب الأميركية المتعلقة بتسليم السلاح الذي استولت عليه بعد انهيار الجيش الأفغاني السابق المدعوم أميركيا.

وفي تصريح يبدو أنه رد على المطالب الأميركية، قال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد لوسائل إعلام محلية بأن طالبان "ترفض التعامل مع أي دعوة تطالب بانتزاع السلاح الذي بحوزتها وهو ملك خالص لأفغانستان لا يمكن التخلي عن الأسلحة التي في أيدينا سواء أميركية أو غيرها، هذه غنائم تم الاستيلاء عليها، وأي جهة تريد ذلك سنواجهها بنفس الأسلحة".

ويذهب بعض من قيادات طالبان التي انخرطت في الحوار مع الولايات المتحدة سابقا إلى أن طالبان تتطلع إلى الحصول على مزيد من الأسلحة التي تحتاجها لمحاربة الجماعات المسلحة خاصة تنظيم داعش خراسان وهو يشكل تهديدا أمنيا مشتركا لأفغانستان وواشنطن وأنه يمكن البناء على هذه التهديد في تخفيف القلق الأميركي بهذا الشأن.

حجم المعدات وحقيقة الأرقام

تتفاوت الأرقام حول حجم ونوع المعدات العسكرية التي استولت عليها طالبان بعد سقوط الحكومة الأفغانية السابقة، بينما يرى ترامب بأن قيمة المعدات العسكرية التي بقيت في أفغانستان تتجاوز 80 مليار دولار أميركي.

ويرى الخبراء ومسؤولون أفغان بأن الرقم مبالغ فيه وحتى تقارير أميركية عسكرية نفسها تحدثت عن مبلغ 7 مليارات دولار.

والتقرير الذي صدر عن مكتب المحقق القانوني لوزارة الدفاع الأميركية عام ٢٠٢٣ أشار إلى أن مجموع الأسلحة التي استولت عليها طالبان تجاوزت 7 مليارات دولار ، وحسب التقرير فإن ٧٨ طائرة عسكرية و90 ألف قذيفة، و 40 ألف سيارة بينها ٢٠٠٠ سيارة هامفي، وسيارات رباعية الدفع، و 70 عربة خاصة بإزالة الألغام، و300 ألف قطعة سلاح خفيفة ووسائل المراقبة والاتصالات وآلاف قطع من البندقيات "م ٤" المتطورة، ومناظير ليلية للقوات الخاصة كانت بحوزة الجيش الأفغاني قبل أن ينهار أمام قوات طالبان.

وحول حقيقة الأسلحة المتبقية في أفغانستان وهل هي فعلا تعود للقوات الأميركية، يقول قائد القوات الجوية الأفغانية السابق، عبد الوهاب وردك، بأن القوات الأميركية قامت بنقل المعدات العسكرية إلى الولايات المتحدة أو إلى قواعد أخرى في المنطقة، وأن عملية الانسحاب استغرقت أشهرا مكنت الولايات المتحدة من سحب المعدات الثقيلة والحساسة، وأتلفت تلك التي لم تكن قابلة للنقل، وأشار إلى أن مجموع الطائرات التي بلغ إجمالي سعرها حوالي مليار دولار تم نقلها إلى القواعد في أوزبكستان وطاجكستان قبل سقوط كابول.

ويؤكد وزير الدفاع الأفغاني السابق شاه محمود مياخيل للحرة الأرقام التي أشارت إليها التقارير المستقلة والأميركية السابقة بشأن حجم ونوع المعدات الأميركية التي تركت في أفغانستان.

وأضاف مياخيل بأنه لم تترك الأسلحة التابعة للقوات الأميركية في أفغانستان "بالنسبة للأسلحة التي بقيت هناك هي عبارة عن عدد من طائرات الهيلوكبتر وسيارات مصفحة وآلاف قطع الأسلحة الخفيفة وبنادق إم 4 ومعدات الرؤية الليلية وهذه كانت أسلحة الجيش الأفغاني، وسيطرت عليها طالبان".

ويضيف بأن إعادة هذه الأسلحة غير ممكن بسبب أنها أصبحت قديمة وخارجة عن الخدمة والبعض الآخر عبارة عن أسلحة خفيفة لا تشكل قيمة عسكرية للولايات المتحدة، لكنها تشكل خطرا على أمن المنطقة بسبب إمكانية سقوطها في أيدي جماعات متطرفة كتنظيم داعش ولاية خراسان على غرار ما حدث بعد انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان حيث ظل الكلاشنكوف والأسلحة السوفيتية وقود حرب أهلية، وسقطت لاحقا في أيدي تنظيم القاعدة.

هل يشكل جدل الأسلحة المدخل لصفقة جديدة بين ترامب وطالبان؟

يرى خبير في الشأن الأفغاني بأن مطالب ترامب سواء حول الأسلحة الأميركية المتبقية في أفغانستان أو حول رغبته في إبقاء السيطرة على قاعدة بغرام مجرد استغلال سياسي للضغط على الإدارة السابقة رغم أن ترامب نفسه وضع الأساس لاتفاقية الدوحة التي أدت إلى وصول طالبان إلى الحكم وانهيار حكومة السابقة الحليفة لواشنطن.

ويرى البعض بأن الجدل الدائر بشأن أفغانستان يعني أن البلاد لا تزال تحظى باهتمام البيت الأبيض وهو ما قد يعطي فرصة لطالبان التي تبحث عن صفقة ثانية تؤدي إلى الاعتراف بحكمها.

ويقول الباحث في الشأن الأفغاني عصمت قانع للحرة "طالبان وقعت الصفقة التي وصلت بموجبها إلى الحكم مع إدارة ترامب الأولى، وهي الآن رغم أنها تواجه ضغطا بشأن الأسلحة، قد ترى في ذلك فرصة لصفقة جديدة مع ترامب، خاصة وأنه غير مكترث بقضايا حقوق الإنسان والمرأة.

العراق وسوريا

لا تزال العلاقة الرسمية بين العراق وسوريا موضع حذر منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من العام الماضي. ويبدو الملف السوري محاطا بالإرباك، خصوصا على الجانب العراقي، ويدل على هذا الإرباك التعاطي الإعلامي مع أي تواصل رسمي بين البلدين، وكأن الطرفين في علاقة "محرّمة"، يحاول الإعلام الرسمي العراقي دائما مداراتها وإخفائها عن العيون ووسائل الإعلام.

حدث ذلك حينما زار حميد الشطري، رئيس جهاز الاستخبارات العراقية، سوريا في نهاية العام الماضي والتقى الشرع، ولم يُعلن عن الخبر في وسائل الإعلام العراقية الرسمية، ولم يكشف عن اللقاء إلا بعد ان تناولته وسائل الإعلام السورية. 

ومثل هذا الأمر حدث قبل أيام في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برعاية قطرية في الدوحة، واُخفي الخبر عن الإعلام ليومين قبل ان تظهر صور الرجلين في حضور أمير قطر.

ردّة الفعل في الشارع العراقي على اللقاء تفسّر إخفاء الخبر قبل الإفصاح عنه. فقد انقسم العراقيون على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة، وهاجم كثيرون السوداني على قبوله الجلوس مع من يعتبرونه "متورطاً في الدم العراقي"، و"مطلوبا للقضاء العراقي".

الباحث القانوني العراقي علي التميمي يشرح الإطار القانوني الدولي المتعلق برؤساء الجمهوريات، في حال صحّت الأخبار عن أحكام قضائية ضد الشرع في العراق.

ويرى التميمي أن رؤساء الدول يتمتعون بـ"حصانة مطلقة تجاه القوانين الجنائية للدول الأخرى". ويشرح لموقع "الحرة" أن هذه الحصانة "ليست شخصية للرؤساء، بل هي امتياز للدول التي يمثلونها"، وهي تمنع إلقاء القبض عليهم عند دخولهم أراضي الدول الأخرى". 

ويشير التميمي إلى أن هناك استثناء واحداً لهذه القواعد، يكون في حال "كان الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية وكانت الدولة المضيفة موقعة على اتفاقية روما ١٩٩٨ الخاصة بهذه المحكمة"، هنا، يتابع التميمي، تكون الدولة "ملزمة بتسليم هذا الرئيس الى المحكمة وفقاً لنظام روما الأساسي".

لكن هل حقا أحمد الشرع مطلوب للقضاء العراقي؟

ويشير الباحث العراقي عقيل عباس إلى "عدم وجود أي ملف قضائي ضد الشرع في المحاكم العراقية". 

ويستغرب كيف أن العراق الرسمي "لم يصدر بعد أي بيان رسمي يشرح ملابسات قضية الشرع وما يحكى عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، والجهات الرسمية لديها السجلات والحقائق، لكنها تركت الأمر للفصائل المسلحة وجمهورها وللتهويل والتجييش وصناعة بعبع (وحش مخيف) طائفي جديد، وكأن العراق لم يعان ما عاناه من الطائفية والتحريض الطائفي".

وكانت انتشرت وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، تداولها عراقيون، عبارة عن مذكرة قبض بحق أحمد الشرع. وقد سارع مجلس القضاء الأعلى في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية في 26 من فبراير الماضي، إلى نفي صحة الوثيقة ووصفها بأنها "مزورة وغير صحيحة".

عباس مقتنع أن الغضب الشعبي من لقاء السوداني والشرع "وراءه أسباب سياسية مبرمجة، وليس تلقائياً، وجرى تحشيد الجمهور الشيعي لأسباب كثيرة، تصب كلها في مصالح إيران، غير السعيدة بسقوط بشار الأسد وحلول الشرع مكانه".

وبحسب عباس، منذ سقوط الأسد، "بدأت حملة في العراق لصناعة "بعبع" من الجولاني (أحمد الشرع)". يشرح: "يريد هؤلاء أن يقولوا ان تنظيم القاعدة يحكم سوريا، وهذا غير صحيح".

ويقول عباس لموقع "الحرة"، إن لدى الناس اسباباً موضوعية كثيرة للقلق من الشرع، خصوصاً خلفيته الجهادية المتطرفة ووضعه على لوائح الإرهاب، والشرع يقول إنه تجاوز هذا الأمر، "لكننا نحتاج ان ننتظر ونرى"، بحسب تعبيره.

ما قام به السوداني "خطوة ذكية وحكيمة سياسياً وتشير إلى اختلاف جدي بينه وبين بقية الفرقاء الشيعة في الإطار التنسيقي"، يقول عباس.

ويضيف: "هناك اعتبارات براغماتية واقعية تحكم سلوك السوداني، فهو كرئيس وزراء عليه أن يتعاطى مع سوريا كجار لا يجب استعداءه".

ويضيء الباحث القانوني علي التميمي على صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور العراقي، فهو "ممثل الشعب داخلياً وخارجياً في السياسة العامة وإدارة شؤون البلاد بالطول والعرض"، وفق تعبيره، ورئيس الوزراء في العراق هو "بمثابة رئيس الجمهورية في الدول التي تأخذ بالنظام الرئاسي".

أما من الجانب السياسي، فإن السوداني، برأي عباس، "يخشى -وعن حق- ان تختطف حكومته المقبلة أو رئاسته للوزراء باسم حرب وهمية تديرها إيران والفصائل المسلحة وتشنّ في داخل سوريا تحت عنوان التحرير الذي نادى به المرشد الإيراني علي خامنئي قائلا إن شباب سوريا سيحررون بلدهم". وهذا يعني، بحسب عباس، ابتعاد السوداني عن التأثير الإيراني، و"أنا أتصور أن إيران غير سعيدة بهذا"، كما يقول.