في خطوة تفتح الباب أمام تحول استراتيجي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استعداده لمناقشة إنشاء "مظلة نووية أوروبية"، مشيرًا إلى أن بلاده قد تسهم في حماية دول الاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل تزايد التهديدات الأمنية القادمة من روسيا.
والاثنين، حذّر وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو من أن "خط الجبهة يقترب منا باستمرار" بسبب "الطموحات الإمبريالية" الروسية.
وقال بارو متحدثا، لإذاعة "فرانس إنتر"، إن "خطر حرب على القارة الأوروبية داخل الاتحاد الأوروبي لم يكن يوما مرتفعا بقدر ما هو اليوم لأن الخطر يقترب منا باستمرار منذ حوالي 15 عاما، وخط الجبهة يقترب منا باستمرار"، وذلك قبل ساعات من نقاش يجري في البرلمان حول الحرب في أوكرانيا وأمن أوروبا.
واستبق ماكرون اجتماعا عقد في لندن الأحد لمناقشة حرب أوكرانيا، ضم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين، بتصعيده حملته الإعلامية للدفع نحو حوار استراتيجي أوروبي حول الردع النووي، خاصة مع الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية.
وقال ماكرون السبت لهيئة الإذاعة والتلفزيون البرتغالية "أنا متاح لفتح هذه المناقشة.. إذا سمحت لنا ببناء قوة أوروبية. لقد كان هناك دائمًا بُعد أوروبي للمصالح الحيوية لفرنسا ضمن عقيدتها النووية".

تصريحات ماكرون تأتي في وقت حساس، حيث تواجه أوروبا حالة من القلق المتزايد بشأن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عنها، خاصة مع استعداد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتعزيز علاقاته مع روسيا.
ما المقصود بالمظلة النووية الأوروبية؟
يشير مفهوم "المظلة النووية الأوروبية" إلى استراتيجية دفاعية تهدف إلى حماية القارة من التهديدات الخارجية، خصوصًا في حال تراجع التزامات الولايات المتحدة الدفاعية تجاه أوروبا.
وتعتمد هذه الفكرة على توظيف القدرات النووية لفرنسا والمملكة المتحدة، سواء عبر استراتيجيات وطنية مستقلة أو من خلال آليات تعاون أوروبي مشترك.
حاليا، تقتصر الترسانة النووية الأوروبية على فرنسا والمملكة المتحدة، لكن وفقًا لماكرون، فإن دولًا أخرى قد تحتاج إلى الحماية وسط التغيرات الجيوسياسية المتسارعة.
تحديات أمام الردع النووي الأوروبي
يواجه مقترح ماكرون تحديات سياسية واستراتيجية. فبينما تبدي بلاده استعدادا لتوسيع دور ردعها النووي ليشمل أوروبا، تلتزم بريطانيا بسياسات نووية حذرة، في حين تتأرجح ألمانيا بين ترددها التقليدي وتصاعد مخاوفها الأمنية.
دراسة مشتركة، أعدها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وجامعتا ليستر وهامبورغ، أكدت أن إنشاء قوة ردع نووية أوروبية يتطلب مرونة سياسية وتمويلا أوروبيا كبيرا، وهو ما يصعب تحقيقه حاليا.
كما أن فرنسا تواجه عقبات تتمثل في عقيدتها النووية القائمة على "الكفاية الصارمة"، إضافة إلى التزاماتها بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).
رغم ذلك، ترى الدراسة أن باريس قد تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الردع الأوروبي عبر التعاون مع ألمانيا وبولندا والمملكة المتحدة، إلى جانب إعادة النظر في موقعها داخل حلف الناتو.
وفي مقابلة مع "جورنال دو ديمانش"، قال ماكرون إن الأمر سيستغرق ما بين خمس إلى عشر سنوات لبناء دفاع أوروبي مستقل عن حلف شمال الأطلسي.
من ناحية أخرى، تواجه بريطانيا تحديات داخلية مرتبطة بتحديث ترسانتها النووية، حيث تأخرت خطط استبدال غواصات الردع النووي، ما زاد من الضغوط على الأسطول الحالي.
توجهات الناتو والموقف الأوروبي
في ضوء التصعيد الروسي، ترى دراسة لمركز ستيمسون البحثي في واشنطن أن على الناتو تعزيز قدراته لردع موسكو، خاصة مع تنامي التهديدات النووية الروسية منذ غزو أوكرانيا في 2022.
ورغم أن استراتيجية الردع النووي للحلف تعتمد على الولايات المتحدة، مدعومة بقدرات المملكة المتحدة وفرنسا، إلا أن الدراسة توصي بزيادة مشاركة باريس ولندن في التخطيط النووي، إلى جانب تطوير أنظمة تسليم نووية جديدة، وتحسين جاهزية الدفاع الصاروخي والجوي.
التوجه الأوروبي نحو تعزيز الدفاع
على صعيد الدفاع التقليدي، رفعت ألمانيا التزاماتها العسكرية داخل الناتو منذ ضم روسيا للقرم في 2014، كما عززت وجودها في أوروبا الشرقية.
وتشمل جهودها الأخيرة شراء نظام "آرو 3" للدفاع الجوي وإطلاق مبادرة "الدرع الجوي الأوروبي".
في سياق متصل، أوضح الأكاديمي المختص في الشؤون الأوكرانية، خليل عزيمة، لموقع "الحرة" في مقال سابق، أن هناك مقترحات أوروبية لإنشاء صندوق خاص لدعم الاستثمار في الدفاع، مع البحث عن طرق لتمويل القدرات العسكرية للقارة.
وأشار إلى تصريحات لمسؤولين فرنسيين حول إمكانية تعويض الردع الصاروخي بنشر مقاتلات تحمل رؤوسا نووية.

وأضاف عزيمة أن "الدول الأوروبية مجتمعة يمكنها سد الفجوة الدفاعية إذا تخلى ترامب عن التزاماته تجاه الناتو".
كما لفت إلى أن روسيا تواجه تراجعًا في قدراتها العسكرية، ما دفعها للاعتماد على دعم إيران وكوريا الشمالية.
وأشار إلى أن أوروبا رغم أزماتها الاقتصادية تتجه نحو زيادة الإنفاق العسكري، مؤكدًا أن تعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا سيزيد الضغوط على موسكو ويدفعها نحو طاولة المفاوضات.