نتانياهو خلال زيارته إلى المجر
نتانياهو خلال زيارته إلى المجر

في خطوة غير مسبوقة داخل الاتحاد الأوروبي، أعلنت المجر انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية، بالتزامن مع زيارة رسمية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى بودابست، ما فتح الباب أمام موجة من الانتقادات والانقسامات القانونية والسياسية. 

وتزامن ذلك مع مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة بحق نتانياهو تتعلق بمزاعم ارتكابه "جرائم حرب" في قطاع غزة.

وكانت الجنائية الدولية فتحت العام الماضي تحقيقا في جرائم حرب محتملة بغزة، بعد دعوى تقدمت بها جنوب أفريقيا ودعمتها دول أخرى، يطال إسرائيل وحركة حماس وغيرها من الفصائل المسلحة الفلسطينية.

وإسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية ولا تعترف بولايتها القضائية، لكن تم قبول الأراضي الفلسطينية كدولة عضو في 2015.

انسحاب في توقيت حساس

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وصف المحكمة بأنها "لم تعد محايدة"، وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع نتانياهو إن بلاده ستنسحب بالكامل من نظام روما الأساسي، الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية. وجاء الإعلان في أول يوم من زيارة نتانياهو إلى بودابست، وهو ما اعتبره كثيرون رسالة سياسية واضحة، خصوصاً أن نتانياهو يواجه مذكرة توقيف من المحكمة منذ العام الماضي.

في المقابل، رحب نتانياهو بالموقف المجري، واصفاً قرار بودابست بـ"الخطوة الجريئة والمبدئية"، وقال إن المحكمة أصبحت أداة سياسية تستهدف الدول الديمقراطية مثل إسرائيل، مؤكداً أن المجر تقف إلى جانب بلاده في مواجهة هذه الاتهامات.

لكن هذا الموقف أثار انتقادات حادة، لا سيما من رئاسة جمعية الدول الأطراف في المحكمة، التي أعربت عن أسفها الشديد، مشيرة إلى أن أي انسحاب يضر بالسعي العالمي نحو العدالة، ويقوض مبدأ المساءلة عن الجرائم الدولية.

"التزامات لا تسقط فوراً"

المحامية اللبنانية ديالا شحادة أوضحت في تصريحات خاصة لموقع "الحرة" أن المحكمة الجنائية الدولية قائمة على مبدأ الطوعية، ما يعني أن الانضمام إليها، وكذلك الانسحاب منها، يخضعان لإرادة الدولة. 

لكنها شددت على أن الانسحاب لا يُصبح نافذًا على الفور، بل يتطلب مرور 12 شهرًا من تاريخ الإيداع الرسمي في لاهاي، ما يعني أن المجر لا تزال ملزمة قانونياً بتنفيذ قرارات المحكمة خلال هذه المدة.

وأضافت شحادة أن المادة 127 من نظام روما تنص صراحة على استمرار التزامات الدولة المنسحبة، خصوصاً في ما يتعلق بالتعاون في القضايا الجارية، مؤكدة أن الدولة لا يمكن أن تتنصل من تنفيذ مذكرة توقيف أُصدرت قبل سريان انسحابها.

من جانبه، قال أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي في مصر، لموقع "الحرة" إن قرار المجر يشكل "انتكاسة خطيرة لجهود مكافحة الإفلات من العقاب".

إسرائيل لم توقع على الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية،
بعد اعتقاله.. أول "ظهور" لرئيس دولة سابق في الجنائية الدولية
قال محامي الرئيس الفلبيني السابق، رودريجو دوتيرتي، لقضاة المحكمة الجنائية الدولية في أول ظهور له، الجمعة، إن موكله "اختُطف" قبل نقله إلى لاهاي لمواجهة اتهامات بالقتل، وإنه أيضا مريض للغاية ولا يستطيع الإدلاء بشهادته.

ولفت إلى أن انسحاب دولة عضو في الاتحاد الأوروبي يضعف من مصداقية المحكمة وقدرتها على العمل، كما أنه يرسل رسائل سلبية لدول أخرى قد تحذو حذو بودابست.

ويدعم هذا الرأي أساتذة قانون دولي، من بينهم كاي أمبوس، الذي يرى في حديثه إلى "راديو أوروبا الحرة" أن عدم تنفيذ المذكرة يضعف من شرعية المحكمة.

وأكد سلامة أن المحكمة لا تعتمد على صلاحية الدول لتقرير ما إذا كانت ستنفذ مذكراتها أم لا، بل إن الدول الأطراف في نظام روما ملزمة قانونًا بتنفيذ القرارات، وإلا واجهت إجراءات قد تشمل فقدان حق التصويت في جمعية الدول الأطراف، وربما فتح تحقيق بشأن مدى التزامها.

بودابست في مرمى الانتقادات

من الناحية السياسية، فإن انسحاب المجر يعكس تحالفاً متيناً مع حكومة نتانياهو، فضلاً عن تقارب كبير مع الإدارة الأميركية الحالية، التي كانت من أبرز معارضي المحكمة. 

تصريحات أوربان بأن بلاده لم تُدرج نظام روما الأساسي ضمن تشريعاتها الوطنية فتحت نقاشاً قانونياً جديداً، خاصة وأن معظم الدول، تعتمد على إدماج المعاهدات الدولية في قوانينها الداخلية حتى تُطبق فعلياً. 

ورغم أن المجر صادقت على النظام عام 2001، إلا أنها لم تُقر تشريعاً يُجسّد هذه الالتزامات، مما سمح لها قانونيًا بعدم تنفيذ بعض التزامات المحكمة.

لكن شحادة أكدت في حديثها إلى موقع "الحرة" أن الالتزامات الأساسية تجاه المحكمة لا تسقط حتى في حال عدم الإدراج الوطني الكامل، لأن الجرائم الواردة في نظام روما، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، أصبحت جزءاً من القانون العرفي الدولي، ما يعني أن تنفيذ المذكرات يظل ملزماً، على حد تعبيرها.

ورأت شحادة أنه كان "من المفترض بالمجتمع الحقوقي الأصيل في المجر أن يبادر إلى رفع دعاوى أمام المحاكم المحلية لإصدار مذكرة توقيف، كما فعلت منظمات حقوقية في كينيا مما أدى إلى منع زيارة الرئيس السوداني حينها عمر البشير إلى البلاد".

وقد سبقت المجر دول أخرى في هذا النهج، أبرزها الولايات المتحدة، التي لم تنضم إلى المحكمة، وروسيا التي انسحبت بعد اتهامات وجهت لها بخصوص أوكرانيا. إلا أن ما يميز حالة المجر هو أنها أول دولة من الاتحاد الأوروبي تتخذ مثل هذا القرار، ما يضعها في مواجهة مباشرة مع مبادئ الاتحاد بشأن العدالة الدولية.

مواقف أخرى داخل الاتحاد الأوروبي أظهرت انقسامًا مماثلاً، إذ أعلنت ألمانيا وفرنسا مواقف متباينة بشأن تنفيذ مذكرة التوقيف بحق نتانياهو، فيما عبّر رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني عن استعداده لاستقبال نتانياهو دون أن يتم اعتقاله.

في هذا السياق، قال سلامة إن التحجج بعدم إدراج النظام الأساسي في القانون الوطني لا يعفي المجر من التزاماتها الدولية، وإن انسحابها يعكس نزعة سياسية أكثر منها قانونية.

ورغم أن المحكمة لا تملك وسائل مباشرة لإجبار الدول على تنفيذ مذكراتها، فإن تأثير الانسحاب المَجَري سيكون ملموسًا على المستوى الرمزي، في وقت تسعى فيه المحكمة إلى تعزيز شرعيتها ومكانتها في نظام العدالة الدولية.

الأيغور في الصين

لا تعمل مضخة وقود في شينجيانغ، ما لم يقف الأويغوري أمام كاميرات التعرف على الوجه في المحطة.

وإذا أراد الدخول إلى سوق، فليس أمامه إلا النفاذ عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وأدوات التحقق من الهويات، وكاميرات التعرف على الوجه، كذلك.

"أن تكون إويغوريا يعني أن تعيش في كابوس دائم،" يقول مايكل سوبوليك، الباحث المتخصص في الشأن الصيني، لموقع "الحرة".

في شينجيانغ، موطن أقلية الأويغور المسلمة غربي الصين، تنتشر كاميرات المراقبة في كل مكان: في الشوارع والمحال التجارية والمساجد وفي مداخل التجمعات السكنية؛ بينما تتربص نقاط التفتيش الأمنية بالمارة عند كل منعطف: أين هاتفك الشخصي؟

وتقول منظمات حقوقية دولية إن بكين رسخت، على مدى عقد من الزمن أحد أكثر أنظمة المراقبة الرقمية شمولية في العالم، وحولت 13 مليون أويغوري إلى مختبر حي لإدوات المراقبة المعززة بالذكاء الاصطناعي. 

والأخطر أن نموذج القمع الرقمي الصيني هذا، يمكن أن يُحتذى في أي مكان في العالم، بل أن دعوى قضائية، تجري فصولها في باريس حاليا، تشير إلى تطبيقات للنظام في دول عدة.

محكمة في باريس

في قاعة محكمة في باريس، يغلي على نار هادئة، منذ أسابيع، صراع قانوني قد يكون غير مسبوق، لمحاسبة شركات تكنولوجيا صينية على جرائم ضد الإنسانية.

يقود القضية، باسم "المؤتمر العالمي للإيغور"،  المحامي الفرنسي، الشهير في مجال حقوق الإنسان، ويليام بوردون. والمتهمون فيها فروع فرنسية لثلاث من عمالقة التكنولوجيا الصينية: هواوي، وهايكفيجن، وداهوا.

 التهمة: التواطؤ في إبادة جماعية.

تؤكد الدعوى على أن الشركات العملاقة تلك ساعدت في بناء دولة رقابة شاملة في إقليم شينجيانغ، حيث أن أنظمة التعرف على الوجوه وتقنيات الذكاء الاصطناعي لا تراقب فقط، إنها مدربة لاستهداف الأويغور على أساس عرقي.

ووفقا لـ"المؤتمر العالمي للإيغور"، لم تكن هذه الأنظمة مجرد أدوات مراقبة، بل وسائل للاعتقال والتعذيب والسيطرة، تغذي واحدة من أوسع شبكات القمع الرقمي في العالم.

ولا تقتصر الدعوى على استخدام القمع الرقمي داخل حدود الصين، بل تتضمن الإشارة إلى استخدام هذه الأنظمة في مناطق صراع أخرى مثل أوكرانيا، وفي مشاريع مراقبة في الإكوادور وصربيا.

ويقول ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، في حديث مع موقع "الحرة" إن أنظمة المراقبة هذه أصبحت متاحة على نطاق واسع لحكومات أجنبية ترغب في تقليد النموذج الصيني.

"يبدو أن هناك عددا من الدول في إفريقيا وآسيا، وربما بعض الدول الأوروبية، لكنها تتركز بشكل أساسي في إفريقيا وآسيا، وربما أميركا اللاتينية أيضا، تشتري هذه الأنظمة من الصين".

"لكن المشكلة،" يتابع ويتز، "أن الصينيين، على ما يبدو، يقومون بجمع هذه البيانات لأنفسهم أيضا".

خوارزمية الشرطة التنبؤية

منذ نحو عشرة أعوام يتعرض الشعب الأويغوري لرقابة مشددة، مصحوبة باعتقالات جماعية تعسفية، ومعسكرات تلقين أيدولوجي قسرية، وقيود على التنقل والعمل والطقوس الدينية.

فبعد إعلان بكين "حرب الشعب على الإرهاب" في 2014، وسعت السلطات الصينية بشكل كبير نطاق استخدام الشرطة للتكنولوجية المتقدمة في مناطق الأويغور.

وفي عهد سكرتير الحزب الشيوعي في تشينجيانغ، تشن كوانغو الذي يوصف بـ"المتشدد"، شهدت مناطق الأويغور فورة في إنشاء مراكز الشرطة، وبات لا يفصل بين مركز وآخر أكثر من 500 متر.

ارتفع الإنفاق الأمني، وزادت عمليات التوظيف في مجال الأمن العام بشكل هائل. ووجدت تقارير أن شينجيانغ توظف 40 ضعفا من رجال الشرطة لكل فرد مقارنة بمقاطعة غوانغدونغ الجنوبية المكتظة بالسكان.

في الوقت ذاته، أطلقت بكين منصات شرطة تعمل بالخوارزميات التنبؤية. ويقوم تطبيق يُسمى "منصة العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)" بتجميع البيانات الشخصية من مصادر متعددة: كاميرات المراقبة، وأجهزة تتبع شبكات الواي فاي والهواتف الشخصية، والسجلات المصرفية، وحتى سجلات الصحة والسفر، لتحديد الأشخاص الذين تعتبرهم السلطات تهديدا محتملا.

ووفقا لهيومن رايتس ووتش، أوعز برنامج "الشرطة التنبؤية" هذا باعتقالات عشوائية للأويغور من دون أن يكون هناك أي مؤشر على وجود تصرف مخالف للقانون.

من شأن الحجاب وحده أن يُفعّل الخوارزمية لتصنيف شخص ما كـ"خطر أمني". وغالبا ما تعتقل السلطات الأشخاص الذين الذين يستهدفهم نظام البيانات هذا، وترسلهم إلى معسكرات التلقين من دون تهمة أو محاكمة.

"إذا كنت مواطنا صينيا وتعيش في الصين، فإن حياتك تُدار من خلال تطبيقات تسيطر عليها في النهاية الحكومة الصينية، وتحديدا الحزب الشيوعي الصيني،" يقول سوبوليك، وهو زميل أقدم في معهد هدسون.

"خذ مثلا تطبيق "وي تشات" (WeChat) الذي يُسمى بـ"تطبيق كل شيء"، سواء كان لطلب الطعام، أو لمراسلة العائلة، أو لاستخدام محرك بحث، أو للنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. إنه تطبيق يتغلغل في كل شيء".

وهو أيضا تطبيق يستخدمه الحزب الشيوعي الصيني لتتبع ومراقبة اتصالات المواطنين، يضيف.

ويقول سكان أويغور إن السلطات الصينية تعاملهم دائما بريبة. "إذا بدا عليك أنك من أقلية عرقية، فسيخضونك للتفتيش. أشعر  بالإهانة"، تنقل هيومان رايتس ووتش حديث أحد مستخدمي الإنترنت الأويغور عن عمليات التفتيش الأمنية التي لا تنتهي.

ويعتقد ويتز أن حقوق الأويغور "تُنتهك بطرق عديدة" ونظام المراقبة باستخدام الذكاء الاصطناعي "واحدة منها".

شينجيانغ - رمضان الماضي 

بينما ينشغل العالم عن إقليم شينجيانغ بقضايا دولية أخرى، تواصل الصين حملتها لدمج الأويغور قسريا. 

في شهر رمضان، أجبرت السلطات الصينية الأويغور على تصوير أنفسهم وهم يتناولون الغداء وإرسال اللقطات إلى كوادر الحزب الحاكم، في مسعى لمنع ما تصفه السلطات بـ"التطرف الديني". 

و أُجبر كثيرون على العمل خلال ساعات النهار، واحتُجز الذين رفضوا العمل من 7 إلى 10 أيام، أو أرسلوا إلى "المعسكرات"، بحسب ما أفاد به شرطي محلي راديو "آسيا الحرة"، مارس الماضي.

أزمة أخلاقية

لا تزال قضية العمل القسري في السجون بمثابة أزمة أخلاقية كبيرة على المستوى الدولي، في حين تواصل واشنطن مساعيها للتخفيف من معاناة الأويغور بقوانين وإجراءات تستهدف شركات صينية متورطة في جرائم ضد الإنسانية.

ويصف ريتشارد ويتز، مدير مركز التحليل السياسي-العسكري في معهد هدسون، الجهود الأميركية ودول أخرى، في هذا الشأن، بأنها "أكثر نجاحا" مقارنة بالدور الأوروبي في مواجهة الانتهاكات الصينية لحقوق الإويغور. 

ويشير ويتز إلى إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وإدارة جو بايدن قبله شجعتا الحكومات الأوروبية وغيرها على عدم شراء التكنولوجيا الصينية، خاصة تلك التي يمكن أن تُستخدم لجمع بيانات عن الشركات المحلية أو السكان".

وفي أوائل مايو الحالي، أقر مجلس النواب الأميركي قانون "لا دولارات للعمل القسري للأويغور". 

يحظر القانون على وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية (USAID) تمويل أي برامج تشمل بضائع مُنتجة في إقليم شينجيانغ الصيني أو من طرف كيانات مرتبطة بالعمل القسري المفروض على الأويغور. 

ويُلزم المشروع الجهات المتعاقدة بتقديم ضمانات خطية بعدم استخدام مثل تلك المنتجات. ويفرض أيضا تقديم تقارير سنوية حول الانتهاكات والتحديات في تنفيذ القانون. ويسمح باستثناءات مشروطة بإشعار الكونغرس بشكل مسبق.

ويعزز القانون الجهود الأميركية في التصدي لقمع الصين للإيغور عبر الضغط الاقتصادي والدبلوماسي.

وفي يناير الماضي، وسعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية بشكل كبير "قائمة الكيانات" المشمولة بقانون منع العمل القسري للإيغور. واستهدفت الوزارة شركات صينية متورطة في العمل القسري في شينجيانغ.

وبين عامي 2024 و2025، قامت شركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا بإدراج شركات صينية عديدة على القوائم السوداء، في قطاعات تشمل الزراعة، وألواح الطاقة الشمسية، والمنسوجات.

إضافة إلى ذلك، "ركزت واشنطن أحيانا على تطوير تكنولوجيا مضادة تتيح للإيغور وغيرهم التحايل على أنظمة المراقبة،" وفقا لويتز.

ويلفت سوبوليك إلى أن إنشاء دولة المراقبة داخل الصين يعود إلى ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، و"بمساعدة دول غربية".

لكنهم تمكنوا من تطوير هذه "التكنولوجيا الديستوبية (المرعبة) ، واستخدامها على شعبهم وعلى الأويغور بشكل خاص، يضيف.

براءات الاختراع

وراء الكواليس، تتعاون بكين مع شركات خاصة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي لتحديد هوية الأشخاص استنادا إلى العرق. وتقول رويترز إن براءات الاختراع والوثائق التي كُشف عنها خلال السنوات الماضية، تُظهر أن شركات التكنولوجيا الصينية ابتكرت خوارزميات لتحديد وجوه الأويغور بين الحشود.

وتنقل الوكالة عن أحد الباحثين الباحثين تحذيره من هناك خروقات جسيمة ترتكب ضد حقوق الإنسان. "تتيح هذه التقنيات للشرطة الاطلاع على قاعدة بيانات ضخمة من الوجوه، وتحديد الوجوه التي صنّفها الذكاء الاصطناعي على أنها أويغورية،" يقول.

أنشأت بكين قاعدة بيانات ضخمة من البيانات البيومترية الخاصة بسكان شينجيانغ. وتحت ستار الفحوصات الطبية المجانية، أُجبر السكان، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية، وخاصة الأقليات المسلمة، على تزويد الشرطة بعينات من الحمض النووي، ومسح قزحية العين، وبصمات الأصابع، وتسجيلات صوتية.

بهذا الكم الهائل من المعلومات البيومترية الشخصية، إلى جانب شبكات كاميرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات مراقبة الهواتف الذكية، أنشأت الصين نظام مراقبة، أورويلي الطابع. بل أن جورج أورويل نفسه ليصاب بالرعب إزاء دستوبيا حقيقية يعيش في أتونها بشر حقيقيون، وليس مجرد شخصيات خيالية.

يوصف نظام المراقبة في شينغيانع عموما بأنه "دولة بوليسية رقمية"، ويعد بمثابة برنامج تجريبي، تختبره بكين على الأويغور قبل توسيع نطاقه في أماكن أخرى حول العالم.

مثل شخصيات أورويل في روايته "1984"، يعيش حوالي 13 مليون  أويغوري وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ، حالة خوف مستمرة تحت شبكة أمنية عالية التقنية. 

يعلم الناس أن كل حركة تقريبا تخضع للمراقبة. ذهابك إلى المسجد، الأشخاص الذي تتواصل معهم، ما تقرأه، وحتى طريقة لباسك، يتم باستمرار تقييمها بواسطة الخوارزميات. 

يتجنب كثيرون في تشينجيانغ تبادل العبارات الدينية  أو ذات الصبغة الثقافية الخاصة. فتواصلك مع الأقارب في الخارج، أو امتلاكك سجادة صلاة، أو مشاركتك آية قرآنية على وسائل التواصل الاجتماعي، قد تنتهي بك إلى السجن. 

يقول أويغور أنهم "يخافون من الصلاة أو حتى ارتداء الملابس التقليدية" في منازلهم، لأنهم يعلمون أن عيون الدولة وآذانها في كل مكان، والعواقب وخيمة.

منذ عام 2017، نفذت السلطات الصينية حملات اعتقال جماعي في شينجيانغ. واحتجزت  أكثر من مليون من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى في شبكة من معسكرات الاعتقال والسجون، وفقا لتقديرات نقلتها الأمم المتحدة، وفقا لرويترز. 

أُرسل كثيرون إلى المعسكرات ليس لارتكابهم أي جريمة، بل لأن أنظمة الرقابة الآلية وضعتهم على قائمة "غير موالين محتملين" بسبب بصمتهم الرقمية.

داخل معسكرات التلقين، التي تسميها بكين "مراكز التدريب المهني،" نقل معتقلون سابقون عن تعرضهم للتعذيب والتلقين السياسي والإجبار على التخلي عن دينهم. 

تمزقت أوصال عائلات: يختفي البالغون في معسكرات سرية بينما يُوضع الأطفال في مؤسسات حكومية، في سعي السلطات لمحو هوية الأويغور. حتى غير المعتقلين يعيشون تحت نوع من الإقامة الجبرية المؤقتة. 

يسرد تقرير للغاردينان قصة رجل أويغوري عاد إلى شينجيانغ من الدراسة في الخارج، فوصف على الفور بأنه "خطر" لمغادرته البلاد؛ اعتقلته الشرطة في المطار، وأجبرته على الخضوع لـ"فحص صحي" بيومتري، واقتادته إلى مركز احتجاز.

أُلقي القبض على آخرين لمجرد أن أحد أقاربهم في الخارج، أو لأن هواتفهم تحمل محتوى إسلاميا.

تقول منظمات حقوقية دولية إن المراقبة الشاملة تُغذي منظومة انتهاكات أوسع نطاقا. في تقرير صدر في أغسطس 2022، خلصت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إلى أن ممارسات الصين الرقابية في شينجيانغ "قد تُشكل جرائم دولية، لا سيما جرائم ضد الإنسانية".

وقد وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أدلة على الاعتقال الجماعي والتعذيب والاضطهاد الثقافي والعمل القسري في المنطقة، والتي تُسهّلها البنية التحتية المتطورة للمراقبة، مما يجعل من شبه المستحيل على الأويغور التهرب من سيطرة الدولة.

باختصار، أصبحت شينجيانغ سجنًا مفتوحًا حيث تُحاصر مجموعة عرقية بأكملها بالوسائل الرقمية. الخسائر البشرية فادحة: تدمير الخصوصية، وتجريم المعتقد والثقافة، وتعطيل أو تدمير حياة ملايين الأشخاص. 

"لقد بنت الصين في شينجيانغ ديستوبيا مدفوعة بالمراقبة، وهي نموذج للقمع يجب على العالم مواجهته على وجه السرعة"، قالت صوفي ريتشاردسون من هيومن رايتس ووتش: (هيومن رايتس ووتش، ٢٠٢٣). 

شركات القمع التكنولوجي

تؤكد تقارير أن اعتماد بكين على نخبة من الشركات الصينية العملاقة في مجال تكنولوجيا الأمن في توفير الأجهزة والبرمجيات التي تشغل دولة شينجيانغ البوليسية.

هيكفيجن وداهوا وهواوي وهي من أكبر شركات صناعة كاميرات المراقبة في العالم.

فازت هيكفيجن وداهوا بعقود ضخمة لتزويد شينجيانغ بكاميرات مراقبة وأنظمة تعرف على الوجه. 

وتُظهر أبحاث استندت إلى وثائق شرطة مسربة أن كاميرات هيكفيجن جزء أسياسي في برامج الشرطة في شينجيانغ لتتبع الأويغور واستهدافهم.

إذا كنت أويغوريا

إذا كنت أويغوريا تعيش في الصين، فمن المستحيل أن تعيش حياتك دون أن تكون خاضعا للرقابة المستمرة من الحزب الشيوعي الصيني، يقول سوبوليك.

"وما هو أكثر مأساوية،" يضيف، "أنه حتى لو كنت أويغوريا تعيش خارج الصين – في الولايات المتحدة أو بريطانيا أو أي دولة غربية أخرى – فإن قمع الحزب لا يزال يلاحقك".