وجهاء عشائر يبايعون داعش في دير الزور
وجهاء عشائر يبايعون داعش في دير الزور

في الوقت الذي تدك فيه طائرات التحالف الدولي مقرات تنظيم الدولة الإسلامية داعش في المناطق الشمالية والشرقية من سورية، تتجه الأنظار إلى الأرض التي يقطنها غالبية من أبناء العشائر في مناطق نفوذ التنظيم.

فالعشائر السورية التي تقول مصادرها إنها تشكل 35 في المئة من السوريين، يتركز ثقلها في المناطق الشرقية والشمالية، هناك حيث نشأت جبهة النصرة، ذراع القاعدة في سورية، وتسرب عناصر داعش من العراق، ليعلنوا عاصمتهم في مدينة الرقة.

وجهت اتهامات عديدة لأبناء العشائر السورية تتعلق باحتضانها للجماعات المتشددة لأسباب يراها بعض أبناء تلك العشائر مختلفة، بينما يقول من انتفض ضد داعش من أبناء العشائر، إنه لقي تجاهلا من قبل المعارضة السورية والمجتمع الدولي، وترك وحيدا ليقارع التنظيم.

ويصنف بعض من أبناء عشائر البوكامل في مدينة الشحيل التابعة لدير الزور، على أنهم كانوا عاملا أساسيا في نشأة جبهة النصرة التي استفادت من حقد العشائر على النظام السوري، كما يقول زياد عواد رئيس تحرير مجلة عين المدينة، في شرق سورية لموقع قناة "الحرة".

يقول رجل الأعمال السوري حامد عبد العزيز المسلط الذي ينتمي إلى عشيرة الجبور في منطقة الجزيرة (الجزء الشرقي من سورية)، إن تحجيم النظام السوري لدور العشائر على مدى عقود، وانتشار الفقر في تلك المناطق، من بين عوامل ساعدت على وقوف العشائر بوجه دمشق مع بدء الاحتجاجات في 2011، ودخول بعض أفرادها بوقت لاحق في تحالفات مختلفة من بينها مع داعش.

ويصنف بعض من أبناء عشائر البوكامل في مدينة الشحيل التابعة لدير الزور، على أنهم كانوا عاملا أساسيا في نشأة جبهة النصرة

​​

وينفي المسلط لموقع "الحرة"، أن تكون العشائر هي الحاضن الرئيسي للجماعات المتشددة عموما، لكنه يؤكد أن أعضاء فيها أغراهم تنظيم داعش بالمال والسلطة فانضموا إليه.

ويرى المسلط أن العشائر العربية والكردية في منطقة الجزيرة وكذلك في بقية المناطق السورية لا يمكن أن تقبل بالقوى الإسلامية التي تحمل مشروعا متشددا يفرض على السوريين أفكارا غريبة عنهم، منوها بوسطية العشائر وابتعادها عن التطرف الديني والمذهبي.

دور بارز وتوجهات مختلفة

لعب التكوين العشائري الذي يغلب على مناطق شرق سورية دورا بارزا منذ نشأة الصراع، وإن اختلفت توجهات أبناء العشائر ولا زالت، بين من ينضوي تحت راية كتائب الجيش الحر، وجبهة النصرة، وتنظيم داعش، وقوات الدفاع الوطني التابعة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

فقد سعى كل من النظام والمعارضة منذ اندلاع الحراك الشعبي إلى كسب ود العشائر والتحالف معها، وقدمت السلطات في مناطق الجزيرة إعانات وهبات مالية لبعض شيوخ القبائل ليضبطوا أبناء عشائرهم ويمنعونهم من الانخراط في الانتفاضة.

في المقابل، أطلقت المعارضة السورية على أحد جمع التظاهر اسم "جمعة العشائر" وضمت إلى تشكيلاتها السياسية كثيرا من الوجوه العشائرية المعروفة، أبرزها رئيس الائتلاف السابق للمعارضة أحمد الجربا الذي ينتمي إلى شمر.

يؤكد الشيخ محمد الحسين التركاوي، أحد مؤسسي الكتلة الوطنية للقبائل والعشائر السورية لموقع "الحرة"، أن الدور الذي لعبته العشائر في الاحتجاجات بسورية كان نسبياً وانعكاساً للمناطق التي تتواجد فيها، مشيراً إلى التأثير الكبير للقبائل في حوران والمنطقة الوسطى ومنطقة الجزيرة وإدلب، فيما بقي تأثيرها محدودا في حلب وريفها، ومعدوما في مناطق أخرى.

وكان هذا التأثير سببا دفع تنظيم داعش إلى استقطاب عشائر شرق سورية ومحاولته تشكيل تحالفات على غرار ما قام به في الأنبار بالعراق.

فقد استطاع التنظيم بالفعل، استغلال التركيبة العشائرية في سورية لمصلحته، واستفاد من الخلافات بين العشائر على النفط والنفوذ ومن نهج بعض العشائر التي توالي الأقوى، كما يؤكد المسلط

ونجح في استمالة قسم آخر يتمتع بنفوذ في المنطقة، كان يرفض نهج التنظيم وسلوكياته.

وتمكن التنظيم، مستفيدا من الانتصارات التي حققها في العراق بالتنسيق مع العشائر العراقية، من فرض سيطرته شبه المطلقة على دير الزور، خصوصا وأن هناك تداخلا بين العشائر في محافظة دير الزور مع عشائر العراق، حسب ما يقول المسلط.

استفاد من الخلافات بين العشائر على النفط والنفوذ ومن نهج بعض العشائر التي توالي الأقوى

​​توجهات العشائر السورية

تنتشر في شرق سورية أحلاف قبلية وعشائرية كبرى، أبرزها شمر، وينتسب إلى شمر التي تمتد بطونها وعشائرها من شمال العراق إلى شبه الجزيرة عبر سورية والأردن.

وتربط وجهاء شمر علاقة وثيقة مع القوى الكردية الموجودة في المنطقة، كما يميل معظم أبناء تلك العشائر إلى القوى المدنية، باستثناء منطقة الجوادية التي باتت معقلا لجبهة النصرة، كما يؤكد رئيس تحرير مجلة "عين المدينة" التي تصدر في شرق سورية.

ومع دخول داعش إلى الواجهة في دير الزور، دعم قسم من العشائر التنظيم وقاتل إلى جانبه، فيما أبقى قسم آخر على علاقته مع جبهة النصرة، ووقف قسم آخر على الحياد.

 تناحر تاريخي

وعند وصول الصراع بين النصرة وداعش إلى ذروته، دخلت المدينة في نفق الاقتتال الإسلامي، فتحولت إلى أرضية خصبة لهذا القتال لعدة عوامل، لعل أبرزها غناها بالنفط وقربها من محافظة الأنبار العراقية التي تعتبر معقل داعش في العراق، وكذلك اتصالها مع الرقة التي يرى فيها التنظيم نواة "دولته".

وأضف إلى ذلك، العامل القبلي العشائري. فقد كان للتناحر التاريخي بين العشائر وعمليات الثأر القديمة الجديدة، تأثير في توزيع ولاءات العشائر للتنظيمات المتشددة، حسبما يشير موقع متخصص في رصد الحركات الإسلامية.

وخير مثال على ذلك، إعلان عشيرة الشعيطات وهي تابعة للعكيدات مشاركتها في تحالف لقتال داعش، وقد أطلق النشطاء المقربون من العشائر حملة على الانترنت أطلقوا عليها تسمية "الشرقية تنتفض من جديد"​، يضيف الموقع.

​​

فالعكيدات قررت متحدة مواجهة داعش على الرغم من مبايعة بعض عشائرها للتنظيم، معتبرة أن الصراع في المدينة هو من أجل النفط، وعليه، فإن "من قدم لتقالنا في ديارنا أتى ليسرق خيراتنا".

في الكفة الأخرى من ميزان القوى، توجد عشيرة البكارة الكبيرة التي أعلنت توحدها تحت اسم "جيش زلزال بكير"، مشيرة إلى أنها تقاتل لتحقيق الشرعية الإسلامية، مقرة ضمنيا بتحالفها مع داعش، ما جعلها في مواجهة العشائر الأخرى.

التنظيم ومحاربة داعش

هذا التشتت ربما هو الذي منع الولايات المتحدة من التعويل على العشائر السورية في حربها ضد داعش، على غرار ما فعلت بالعراق.

ففي تصريحات للمتحدث باسم البنتاغون جون كيربي الشهر الماضي، أوضح أن الإدارة الأميركية تسعى إلى التواصل مع العشائر السنية في العراق، متوقعا أن يكون هناك دور لهذه العشائر في الحرب ضد داعش.

لكن من يحارب التنظيم في سورية من العشائر، ولا سيما الشعيطات التي تلقت الضربة القاسمة على يد داعش، يشتكي من تركه يقاتل وحيدا في معركة استدعت ائتلافا دوليا ضد هذا التنظيم الذي راح ينهش في معارضيه، فقتل 700 على الأقل من أبناء الشعيطات.

ويضيف أحد أعضاء العشيرة لصحيفة واشنطن بوست، "لقد رأينا ما فعله الأميركيون لمساعدة الأيزيديين والأكراد، لكنهم لم يفعلوا شيئا لمساعدتنا ضد داعش".

أما داعش، فإنه ينظر إلى العشائر عموما على أنها مشروع صحوات تهدد وجوده، ويتعامل معها بحذر.