يواجه المجلس السيادي المكون حديثا في السودان تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، من أبرزها الوضع الاقتصادي المتردي والنزاع المسلح، وإزالة اسم السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.
ولعل التحدي الأكبر أمام المجلس السيادي بشقيه العسكري والمدني هو التوافق مع مجلس الوزراء، على آليات محددة للتعاطي مع هذه القضايا، في ظل التباين الواضح في بعض مواقف الطرفين، وبالنظر إلى الآلية التي سيتخذ بها القرار، وفقا للصلاحيات الممنوحة لهياكل الفترة الانتقالية.
وتشكل المجلس السيادي في السودان في إطار اتفاق بين المجلس العسكري الذي تولي السلطة في 11 أبريل، إثر الإطاحة بنظام الرئيس المعزول عمر البشير، وتحالف المعارضة المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير.
وتمت الإطاحة بالبشير إثر احتجاجات شعبية اندلعت شرارتها في ديسمبر الماضي بسبب مضاعفة أسعار الخبز.
وسيحكم المجلس السيادي السودان، إلى جانب مجلس الوزراء بقيادة عبد الله حمدوك، لفترة انتقالية من 39 شهرا.
ومن المقرر أن يشكل حمدوك حكومته في الثامن والعشرين من هذا الشهر.
الصلاحيات
يصف المتحدث باسم تجمع المهنيين صلاح شعيب العلاقة بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء من حيث الصلاحيات بـ "المتداخلة".
فمجلس الوزراء مخول بشكل عام بالقضايا التنفيذية وقضايا السلام والسياسة الخارجية، بينما تقع على عاتق مجلس السيادة اعتماد القوانين المجازة من قبل مجلس الوزراء، ومنها اعتماد أعضاء مجلس الوزراء وولاة الولايات، ورئيس القضاء.
وحسب المتحدث باسم تجمع المهنيين صلاح شعيب، هناك قضايا من الصعب البت فيها، إذا لم يتفق الطرفان عليها، كقضية تعيين رئيس للقضاء وهي "أولى المطلبات" التي تعاني منها الحكومة الآن.
ويرى صلاح أن أي تعنت من جانب أي طرف لن يخدم مصالح السودان "بل مصالح النظام السابق، من خلال انقلاب عسكري أو غيره" قبل أن يستدرك قائلا "لكن الثورة السودانية ستظل محمية بإرادة شعبها".
ولإجازة القوانين والاتفاقيات من قبل المجلس السيادي لابد من موافقة أغلبية الثلثين.
النزاع المسلح
يواجه السودان نزاعا مسلحا في دارفور (غرب) منذ عام 2003، وفي ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان منذ 2011.
وشكل هذا النزاع مصدر استنزاف للموارد المالية في السودان على مدار السنوات الماضية، وقال رئيس الوزراء المعين حديثا عبد الله حمدوك في أول تصريحات له بعد أدائه اليمين الدستورية إن التوصل إلى سلام سيكون أولوية لحكومته، إلى جانب القضايا الاقتصادية.
وفي حديثه لـ"موقع الحرة" قال شعيب "إن حمدوك على تواصل مع قادة الحركات المسلحة حتى قبل تسلمه لمنصبه كرئيس وزراء للحكومة الانتقالية".
من المعروف أن الجبهة الثورية، الوعاء الشامل للحركات المسلحة الرئيسية في السودان، عبرت عن استيائها من الاتفاق المبرم بين المجلس العسكري والقوى السياسية بحجة عدم تضمين بنود خاصة بها في الاتفاق.
وحذر معتصم محمد صالح المتحدث باسم حركة العدل والمساواة من تجاهل مطالبهم وقال لموقع الحرة "إن ذلك قد يعني العودة بالسودان الى مربع الصفر ... الحرب".
وكانت الحكومة والحركات المسلحة قد أعلنت وقفا مؤقتا لإطلاق النار من جانب واحد، كبادرة حسن نية.
وبعد أدائه القسم الأربعاء سئل حمدوك عن الطريقة التي سيعالج بها الصراع المسلح فقال "في الوضع الديمقراطي دائما هناك تباين في وجهات النظر وهذا هو التحدي الذي نواجهه في المرحلة القادمة".
وتابع قائلا "الاختبار الحقيقي في معالجة هذه المشكلة يكمن في النظر إلى المشترك.. أعرف قيادات الجبهة الثورية معرفة شخصية، وأعتقد أن هناك مناخا ملائما لو احسنـّا إدراته نستطيع أن نعبر بالبلاد إلى بر الأمان".
العقوبات والديون الخارجية
تتجاوز ديون السودان 50 مليار دولار. وكان من المفترض أن تلغي هذه الديون بعد انفصال الجنوب عن الشمال في عام 2011، لكن عقبات عدة حالت دون إلغائها واستفادة السودان من المؤسسات المالية الدولية، ومن بين هذه العقبات بقاؤه في قائمة الإرهاب الأميركية.
وقال المتحدث باسم تجمع المهنيين صلاح شعيب إن عبد الله حمدوك ووزير ماليته (المرتقب) سوف يزوران واشنطن قريبا "لبحث قضية الديون وسحب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، اعتقد أن أول زيارة خارجية لهم ستكون الى الولايات المتحدة.. الدور الأميركي مهم للغاية ".
وأعرب شعيب عن ثقته بأن تحقق الزيارة "نتائج إيجابية" خاصة بعد توقيع اتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.
محمد الأمين عبد العزيز القيادي في قوى الحرية والتغيير قال إن وفدا من التجمع قد يزور الولايات المتحدة قبل زيارة حمدوك، لبحث قضايا ملحة من بينها توفير مساعدات للمتضررين من السيول والأمطار التي ضربت معظم ولايات السودان مؤخرا وتسببت في خسائر بشرية ومادية فادحة.
في السابق سعى المجلس العسكري لإرسال وفد إلى واشنطن لبحث قضية الديون ورفع السودان من قائمة الإرهاب، لكن المبعوث الاميركي إلى السودان دونالد بووث ربط ذلك بتشكيل حكومة مدنية.
ويوم السبت الماضي حث المبعوث الإثيوبي محمود دردير الولايات المتحدة على حذف السودان من قائمة الإرهاب، لمساعدة الحكومة السودانية الانتقالية القادمة على معالجة الاقتصاد المتردي.
عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي
في يونيو الماضي قرر الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية السودان في المنظمة القارية بعد عملية فض اعتصام المحتجين الدامية في الخرطوم في الثالث من يونيو، والتي أدت إلى مقتل 127 شخصا، وربط إعادة عضوية السودان بتشكيل سلطة مدنية.
واتفق القياديان بقوى الحرية والتغيير صلاح شعيب ومحمد الأمين عبد العزيز على أن إعادة السودان لعضوية الاتحاد الافريقي "مسألة زمن ليس إلا ... هذه مسألة منتهية، من الذي توسط لحل الأزمة السودانية؟ الأفارقة انفسهم".
الجنائية الدولية
منذ عام 2009 تلاحق محكمة الجنايات الدولية الرئيس عمر البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي في دارفور غربي السودان.
وتسببت هذه القضية في معاناة السودان من عزلة دولية.
شعيب يرى أن موضوع الجنائية "معقد ومرتبط إلى حد كبير بقضية السلام والعدالة.. إذا تمكنت الحكومة المقبلة من وقف الحرب وتكوين محاكم خاصة عادلة، فإن محاكمة البشير قد تكون خيارا مقنعا لكثيرين داخل السودان وخارجه بما في ذلك المجتمع الدولي".
وحسب الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري وتحالف المعارضة، فان الحكومة المقبلة ستخصص الستة أشهر الأولى من عمرها لمعالجة النزاعات المسلحة.
يشار إلى أن المجلس العسكري الانتقالي كان قد أكد رفضه إحالة البشير إلى محكمة الجنايات الدولية.
وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير محمد الأمين عبد العزيز إن هناك "كيانات، حتى داخل قوى الحرية والتغيير، لا تؤيد تسليم البشير إلى الجنائية الدولية وترى أن من الأفضل محاكمته بأليات وطنية في الداخل".
رغم ذلك، لا يستبعد شعيب أن يعترف السودان لاحقا بمحكمة الجنايات الدولية
وقال لموقع الحرة "النظام الحالي في السودان ديمقراطي، وهناك اتجاه قوي للمصادقة على محكمة الجنايات الدولية واتفاقية سيداو وغيرها من الاتفاقيات الدولية التي تخشاها الأنظمة الشمولية".
حرب اليمن
يشارك السودان ضمن التحالف بقيادة السعودية لإعادة الشرعية في اليمن، وسط وجود أصوات في الداخل تنادي بسحب القوات السودانية.
صلاح شعيب وصف قضية اليمن بـ "الشائكة جدا"، بينما يقول القيادي في الحرية والتعغيير محمد الأمين عبد العزيز إن "برلمانا منتخبا فقط" هو المخول له البت في الاتفاقات الموقعة سابقا "ما يعني أن هياكل السلطة الانتقالية الحالية ليس لديها صلاحيات للبت في مشاركة القوات السودانية في اليمن.
وكان حمدوك قد قال في مؤتمر صحفي إن السياسة الخارجية للسودان سوف تعتمد على التوازن وتقديم المصالح العليا للبلاد.
الدولة العميقة
إلى جانب كل تلك التحديات، يرى القيادي بقوى الحرية والتغيير محمد الأمين عبد العزيز أن التحدي الحقيقي للحكومة القادمة يكمن في "بقايا النظام السابق". متهما عناصر موالية للأخير بالوقوف وراء عدة مشاكل بدأت تشهدها البلاد مؤخرا.
وقال لموقع الحرة إن "أطراف الدول العميقة بدأت تحرك أطرافها "لإثارة القلاقل برفع الأسعار، وافتعال أزمات النقص الحاد في الخبز والوقود وإثارة النعرات القبلية، كما حدث بالأمس في بورتسودان".
وأضاف قائلا "من الصعب القضاء عليهم، فهم مسيطرون على كثير من مفاصل الدولة، واعتقد أن الخيار الأمثل أمام حكومة حمدوك القادمة هو تفعيل سيادة القانون ومحاسبة كل من يثبت تلاعبه بقوت الشعب بشكل فوري".
ومن المقرر أن يشكل حمدوك حكومته بحلول 28 أغسطس، على أن يتم تشكيل برلمان انتقالي في غضون ثلاثة أشهر، من التوقيع على الاتفاق.