بن سلمان وبن زايد خلال قمة في جدة
بن سلمان وبن زايد خلال قمة في جدة

نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن العاهل السعودي، الملك سلمان، خطا هذا الشهر في قصره بمكة خطوة غير مألوفة فأبدى "انزعاجه الشديد" من الإمارات أقرب الشركاء العرب للمملكة. 

ويبدو أن هذا التعليق دليل على وجود شرخ في التحالف الذي يقوده عمليا نجل الملك الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. 

والمصدر المباشر للتوتر هو حرب اليمن الطاحنة.

وتتزايد الاحتكاكات منذ أشهر بسبب هذا الصراع الذي كان يُتوقع له في البداية أن يستمر بضعة أسابيع لكنه طال لسنوات وسقط فيه عشرات الآلاف ولا تبدو له نهاية في الأفق. 

أما السبب الأشمل فهو القرار الذي يبدو أن الإمارات اتخذته بالتحول لخدمة مصالح وطنية أضيق وإظهار نفسها في صورة الشريك الأكثر نضجا الذي بمقدوره تحقيق استقرار المنطقة حتى إذا كان المغزى من وراء ذلك تقليص الخسائر والمضي قدما من دون الرياض، بحسب رويترز. 

ويبدو أن الإمارات حريصة أيضا على إنقاذ صورتها في واشنطن حيث أدى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى تعميق المخاوف من تحول السياسة الخارجية التي تنتهجها المملكة إلى الاندفاع والنزوع للتدخل. 

وقال مصدر مطلع على ما يدور في الحكومة إن "الإمارات تريد أن تظهر بمظهر الدولة الصغيرة التي تيسر تحقيق السلام والاستقرار لا التابع لطرف سعودي يبدو منتصرا وينزع للتوسع". 

وأضاف المصدر "الأمر بشكل من الأشكال تقديم مصالحهم، لأنهم يعتقدون أنه إذا كانت السعودية تنزع للتوسع فستبتلعهم". 

توافق تام بين البلدين

وقال مصدران يمنيان ومصدر آخر تم إطلاعه على ما دار في الاجتماع، إن الإعراب عن انزعاج الملك جاء في محادثة يوم 11 أغسطس مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي يحظى بدعم المملكة. 

وكانت قوات هادي في عدن قد منيت لتوها بهزيمة على أيدي قوات تدعمها الإمارات عندما انقلب الطرفان المتحالفان اسميا في جنوب البلاد على بعضهما بعضا في صراع على السلطة. 

وردا على طلب للتعليق وصف مسؤول سعودي تلك الرواية لما حدث بأنها زائفة، وقال "السعودية والإمارات لا تزالان متوافقتين استراتيجيا فيما يتعلق بمصادر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وتتعاونان تعاونا وثيقا جدا للتصدي لمجموعة واسعة من التهديدات الأمنية في المنطقة وخارجها. العلاقات الثنائية بين البلدين وطيدة". 

وفي وقت سابق قال مسؤول في الإمارات لرويترز إن البلدين "متوافقان تماما" فيما يتعلق باليمن وإيران وإن التهدئة هي السبيل الوحيد لتحقيق تقدم. 

ومن شأن أي انقسامات أن تقلق البيت الأبيض الذي استثمر قدرا كبيرا من سياساته في الشرق الأوسط في البلدين. 

ومع استئناف المعارك في عدن الأربعاء، أفاد بيان صادر عن الخارجية الأميركية بأن نائب وزير الدفاع السعودي التقى بوزير الخارجية مايك بومبيو في واشنطن لبحث كيفية وضع حد للمواجهة. ولم يذكر البيان العلاقات بين الرياض وأبوظبي، والتي قال مسؤول أميركي إنها ستكون على جدول الأعمال. 

واشتدت حدة المتاعب هذا الصيف بسبب اليمن بعد شهور من التوتر بفعل قضايا أخرى. فعندما أخذ الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد خطوة الحرب في 2015 على المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن، ثم فرضا فيما بعد مقاطعة لقطر، هلل أنصارهما لعصر جديد من العمل الحاسم في منطقة أكثر اعتيادا على مساعي التوفيق البطيئة بين المتخاصمين. 

كما تدخل الرجلان في صراعات في مصر والسودان وليبيا. وعملا على احتواء إيران والإسلاميين الذين اعتبروهم خطرا يهدد الحكم الوراثي في أعقاب انتفاضات الربيع العربي في 2011. 

وفي شهر يونيو قلصت الإمارات وجودها العسكري في اليمن، وقيدت الرياض بحرب مكروهة بدأتها لتحييد الحوثيين ومنع إيران من تعزيز نفوذها على الحدود. 

وقال مسؤول إماراتي كبير إن تلك الخطوة كانت تطورا طبيعيا بسبب اتفاق السلام الذي أبرم برعاية الأمم المتحدة في مدينة الحديدة الساحلية الغربية. 

إلا أن بعض الدبلوماسيين يقولون إن الإمارات قبلت فكرة أنه لا يوجد حل عسكري للصراع وإنها تشعر بالحساسية للانتقادات الموجهة للكارثة الإنسانية والضربات الجوية التي يشنها التحالف وأسفرت عن مصرع مدنيين وعجل تزايد التوترات الخاصة بإيران بهذا القرار. 

وقال دبلوماسي غربي "لم يُستقبل ذلك بطريقة إيجابية. فقد شعر السعوديون بأنهم جرى التخلي عنهم". 

وتقول أبوظبي إن هذا التحرك تم بالتنسيق مع الرياض مقدما وعكس حقائق واقعة على الأرض مع تحرك الأمم المتحدة لتمهيد السبيل أمام محادثات السلام. 

وقال دبلوماسي آخر إن العلاقة بدأت تتصدع وإن "مصالحهما الاستراتيجية متشابهة لكنها ليست متطابقة تماما". 

كما هونت الإمارات من شأن الانقسامات بعدما سيطر انفصاليون تدعمهم على مدينة عدن، مقر حكومة هادي المؤقتة، لكنها لم تطلب منهم التخلي عما سيطروا عليه وانتقدت حكومة هادي ووصفتها بأنها ضعيفة وغير فعالة. 

والإمارات التي كونت لنفسها سمعة كمركز للأعمال، أكثر عرضة للتأثر مقارنة بالسعودية، أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم، وترى نفسها كعامل للاستقرار في المنطقة. 

وقال مصدر إن الإمارات تتحوط باعتبارها قوة صغيرة. فدبي المركز التجاري في الإمارات تربطها علاقات تجارية قوية بإيران. 

وقال مصدر آخر، مشيرا إلى مفاتحات أبوظبي الأخيرة تجاه إيران، بما في ذلك محادثات حول الأمن البحري تجددت الشهر الماضي، "شهر العسل (مع السعودية) انتهى". 

وقال مصدر خليجي إن التحالف "على خير ما يرام" من حيث التصدي للتهديدات الإقليمية مثل إيران والإسلاميين لكنه سلم بحدوث عملية إعادة موازنة مع تطور الأوضاع.