تتزايد الأصوات المحذرة من تغيير ديمغرافي شامل في شمال سوريا، تنفذه القوات التركية التي تخوض عملية عسكرية ضد الأكراد هناك، تستخدم فيها السكان العرب للسيطرة على الأقليات الأخرى.
وكان تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية، قد سلط الضوء على الأوضاع في سوريا، والخطط التركية لإحداث ثورة ديمغرافية، بحسب المحللة بمجموعة الأزمات الدولية، دارين خليفة.
وقالت خليفة لواشنطن بوست، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يأمل في أن "يقلب موازين القوى" في المناطق الكردية في سوريا، من خلال طرد المقاتلين الأكراد قبل إعادة السوريين إلى هناك.
ولفتت خليفة إلى أن هؤلاء الذين سيعاد توطينهم في المناطقة الكردية "لن يكونوا أكرادا"، كما وصفت خطط أردوغان بمثابة "هندسة اجتماعية للديمغرافيا لتكون في أغلبيتها عربية تميل إلى تركيا.. هذا يشكل نعضلة على عدة مستويات".
وكان أردوغان قد عبر عن طموحاته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في إعادة توطين نحو مليوني لاجئ سوري من غير سكان المنطقة وأبنائها، وربما يصل العدد إلى 3 ملايين لاجئ في حال وصول القوات التركية إلى المنطقة الفاصلة بين الرقة ودير الزور.
وعبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، عن انزعاج أنقرة من "التبديل الديمغرافي" الذي قامت بيه وحدات الحماية الكردية YPG، وذلك خلال مقالة له في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وكان مراسل "NBC News" ريتشارد إنجل، قد نقل تصريحات لمسؤولين أميركيين يحذرون "بشدة" من فتح الباب أمام تطهير عرقي للأكراد على يد الفصائل العربية الموالية لتركيا، مما قد يعيد خطر داعش والقاعدة.
Turkey’s conflict in Syria took a major turn today. First alleged atrocities by Turkish-backed Arab militias, executing Kurds. US military officials tell me it%27s true, and they are DEEPLY concerned it opens the door to BOTH ethnic cleansing of Kurds and return of ISIS/Al-Qaeda
— Richard Engel (@RichardEngel) October 12, 2019
وأضاف إنجل في تغريدة أخرى أن الأكراد يخافون من أن تقوم تركيا بإخلاء المنطقة، وإحلال اللاجئين العرب الداعمين لتركيا بدلا منهم.
.@RichardEngel is on the frontlines of #Turkey%27s assault in #northern Syria. The Kurds fear that Turkey wants to clear the region and resettle it with Arab refugees who support Turkey. @NBCNightlyNews pic.twitter.com/gXvZIS63q6
— On Assignment with Richard Engel (@OARichardEngel) October 12, 2019
وأعلنت الأمم المتحدة الأحد نزوح نحو 130 ألف شخص جراء المعارك الدائرة في شمال سوريا بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش التركي والفصائل الموالية له، خاصة من المناطق الريفية مثل بلدة تل أبيض ورأس العين.
وتوقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وغيره من منظمات الإغاثة، أن يصل عدد المحتاجين إلى المساعدة والحماية في الفترة المقبلة، إلى 400 ألف مدني.
تقرير آخر لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ألمح إلى استحالة توطين اللاجئين السوريين في المنطقة التي اقترحها أردوغان، نظرا لضيق المنطقة ووجود ما يقارب 650 ألف كردي على المناطق الحدودية، مما سيتطلب إجلاء السكان الأكراد من أجل أن تستوعب المنطقة العرب، وذلك حسب عالم الجغرافيا الفرنسي فابريس بالانش.
وقال تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" إن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد تقوم الآن بتنفيذ نظام يضمن عدم إعادة التوازن السكاني لسوريا، وذلك من خلال مصادرة الممتلكات المملوكة للاجئين، وسجن العائدين، وفحص خلفيات الرجال السنة في سن القتال، إذ كانت الطائفة السنية هي حجر الأساس للثورة التي اندلعت في 2011.
وأضافت الصحيفة أن الهدف الحقيقي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا هو "التغلب على الحكم الفعلي الذي أقامه الأكراد السوريون في شمال البلاد وتغيير التركيبة السكانية من خلال إضعاف الأكراد بتدفق كبير من العرب السنة".
وفي حال تم إحلال السكان العرب مكان الأكراد، "فإنها لن تكون المرة الأولى التي تحدث في سوريا"، فمدينة عفرين السورية ذات الأغلبية الكردية، تم إحلال اللاجئين العرب بدلا من الأكراد على نطاق واسع.
وأشارت تقارير إلى أن المنازل أصبحت مستباحة في عفرين من جانب القادمين من الخارج، حيث يكفي الادعاء زورا أو اتهام مالك أو أي مواطن بدعم الفصائل السياسية الكردية، بكي يفقده منزله ويعرضه للطرد منه.
وكان مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن قد صرح لـ"موقع الحرة" في أغسطس بأنه، "تم الاستيلاء على منازل مهجرين كرد من قبل فصائل موالية لتركيا، فإذا ما تم التعرف على التوجه السياسي لصاحب المنزل، تتم مصادرته بسهولة في محاكمة رمزية يستدعى فيها ثلاثة شهود".

وتسيطر الفصائل السورية الموالية لتركيا على منطقة عفرين منذ مارس 2018، بعد معارك عنيفة مدعومة بالجيش والطيران التركيين ضد وحدات حماية الشعب (YPG) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، وقد ارتكبت هذه الفصائل العديد من الانتهاكات الحقوقية فضلا عن الاستيلاء على منازل الأكراد ومنحها للسوريين العرب.
وأضاف عبد الرحمن لـ"موقع الحرة" بأن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان قال سابقا إنه يريد عودة سكان عفرين الأصليين، لذلك طرد نحو 300 ألف كردي من عفرين وبدأت الفصائل المقاتلة السوية الموالية لتركيا في إحلال العرب مكان الكرد".
"إذا لم يكن هناك موافقة تركية، لما استطاعت الفصائل السورية الموالية تنفيذ هذه الخطوة، الهدف هو طرد الكرد"، يوضح مدير المرصد السوري.
ولفت عبد الرحمن إلى وجود مئات المنازل إن لم يكن الآلاف استولت عليها الفصائل السورية ومنحت لسوريين من أصول عربية، فيما يتوقع أن تزداد أعداد السوريين العرب في عفرين مع قدوم 10 آلاف لاجئ سوري من تركيا إلى شمال سوريا.
نزوح كبير
وأعلنت الأمم المتحدة الأحد أن هجوم تركيا الدامي على مواقع الأكراد في شمال شرق سوريا أجبر 130 ألف شخص على الفرار من منازلهم، مشيرة إلى أنها تتوقع بأن يرتفع هذا العدد أكثر من ثلاث مرات.
وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لاركي "انتقلنا إلى سيناريو الاستعداد لنزوح ما يقارب من 400 ألف شخص داخليا في أنحاء المناطق المتأثرة" بالعملية التركية، مضيفا أن هؤلاء سيكونون "بحاجة إلى المساعدة والحماية".
وأفادت الأمم المتحدة الجمعة أن نحو 100 ألف شخص أجبروا على مغادرة منازلهم منذ بدأت العملية العسكرية التركية الأربعاء، بعدما أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب جنود بلاده بالانسحاب من المنطقة الحدودية.
لكنها حذرت لاحقا من حالات نزوح جديدة من المناطق الريفية في محيط تل أبيض وراس العين مع إشارة التقديرات الأخيرة إلى أن العدد "تجاوز 130 ألف شخص".
وأكدت الوكالة الدولية في آخر تقييم لها على أنه "لا يمكن التحقق من الأرقام الدقيقة".
واستقر كثير من النازحين عند أقاربهم أو لدى مجتمعات محلية مضيفة، لكن أعدادا متزايدة تصل إلى ملاجئ جماعية، بما فيها مدارس.
وحذرت الأمم المتحدة من تأثير أي تصعيد إضافي في العملية التركية أو التحولات المفاجئة في الجهات المسيطرة على الأرض.
وأفادت "لا يزال القلق بالغ بشأن المخاطر التي تواجه آلاف النازحين الضعفاء بمن فيهم نساء وأطفال في مخيمات عدة" للنازحين.
ونوهت الأمم المتحدة كذلك إلى وجود تداعيات عدة أخرى للهجوم العسكري الذي يجري على عدة جبهات على الحدود بين سوريا وتركيا.
وأعربت كذلك عن قلقها على سلامة موظفي 113 منظمة إغاثة دولية وتابعة للأمم المتحدة في المنطقة، بينما خفضت عدد موظفيها الدوليين إلى 200 من 384.