تمثال الثور الهائج في وول ستريت
تمثال الثور الهائج في وول ستريت

يبدو أن تحذيرات الخبراء الاقتصاديين من تداعيات الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين على الاقتصاد العالمي بدأت تلقى آذانا صاغية مع خفض ثلاثة مصارف مركزية بشكل مفاجئ الأربعاء معدلات الفائدة.

ووفق تقرير نشرته وكالة فرانس برس جاءت الإجراءات المالية في الهند ونيوزيلندا وتايلاند في وقت سجل الإنتاج الصناعي في ألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي، تراجعا في شهر يونيو، ما يزيد، إلى جانب تداعيات الحرب التجارية، الأجواء الضبابية في منطقة اليورو.

وقد هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية على الصادرات الصينية إلى بلاده، فيما سمحت الصين بتراجع قيمة اليوان إلى 7 مقابل الدولار الواحد.

واتهمت واشنطن بكين بالتلاعب بعملتها ما زاد المخاوف من قيام حرب عملات بموازاة الحروب التجارية الدائرة، وأدى إلى تراجع عائدات سندات الخزينة الأميركية، الامر الذي يشكل مؤشرا إلى أن الأوضاع مقبلة على مزيد من التأزم.

​​وقال مدير اتحاد غرف الصناعة في ألمانيا يواخيم لانغ، إن "تمدد النزاع التجاري إلى العلاقات النقدية الدولية يزيد من أجواء الضبابية المخيّمة على الاقتصاد العالمي".

وتابع لانغ "على الشركات أن تتهيأ لتحولات ملموسة في العلاقات النقدية وتقلبات أكبر في أسعار الصرف".

وسجل الاقتصاد الصيني في الفصل الثاني من هذا العام أضعف نمو له منذ ثلاثة عقود، في حين تفاقم الفوضى السياسية التي تحيط بملف خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي التباطؤ الاقتصادي في أوروبا.

وكانت الأسواق قد شهدت ارتياحا بعدما أحيت القمة التي عقدها الرئيسان الأميركي والصيني في اليابان في يونيو الماضي الآمال بإمكان توصل البلدين لهدنة تجارية.

إلا أن تلك الآمال تبخرت، وبحسب مركز "كابيتال إيكونوميكس" فإن الأمور بالنسبة للعلاقات الثنائية المتدهورة "تبدو متجهة إلى الأسوأ".

وقال خبير الأسواق الناشئة في المركز وليام جاكسون "برفع صناع القرار الأميركيين والصينيين سقف التحدي، يزداد خطر التداعيات غير المباشرة لزعزعة الثقة وتشديد السياسات المالية وضعف الاستثمار" على الأسواق الناشئة.

​​لكن جاكسون توقع أن تكون هذه الأسواق قادرة على الحد من تأثيرات هذه التداعيات على سلسلة الإمداد، مرجّحا ألّا "تكون التأثيرات المباشرة على صادرات الأسواق الناشئة كبيرة جدا".

وسلسلة الإمداد أو التوريد هي منظومة متكاملة لنقل المنتجات أو الخدمات من الموردين إلى العملاء.

وقال فيليب فيشتر مدير الأبحاث في مركز "أوستروم آسيت مانجمنت" إن إجراءات ترامب "تفاقم مخاطر التدهور"، متداركا "لكننا لم نصل بعد إلى مرحلة الهروب إلى المرتفعات" أي الكارثة الحتمية التي لا يمكن معالجتها.

ويضيف أن "الاقتصاد العالمي يتباطأ لكننا لم نصل بعد إلى حافة الانهيار".

لكن مراقبين آخرين يبدون وجهات نظر أكثر تشاؤما.

وأواخر يوليو خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو للعام 2019 إلى 3.2 في المئة.

وقالت كبيرة الخبراء الاقتصاديين في الصندوق غيتا غوبيناث إن "التوترات قد تتصاعد مجددا وقد تتمدد إلى قطاعات أخرى مثل صناعة السيارات وتؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد حول العالم".

وشدد راجيف بيسواس من مجموعة "أي إتش إس ماركت غروب" لوكالة فرانس برس على مدى خطورة "الأجواء الحالية على التجارة العالمية".

وإذا استمرت أسعار الاستيراد بالارتفاع وأعاق خفض قيمة العملة الاستهلاك قد تعاني الولايات المتحدة ارتدادات حروب ترامب التجارية.

ورجح فيشتر أن يكون وضع الاقتصاد الأميركي "أكثر ضعفا مما نتخيل".

​​فاقتصاد الولايات المتحدة الذي شهد نموا لفترات طويلة يشهد حاليا تراجعا في خلق الوظائف والتصدير.

والأسبوع الماضي خفض الاحتياطي الفدرالي معدلات الفائدة للمرة الأولى منذ 11 عاما، وقد برر رئيسه جيروم باول القرار بـ "مخاطر ضعف النمو العالمي وضبابية السياسة التجارية".

لكن الاحتياطي الفدرالي أعلن بوضوح أنه لن يستجيب لمطالب ترامب بالرد على "تلاعب" الصين بقيمة عملتها.

وقال عضو مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي جيمس بالارد في مقابلة مع فرانس برس "لا يمكننا على أرض الواقع إقحام السياسة النقدية في الإجراءات الانتقامية للحرب التجارية".

وحذر فيشتر من أنه في حال تفاقمت الحرب التجارية فقد تجد المصارف المركزية نفسها عاجزة عن احتواء تداعياتها. وقال "ليس لديها هامش كبير للتحرك".

وفي الهند خفض المصرف المركزي سعر الفائدة على اتفاقيات إعادة الشراء بـ 35 نقطة أساسية، في خطوة فاقت التوقعات، مبررا ذلك بأن "أداء الاقتصادي المحلي لا يزال ضعيفا، كما وأن التباطؤ العالمي وتصاعد التوترات التجارية يشكلان مخاطر تراجع".

المغرب يملك 70 بالمئة من احتياطات الفوسفات العالمي (أرشيف)
المغرب يملك 70 بالمئة من احتياطات الفوسفات العالمي (أرشيف)

ظهر المغرب كـ "فائز غير متوقع من التوترات الأميركية الصينية"، بعد أن أصبح نقطة الوصل بالنسبة للشركات الصينية الراغبة في خدمة أسواق أوروبا والولايات المتحدة، حسبما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية. 

وتتجنب الشركات الصينية أو تؤجل الاستثمارات المباشرة في الولايات المتحدة وأوروبا بسبب الأوضاع الجيوسياسية، والانتظار الطويل للحصول على التصاريح، حسبما حذر أحد أكبر منتجي مواد البطاريات في العالم، بعد الإعلان عن استثمار بقيمة 2 مليار دولار في المغرب.

والأسبوع الماضي، قالت شركة "سي إن جي آر أدفانس ماتيريال" الصينية، إنها ستبني مصنعا لمواد الكاثود (المستخدمة في صناعة بطاريات الليثيوم) في المغرب، لتزويد الأسواق الأميركية والأوروبية بالبطاريات.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "سي إن جي آر أدفانس ماتيريال" في أوروبا، تورستن لارس، لصحيفة "فايننشال تايمز"، إن المغرب "أصبح مكانا مثاليا للمنتجين الصينيين الراغبين في خدمة الولايات المتحدة وأوروبا".

ويقع المغرب في أقصى الشمال الغربي لقارة أفريقيا ويطل على البحر المتوسط بالقرب من سواحل أوروبا، والمحيط الأطلسي حيث السواحل الشرقية للولايات المتحدة في الطرف الآخر.

والعام الماضي، وقعت الرباط وبكين "خطة التنفيذ المشترك" لمشاريع اقتصادية، ضمن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي تهدف إلى تعزيز الحضور الاقتصادي للعملاق الآسيوي في عدة دول من بينها المغرب.

تقارب مغربي مع الصين.. هل يؤثر على العلاقات من الولايات المتحدة؟
تظهر الأرقام والمعطيات أن الصين باتت حليفا جديدا للمغرب، وسط مخاوف من أن يؤثر التقارب مع الصين إلى توتر علاقات الرباط مع القوى الغربية خاصة الولايات المتحدة الأميركية التي اعترفت العام الماضي بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية.

وذكرت وكالة الأنباء المغربية، أن الاتفاقية تهدف إلى "تعزيز الولوج إلى التمويل الصيني (...) لإنجاز مشاريع كبرى في المغرب"، و"تتعهد الحكومة الصينية بموجبها تشجيع الشركات الصينية الكبرى على التموقع أو الاستثمار" في المملكة.

وكان المغرب قد انضم في 2017 إلى مبادرة "الحزام والطريق"، التي أطلقها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عام 2013.

وتقضي المبادرة ببناء حزام بري يربط الصين، ثاني قوة اقتصادية عالميا، بأوروبا الغربية عبر آسيا الوسطى وروسيا، إضافة إلى طريق بحري للوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي.

وأشار لارس إلى أنه "يمكن بناء المصانع بشكل أسرع في المغرب مقارنة بالأسواق المستهدفة، التي تتطلب عمليات ترخيص طويلة".

كما أن المملكة الأفريقية تمثل احتمالا استثماريا "أقل خطورة"، بحسب الصحيفة، لأنها "يمكن أن تتحول إلى التصدير إلى أماكن أخرى إذا طبقت الولايات المتحدة أو أوروبا سياسات حمائية جديدة". 

وحصل المغرب على دفعة أخرى، الأحد، بعد أن قالت "إل جي كيم" الكورية الجنوبية، و"هوايو كوبالت" الصينية، إنهما ستبنيان مصفاة لتكرير الليثيوم ومصنعا لمواد الكاثود في البلاد.

ولأن المغرب يملك اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، فإن مواده الخام يتم احتسابها ضمن أهداف المصادر المطلوبة للسيارات الكهربائية المباعة في أميركا لتلقي إعانات تصل إلى 7500 دولار بموجب قانون الرئيس الأميركي، جو بايدن، للحد من التضخم.

وكانت إندونيسيا، الدولة الرئيسية الغنية بموارد معادن البطاريات التي تمكنت من جذب استثمارات المعالجة والبطاريات ومصانع السيارات الكهربائية، لكن المغرب يوفر طريقا مفيدا للشركات الصينية للوصول إلى الأسواق الأميركية والأوروبية.

ويمتلك المغرب، الذي يتمتع أيضا بعلاقات تجارية قوية مع أوروبا، 70 بالمئة من احتياطيات العالم من الفوسفات، وهو عنصر رئيسي في إنتاج البطاريات الأرخص التي تهيمن الصين على إنتاجها العالمي.