تشهد البلاد منذ أشهر أسوأ تراجع اقتصادي في تاريخها الحديث مع نقص حاد في السيولة وتراجع كبير في الاحتياطات الأجنبي
تشهد البلاد منذ أشهر أسوأ تراجع اقتصادي في تاريخها الحديث مع نقص حاد في السيولة وتراجع كبير في الاحتياطات الأجنبي

سجّلت الليرة اللبنانية انخفاضا غير مسبوق في قيمتها لتتخطى عتبة ثلاثة آلاف مقابل الدولار الأميركي الواحد في السوق السوداء، وفق ما أفاد به صرافون لوكالة فرانس برس الأربعاء.

وتشهد البلاد منذ أشهر أسوأ تراجع اقتصادي في تاريخها الحديث مع نقص حاد في السيولة وتراجع كبير في الاحتياطات الأجنبية.

ومنذ الصيف، ظهرت في لبنان للمرة الأولى منذ عقود سوق موازية، انخفضت فيها قيمة العملة المحلية تدريجيا، فيما لايزال سعر الصرف الرسمي مثبتا على 1507.

وقال صرافان في بيروت، طلبا عدم كشف هويتهما، لفرانس برس إن "سعر صرف الليرة يراوح بين ثلاثة آلاف و3100 ألف ليرة وفقا للمبلغ الذي يبيعه الزبون بالدولار".

وأكد مصدر ثالث أن سعر الصرف لديه بلغ ثلاثة آلاف ليرة.

ويأتي انخفاض قيمة الليرة في السوق الموازية رغم تعميم صدر عن مصرف لبنان في مارس طلب فيه من الصرافين تحديد سعر شراء العملات الأجنبية بنسبة لا تتعدى 30 في المئة من سعر الصرف الرسمي.

وتفرض المصارف منذ سبتمبر إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الأموال بشكل عام خصوصا بالدولار، ومنعت التحويلات المالية إلى الخارج. 

وفاقم انتشار فيروس كورونا المستجد من الأزمة بعدما امتنعت المصارف عن تزويد زبائنها بالدولار متحججة بعدم القدرة على استيراده نتيجة إغلاق المطار. وكان يسمح قبل ذلك للمواطن في بعض المصارف بسحب مئة دولار أسبوعيا.

وأمام تدهور قيمة الليرة أكثر، طلب مصرف لبنان في الأسبوع الأول من الشهر الحالي من المصارف منح المواطنين ممن لا تتخطى قيمة ودائعهم ثلاثة آلاف دولار، إن رغبوا، أموالهم بالليرة اللبنانية بحسب سعر صرف السوق.

وحددت جمعية المصارف سعر الصرف لهذه الفئة من المواطنين بـ 2600 ليرة.

ويحمّل مواطنون وسياسيون المصارف جزءاً من مسؤولية التدهور الاقتصادي المتسارع. وتوالت الاتهامات بتحويل أصحاب المصارف وسياسيين ومتمولين مبالغ ضخمة إلى الخارج مع بدء حركة الاحتجاجات ضد السلطة في 17 أكتوبر وحتى نهاية العام 2019، وتحديدا خلال أسبوعين أغلقت فيهما المصارف أبوابها إثر بدء التظاهرات.

ويرزح لبنان اليوم تحت ديون تصل قيمتها إلى 92 مليار دولار، ما يشكّل نحو 170 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتعدّ هذه النسبة من الأعلى في العالم.

وأعلن لبنان الشهر الماضي توقّفه عن تسديد كافة مستحقات سندات اليوروبوند بالعملات الأجنبية في إطار إعادة هيكلة شاملة للدين من شأنها حماية "الاحتياطي المحدود من العملات الأجنبية".

وتضع الحكومة اللبنانية اللمسات الأخيرة على خطة اقتصادية وصفتها بـ"الإنقاذية" لكنها تثير انتقادات قبل اعتمادها. وتأمل أن تحصل إثرها على دعم مالي من المجتمع الدولي.

وتقدّر السلطات حاجة لبنان اليوم إلى أكثر من 80 مليار دولار للخروج من الأزمة الراهنة والنهوض بالاقتصاد، من ضمنها ما بين 10 إلى 15 مليار دولار على شكل دعم خارجي خلال السنوات الخمس المقبلة.

غزة- عملة- أرشيف
أزمة السيولة عقّدت النشاط التجاري الهش في غزة وفتحت المجال لانتشار العملة المزيفة

أدى إغلاق فروع المصارف في غزة ووقف تدفق العملة الجديدة منذ بداية الحرب إلى أزمة حادة في تداول العملة، حيث يستخدم السكان نفس الأوراق النقدية البالية منذ ما يقارب العام.

هذه الأزمة عقّدت النشاط التجاري الهش وفتحت المجال لانتشار العملة المزيفة.

وفي ظل هذه الظروف، ظهرت مهنة جديدة تُعرف بـ"تنظيف الأوراق النقدية" في غزة. فمقابل رسوم بسيطة، يمكن لسكان القطاع تنظيف أوراقهم النقدية البالية لإعادة استخدامها.

وبحسب صحيفة "يدعوت أحرنوت" الإسرائيلية، تبلغ تكلفة تنظيف ورقة بقيمة 100 شيكل، 4 شواكل (نحو 1.20 دولار أميركي)، وورقة بقيمة 20 شيكل تكلف 2 شيكل (نحو 0.60 دولار أميركي)، وورقة بقيمة 200 شيكل تُنظّف مقابل 5 شواكل (نحو 1.50 دولار أميركي).

كما طوّر البعض طرقاً لإصلاح الأوراق التالفة وتجديدها باستخدام مواد تنظيف خاصة. 

وتُعيد الأسواق في غزة تداول الأوراق القديمة والممزقة من فئات 100 و20 شيكل.

وفي تصريحات للإعلام المحلي، قال بائع الخضار محمد غازي: "الأوراق النقدية تُستخدم كثيراً حتى تتعفن، وأرفض قبولها"، وهو الوضع الذي يجعل العديد من سكان غزة في حاجة ماسة إلى نقود صالحة.

من جانبه، أوضح محمود عبد النبي، العامل في محل صرافة، أنه "ينظف الأوراق القديمة بالماء والصابون، ويتركها لتجف في الشمس، ثم يعيدها للعملاء".

وأضاف "أغسل بين 10 آلاف و15 ألف شيكل يومياً".

من جانبه، حذر التاجر، منير السيد، من العواقب الاقتصادية التي تواجه غزة، لا سيما في شمال القطاع حيث تكاد تكون الأنشطة التجارية معدومة.

وقال وفق ما نقلته نفس الصحيفة: "الحل الوحيد هو إعادة فتح المصارف التي أُغلقت منذ بداية الحرب، واستبدال الأوراق النقدية البالية، وضخ أوراق نقدية جديدة في السوق".

يُذكر أن السحوبات من أجهزة الصراف الآلي في غزة، أصبحت تفرض رسوماً تتراوح بين 10 و20 في المئة.

وقبل الحرب، كان هناك نحو 20 مكتب صرافة في مدينة غزة وحدها، تدير العديد منها أو تفرض عليها حركة حماس، التي تحكم القطاع، الضرائب.

أزمة سيولة حادة تضرب القطاع منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023

وكانت هذه المحلات تتعامل بعملات متنوعة، بما في ذلك الشيكل الإسرائيلي والدينار الأردني والدولار الأميركي والجنيه المصري، مع تحديد الأسعار بناءً على الطلب في السوق.

يذكر أن الحرب المستمرة في غزة منذ ما يقرب من عام، تسبّبت  بدمار هائل وأزمة إنسانية كارثية في القطاع الذي يناهز عدد سكانه 2,4 مليون نسمة.

واندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس ردا على الهجوم الذي نفذته الحركة الفلسطينية على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.

وأدى ذاك الهجوم إلى مقتل نحو 1199 شخص، معظمهم مدنيون، وفق أرقام إسرائيلية رسمية. كما تم اختطاف 251 شخصا في ذلك اليوم، لا يزال 103 منهم محتجزين في غزة، بينهم 33 أعلن الجيش موتهم.

وأدى القصف والعمليات البرية الإسرائيلية على القطاع  إلى مقتل ما لا يقل عن 40939 شخصا، وفقا لآخر أرقام لوزارة الصحة التابعة لحماس. وتؤكد الأمم المتحدة أن غالبية القتلى هم من النساء والأطفال.