اتساع الفجوة بين سكان العالم
اتساع الفجوة بين سكان العالم

كشفت منظمة "أوكسفام" الخيرية البريطانية بالأرقام مدى حجم التفاوت الذي يشهده العالم في الثروات، مع استفادة أصحاب المليارات من أزمة جائحة كوفيد وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، فيما يدخل ملايين آخرون براثن الفقر.

وتوقعت المنظمة، في تقرير لها صدر الاثنين، بالتزامن مع اجتماعات منتدى دافوس الاقتصادي، دخول 263 مليون شخص تحت خط الفقر المدقع هذه السنة.

وكشفت المنظمة أن الشركات في قطاعات الطاقة والغذاء والأدوية، حيث تنتشر الاحتكارات بشكل خاص، تسجل أرباحا قياسية.

وارتفعت ثروة المليارديرات في أول 24 شهرا من الجائحة عما كانت عليه في 23 عاما مجتمعة. 

وإجمالي ثروة أثرياء العالم يعادل الآن 13.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهذه زيادة قدرها ثلاثة أضعاف (ارتفاعا من 4.4 في المئة) في عام 2000.

وارتفعت ثروات مليارديرات الغذاء والطاقة بمقدار 453 مليار دولار في العامين الماضيين، أي ما يعادل مليار دولار كل يومين. 

ويوجد الآن 62 مليارديرا جديدا في مجال الغذاء.

وتسيطر عائلة Cargill على 70 في المئة من السوق الزراعية العالمية، ولديها وحدها الآن 12 مليارديرا، ارتفاعا من ثمانية قبل الوباء.

وفي العام الماضي، حققت الشركة أكبر ربح في تاريخها (5 مليارات دولار من صافي الدخل) ومن المتوقع أن تتخطى أرباحها القياسية مرة أخرى في عام 2022. 

وخمسة من أكبر شركات الطاقة تحقق معا أرباحا قدرها 2600 دولار كل ثانية.

وأوجد الوباء 40 مليارديرا جديدا، في مجال الأدوية.

وحقق شركات مثل "فايزر" و"موديرنا" ربحا قدره 1000 دولار كل ثانية فقط، من سيطرتها على لقاح كوفيد.

واليوم يمتلك 2668 مليارديرا (بزيادة 573 مليار عن عام 2020) 12.7 تريليون دولار، بزيادة قدرها 3.78 تريليون دولار.

ويمتلك أغنى 10 أشخاص في العالم ثروة تفوق ثروة 40 في المئة من شعوب العالم (3.1 مليار شخص).

وأغنى 20 مليارديرا تساوي ثرواتهم أكثر من الناتج المحلي الإجمالي لدول أفريقيا جنوب الصحراء.

وقالت المنظمة في تقريرها: "يصل المليارديرات إلى دافوس للاحتفال بالزيادة المذهلة في ثرواتهم. وببساطة، كان الوباء والزيادات الحادة في أسعار الغذاء والطاقة بمثابة منجم كبير بالنسبة لهم. وفي الوقت ذاته، يواجه ملايين الأشخاص ارتفاعات في تكلفة مجرد البقاء على قيد الحياة".

وأضافت: "ثروات المليارديرات لم تزد لأنهم الآن أذكى أو يعملون بجد أكبر. يعمل العمال بجهد أكبر، مقابل أجر أقل وفي ظروف أسوأ".

ويضطر الملايين إلى "التخلي عن وجبات الطعام ووقف التدفئة، ويتخلون عن دفع الفواتير ويتساءلون عما يمكن أن يفعلوه بعد ذلك للبقاء على قيد الحياة".

ومن سريلانكا إلى السودان، أدى الارتفاع القياسي لأسعار الغذاء العالمية إلى حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية.، وأصبح 60 في المئة من البلدان منخفضة الدخل على شفا أزمة ديون.

في جميع أنحاء شرق أفريقيا، "من المحتمل أن يموت شخص واحد كل دقيقة من الجوع".

وأوصت المنظمة بإدخال "ضرائب تضامن" لمرة واحدة على أرباح المليارديرات، لدعم ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة والتعافي العادل والمستدام من كوفيد.

وأوصت أيضا باستحداث ضرائب دائمة على الثروة "لكبح جماح الثروة الهائلة والاحتكار وانبعاثات الكربون الهائلة".

ورأت أن فرض ضريبة على أصحاب الملايين، تبدأ من 2 في المئة، و5 في المئة على المليارديرات، يمكن أن تجلب 2.52 تريليون دولار سنويا، وهو ما يكفي لانتشال 2.3 مليار شخص من براثن الفقر وصنع لقاحات كافية للعالم وتقديم رعاية صحية شاملة وحماية اجتماعية.

وقالت غابرييلا بوشر، المسؤولة في المنظمة في بيان نقلته فرانس برس: "يصل أصحاب المليارات إلى دافوس للاحتفال بزيادة ثرواتهم بشكل يفوق التصور" مضيفة "في الوقت ذاته، نحن نتراجع عن عقود من التقدم على صعيد الفقر المدقع، مع مواجهة ملايين الأشخاص زيادة غير معقولة في تكلفة البقاء على قيد الحياة بكل بساطة".

وأوضح نبيل أحمد المسؤول في أوكسفام: "أعتقد أنه خلال دافوس هذه السنة، في استعراض الثراء هذا، سنرى إلى أي مدى بات عالمنا يفتقر إلى المساواة".

وأضاف "من المهم أن نذهب إلى دافوس لنعيد النظر في السلطة، لنسلط الضوء على الوقائع، ونتحدث مباشرة إلى هذه الحكومات وهذه الشركات، وننقل الأصوات التي لا يستمعون إليها".

عناصر من الشرطة يبحثون في هاتف امرأة في الشارع في صورة تعود لعام 2019- المصدر: فرانس برس
عناصر من الشرطة يبحثون في هاتف امرأة في الشارع في صورة تعود لعام 2019- المصدر: فرانس برس

في مستهل العام الجديد، فوجئ المصريون بقرار حكومي أدى إلى ارتفاع أسعار الهواتف المحمولة المستوردة في مصر.

فمع بدء الحديث عن نية الحكومة فرض رسوم جمركية، بنسبة 38.5 في المئة، على الهواتف المستوردة، زادت أسعارها حوالي ألف جنيه. وبعد صدور القرار زادت ألفا آخر.

في بيانها قالت الحكومة إن الخطوة تهدف إلى تشجيع الصناعة المحلية عبر دعم الشركات الدولية والمحلية التي بدأت تصنيع الهواتف في مصر.

واختفت بعض منتجات الشركات العالمية مع بدء الحكومة تنفيذ قرار الرسوم الجديد.

"حتى يكون هناك تعطيش للسوق،" يقول الخبير الاقتصادي وائل النحاس لموقع "الحرة"، ويضيف أن "الحكومة باعت المواطن الذي أصبح تحت رحمة المستثمر".

وتزامن القرار مع إطلاق الحكومة منظومة إلكترونية جديدة لتسجيل الأجهزة المحمولة، بهدف "مكافحة التهريب وحماية الصناعة المحلية".

لكن النحاس يقول إن "الشركات المحلية لا تقدم أحدث الموديلات الموجودة عالميا، بل تنتج أجهزة من الفئة الأقل، مما يجعل مصر كأنها "مقبرة للهواتف القديمة".

وأضاف أن الشركات، مثل أوبو وشاومي وسامسونغ، تصنع طرازات قديمة فقط، وأحدث ما تنتجه سامسونغ في مصر مثلاً هو هواتف شعبية مثل Galaxy A95.

بينما الهواتف التي يجلبها المصريون القادمون من الخارج كهدايا، مثلا، أجهزة عالية المواصفات مثل آيفون وسامسونغ الحديثة، "بينما المصانع المحلية تنتج هواتف في فئات سعرية تتراوح ما بين سبعة و14 ألف جنيه (280 دولارا)، وهي بعيدة تماما عن الفئات المهربة التي تبدأ من 35 ألف جنيه فما فوق"، وقف النحاس.

توفير العملة الصعبة

الخبير المصرفي، طارق إسماعيل، يعتقد أن السلطات المصرية تسعى للسيطرة على مصادر إنفاق العملة الصعبة في ظل الاحتياج لها في هذه المرحلة.

ويؤكد أن "تقليل الاستيراد يهدف لتوفير أكبر قدر ممكن من العملات الأجنبية".

ويشير النحاس إلى أن تطبيق القرار يثير تساؤلات حول مدى استعداد السوق المصري لتحمل هذه التكاليف الجديدة، موضحًا أن "المنتجات المحلية تواجه مشكلة تسعير، حيث تباع الأجهزة المصنعة داخل مصر بأسعار أعلى من مثيلاتها المستوردة، مما يُظهر خللاً في دراسة السوق من قبل الشركات المصنعة".

ويرى أن تكاليف الإنتاج داخل مصر، بما في ذلك الرسوم ومصاريف النقل، تجعل الأسعار أقل تنافسية مقارنة بالدول الأخرى.

وقال: "إذا أرادت الحكومة أن تصبح مصر مركزا إقليميا للتصنيع والتصدير، فعليها أن تركز على تحسين تنافسية المنتجات المحلية بدلاً من إرهاق المستهلك بالضرائب والرسوم".

"بداية لرسوم أخرى"

يعتقد النحاس أن القرار خطوة تمهيدية لفرض رسوم على كافة الواردات التي يجلبها القادمون من الخارج.

وقال: "القرار صُمم لإثارة لغة استهلاكية داخلية، حيث يتم تصوير استيراد الهواتف كترف للأثرياء في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ما يمهد لفرض رسوم على أي واردات للهدايا أو الأجهزة التي تتجاوز قيمتها 15 ألف جنيه".

وتستضيف وسائل إعلام في مصر مستثمرين ووكلاء شركات هواتف نقالة للحديث عن تهريب السلع. 

ويرى النحاس أن  تلك الحوارات رسالة لجس نبض الرأي العام بشأن وضع رسوم على كل ما هو قادم من الخارج.

"يتعارض مع اتفاقات دولية"

يثير فرض الرسوم الجمركية أسئلة حول التزام مصر باتفاقيات التجارة الحرة التي تمنع فرض ضرائب إضافية على الواردات من دول مثل الصين وأوروبا.

النحاس يرى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى أزمات مع الشركاء التجاريين الدوليين، مشيرًا إلى أن بعض المنتجات القادمة من هذه الدول تخضع لاتفاقيات تعفيها من الرسوم الجمركية.

في حين يرد إسماعيل بأن "الولايات المتحدة نفسها بلد التجارة الحرة تفرض جمارك علي معظم الواردات، كما أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب هدد مؤخرا برفعها على الصين وكندا والمكسيك كوسيلة ضغط سياسي".

"بعد أحداث لبنان"

يرتبط القرار المصري الجديد بتسجيل جميع الهواتف المستوردة بعد الأول من يناير الجاري، بأكثر من مجرد أسباب اقتصادية، حيث يأتي بعد شهرين ونصف تقريبا من انفجارات أجهزة النداء الخاصة بجماعة حزب الله في لبنان وبعد أيام من قرار منع دخول السوريين القادمين من الخارج.

وعند وصولك إلى المطار، ستجد كشكا مخصصا لهذا الأمر. عليك التوجه إليه والتصريح بأنك تحمل هاتفا جديدا. سيطلب منك تسجيل بياناتك وتنزيل تطبيق "تليفوني" على هاتفك لإتمام الإجراءات. بعد ذلك، ستحتاج إلى الانتظار بضعة أيام للحصول على الموافقة على الإعفاء الجمركي، بحسب النحاس.

في حال لم تُفصح عن حملك للهاتف وتم اكتشافه لاحقا، قد يُعتبر ذلك تهربا جمركيا، حتى لو كان للاستخدام الشخصي وليس للبيع أو الهدايا، فضلا عن أنه سيتوقف عن العمل في مصر بعد ثلاثة أشهر.

ويرى إسماعيل أن الحكومة المصرية تحاول تضييق الخناق على أي نشاط قد يهدد الأمن القومي من خلال السيطرة على الأجهزة المحمولة التي يمكن استخدامها لأغراض غير مشروعة.

وأكد النحاس أن السلطات تهدف إلى معرفة هوية الشخص الذي يحمل الجهاز المحمول، وليس فقط الرقم التسلسلي للجهاز، لتتمكن من متابعة الأجهزة والأشخاص بشكل دقيق.

إدارة الموانئ

لا يمكن فصل هذا القرار عن سياق أوسع يشمل بيع حقوق إدارة بعض الموانئ الجوية المصرية لمستثمرين أجانب وبالتحديد مؤسسة التمويل الدولية".

يرى مراقبون أن هذا التحرك قد يكون جزءا من استراتيجية لتحسين العائدات الاقتصادية والسيطرة الأمنية من خلال تعقب الأجهزة الإلكترونية.

وقال النحاس: "هذا القرار أعتقد أن له علاقة بفكرة طرح المطارات للإدارة الخاصة حيث من المقرر أن يتم ذلك خلال أسابيع، فضلا عن سعي الدولة إلى تأمين موارد جديدة وتعويض العجز المالي".

لكن إسماعيل يقول إن "الجمارك تؤول حصيلتها لمصلحة الجمارك والخزانة العامة وليس لإدارة المطار أو الميناء، حكومية كانت او خاصة".

وأشار النحاس إلى أن المواطن قد يواجه مشكلة في حال قرر بيع جهازه، "هل سنضطر إلى إجراء عملية نقل ملكية في الشهر العقاري مثلما يحدث مع السيارات".

وقال: "الدولة اتخذت إجراء لكنها لم تستكمله، كيف سيتحمل الشخص المسؤولية عن سوء استخدام الأجهزة من قبل المشتري الجديد. هذا أمر قد يخلق إشكاليات قانونية".