الاقتصاد العراق
مصفى لتكرير النفط في محافظة ميسان جنوبي العراق-إرشيفية.

سجل العراق ابتداء من أبريل الماضي مؤشرات اقتصادية إيجابية تجلت في ارتفاع احتياطاته النقدية إلى مديات غير مسبوقة، في ظل توقعات بوصولها إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية 2022.

وبرزت تلك المؤشرات مدفوعة بارتفاع تدريجي لأسعار النفط الخام منذ منتصف العام الماضي، بعد مرحلة انخفاض حاد في قيمة الطلب والعرض فرضته ظروف الإغلاق العالمية في مواجهة جائحة كورونا.

ودخل العراق منذ الربع الأول من عام  2020، في أزمة  اقتصادية هددت بانهيار النظام الاقتصادي للبلاد، واضطرت بموجبها الحكومة برئاسة مصطفى الكاظمي إلى الاقتراض أكثر من مرة،  لسد النفقات التشغيلية بما فيها رواتب الموظفين.

ولتدارك الخطر المحدق بخزينة بغداد الاتحادية، تأسس في العاصمة البريطانية لندن في أغسطس  2020، تحالف اقتصادي لدعم الحكومة العراقية في تنفيذ إصلاحات حاسمة، لدفع البلاد عن الهاوية التي وقفت قاب قوسين أو أدنى منها.

ويضم التحالف دول مجموعة السبع: الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا، بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومن العراق يضم وزارة المالية والبنك المركزي واللجنة المالية النيابية.
وتهدف مجموعة الاتصال للمؤسسات السبع، التي يستمر عملها ثلاث سنوات، إلى تحفيز الدعم الدولي لبرنامج الإصلاح الاقتصادي العاجل.

وأصدرت المجموعة في ديسمبر 2020، حزمة توصيات بينها تعويم العملة العراقية وإجراء إصلاحات جذرية في النظام الضريبي والجمركي، بما يضيّق على قنوات الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.

واستنادا إلى الإرشادات والمقترحات المقدمة، تحركت الحكومة نحو كتابة برنامج إصلاحي شامل عرف بـ"الورقة البيضاء"، صادق عليها البرلمان العراقي أواخر 2021. 

وتتضمن "الورقة البيضاء"، برنامج الإصلاح الاقتصادي، أعدته خلية الطوارئ للإصلاح المالي.

وكان الكاظمي، أعلن مطلع أغسطس الحالي، البدء بتطبيق الآليات الإدارية والتنفيذية لخطة الإصلاح الاقتصادي ضمن "الورقة البيضاء".

والاثنين الماضي، شدتت حزمة ثانية من التوصيات على أن "التنويع الاقتصادي والقدرة على الصمود يحققان النمو الاقتصادي العراقي، ويؤديان إلى توفير الخدمات الأساسية للجميع والفرص الاقتصادية والنمو الشامل وتحقيق قدر أكبر من الاستقرار للمجتمع".

وشجعت المجموعة الدولية الحكومة العراقية على إحياء أجندتها للإصلاح الاقتصادي، باستخدام عائدات النفط المتزايدة، للاستثمار في مستقبل العراق على المدى الطويل، وعلى وجه التحديد في مجال تحسين البنية التحتية وتوفير المياه والكهرباء والتنمية البشرية والتحول إلى مصادر الطاقة البديلة.

وكانت وزارة النفط أعلنت قبل أيام تحقيق إيرادات مالية "تاريخية" من عائدات النفط الخام لشهر يونيو الماضي، تجاوزت  11.5 مليار دولار.
ورغم ارتفاع حجم الإيرادات المالية، ما زالت قنوات تصريفها التي تعود بالمكاسب الاقتصادية على البلاد، معطلة ومتعثرة بسبب عدم إقرار موازنة 2022 لغاية الآن، ما يفتح باب الاجتهاد في الصرف.

وبالعودة إلى أهمية التوصيات الدولية، يقول الخبير المالي علي هادي، لـ"ارفع صوتك"، إنها "حزمة متكاملة شاملة كفيلة بتحقيق استقرار اقتصادي آني وبما يؤسس لبنى تحتية راكزة في مجال الاقتصاد على المستوى المتوسط".

ويشير  هادي إلى أن الحزمة الثانية تضمنت توصيات ومقترحات جاء بعضها في الوصية الأولى قبل أكثر من 18 شهرا، كوجود قطاع مالي مستقل من مبدأ الاقتصاد الحر وتسهيل حركة دخول الأموال عبر النظام المصرفي .

ويوضح هادي أن "الموقف الأخير للمجموعة الدولية جاء تماشيا مع الإصلاحات الاقتصادية التي حققتها الحكومة العراقية واستكمالاً لما بدأته قبل عامين".

"لكن هناك الكثير من العقبات التي تعترض طريق تحقيق التصحيح الاقتصادي في البلد، من بينها العقلية المجتمعية التي اعتادت على ثقافة السوق الاشتراكي دون القبول بسهولة التدرج بالانتقال إلى الاقتصاد الحر، وهو ما أوصته المجموعة الدولية"، يتابع هادي.

ويقترح أن "تتشكل لجنة مشتركة تضم بمعيتها القطاع الخاص المؤسسي والبنك المركزي ورابطة المصارف تأخذ على عاتقها متابعة ما تم وسيتم إنجازه لاحقاً".

ويلفت المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إلى أن "خطاب المجموعة الأخير  انصب هذه المرة على تشخيص مشكلات الفساد وإيجاد رابطة بين مدركات الفساد والنمو والتقدم الاقتصادي ".

ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "حلم التنمية وإعادة تنظيم وهيكلة الاقتصاد الوطني وتنويع نشاطاته في إطار تنمية مستدامة، يقتضي إيجاد آليات تنظيمية اقتصادية تتصدى للفساد الذي بات العدو الأول لتقدم بلادنا، وبإدراك من المجتمع الدولي نفسه الذي ينتظم لمساعدة بلادنا اقتصادياً".

ويؤكد صالح أن "انتشار الفساد دون توافر آليات كافية لمواجهته، سيظل  الآفة التي تقضي على آمال الأمة وتطلعاتها لغد اقتصادي أفضل".

مبنى وزارة التعليم الأميركية في العاصمة واشنطن
مبنى وزارة التعليم الأميركية في العاصمة واشنطن

روبوت دردشة مدعوم بالذكاء الاصطناعي بدلا من الموظفين المتعاقدين، فكرة يحاول فريق أيلون ماسك تطبيقها في وزارة التعليم الأميركية.

خطوة يقول  البعض إنها "ستصيب أكثر من عصفور بحجر"، فهي تقلل التكاليف وتستغني عن العديد من الوظائف، وتستثمر في قطاع التكنولوجيا، وكلها أمور وعد  الرئيس الأميركي دونالد ترامب يتنفيذها.

ويشكل هذا الاقتراح جزءًا من الجهد الأوسع للرئيس ترامب لتقليص قوة العمل الفيدرالية، وسيعني تغييرا في عمل الوزارة التي تدير مليارات الدولارات من مساعدات الطلاب، وتتلقى ملايين الأسئلة المعقدة من المقترضين.

فمثلا، تستخدم الوزارة حاليًا مراكز الاتصال وروبوتا بسيطا مدعوما بالذكاء الاصطناعي للإجابة على الأسئلة، أما الاقتراح الجديد فيتضمن إدخال نسخة أكثر تطورًا من الذكاء الاصطناعي، لتحل تحل محل العديد من الموظفين.

تقول صحيفة نيويورك تايمز إن وزارة التعليم الأميركية توظف حاليا 1600 شخص للتعامل مع أكثر من 15000 سؤال يوميًا من المقترضين الطلاب، وإذا نجح هذا النموذج، فيمكن تطبيقه على وكالات فيدرالية أخرى، حيث يتم استبدال البشر بالتكنولوجيا، ويتم التخلص من العقود الضخمة مع الشركات الخارجية أو تقليصها لصالح الحلول الآلية.

ترشيد كبير بالنفقات

أنهى فريق ماسك عقودًا تقدر قيمتها بحوالي مليار دولار من وزارة التعليم الأميركية، مما أدى إلى إلغاء مكتب الأبحاث الذي يتتبع تقدم الطلاب الأميركيين.

وبعد إعلان قطع 101 مليون دولار من 29 منحة تدريب على التنوع والشمول، قالت إدارة كفاءة الحكومة إن فريق ماسك ألغى 89 عقدًا تبلغ قيمتها الإجمالية 881 مليون دولار يوم الثلاثاء.

وبحسب صحيفة الغارديان، أدت هذه التخفيضات الضخمة في الميزانية إلى القضاء بشكل فعلي على مكتب الأبحاث والإحصاءات في الوكالة الفيدرالية، وهو أحد أكبر ممولي الأبحاث التعليمية في البلاد.

ويجمع معهد علوم التعليم البيانات والأبحاث حول مجموعة من المواضيع، بما في ذلك حالة إنجاز الطلاب الأميركيين، وإتمام الطلاب لدورات العلوم في المدارس الثانوية؛ وتستخدم أبحاثهم على نطاق واسع من قبل المعلمين، وأقسام التعليم المحلية والفدرالية، والمقاطعات المدرسية، والكليات والباحثين الآخرين.

ومن غير الواضح إلى أي مدى سيستمر معهد علوم التعليم في الوجود بعد أن قام فريق ماسك بتخفيض العديد من العقود.

وبحسب أسوشييتد برس، قالت مجموعات صناعية إنه تم إنهاء 169 عقدًا على الأقل بشكل مفاجئ يوم الإثنين، ما يمثل جزءًا كبيرًا من عمل المعهد.

التكنولوجيا مقابل البشر

ويخطط ماسك لاستبدال عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين بأدوات الذكاء الاصطناعي.

خطة ماسك لتقليص الانفاق والقوة العاملة بدأت تنجح فعشرات الآلاف من الموظفين الفدراليين قبلوا عروض الاستقالة مقابل ثمانية أشهر من الأجر.

وإذا نجحت خطط ماسك بالكامل، فسيقوم بتقليص قوة العمل الفيدرالية بنسبة لا تقل عن 10 في المئة.

وسلطت وسائل اعلام أميركية خلال هذه الفترة الضوء على سعي ماسك وفريقه إلى استخدام التكنولوجيا لسد الفجوة التي خلفتها التخفيضات، وتأكيد البعض أن الهدف النهائي هو استبدال القوى العاملة البشرية بالآلات، و"ليحل التكنوقراط محل البيروقراطيين".

ولإنجاح هذه الفكرة، فقد استوعب فريق ماسك بالفعل كميات ضخمة من البيانات الداخلية لاستخدامها في أدوات الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم، وأيضا تقييم أي الأعمال البشرية يمكن استبدالها بأدوات التعلم الآلي أو الروبوتات.

وبالعودة الى وزارة التعليم، فقد استخدم فريق ماسك الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المالية، بهدف إلغاء كل عقد غير مطلوب بموجب القانون أو غير ضروري لعمليات الوزارة، بحسب صحيفة واشنطن بوست، وقد يتم تخفيض الوكالات والدوائر الحكومية بنسبة تصل إلى 60%

اغلاق وزارات بالكامل

وجدد الرئيس ترامب تأكيده على ضرورة إغلاق وزارة التعليم "فورا"، واصفا إياها بأنها "عملية احتيال كبيرة".

وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي الأربعاء إن "النظام التعليمي في الولايات المتحدة يحتل المرتبة الأربعين عالميا، رغم تصدره قائمة الدول من حيث تكلفة التعليم لكل طالب".

وأفادت وسائل إعلام أميركية، بأن الرئيس يفكر في إصدار أمر تنفيذي ينقل العديد من وظائف وزارة التعليم إلى وكالات أخرى، مع الاحتفاظ فقط بالمهام التي ينص عليها القانون بشكل واضح.

وسيتم تكليف إيلون ماسك، رئيس إدارة كفاءة الحكومة، بالتحقيق في وزارة التعليم للبحث عن طرق لتقليص التكاليف، كما فعل سابقا مع وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية.

ترامب، سبق وأن تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهاء وزارة التعليم وإعادة المسؤوليات التعليمية إلى الولايات، ورشح ليندا مكمان لقيادة هذا الجهد.

لكن من غير الواضح إلى أي مدى يمكن لترامب أن يتخذ إجراءات بنفسه لتقليص إنفاق الوزارة، الذي يتم تحديده إلى حد كبير من قبل الكونغرس.

حكومة أصغر .. مؤتمتة

وحملة ماسك أظهرت رؤيته لحكومة أصغر، حيث يسعى هو وفريق من مساعديه للسيطرة على المئات إن لم يكن الآلاف من الوظائف العامة، وتطويرها إلى أنظمة مؤتمتة، وتقليصها بشكل كبير والسيطرة على البيروقراطية الفيدرالية الواسعة وتخفيضها إلى مستويات لم تُرَ منذ عشرين عامًا على الأقل.

لتحقيق هذا الهدف، قام فريق ماسك بتغذية كميات ضخمة من السجلات الحكومية وقواعد البيانات في أدوات الذكاء الاصطناعي، بحثًا عن البرامج الفيدرالية غير المرغوب فيها ومحاولة تحديد أي الأعمال البشرية يمكن استبدالها بالذكاء الاصطناعي أو أدوات التعلم الآلي أو حتى الروبوتات.

لكن الانتقال إلى استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، كبديل لبعض أو كل موظفي مراكز الاتصال البشرية، من المحتمل أن يثير تساؤلات حول الخصوصية والدقة والوصول المتساوي إلى الأجهزة، بحسب نيويورك تايمز نقلا عن خبراء التكنولوجيا.

إذ ما زالت أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي تقدم أحيانا معلومات غير صحيحة، ونظرًا للتطور السريع في قدرات الذكاء الاصطناعي، قد تكون تلك التحديات قابلة للتغلب عليها، ولكن يجب معالجتها بطريقة منهجية، دون استعجال.

اعتراضات قانونية ومخاوف

وخطة غلق برامج وكالات حكومية واجهتها دعاوى قضائية في المحاكم، فقد حظر قاضٍ فيدرالي مؤقتا وصول فريق إدارة كفاءة الحكومة إلى الأنظمة الحكومية المستخدمة لمعالجة تريليونات الدولارات من المدفوعات. 

بينما حظر قاض فيدرالي آخر مؤقتا العرض الجماعي للاستقالات، استجابة لدعوى قضائية من عدة نقابات موظفين طعنت في السلطة القانونية للحكومة في تقديم هذا العرض.

وقدمت دعاوى قضائية تلزم ماسك وفريقه بأن يكون أكثر شفافية، وقد يعترض الكونغرس أيضًا على إلغاء وكالات حكومية بالكامل دون موافقته.

وأثار هذا التخفيض قلق المدافعين الذين قالوا إنه قد يضر بمساءلة النظام التعليمي الأميركي ويترك البلاد في حالة غموض حول فعالية المدارس. 

وتاريخيا، أظهرت الفجوات التعليمية أن الطلاب من ذوي الدخل المنخفض والطلاب من الأقليات العرقية يعانون من تأخر كبير مقارنة بأقرانهم.

وقالت راشيل دينكس، رئيسة ومديرة مجموعة "تحالف المعرفة" المعنية بأبحاث التعليم، إن هذه التخفيضات غير فعالة ومدمرة. وأضافت "قطع الوكالة المستقلة الوحيدة التي تساعد في تحسين نتائج الطلاب هو أمر غير منطقي".

مارك شنايدر، المفوض السابق لمعهد علوم التعليم الذي عينه الرئيس دونالد ترامب في عام 2018، قال من جهته إن هذه التخفيضات تعطي الإدارة الجديدة فرصة لإعادة التفكير في البرامج التي لم تتغير منذ عقود. لكن حتى الآن، من غير الواضح إذا كان أو كيف سيتم استبدال هذه العقود، حسب تعبيره

أما السيناتور الديمقراطي باتي موراي، التي كانت معلمة سابقة وعضو في لجنة الصحة والتعليم والعمل والمعاشات، فأوضحت بدورها أنها ستدق ناقوس الخطر لمكافحة هذه التخفيضات.