"أوبك +" تقرر أكبر خفض منذ ذروة تفشي جائحة كوفيد عام 2020
"أوبك +" تقرر أكبر خفض منذ ذروة تفشي جائحة كوفيد عام 2020

أثار قرار منظمة "أوبك +"، بخفض انتاجها من النفط، المخاوف بشأن تداعيات القرار على "ارتفاع أسعار السلع والخدمات" على مستوى العالم، وسط تساؤلات بمدى تأثير ذلك على الأفراد.

وخلال اجتماع في فيينا، الأربعاء، اتفق أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وشركاؤهم في إطار تحالف "أوبك+"، على خفض كبير في حصص الإنتاج.

وأفادت المنظمة التي تضم 13 دولة وحلفاؤها العشرة بقيادة روسيا أنه جرى الاتفاق على خفض في الانتاج بمقدار "مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر".

وقرر تحالف "أوبك+" خفض الانتاج مع تراجع أسعار النفط إلى ما دون 90 دولارا للبرميل في الأشهر الأخيرة بسبب مخاوف بشأن الاقتصاد العالمي، بعد أن ارتفعت إلى 140 دولارا في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في وقت سابق من هذا العام.

وبعد إعلان الأربعاء، ارتفع سعر برميل خام برنت بحر الشمال بما يقرب من اثنين بالمئة إلى 93,41 دولارا.

تداعيات القرار

يعد هذا أكبر خفض منذ ذروة تفشي جائحة كوفيد عام 2020، وتسبب القرار في اشتداد المخاوف بشأن نقص إمدادات النفط وزيادة التضخم.

وقالت السعودية إن تخفيضات الإنتاج، التي تعادل نحو اثنين بالمئة من الإمدادات العالمية، جاءت ردا على رفع أسعار الفائدة في الغرب وضعف الاقتصاد العالمي.

وفي الوقت ذاته، قالت ثلاثة مصادر مطلعة لـ"رويترز"، الخميس، إن شركة أرامكو السعودية أبقت على سعر البيع الرسمي للخام العربي الخفيف إلى عملائها في آسيا في شهر نوفمبر، دون تغيير عن أكتوبر، خلافا للتوقعات برفعها الأسعار على نحو طفيف.

وفاجأت هذه الخطوة التجار حيث كان من المتوقع أن ترفع أكبر دولة مصدرة في العالم الأسعار بشكل طفيف لمضاهاة ارتفاعات أسعار القياس لخامات الشرق الأوسط الشهر الماضي، وفقا لـ"رويترز".

ويصف الخبير الاقتصادي والباحث في الاقتصاد السياسي، أبوبكر الديب، القرار بأنه "غير متوقع"، لأن التوقعات السابقة كانت تشير إلى خفض الإنتاج بين 500 ألف ومليون برميل.

وفي تصريحات لموقع "الحرة"، يتحدث الديب عن "اتجاه أسعار النفط لمستويات 120 دولارات للبرميل بنهاية العام رغم الانخفاض الشديد الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال الأسابيع الماضية".

ويشير الديب إلى أن التخفيضات الحقيقية ستكون بين مليون إلى 1.1 مليون برميل يوميا، مؤكدا أن القرار سينعكس على "أسعار النفط العالمية بشكل كبير".

وبالفعل قفزت العقود الآجلة للنفط الخام العالمي هذا الأسبوع، لتعود إلى أعلى مستوياتها في ثلاثة أسابيع، وفقا لـ"رويترز".

ومن المرجح أن يؤدي قرار "أوبك +" إلى رفع الأسعار الفورية، خاصة بالنسبة لنفط الشرق الأوسط، الذي يلبي حوالي ثلثي الطلب في آسيا.

ويزيد ذلك من مخاوف التضخم حيث تكافح الحكومات من اليابان إلى الهند ارتفاع تكاليف المعيشة بينما من المتوقع أن تستهلك أوروبا المزيد من النفط كبديل للغاز الروسي هذا الشتاء، حسب "رويترز".

خلافات دبلوماسية

وسعت هذه الخطوة الخلاف الدبلوماسي بين المجموعة المدعومة من السعودية وبين الدول الغربية، التي تخشى أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي الهش ويعرقل جهود حرمان موسكو من عائدات النفط في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، حسب "رويترز".

وأشاد المتحدث باسم الكرملين،دميتري بيسكوف، الخميس، بالقرار معتبرا أنه "يهدف إلى استقرار السوق".

وأضاف بيسكوف أن المحاولات لوضع حد أقصى لسعر النفط الروسي سيكون لها "تداعيات كبيرة وستتسبب في أضرار لمنتجي النفط ومستهلكيه على حد سواء"، حسب "رويترز".

ومن المرجح أن ترفع تلك الخطوة أسعار الطاقة العالمية المرتفعة بالفعل وتساعد روسيا المصدرة للنفط على مواصلة حربها في أوكرانيا، وفقا لـ"وول ستريت جورنال".

ويؤكد الديب أن قرار خفض الإنتاج سيعمل على "تعطيل جهود الغرب" في وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي.

ويتوقع الديب "المزيد من التخفيضات في المستقبل" في ظل التوترات الاقتصادية والجيوسياسية في العالم، وتهديدات روسيا باستخدام السلاح النووي في أوكرانيا وفرض الغرب عقوبات على موسكو، وارتفاع نسب التضخم العالمي.

ومن المتوقع زيادة ارتفاع الأسعار مع تشديد العقوبات الأوروبية على مبيعات النفط الروسية في ديسمبر، وقد تتزامن التخفيضات الجديدة المقررة في نوفمبر، "مع مزيد من الانخفاض في المعروض"، وفقا لتقرير لصحيفة "فاينينشال تايمز".

زياد نسب التضخم

ويمكن أن يؤدي خفض الإنتاج إلى زيادة أسعار النفط الخام، ما سيفاقم "التضخم" الذي وصل إلى مستويات قياسية منذ عقود في العديد من البلدان ويساهم في تباطؤ الاقتصاد العالمي.

وأثار تحرك أوبك+ تحذيرات من الأسواق الناشئة المستوردة للنفط، والتي ستكون بعضها معرضة بشكل خاص لصدمات الأسعار وسط مشكلات الإمدادات العالمية.

ويوكد الديب أن الدول النامية سوف "تتأثر بشكل كبير جدا بالقرار"، ما سيترتب عليه ارتفاع "نسب العجز بالناتج الإجمالي المحلي لعدة دول مستوردة للنفط ومشتقاته".

وسيزيد قرار الخفض من تكلفة استيراد النفط ما يضغط على الموازنات العامة للدول ويرفع أسعار البنزين، والمشتقات النفطية والطاقة بشكل عام، وفقا لحديث الديب.

تداعيات القرار على الأفراد

في الولايات المتحدة، يتوجس الأميركيون من تداعيات قرار الخفض، لأن ذلك يؤدي حتما لارتفاع أسعار البنزين بشكل يذكرهم بالارتفاع الجنوني الذي عاشوه قبل فترة، وفقا لتقرير لموقع "أكسيوس".

ويدخل النفط ومشتقاته في جميع مدخلات الحياة الصناعية والخدمية ونقل البضائع، ما سوف يتسبب في ارتفاع أسعار "السلع والخدمات على مستوى العالم"، وفقا لحديث الديب.

ويشير الديب إلى أن تلك التداعيات ستطال الأفراد الذين قد يدفعون فاتورة الارتفاع المتوقع لأسعار "السلع والخدمات".

وحسب الديب، فإن قرار الخفض سيظغط على "اقتصادات الدول المستوردة للنفط"، ما قد يؤدى إلى "تعرض بعض الدول لهزات اقتصادية كبرى".

ويؤكد الديب أن الفائز الوحيد من تلك الخطوة هو تحالف "أوبك +"، مشيرا إلى أن باقي دول العالم سوف تعاني من تباعات مباشرة وغير مباشرة للقرار.

ولأشهر، دعت الدول المستهلكة  للنفط "أوبك+" لزيادة الانتاج على نطاق أوسع بهدف خفض الأسعار، لكن التحالف واصل تجاهل تلك النداءات.

البخار يتصاعد من إحدى محطات الطاقة الألمانية التي تعمل بالفحم الحجري في 28 نوفمبر 2023.
البخار يتصاعد من إحدى محطات الطاقة الألمانية التي تعمل بالفحم الحجري في 28 نوفمبر 2023.

بالتزامن مع انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 28" في دبي، تحدثت مجلة "فورين أفيرز" عن أهمية إشراك القطاع الخاص في خطط القضاء على التلوث الناتج عن الانحباس الحراري، لأن تحويله إلى واقع سوف يتطلب استثمارات رأسمالية أكبر من أن تتحملها حكومات الدول وحدها.

وذكرت المجلة أنه بالنظر إلى تعهد العديد من الدول والمنظمات بخفض الانبعاثات إلى "صافي الصفر" بحلول عام 2050 في مؤتمر غلاسكو في عام 2021، ورغم أنه من الصعب تحديد التكاليف الدقيقة لتحويل الأنظمة الصناعية في العالم بالكامل بحلول منتصف القرن، فإن أفضل التقديرات، مثل تلك الصادرة عن بنك "غولدمان ساكس" تقدر التكلفة الإجمالية بنحو 4 تريليون دولار سنويا على مدى العقد المقبل، أو حوالي أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي.

وأشارت المجلة إلى أن إجمالي الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة يبلغ اليوم نحو 1.1 تريليون دولار سنويا، حتى مع ارتفاع الإنفاق الحكومي في هذا المجال إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.

ولذلك أوضحت المجلة أنه لا يمكن أن نتوقع من الدول وحدها أن تسد هذه الفجوة، خاصة أن تريليونات الدولارات المطلوبة تتجاوز ببساطة ما يمكن أن تدعمه الميزانيات الحكومية وسط أولوياتها العامة الملحة الأخرى.

ومع ذلك، ترى المجلة أن إمكانية التوسع من المصادر الخاصة كبيرة، موضحة أنه تكمن فرصة واعدة بشكل خاص في صناديق الاستثمار الخاصة التي تخصص مبالغ ضخمة من رأس المال بدعم من مستثمرين مؤسسيين، مثل صناديق التقاعد، وصناديق الثروة السيادية، والأوقاف، وشركات التأمين.

وعلى النقيض من شركات الطاقة والصناعة، والتي يعطي مساهموها الأولوية للتدفقات النقدية في الأمد القريب، أشارت المجلة إلى أن صناديق الاستثمار الخاصة تتمتع بالمرونة اللازمة للقيام برهانات طويلة الأجل على التكنولوجيات والبنية الأساسية الجديدة، ما يسمح لها بالمساعدة في تحويل النظام الصناعي وإحداث فرق أكبر بكثير في المستقبل من خلال وضع السياسات ونماذج الأعمال الصحيحة.

ولتشجيع صناديق الاستثمار بشكل لاستثمار رؤوس أموالها، ذكرت المجلة أنه يجب عرض نماذج جذابة ماليا للممولين وعملية لشركاء الأعمال تشجع مزيدا من مستثمري القطاع الخاص بشأن الفرص المتاحة في مجال الطاقة النظيفة.

لكن "فورين أفيرز" أوضحت أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، ظهرت أمثلة واعدة تعتمد جميعها على الشراكات والمعاملات بين رأس المال الخاص والشركات التي تتمتع بالخبرة اللازمة لبناء وتشغيل أنظمة تكنولوجية نظيفة جديدة، وهو التحول الذي نطلق عليه "البني إلى الأخضر".

ووفقا للمجلة، تعمل هذه الشركات القائمة في صناعات تحتاج إلى تقليص عملياتها الكثيفة من الكربون، ويمكنها القيام بذلك من خلال الاستثمارات المناسبة. لذلك ترى المجلة أن إدراك قيمة هذه النماذج واستخدامها على نطاق أوسع كثيرا أمر ضروري لتحويل الطموحات الجريئة للطاقة النظيفة إلى واقع ملموس.

ووفقا للمجلة، رغم أن المستثمرين على استعداد متزايد للإنفاق على التحول الأخضر، فإن أكثر من 80% من تدفقات رأس المال إلى الطاقة النظيفة، في العام الماضي، ذهبت إلى التكنولوجيات التي تكون فيها المخاطر أقل، مثل تطوير طاقة الرياح والطاقة الشمسية، على سبيل المثال، وهي تكنولوجيات ليست أقل تكلفة من المولدات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري فحسب، بل إن جدواها التجارية مفهومة على نطاق واسع.

مجال آخر تتدفق إليه الاستثمارات الكبيرة أيضا، كما تشير المجلة، وهو الإمدادات والتقنيات المرتبطة بالسيارات الكهربائية مع ارتفاع الطلب على تلك السيارات.

وفي كل هذه التكنولوجيات النظيفة، ترتبط حالة الاستثمار جزئيا بإعانات الدعم الجذابة التي قدمها الحكومات، بحسب المجلة.

وترى "فورين أفيرز" أن الاستثمار في التقنيات التي أثبتت جدواها لا يمكن أن يؤدي إلى إزالة الكربون بما يطمح له العالم، موضحة أنه حتى مع هذه الاتجاهات الاستثمارية، فإن إجمالي الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون، السبب الرئيسي لتغير المناخ، وصل إلى مستوى قياسي في عام 2022، وكذلك لم تؤد طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية سوى إلى خفض بضع نقاط مئوية من انبعاثات الكربون العالمية.

وأوضحت المجلة أن هذه الجهود ليست  كافية لوقف تغير المناخ الذي يتطلب خفض الانبعاثات إلى ما يقرب من الصفر بدلاً من مجرد الانخفاض، مؤكدة أن "الإزالة العميقة للكربون" تتطلب تحولات أكبر وأكثر خطورة في أنظمة الطاقة والصناعة.

وشرحت المجلة أن التقدم على مسار إزالة الكربون بشكل عميق يتوقف على تحولين تكنولوجيين أساسيين. الأول هو التحول إلى طاقة خالية من الكربون، والمعروفة باسم "الإلكترونات النظيفة" (مثل تلك الناتجة عن الطاقة المتجددة أو النووية).

أما التحول الآخر، كما تحدثت عنه المجلة، يتمثل في إيجاد بدائل للوقود الأحفوري التقليدي مثل الديزل ووقود الطائرات، والتي تسمى غالبا "الجزيئات النظيفة".

لكن لا أحد يعرف اليوم ما هو المزيج الصحيح من الإلكترونات والجزيئات الذي سيكون عليه نظام الطاقة النظيفة في المستقبل، بحسب المجلة التي أوضحت أن هذا أحد الأسباب وراء ضخامة مخاطر التحول وعدم دعم المستثمرين حتى الآن سوى في الخيارات الأكثر شيوعًا.

لذلك ترجح المجلة أن الجزء الأكبر من التقدم سيتوقف على الأرجح على الكهرباء، حيث أن الإلكترونات النظيفة مفيدة في حد ذاتها، على سبيل المثال، في شحن السيارات الكهربائية، وهي أيضًا واحدة من أكثر الطرق الواعدة، وإن كانت لا تزال مكلفة، لصنع جزيئات نظيفة. ووفقا للمجلة، يتوقع منظور الطاقة العالمية لشركة ماكينزي لعام 2023 أن يتضاعف الطلب العالمي على الكهرباء بحلول عام 2050. وتقدم الدراسات التي أجرتها مجموعات أخرى، مثل وكالة الطاقة الدولية، تقديرات مماثلة.

وتتطلب إزالة الكربون من قطاع الطاقة نشر أنظمة الطاقة الكهربائية أكثر من مجرد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهي مصادر متقطعة للطاقة، بحسب المجلة.

ولكي تكون الشبكة نظيفة وموثوقة، ستحتاج أيضًا إلى أن تشتمل على محطات طاقة يمكنها توفير الطاقة الأساسية، مثل المولدات النووية أو الطاقة الحرارية الأرضية الجديدة. وستكون هناك أيضًا أدوار للبطاريات والأجهزة الأخرى التي يمكنها تخزين الكهرباء لفترات طويلة وللأنظمة المتقدمة التي تتحكم في شبكات الطاقة هذه بحيث تظل إمدادات الكهرباء ثابتة، بحسب "فورين أفيرز".