تخلف الولايات المتحدة عن سداد الدين العام قد يؤثر على الاقتصاد والمواطنين. أرشيفية - تعبيرية
تخلف الولايات المتحدة عن سداد الدين العام قد يؤثر على الاقتصاد والمواطنين. أرشيفية - تعبيرية

أعلنت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، الجمعة، أن الولايات المتحدة قد تحتاج إلى اتخاذ "إجراءات استثنائية" لتجنب تخلفها عن السداد اعتبارا من الأسبوع المقبل عندما يتوقع أن تصل إلى سقف الاستدانة الحالي المحدد من الكونغرس.

وأوضحت في رسالة إلى قيادة الكونغرس أن "الفشل في تلبية واجبات الحكومة سيلحق ضررا لا يعوض بالاقتصاد الأميركي وسبل عيش الأميركيين كافة والاستقرار المالي العالمي".

وأوضحت أن من المتوقع أن تصل الولايات المتحدة إلى سقف المديونية الخميس في 19 يناير.

الدين العام للولايات المتحدة

ويبلغ الحد الأقصى للديون المسموح به للولايات المتحدة 31.4 تريليون دولار، وحتى السبت بلغ 31.38 تريليون دولار بحسب آخر البيانات على موقع وزارة الخزانة الأميركية، ما يعني أن حصة كل شخص موجود في أميركا من الدين تزيد عن 94 ألف دولار.

ويمثل الدين العام الأميركي المبالغ التي تقترضها الحكومة الفيدرالية لتغطية النفقات التي تحتاجها، وهو يتكون من أنواع مختلفة تضم "الأوراق المالية القابلة للتداول" مثل سندات الخزينة والأذونات، و"غير قابلة للتداول" مثل سندات تضمنها الحكومة الفيدرالية ولا تتأثر بالتضخم، والتي يستثمر فيها مستثمرون وحكومات وصناديق كبرى.

وخلال "حرب الاستقلال الأميركية" أو "الحرب الثورية الأميركية" بلغت الديون التي ترتبت على الولايات المتحدة 75 مليون دولار.

وتقول مؤسسة "بيتر جي بيترسون" إن هذه الديون ما هي إلا نتيجة لـ"عدم توافق الإنفاق والإيرادات"، إذ أن الحكومة الفيدرالية تنفق أكثر من عائداتها، ما يتعين عليها اقتراض الأموال لتغطية هذا العجز السنوي، والذي يتراكم سنويا ويرفع من الدين العام للولايات المتحدة.

كيف يمكن تجنب تخلف السداد؟

يلين تحث الكونغرس على رفع سقف الدين

وفي خطاب وزيرة الخزانة يلين، حثت فيه الكونغرس على "رفع سقف الدين" لأنه "بمجرد الوصول إلى الحد الأقصى ستكون وزارة الخزانة بحاجة إلى بدء تطبيق تدابير استثنائية معينة لمنع الولايات المتحدة من التخلف عن التزاماتها".

وأضافت "أن وزارة الخزانة لا تستطيع في الوقت الحالي تقدير المدة التي ستمكننا التدابير الاستثنائية من مواصلة دفع الالتزامات الحكومية فيها، من غير المرجح استنفاد النقد والتدابير الاستثنائية قبل أوائل يونيو".

وتوقعت أن أول ما سيتأثر بسبب هذا الأمر خلال الشهر الحالي "تعليق الاستثمارات الجديدة في صندوقين حكوميين للتقاعد والرعاية الصحية"، بالإضافة إلى " تعليق إعادة الاستثمار في صندوق استثمار الأوراق المالية الحكومية وهو جزء من خطة ادخارية لموظفي الحكومة".

وأكدت يلين أن "استخدام التدابير الاستثنائية يمكن الحكومة من الوفاء بالتزاماتها لفترة محدودة فحسب"، داعية "الكونغرس للتصرف في الوقت المناسب لزيادة سقف الدين أو تعليق العمل به" حتى لا تجد الولايات المتحدة نفسها في وضع التخلف عن السداد للمرة الأولى في تاريخها، ويعني ذلك أن واشنطن لن تستطيع أن تسدد في الآجال أقساط الديون أو فوائدها. 

في رسالتها شددت يلين على أن رفع السقف أو تعليقه "لا يعني السماح بإنفاق جديد" ولكن ببساطة "السماح للحكومة بتمويل الالتزامات القانونية التي تعهد بها الكونغرس ورئيس كل من الحزبين في الماضي".

أما الحل الآخر الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله فهو "زيادة الإيرادات من خلال زيادة الضرائب وخفض الإنفاق"، بحسب موقع "ذا بالانس".

ماذا يعني عدم سداد الولايات المتحدة للدين؟

ارتفاع الدين العام الأميركي لمستويات قياسية

تخلف الولايات المتحدة يتجاوز التأثير على الحكومة الفيدرالية فقط، إذ سيؤثر على الاقتصاد والأميركيين، بحسب موقع "ذا بالانس".

ويعني تخلف السداد إلى زيادة أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، ما يعني زيادات في الأسعار، والمساهمة في التضخم، ما يضع عبئا مباشرا على الأميركيين.

أما الاقتصاد الأميركي، سيعاني سوق الأسهم، وسيخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، إذ لن ينظر لأميركا على أنها مكان آمن للاستثمار.

وستتأثر العديد من البرامج والخدمات التي تقدمها الحكومة الفيدرالية، وفي مقدمتها "الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية"، فيما ستعاني العديد من الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على قروض فيدرالية، فيما سيتوقف دفع رواتب الموظفين الفيدراليين.

وقد تؤدي هذه الأمور مجتمعة إلى تأثر إنفاق المستهلكين في الولايات المتحدة، وتغلق العديد من الشركات، ما قد يدخل البلاد في ركود كبير.

"الدين" محور الخلافات بين الحزبين

الدين العام محور خلافات بين الحزبين في الكونغرس

وتتجه أغلبية جمهورية في مجلس النواب لاستغلال عامل الوقت لمحاولة إجبار الديمقراطيين على التخلي عن بعض النفقات التي أقروها عندما كانت لهم غالبية مقاعد المجلس.

ودعا البيت الأبيض الكونغرس الأميركي الجمعة إلى رفع سقف الدين محذرا من أنه لا ينوي التفاوض مع الغالبية الجمهورية في مجلس النواب للحصول على تصويت بهذا الشأن.

في هذا الصدد، قال رئيس مجلس النواب، كيفين مكارثي، للصحفيين، الخميس، إن "الانفاق خارج عن السيطرة وليس هناك رقابة ولا يمكن أن يستمر على هذا النحو". 

وأضاف "نحتاج إلى تغيير الطريقة التي ننفق بها الأموال بتهور في هذا البلد وسنحرص على أن ذلك ما سيحدث".

على الجانب الديمقراطي، اعتبر عضو لجنة الميزانية في مجلس النواب، بريندان بويل، أن تصريح الوزيرة، جانيت يلين، "مقلق للغاية"، واتهم الجمهوريين "بالاعتقاد بأنه من الطبيعي أخذ اقتصادنا رهينة لفرض إصلاحات متطرفة وغير شعبية".

وليست هذه المرة الأولى التي يثير فيها الملف جدلا، ففي حين رفع المشرعون أو علقوا الحد الأقصى للمديونية 78 مرة منذ عام 1960 من دون صعوبة في غالب الأحيان، فإن المرة 79 في ديسمبر 2021 تسببت في توترات خطرة بين الحزبين.

واعتبرت الأقلية الجمهورية آنذاك أن رفع السقف سيكون بمثابة إعطاء صك على بياض للرئيس الأميركي، واتهموه بالمساهمة في مفاقمة التضخم. واعتبر الديمقراطيون أن رفع الحد غرضه سداد الأموال المقترضة، بما في ذلك مليارات أنفقت في عهد الرئيس دونالد ترامب.

ووافق حينها الكونغرس على رفع الحد الأقصى إلى 31.381 مليار دولار في منتصف ليل اليوم الذي تم فيه الوصول إلى السقف السابق.

مبنى البنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي في واشنطن
مبنى البنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي في واشنطن

قال، جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي)، إن المجلس لا يحتاج إلى الإسراع بخفض أسعار الفائدة بسبب استمرار النمو الاقتصادي وسوق العمل القوية والتضخم، الذي أشار إلى أنه مازال فوق المعدل المستهدف البالغ 2%.

وفي تعليقات تتماشى مع التوقعات المتزايدة في الأسواق المالية بخفض أسعار الفائدة بمعدل أقل العام المقبل مقارنة بالتوقعات السابقة الصادرة عن مسؤولي الاحتياطي الاتحادي، أكد باول أنه وزملاءه صناع السياسات بالبنك المركزي ما زالوا يرون أن التضخم يتحرك "على مسار الاثنين بالمئة المستدام" مما سيسمح للبنك بتحريك السياسة النقدية "بمرور الوقت إلى ظروف أكثر اعتدلا".

لكن باول قال في فعالية لمجلس الاحتياطي الاتحادي في دالاس، الخميس، إن وتيرة خفض أسعار الفائدة "ليست محددة سلفا"، وإن "الاقتصاد لا يرسل أي مؤشرات تدل على أننا بحاجة إلى الإسراع بخفض أسعار الفائدة، والقوة التي نراها حاليا في الاقتصاد تمنحنا القدرة على التعامل مع قراراتنا بعناية".

ويقيم مسؤولو الاحتياطي الاتحادي والمستثمرون مدى تأثير استمرار قوة الاقتصاد الأميركي وعدم الوضوح فيما يتعلق بقائمة الأولويات الاقتصادية لإدارة الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، سيما ما يتصل بتخفيضات الضرائب والرسوم الجمركية والحملة على الهجرة، على النمو الاقتصادي والتضخم.

وتشمل نقاط القوة في الاقتصاد معدل بطالة منخفضا يبلغ 4.1 بالمئة ونمو سنوي وصفه باول بأنه "متين" يبلغ 2.5 بالمئة، وهو ما يظل أعلى من تقديرات الاحتياطي الاتحادي لقدراته الكامنة وإنفاق المستهلكين المدفوع بارتفاع الدخل المتاح للإنفاق، والاستثمار التجاري المتزايد.

وقال باول إن البنك المركزي ما زال واثقا في استمرار عملية خفض التضخم، لكنه أيضا يقف على أهبة الاستعداد مراقبا أمورا مثل تكاليف الإسكان.

وأضاف إن الجوانب الرئيسية للتضخم "عادت إلى معدلات أقرب إلى تلك التي تتوافق مع أهدافنا... نحن نراقب عن كثب للتأكد من أنها ستعود... التضخم يقترب كثيرا من هدفنا في الأمد البعيد البالغ اثنين بالمئة، لكنه لم يبلغ ذلك بعد".