جاء إعلان الحكومة المصرية طرح عدد من الشركات المملوكة للدولة في البورصة، ليثير التساؤلات حول أهداف القرار وأسباب اتخاذه في ذلك الوقت تحديدا، بينما يتحدث خبراء لموقع "الحرة" عن أبعاد عملية الطرح وتداعياتها المتوقعة على المواطن المصري.
طرح شركات حكومية بالبورصة
الأربعاء، أعلن مجلس الوزراء المصري، عن اتجاه مصر لطرح أسهم بنحو 32 شركة، وذلك على مدار عام كامل، يبدأ من الربع الحالي من عام 2023، وحتى نهاية الربع الأول من عام 2024، سواء سيكون الطرح عاما من خلال البورصة، أو لمستثمر استراتيجي، أو كليهما.
والشركات الـ32 التي سيتم طرح نسب بها، تشمل 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا، وتضم بنك القاهرة، والمصرف المتحد، والبنك العربي الأفريقي الدولي.
كما تضم شركة مصر لتكنولوجيا التجارة (MTS)، والنصر للإسكان والتعمير، والمعادي للتنمية والتعمير، وشركة المستقبل للتنمية العمرانية، ومصر لأعمال الاسمنت المسلح، وفقا لبيان لـ"مجلس الوزراء".
وتضم الشركات المزمع طرحها شركة حلوان للأسمدة، والشركة الوطنية للمنتجات البترولية، والشركة المصرية لإنتاج البروبلين والبولي بروبلين، والنصر للتعدين، وشركة المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته (إيثيدكو)، وشركة الحفر للبترول، وشركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي (إيلاب)، وسيناء للمنجنيز.
وتضم تلك الشركات كذلك المصرية للسبائك الحديدية، والرباط لأنوار السفن، وبورسعيد لتداول الحاويات والبضائع، ودمياط لتداول الحاويات والبضائع، والصالحية للاستثمار والتنمية، والفنادق المملوكة لوزارة قطاع الأعمال العام، ومصر لتأمينات الحياة، ومصر للتأمين.
فضلا عن محطة توليد الرياح بجبل الزيت، ومحطة توليد الرياح بالزعفرانة، ومحطة بني سويف لتوليد الكهرباء، و"صافي" لتعبئة المياه، وتنمية الصناعات الكيماوية – سيد، وشركة البويات والصناعات الكيماوية (باكين)، والأمل الشريف للبلاستيك، ومصر للمستحضرات الطبية.
وستباع حصص في عدة شركات يتم تداول أسهمها بالفعل في البورصة، بما في ذلك شركة البويات والصناعات الكيماوية (باكين)، وشركة بورسعيد لتداول الحاويات والبضائع وشركة دمياط لتداول الحاويات والبضائع، حسب "رويترز".
وهناك أيضا حصص في شركتين على الأقل تابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وهما الوطنية للمنتجات البترولية التي تدير سلسلة من محطات الوقود، والوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية (صافي). حسب "رويترز".
ولم يشر بيان مجلس الوزراء المصري إلى "حجم حصص الشركات التي سيتم طرحها"، لكن الحكومة امتنعت عن التخلي عن السيطرة على الأسهم في السنوات القليلة الماضية.
والخميس، أكد الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، أن الحكومة "مستعدة لطرح المزيد من الشركات بالبورصة أو طرحها للشراكة مع القطاع الخاص الذي يمكن أن يسهم بشكل إيجابي في ذلك الإطار بعد أن تحقق الهدف الرئيسي من هذه الشركات في توفير الإنتاج".
وخلال افتتاح المرحلة الثانية من مدينة الصناعات الغذائية "سايلو فودز" بمدينة السادات بمحافظة المنوفية، قال السيسي " إحنا منزلين شركتين للأطروحات ومستعدين ننزل كل الشركات بجانب شركات قطاع الأعمال أيضا"، موضحا أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة المصرية "مستعد للشراكة".
وتسبب القرار في ضجة بمواقع التواصل الاجتماعي في مصر، وانقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض.
وتحدث خبراء اقتصاديين عدة فوائد عملية الطرح، ووصفها البعض بـ"الخطوة الهامة"، لكن على جانب آخر، استنكر البعض القرار معتبرين أنه "بيع لممتلكات وأصول الدولة".
ما الأسباب؟
تشهد مصر أزمة اقتصادية صعبة يأتي على رأسها نقص العملة الأجنبية وارتفاع معدل التضخم بعد تخفيض البنك المركزي المصري قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي الذي يسجّل حاليا أكثر من 30 جنيها مقابل 15,6 في مارس 2022، حسب "فرانس برس".
واكتسب بيع الأصول الحكومية إلحاحا جديدا بعد أن تسببت الحرب بأوكرانيا في خروج استثمارات أجنبية كبيرة من الأسواق المالية المصرية، مما أوقع الاقتصاد المصري في أزمة، وفقا لـ"رويترز".
ووافقت مصر على البيع بعد أن انتهت من خطة إنقاذ بثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر، وتعتمد على "عائدات حملة الخصخصة" للمساعدة في سد العجز المالي خلال برنامج صندوق النقد الدولي الذي يمتد لأربع سنوات، حسب "رويترز".
ويتحدث الخبير الاقتصادي المصري، البروفيسور عبدالنبي عبدالمطلب، عن ثلاثة أهداف للقرار وهي أنها "رسالة لصندوق النقد الدولي أن مصر ماضية في تعهداتها، وزيادة النقد الأجنبي في البلاد، وخصخصة الشركات الحكومية لزيادة الاستثمارات".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى أن مصر ستقدم تقريرا لصندوق النقد الدولي عن مدى تقدمها في تنفيذ تعهداتها بنهاية مارس 2023، ويقول إن "القرار جاء كمحاولة استباقية قبل تقديم التقرير".
ولدى مصر مشكلة في توفير النقد الأجنبي وقد أدى ذلك إلى تخفيض التصنيف الائتماني للبلاد من قبل مؤسسة موديز، ولذلك تسعى مصر لزيادة احتياطي العملات الصعبة، وفقا لحديث عبدالنبي عبدالمطلب.
ويقول عبدالنبي إن "الخصخصة تعني توسيع قاعدة الملكية وبالتالي ضخ زيادات في رأس المال أو الاستثمارات ما يعني المزيد من الحيوية بتلك الشركات".
لماذا الآن؟
تعاني مصر من أزمة حادة في النقد الأجنبي، ساهم فيها خروج قرابة 20 مليار دولار من مصر بسبب قلق المستثمرين عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وهذا الأسبوع، خفضت وكالة موديز إنفستورز سيرفيس (Moody’s Investors Service) التصنيف الائتماني لمصر إلى مستوى أعمق في منطقة غير المرغوب فيها، محذرة من أن الأمر سيستغرق بعض الوقت "لتقليل تعرضها بشكل ملموس" للمخاطر الخارجية مثل ارتفاع تكاليف الاقتراض والضغوط التضخمية، وفقا لوكالة "بلومبرغ".
وفي يناير، كان الاحتياطي النقدي لدى القاهرة لا يتجاوز 34 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج الحليفة، لكن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة لتصل الى أكثر من 155 مليار دولار، وفقا لـ"فرانس برس".
ولذلك يؤكد الكاتب والمحلل السياسي المصري، مجدي حمدان، أن "الحكومة تبيع شركات رابحة لسداد ديونها المتراكمة".
وفي حديثه لموقع "الحرة"، يقول إن الحكومة تبيع تلك الشركات بمبالغ "زهيدة"، بما يمثل خسارة هائلة للدولة المصرية.
ويستشهد في حديثه بطرح "بنك القاهرة" في البورصة، ويقول إن "أصوله تتخطى 9 مليار دولار، وحقق في عام 2021 أرباحا تقدر بـ 3.6 مليار جنيه، وفي عام 2022 وصلت أرباحه إلى 4.8 مليار جنيه".
وحسب حديثه فإن "البنك معروض للبيع بمبلغ يقدر بـ600 مليون دولار بما لا يصل إلى 10 بالمئة من قيمته الحقيقة"، وهو ما يعد "خسارة كبرى"، على حد تعبيره.
لكن الباحث الاقتصادي المصري، أحمد أبوعلي، ينفي ذلك الطرح، ولا يرى أن هناك "أي علاقة بين طرح الشركات بالبورصة وبين سداد الديون المصرية".
ويقول لموقع "الحرة" إن الصندوق السيادي المصري قد استحوذ على بعض الشركات سواء كانت تربح أو تخسر أو حتى الشركات المهدرة، مشيرا إلى أن عملية الاستحواذ قد "عزز قيمة تلك الشركات".
وتوجب على الحكومة طرح شركات ناجحة بالبورصة ليحدث عليها اكتتاب عالي، حتى يحقق هذا الطرح "جدوى اقتصادية فعلية"، وفقا لحديث أبوعلي.
ويتحدث عن الفائدة الاقتصادية لعملية الطرح، والمتمثلة في "زيادة سعر أسهم الشركات على المدى المتوسط"، وهو ما يعطي إمكانية كبيرة لمصر في التوسع والمنافسة "محليا وعالميا"، على حد قوله.
مجلس النواب المصري يوضح
كشف رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، البروفيسور فخري الفقي، أن الطروحات الجديدة "مقسمة على عدة أجزاء".
وفي تصريحات لموقع "الحرة"، يشير إلى أن جزء من الطروحات الجديدة سيذهب إلى "مستثمر استراتيجي، وجزء آخر لتوسيع قاعدة ملكية المساهمين أو المتعاملين بالبورصة المصرية سواءً كانوا مصريين أو أجانب مقيمين في مصر".
وسيتم بيع بعض الشركات مثل "المصرف المتحد" لمستثمر استراتيجي وسيكون في غالب الأمر من "الأجانب أو العرب"، وفقا لحديثه.
ووفقا للفقي فإن "عمليات الطرح تصب في مساحة إعطاء القطاع الخاص دورا أكبر في النشاط الاقتصادي بمصر، طبقا لوثيقة سياسة ملكية الدولة".
ويقول إن "الوثيقة تهدف لتحفيز القطاع الخاص على ممارسة دورا حيويا في النشاط الاقتصادي بمصر خلال الفترة القادمة، وتعد الأطروحات أحد الأدوات لتحقيق ذلك".
ولذلك تطرح الحكومة "حصص أقلية" في بعض الشركات المملوكة للدولة سواء لمستثمر استراتيجي "عربي أو أجنبي"، أو مستثمر مصري "أفراد أو شركات بعينها" بعد استيفاء الشروط المطلوبة.
خصخصة أم مشاركة للقطاع الخاص؟
منذ فترة طويلة تمتد إلى عام 2016، تم الإعلان عن طرح عدد من الحصص، لكن الانكماش الاقتصادي والجائحة وغزو روسيا لأوكرانيا أرجأوا تنفيذ البرنامج، وفقا لـ "رويترز".
ويقول خبراء اقتصاديون إن "البيروقراطية الجامدة ومعارضة أصحاب مصالح أقوياء داخل الحكومة أعاقتا أيضا خطط الخصخصة"، حسب "رويترز".
ويؤكد الفقي أن برنامج الأطروحات قائم بالفعل منذ عام 2016، لكن الظروف لم تكن "مواتية لتنفيذه خلال الفترة الماضية بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية".
ويقول إن الخصخصة تعني "بيع الشركة بالكامل بنسبة 100 بالمئة"، لكن الحكومة ستبيع جزءاً من الشركة بحصة أقلية بين 20 إلى 25 بالمئة، وفقا لحديث الفقي.
ويعني ذلك وجود "شركاء" وهم الحكومة ومعها المشارك بحصة الأقلية، ويتكون وقتها مجلس إدارة الشركة من "قطاع خاص بمشاركة حكومية"، وفقا لحديث الفقي.
وحسب الفقي فقد تكون "الإدارة للقطاع الخاص لكن الملكية ستكون للحكومة".
وفي سياق متصل، يقول أبوعلي إن عمليات الطرح "تعزز الحوكمة لدى تلك الشركات"، نافيا كون ذلك القرار "خصخصة الشركات المملوكة للدولة المصرية".
و"الحوكمة" هي مجموعة من القواعد والقوانين والمعايير والإجراءات التي تجرى بموجبها إدارة المنظمات، والرقابة الفاعلة عليها، ويقع على عاتقها مسؤولية تنظيم العلاقة بين الأطراف الفاعلة في المؤسسة، وأصحاب المصالح، وتساعد القائمين تحديد توجه وأداء المنظمة.
و"حوكمة المؤسسات والشركات" تعني وضع مجموعة السياسات الداخلية التي تشمل النظام والعمليات والأشخاص، وتخدم احتياجات المساهمين وأصحاب المصلحة الآخرين، من خلال توجيه ومراقبة أنشطة إدارة الأعمال الجيدة مع، الموضوعية والمساءلة والنزاهة.
ويشير أبوعلي إلى أن القرار يعني "إتاحة قدر أكبر من المشاركة للقطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية من خلال طرح الشركات الحكومية للاكتتاب، وابتعاد الدولة عن مزاحمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي".
لكن على جانب آخر، يؤكد عبدالمطلب أن تنازل الدولة عن سهم واحد من ملكيتها للقطاع غير الحكومي هو "خصخصة".
ويقول عبدالمطلب إن الخصخصة هي بيع أو تنازل الدولة أو الحكومة عن أي أسهم لشركات تمتلكها لقطاعات غير حكومية والمتمثلة في القطاع الخاص "أفراد أو شركات أو مستثمر رئيسي".
ويستشهد في حديثه ببنك الإسكندرية، ويقول إن "الدولة تمتلك 20 بالمئة فقط من أسهمه، والحديث عن إدراجه ضمن الشركات المزمع خصخصتها، يعنى أن الدولة تستهدف بيع كامل حصتها في البنك".
وهذا ينطبق على باقي الشركات، سواء الشركات المدرج أسهمها فعليا في البورصة، أو تلك التي لم يتم طرح أسهمها، وفقا لحديث عبدالمطلب.
ولدي مجدي حمدان رأي ثالث مختلف، فهو يقول إن عمليات الطرح تعني "بيع أصول مملوكة للدولة" ولا تمثل "خصخصة ولا مشاركة للقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي".
ولم تضع الحكومة المصرية رؤية اقتصادية شاملة لحل مشكلات البلاد، لكنها تتجه لبيع "أصول الدولة"، من أجل "سداد الديون والقروض وفوائدهما"، وفقا لحديث حمدان.
ماذا عن المواطن؟
في مصر، يعيش ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 104 ملايين تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، بينما ثلث آخر "معرضون لأن يصبحوا فقراء".
ويتحدث مجدي حمدان عن "تداعيات سلبية لطرح الشركات"، ويقول إن بيع الشركات "سيقلل من فرص الأجيال القادمة لاستفادة من المدخلات الحكومية".
وحسب حديثه فإن "المواطن البسيط لن يستفاد من السلع والخدمات التي كانت تقدمها الشركات والبنوك التابعة للدولة"، ويقول إن "الأسعار سوف تتضاعف لأن المستثمر يهمه الربح فقط".
ويرى عبدالمطلب أن بيع الشركات سيزيد من الأعباء على كاهل المواطن، لأن ذلك يعني "حرمان قطاع من الشعب المصري لا يمتلك سوى قوت يومه من الحصول على أسهم الشركات وبالتالي الحصول على أرباحها".
وهناك ما بين 20 إلى 30 بالمئة من أرباح الشركات لن يتمتع بها المواطن المصري سواءً بالجيل الحالي أو الأجيال القادمة، حسب حديث عبدالمطلب.
لكن على جانب آخر ينفي الفقي ذلك الطرح، ويقول إن "عمليات الطرح ستصب بشكل إيجابي في صالح المواطن البسيط".
وبيع حصة من الشركات "سيعظم العائد من الأصول المملوكة للدولة، ويساعد على زيادة الإنتاج، ويساهم في تطوير الشركات، وتوسعها"، ما يعني زيادة العائدات وفرص العمل، حسب حديث الفقي.
وحسب حديثه فأن تلك الشركات ستدفع "ضرائب أكثر" تصب في الموازنة العامة للدولة ويمكن استغلال جزء منها لدعم المهمشين والأكثر احتياجا.
ويقول الفقي إن بعد بيع "حصة أقلية بالشركات" أو بيعها بأكملها مثل "المصرف المتحد" سيتم تعزيز كفاءة تلك الشركات وبالتالي زيادة صافي دخلها، وهو ما يصب في صالح موازنة الدولة، وهو ما يمكن استخدامه لدعم "الفئات الأكثر احتياجا".
ويتحدث عن فوائد اقتصادية تتعلق بـ"زيادة رواتب العاملين والمعاشات، وتقديم منتجات أكثر جودة للمواطن المصري".
ويتفق معه أبوعلي، الذي يقول إن "عمليات الطرح لا تعني حرمان المواطن المصري من ممتلكاته مستقبلا".
ويشير أبوعلي إلى أن عمليات الطرح تنعكس إيجابا على المواطن المصري بتوفير "المزيد من فرص عمل وزيادة الإنتاج والصادرات المصرية في الفترة القادمة".