في يناير، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الشهرية في مصر بأسرع وتيرة على الإطلاق، مما أدى إلى ارتفاع حاد في معدلات التضخم في المناطق الحضرية في البلاد، وزيادة إلحاح البنك المركزي لاستئناف رفع أسعار الفائدة.
كانت الزيادة في التكلفة مفاجأة للعديد من الاقتصاديين حتى بعد أن أدى الانخفاض الحاد في قيمة العملة الشهر الماضي إلى زيادة الضغوط على المستهلكين في أكثر دول الشرق الأوسط من حيث عدد السكان، وفقا لوكالة "بلومبرغ".
والخميس، كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن تضخم أسعار المستهلكين في مدن البلاد قفز إلى معدل أعلى من المتوقع، وبلغ 25.8 بالمئة على أساس سنوي في يناير من 21.3 بالمئة في ديسمبر، وهو أسرع معدلاته في أكثر من خمس سنوات، وفقا لوكالة "رويترز".
وفيما يتعلق بأسعار المواد الغذائية والمشروبات، وهي أكبر عنصر منفرد في سلة التضخم، فقد قفزت بنسبة 48 بالمئة في يناير.
ولكن حتى مع استبعاد العناصر المتقلبة مثل "الغذاء والطاقة"، فقد تجاوز معدل التضخم الأساسي السنوي 31 بالمئة، ليصل إلى أسرع مستوى منذ أواخر عام 2017.
والتضخم في يناير هو الأعلى منذ ديسمبر 2017 بعد عام من خفض حاد في قيمة العملة المصرية.
ما الأسباب؟
قال آلان سانديب من نعيم للسمسرة إن السبب في ارتفاع الأسعار هو أن المنتجين "ما زالوا يحيلون فواتير الاستيراد المرتفعة إلى المتسوقين"
وأضاف أن الأسعار ارتفعت على أساس شهري بنسبة 4.7 بالمئة مقارنة بنسبة 2.1 بالمئة في ديسمبر مدفوعة بزيادة شهرية بنسبة 10.1 بالمئة في أسعار الغذاء والمشروبات، وفقا لـ"رويترز".
يأتي الارتفاع في أعقاب سلسلة من تخفيضات قيمة العملة منذ مارس آذار 2022 ونقص طويل الأمد في العملات الأجنبية وتأخيرات مستمرة في إدخال الواردات إلى البلاد، وفقد الجنيه المصري 50 بالمئة تقريبا من قيمته منذ مارس، حسب "رويترز".
وجاء الارتفاع في الأسعار مع انخفاض الجنيه بنسبة 18 بالمئة في الشهر الماضي وحده.
وعلى الرغم من أنها كانت أكثر استقرارا في الأسابيع الأخيرة، إلا أن العملة المصرية تراجعت بنسبة 0.6 بالمئة، الخميس، لتصل إلى أدنى مستوى لها في شهر تقريبا عند 30.54 مقابل الدولار.
وانخفاض قيمة العملة هو علامة على أن مصر كانت تتحول تدريجياً إلى سعر صرف "أكثر مرونة"، وهي خطوة ساعدت السلطات في تأمين صفقة بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي لاقتصاد يعاني من ارتفاع فواتير استيراد المواد الغذائية والوقود الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأدى التضخم الأسرع أيضا إلى تحول عوائد أذون وسندات الخزانة المصرية إلى مستوى سلبي عند تعديلها وفقا للتضخم، ما أدى إلى الحد من جاذبية المستثمرين الأجانب للأوراق المالية المحلية في وقت تسعى فيه مصر إلى تدفق العملات الأجنبية، حسب "بلومبرغ".
والخميس، وصل متوسط العائد على بيع الحكومة لسندات الخزانة لأجل 12 شهرًا، إلى مستوى قياسي بلغ 22.126 بالمئة.
يمثل عبء الديون الأكثر تكلفة مصدر قلق للحكومة التي تنفق ما يقرب من نصف إيراداتها على مدفوعات الفائدة.
وهذا الأسبوع، خفضت وكالة موديز إنفستورز سيرفيس (Moody’s Investors Service) التصنيف الائتماني لمصر إلى مستوى أعمق في منطقة غير المرغوب فيها، محذرة من أن الأمر سيستغرق بعض الوقت "لتقليل تعرضها بشكل ملموس" للمخاطر الخارجية مثل ارتفاع تكاليف الاقتراض والضغوط التضخمية.
ماذا بعد؟
في مصر، يعيش ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 104 ملايين تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، بينما ثلث آخر "معرضون لأن يصبحوا فقراء".
وقالت الحكومة المصرية إن معالجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى هي على رأس أولوياتها بالنسبة للبلد الذي تعيش فيه نسبة كبيرة حول خط الفقر أو تحته.
ويتوقع الاقتصاديون في المجموعة المالية هيرميس ونعيم القابضة الآن ارتفاع تكاليف الاقتراض الرسمية بحوالي 200 نقطة أساس أو أكثر في الأشهر المقبلة، بينما قالت مجموعة جولدمان ساكس إنها لا تستطيع استبعاد "ارتفاع غير مقرر" قبل اجتماع السياسة التالي في 30 مارس.
وكان وراء التسارع الواسع في يناير، أكبر ارتفاع شهري متتالي في أسعار المواد الغذائية منذ أن بدأت سلسلة البيانات الحالية منذ ما يقرب من 20 عاما، متجاوزة ذروتها بعد تخفيض قيمة العملة المصرية في عام 2016 بزيادة تزيد قليلا عن 10 بالمئة، وفقا لفاروق سوسة، الخبير الاقتصادي في جولدمان.
وأكد سوسة أن "ارتفاع أسعار المواد الغذائية سيكون مصدر قلق كبير للسلطات المصرية".
وقال إن" احتواء توقعات التضخم، وتحسين سيولة العملات الأجنبية المحلية لتخفيف الضغط المزمن على الجنيه، سيتطلب من البنك المركزي المصري اتباع سياسة نقدية أكثر تشددا في الأشهر المقبلة".
وقد تشجع الأرقام البنك المركزي على استئناف دورة التشديد النقدي بعد قرار مفاجئ، الأسبوع الماضي، بترك أسعار الفائدة معلقة، حسب "بلومبرغ".
ونسبة التضخم المرتفعة في يناير تزيد الضغط على لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي لترفع أسعار الفائدة في اجتماعها المقبل المقرر في 30 مارس.
وفي اجتماعها السابق في الثاني من فبراير، أبقت اللجنة سعر الإقراض عند 17.25 بالمئة وفائدة الإيداع عند 16.25 بالمئة قائلة إن زيادتها الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس خلال العام المنصرم من المنتظر أن تساعد في كبح التضخم.
ومن المرجح أن تتسارع الأسعار أكثر على المدى القصير، مدفوعة بارتفاع متوقع في الوقود وزيادة الطلب خلال شهر رمضان المبارك، الذي يبدأ في نهاية مارس ويتسم بالتجمعات العائلية والوجبات الكبيرة.
ويتوقع نعيم أن يتجاوز التضخم 27 بالمئة بحلول مارس.