تترقب الأسواق العالمية بحذر، بيانات أميركية جديدة، تصدر الثلاثاء، وقد تأثر بشكل كبير على قرار الفدرالي بشأن تشديد السياسة النقدية أكثر.
وتتجه أنظار السوق نحو مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة الأميركية. فبعد التفاؤل بأن التضخم آخذ في التباطؤ، يمكن أن يأتي تقرير الثلاثاء ليتعارض مع هذه الرواية، حسب تقرير لشبكة سي أن بي سي. ومؤشر أسعار المستهلك هو مقياس تضخم يقيس تكاليف عشرات السلع والخدمات على مستوى الاقتصاد.
ويتوقع الاقتصاديون أن يُظهر مؤشر أسعار المستهلكين زيادة بنسبة 0.4 في المئة خلال يناير. ومجلس الاحتياطي الفدرالي مصمم على الاستمرار في لجم التضخم، لذلك يمكن للتقرير أن يقوي موقفه، حسب الشبكة.
إلا أن صحيفة وول ستريت جورنال تقول في تقريرها إن نهاية التضخم المرتفع والحاد اقتربت. فارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 6.5 في المئة بديسمبر، بانخفاض عن المعدل السنوي البالغ 9.1 في المئة خلال يونيو، وهو أعلى مستوى منذ عام 1981.
ومع ذلك، فإن التضخم يبقى أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 في المئة. ورغم استبعاد فئات الغذاء والطاقة المتقلبة، يبلغ معدل التضخم الأساسي 5.7 في المئة خلال ديسمبر.
ويشير تقرير سي أن بي سي، إلى أنه في حين كان مؤشر أسعار المستهلكين يتجه نحو الانخفاض مع اقتراب عام 2022 من نهايته، إلا أنه يبدو أن العام 2023 سيُظهر أن التضخم لا يزال قويا، وربما أقوى من توقعات الخبراء في وول ستريت.
ويراقب صانعو السياسة في الاحتياطي الفدرالي مؤشر أسعار المستهلكين ومجموعة من البيانات الأخرى لمعرفة ما إذا كانت سلسلة من ثماني زيادات في أسعار الفائدة لها التأثير اللازم في لجم التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى له في 41 عاما خلال الصيف الماضي. وإذا اتضح أن التشديد النقدي لم يقدم النتيجة اللازمة بعد، فقد يضطر الفدرالي إلى اتخاذ قرارات أكثر تشديدا، حسب سي أن بي سي.
وتاليا، كيف من المرتقب أن ينخفض التضخم إلى 2 في المئة (المستوى الذي حدده الفدرالي الأميركي)؟
تقول وول ستريت جورنال إن الأسواق تتفاءل الأسواق التضخم سينخفض إلى 2 في المئة تلقائيا، وتراهن على أن الاحتياطي الفدرالي سيخفض أسعار الفائدة هذا العام. إلا أنه لا يبدو أن هذا هو اتجاه الفدرالي.
ويرتكز تحديد اتجاه التضخم على ثلاثة قطاعات، وفق تقرير الصحيفة، وهي السلع والسكن، والخدمات الأخرى، باستثناء الغذاء والطاقة.
فمن جهة السلع، أدى الارتفاع الكبير في أسعار السلع مثل السيارات والأثاث إلى التأثير كثيرا على التضخم خلال العام 2021 عندما اصطدم الإنفاق الاستهلاكي، المدفوع بأسعار الفائدة المنخفضة والتحفيز الحكومي، بسلاسل التوريد المغلقة.
وارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 12.3 في المئة عن العام السابق في فبراير 2022، وزادت بنسبة 2.1 في المئة فقط عن العام السابق خلال ديسمبر 2022. وتمثل هذه السلع نحو 22 في المئة من مؤشر أسعار المستهلكين و23 في المئة من مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي.
أما الآن، فقد انتهى هذا الارتفاع، وتعافت سلاسل التوريد، وتحول طلب المستهلك مرة أخرى نحو الخدمات من السلع، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة 2.1٪ فقط في العام حتى ديسمبر الماضي، ما ساهم بنسبة 0.5 نقطة مئوية في زيادة مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 6.5 في المئة، وذلك بانخفاض عن فبراير 2022.
وتوقعت الاقتصادية بليرينا أوروتشي أن انخفاض الإنفاق على السلع والتحسين المستمر في سلاسل التوريد وانخفاض تكاليف الشحن يجب أن يستمر في تخفيف ضغوط الأسعار خلال الأشهر المقبلة، حسب وول ستريت جورنال.
من جهة ثانية، أدى ارتفاع الطلب على المنازل والشقق الناتج عن انخفاض معدلات الفائدة والعمل من بُعد إلى مساهمة قطاع الإسكان بأكثر من نصف معدل التضخم الأساسي البالغ 5.7 في المئة بمؤشر أسعار المستهلكين لشهر ديسمبر.
وضمن الإطار، يتوقع الاقتصاديون أن تستمر الأسعار في قطاع الإسكان بالارتفاع خلال الربيع، ولكن بعد ذلك تتباطأ. ويتوقع الاقتصادي، جيك أوبينا، أن ينخفض تضخم السكن من 8.1 في المئة في مارس إلى 5.3 في المئة بحلول ديسمبر المقبل، وفق وول ستريت جورنال.
أما بالنسبة إلى الخدمات الأساسية الأخرى، فقد ارتفع الأجر بالساعة للعاملين في القطاع الخاص بمعدل سنوي قدره 4.6 في المئة خلال الأشهر الثلاثة حتى يناير، مقارنة بمتوسط معدل بلغ 3.3 في المئة خلال عامي 2018 و2019.
وفي حين أظهر نمو الأجور علامات تباطؤ في الآونة الأخيرة، إلا أنه لا يزال عند مستويات تجعل من الصعب على الفدرالي الوصول إلى هدف التضخم المستهدف.
ويلفت تقرير الصحيفة إلى أنه يقدر الاقتصاديون الذين يتوقعون تراجع التضخم إلى هدف الفدرالي (2 في المئة) بحلول نهاية العام، أن تكون العملية مدعومة بالركود، فتؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى "خنق" الإنفاق، وتدفع الأرباح المتراجعة الشركات لتسريح بعض العمال.
ولكن لا توجد حتى الآن أي علامة على مثل هذا الركود في الإنفاق الاستهلاكي، فإن الدخل يرتفع بوتيرة أسرع من التضخم، مما سيعزز الإنفاق ويبقي تراجع الأسعار أقل من المتوقع، حسب خبراء استطلعت صحيفة وول ستريت جورنال رأيهم.
ويذكر أنه في تقرير سابق لصحيفة فايننشال تايمز ورد أن الاستثمار في وول ستريت أصبح أرخص وأسهل، رغم قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى في 15 عاما، مما يشير إلى "الانفصال المستمر والعميق بين المستثمرين ومسؤولي البنك المركزي".
وخلص التقرير إلى أن السوق الأميركية مرتاحة رغم التشديد النقدي. وفي حين ذكر التقرير أنه يمكن لظروف مالية متحسنة وعوائد سندات الخزانة المنخفضة أن تعزز التضخم، لفت إلى أن الأسهم الأميركية المهمة تعافت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة.
بعد أربع زيادات متتالية في أسعار الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية، بدأ بنك الاحتياطي الفدرالي في نوفمبر بالإشارة إلى استعداده لإبطاء وتيرة تشديده. ومنذ ذلك الحين، حاول مسؤولو الاحتياطي الفدرالي السير في بخطة دقيقة، وأصروا على أنهم يخططون للإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة طالما أن الأمر يتطلب إعادة التضخم إلى هدف 2 في المئة، مع إبطاء وتيرة رفع أسعار الفائدة.
ولفت تقرير فايننشال تايمز إلى أن السوق تتوقع أن ينخفض التضخم في الولايات المتحدة بشكل أسرع من الفدرالي. وانخفض التضخم السنوي من ذروة بلغت 9.1 في المئة في يونيو الماضي إلى 6.5 في المئة في ديسمبر. وحذرت ميغان سويبر، محللة أسعار الفائدة الأميركية في بنك أوف أميركا، من أن الظروف المالية "الفضفاضة" ربما تجعل من الصعب خفض ارتفاع الأسعار بشكل أكبر.