ارتفع سعر البصل بشكل كبير في العديد من الدول. صورة تعبيرية
ارتفع سعر البصل بشكل كبير في العديد من الدول. صورة تعبيرية

أزمة بصل تشعل مواقع التواصل الاجتماعي منذ أسابيع. من عروس تحمل باقة من البصل بدلا من الورد، إلى "البصل يساوي دولار"، وغيرها العديد من حالات التفاعل، التي أطلقها خلل في موسم البصل بدول الإنتاج الأساسية مثل الفلبين وباكستان، وامتدت إلى دول أخرى مثل لبنان وسوريا وليبيا.

وأخذت أزمة البصل الطابع العالمي جراء انخفاض إنتاج البصل في أبرز دولتين مصدرتين له حول العالم، الهند وباكستان، بسبب سيول وفيضانات ألحقت أضرارا كبيرة بمواسم البصل، فانخفض الإنتاج وسط ارتفاع الطلب، ما أدى الى ارتفاع سعره عالميا، حسب خبراء استطلع موقع "الحرة" رأيهم.

بدأت القصة من الفلبين وباكستان، ففي الفلبين، الحال مثل الكثير من بلدان العالم، قفزت تكلفة الغذاء والوقود والأسمدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في أوائل العام الماضي، وفق تقرير سابق لوكالة بلومبرغ.

وتلقي الحكومة الفلبينية والمشرعون باللوم على التجار في تخزين المواد الغذائية لخلق نقص مصطنع يسمح لهم برفع الأسعار. وعند مناقشة أزمة البصل في يناير، قالت السلطات إن هناك تلاعبا في الأسعار، حسب بلومبرغ. وأوردت الوكالة أن المزارعين في الفلبين باعوا محاصيلهم بخصم 60 إلى 80 في المئة عن السنوات السابقة للتجار الذين لديهم مرافق تخزين مبردة. ولا يستطيع العديد من المزارعين في البلاد الوصول إلى هذه المستودعات التي يمكن أن تطيل بشكل كبير عمر للمنتجات الزراعية.

والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فالثلاثاء، أورد موقع سي أن أن في الفلبين أن منتجي البصل المحليون خسروا نحو 168 مليون بيسو فلبيني بسبب الإهمال لمنشأة التخزين البارد في مقاطعة بولاكان بالفيليبين، وفق ما أفادت تعاونية زراعية في البلاد.

أما في باكستان، فقد أشار تقرير سابق ورد في داون إلى أن البصل يباع بسعر 250 روبية لكل كيلوغرام، بينما يتراوح السعر في أجزاء أخرى من البلاد بين 200 و320 روبية بسبب محدودية الوصول إلى المحاصيل والضرائب الإضافية على استيراد المواد الغذائية الأساسية اعتبارا من 1 يناير.

ووفقا لبيانات مؤشر الأسعار، كان المتوسط المحلي لأسعار البصل في الأسبوع المنتهي في 26 يناير 200-320 روبية للكيلوغرام مقارنة بـ180-280 روبية في الأسبوع المنتهي في 5 يناير.

وحسب داون، من بين 600 إلى 700 حاوية متوقفة تحمل البصل، وجد القليل منها طريقه إلى السوق الباكستانية مما زاد من الضغط على الأسعار.

ويشير موقع إيست فروت، إلى حدثين في السوق الأوكرانية سيكون لهما تأثير مباشر على أسعار البصل لنهاية الموسم الحالي وبداية الموسم المقبل.

فقد علقت بعض المزارعين الذين لا يزال لديهم مخزون من البصل في أوكرانيا المبيعات منذ بداية فبراير، وحددت المزارع سعرا إعلانيا يصل إلى 0.96 دولار مقابل الكيلوغرام الواحد. وكذلك، سجلت زيادة حادة في الطلب على بذور البصل في أوكرانيا.

وحسب الموقع، يتوقع المزارعون في أوكرانيا الذين لديهم مخزون من محصول العام الماضي، وأولئك الذين سيحصدون البصل هذا العام، الاستفادة من أزمة البصل، والحصول على أرباح كبيرة. 

وأشارت الصحيفة إلى أنه نظرا للظروف الصعبة في ربيع وصيف عام 2022 واحتلال المناطق الجنوبية من أوكرانيا، فقد انخفض عدد المنتجين الأوكرانيين الذين يمكنهم تخزين البصل عالي الجودة حتى أبريل ومايو 2023 بشكل كبير.

ولفتت إيست فروت إلى أنه فُرض حظر مؤقت على صادرات البصل في كازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وأذربيجان خلال الأسابيع الماضية الماضية، وطبقت إجراءات مماثلة في تركيا خلال نوفمبر من العام الماضي. ونتيجة لذلك، تتقلص قائمة موردي البصل المحتملين إلى السوق الأوكرانية بحلول مارس وأبريل لتقتصر على عدد قليل من البلدان. قد تكون مصر أحد اللاعبين الرئيسيين في ربيع عام 2023، حيث سيحصد المزارعون البصل من محصول جديد في ذلك الوقت. ومع ذلك، هناك نوعان من العوائق عندما يتعلق الأمر بالبصل المصري.

فمن جهة، يشير الموقع المتخصص بالزراعة، إلى أنه لا يصلح محصول الربيع من البصل المصري لجميع فئات المشترين، حيث يكون البصل خلال هذه الفترة غير ناضج ولا يحتوي على قشر كاف. وكذلك، سيزداد الطلب على البصل المصري في أوكرانيا وفي جميع أنحاء أوروبا بسبب فشل محصول البصل. وهذا يعني أنه قد لا يتوفر بصل مصري يكفي جميع المستوردين.

أمام هذا الواقع تفاعلت الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي مع ارتفاع أسعار البصل. وضجت الوسائل الإعلامية في لبنان بخبر ارتفاع سعر كيلوغرام البصل إلى 70 ألف ليرة، إلى حد عنونت صحيفة نداء الوطن اللبنانية على الصفحة الأولى "الدولار يساوي الليرة بقشرة بصلة"، وذلك بعد تدهور سعر صدف الليرة في السوق الموازية، حيث وصل إلى نحو 70 ألف ليرة أيضا.

وضمن الإطار أشار رئيس جمعية المزارعين في لبنان أنطوان حويك في حديث لموقع "الحرة" إلى أن "لبنان يستورد البصل بشكل أساسي من مصر، لكن (بسبب أزمة البصل في بلدان أخرى) تمكنوا من إعادة بيع المحصول المستورد بسعر أعلى إلى ليبيا"، وتابع أنها "المرة الأولى التي نعاني من أزمة بصل، فبعد إعادة التصدير اعتمدت السوق على المخزون المحلي واستفادوا من السعر أن العرض قليل. ووصل سعر البصل في سوريا إلى دولارين، فهناك أزمة إنتاج بصل".

وأشار حويك إلى أنه "لو لم يعد التجار في لبنان بيع البصل المستورد (للاستفادة من الأزمة) لما ارتفع السعر محليا إلى هذا الحد".

ومن جهته، قال رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم الترشيشي، في حديث سابق لموقع "الحرة"، إلى أن سعر كيلو البصل في سوريا يساوي دولاراً منذ 5 أشهر، والأمر نفسه في العراق، "حتى في تركيا التي تعتبر من أبرز مصادر البصل في المنطقة، سعر الكيلو يساوي دولاراً، وبالتالي ارتفاع السعر في لبنان جاء متأخراً بالنسبة للدول المحيطة به".

وفي الفلبين خلال 21 يناير 2023 اختارت عروس في حفل زفافها حمل باقة من البصل بدلا من الزهر، وذلك مع ارتفاع سعر السلعة في الفلبين وانتشار التفاعل الساخر على وسائل التواصل الاجتماعي.

صورة من حفل الزفاف في الفلبين مع باقة البصل

شارع الجمهورية في وسط العاصمة العراقية بغداد
صورة أرشيفية لشارع في العاصمة العراقية بغداد

"مضى على تخرجي 8 سنوات، ومنذ اللحظة الأولى للتخرج، وحتى الآن، قدمت على العديد من الوظائف في القطاعين العام والخاص، لكن لم أكن محظوظة حتى الآن"، تقول لمياء صالح لـ"الحرة" وهي فتاة عراقية تنتظر الدخول إلى سوق العمل منذ سنوات. 

وبلغت نسبة البطالة، وفق آخر مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء، التابع لوزارة التخطيط العراقية عام 2021، 16.5%، وسجلت نسبة البطالة بين النساء ارتفاعا بواقع 28%، بينما كانت لدى الرجال 14%".

وتوقعت وزارة التخطيط في 9 أكتوبر الحالي انخفاض نسب البطالة في البلد مقارنة بالأعوام الثلاثة الماضية، لافتةً إلى أن المشروعات التنموية والنهضة الاقتصادية التي تنفذها الحكومة الحالية ساهمت بتراجع نسب البطالة.

وأكد المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، لوكالة الأنباء العراقية على أن "التوقعات تدل على إمكانية انخفاض نسب البطالة في العراق، خاصة في ظل المشروعات الكبرى التي يتم تنفيذها حالياً"، مشيرا الى أن العراق شهد خلال السنتين الماضيتين بداية تنفيذ العديد من المشروعات الحيوية التي أسهمت بشكل كبير في توفير فرص عمل جديدة، وهو ما يساهم في خفض معدل البطالة.

ورغم أن مشكلة البطالة في العراق ليست جديدة، وتعود جذورها الى العقود الماضية، لكنها لم تكن ظاهرة خلال ثمانينيات القرن الماضي، إثر التعبئة العسكرية في البلد، الذي كان يخوض حربا ضد إيران، وبدأت هذه المشكلة تطفو الى السطح مع بداية التسعينيات مع العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت على العراق لغزوه دولة الكويت.

العراق.. كشف سبب "رائحة الكبريت" المنتشرة منذ أيام
أما مصدر هذه الرائحة في بغداد، فهو بحسب المعلومات التي وردت في المؤتمر الصحافي ونقلتها وكالة الأنباء الرسمية (واع)، فهو مصفى الدورة ومحطة الطاقة الحرارة بالدورة ومحطة القدس في شمال بغداد والمحطات الكهربائية الأخرى، إضافة لمعامل الإسفلت والطابوق وعددها أكثر من 250، واستخدام بعض الكور لصهر منتجات النحاس وغيرها وحرق النفايات في النهروان ومعسكر الرشيد.

واشتدت أزمة البطالة بعد عام 2003، ويشهد البلد منذ سنوات موجات من الاحتجاجات التي ينظمها الشباب الباحثين عن العمل، وتصاعدت حدة هذه الاحتجاجات في أكثر الأحيان إلى إغلاق مؤسسات الحكومة والشركات من قبل المحتجين لتلبية مطالبهم، لكن دون جدوى. ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية عن أعداد العاطلين عن العمل، إلا أنه وبحسب نسبة البطالة تقدر أعدادهم بنحو 7 ملايين عاطل عن العمل.

وتمضي لمياء صالح بالقول: "أنا المعيلة الوحيدة لعائلتي، أمي ربة بيت وأبي متقاعد ومريض راتبه لا يكفي تغطية تكاليف علاجه، وأنا خريجة كلية الهندسة. رغم عملي الشاق وأدائي الممتاز في العمل، إلا أن الوظائف التي كنت أحصل عليها في القطاع الخاص لم تكن تناسب شهادتي وفي الوقت نفسه أصحاب العمل كانوا يستغنون عني بسهولة مقابل تعيين شخص آخر ذو نفوذ."

لم تنتظر لمياء الحصول على فرص العمل، بل حاولت خلال السنوات الماضية من إيجاد فرصة عمل لنفسها عبر ممارسة الاعمال اليدوية وبدأت تصنع الإكسسوارات، لكنها مجددا لم تتمكن من الاعتماد عليها في إعالة عائلتها، بسبب ما تعانيه الأسواق المحلية من كساد إلى جانب سيطرة البضائع المستوردة على السوق، وعدم وجود دعم حكومي للصناعات اليدوية.

لمياء ليست الوحيدة التي لم تتمكن من دخول سوق العمل رغم محاولاتها الحثيثة لذلك، حارث مثنى شاب عراقي هو الآخر تتشابه قصته مع لمياء، فقد مضى على تخرجه من معهد الإدارة والاقتصاد أكثر من 5 سنوات دون أن يحصل على وظيفة حكومية.

ويقول مثنى لـ"الحرة": "موضوع الحصول على وظيفة حكومية أمر ميؤوس منه بشكل كلي، حتى خريجي المجموعة الطبية لم يعودوا يتمكنون من الحصول على وظيفة حكومية، لذلك توجهت إلى القطاع الخاص وسوق الأعمال اليدوية، وواجهت مشكلة قلة الفرص في هذا القطاع أيضا وكذلك أجور العمل فيه كانت قليلة جدا."

انتقل مثنى خلال السنوات الماضية ما بين 4 وظائف، لكنه لم يتمكن من الاستمرار فيها لأسباب منها طول ساعات العمل وقلة الأجور وعدم وجود ضمان اجتماعي، وانتهى به المطاف منذ نحو عام بشراء دراجة نارية والعمل كعامل توصيل مع احدى الشركات.

من جانبه يؤيد الخبير الاقتصادي، نبيل التميمي توقعات وزارة التخطيط بانخفاض نسب البطالة، مضيفا لـ"الحرة"، "هناك نشاط تجاري متزايد منذ سنتين وموازنات استثمارية موجودة تنعكس تأثيرها على نشاط التجاري بشكل عام، خصوصا في قطاع البناء، الذي بدوره يحرك نشاط مجموعة أخرى من القطاعات"، لافتا الى أن الإنفاق الحكومي هو المساهم في عملية دفع النمو بالنشاط الاقتصادي على مستوى البلد وبالتالي يوفر وظائف ويقلل نسبيا من البطالة.

وحل العراق في المرتبة السابعة عربيا، الـ 33 عالميا ضمن قائمة الدول الأكثر بؤسا في العالم على "مؤشر هانكي للبؤس العالمي" لعام 2023، الذي صدر في 14 مارس 2024.

وبحسب المؤشر بلغ نسبة البؤس في العراق نحو 50.8، محددا معدلات البطالة عاملا أساسيا لهذه النسبة من البؤس الذي يشهده البلد.

ويتكون المؤشر الذي يصدره سنويا أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، ستيف هانكي، من قائمة مكونة من 157 دولة حول العالم هي الأكثر بؤسا استنادا على معدلات البطالة والتضخم ومعدل الإقراض والتغير في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.