بنك سيليكون فالي هو البنك الأميركي الـ16 من حيث حجم الأصول
بنك سيليكون فالي هو البنك الأميركي الـ16 من حيث حجم الأصول

أثار إعلان إفلاس 3 بنوك أميركية، حالة من الترقب في الأوساط الاقتصادية، في ظل مخاوف من تأثير على اقتصاد بعض الدول العربية، بينما يكشف خبراء لموقع "الحرة" عن تداعيات هذا الإعلان، ومدى إمكانية تكرار الأزمة المالية العالمية التي وقعت عام 2008.

رسالة طمأنة

الاثنين، بعث الرئيس الأميركي، جو بايدن، برسالة طمأنة لكل الأميركيين الذين أودعوا أموالهم في "بنك سيليكون فالي" الذي أعلن إفلاسه الجمعة، فيما يعد أكبر أزمة مالية منذ عام 2008.

وقال بايدن للصحفيين من البيت الأبيض، إن إدارته عملت في نهاية الأسبوع بجد لاحتواء تداعيات إفلاس "سيليكون فالي" وبنك "سيغنتشر"، متعهدا بمحاسبة المسؤولين عن الأزمة، "المدراء فيهما سيتم فصلهم، ولن يبقوا في عملهم".

وأضاف: "فيما يتعلق بكيفية وصول هذه المصارف إلى هذا الوضع، يجب أن تكون هناك محاسبة لهؤلاء المسؤولين، في إدارتي لا أحد فوق القانون".

وتابع: "نتيجة للإجراءات التي يقوم بهما المنظمون، كل أميركي يجب أن يشعر بالثقة أن ودائعه موجودة عندما يحتاج إليها"، موكدا أن "كل العملاء الذين لديهم أموال في هذه البنوك سيتمكنون من الوصول إلى ودائعهم".

لكنه أشار إلى أن "المستثمرين في البنوك لن يتمتعوا بالحماية لأنهم خاطروا وعندما لم ينجحوا في مخاطراتهم خسروا أموالهم".

وأكد أنه يجب العمل على تخفيض مخاطر تكرار حدوث مثل تلك الأزمة في المستقبل، مطالبا الكونغرس بتشديد القوانين المتعلقة بالبنوك من جديد.

وأشار إلى أنه في فترة وجوده نائبا للرئيس باراك أوباما، "عملت الإدارة الأميركية حينها على وضع قيود على مصارف مثل "سيليكون فالي" و"سيغنتشر"، وأردنا التأكد أن الأزمة التي رأيناها في عام 2008 لن تحدث من جديد".

وقال: "لسوء الحظ، الإدارة السابقة انسحبت من بعض هذه المتطلبات، أطلب من الكونغرس تعزيز هذه القواعد حتى لا يحدث ذلك مرة أخرى، نريد حماية الأعمال الصغيرة".

وأدت المخاوف من توالي الأزمات في أعقاب انهيار بنك سيليكون فالي إلى عمليات بيع في الأصول الأميركية بداية الأسبوع، في الوقت الذي أغلقت فيه الجهات التنظيمية الحكومية بنك سيغنتشر ومقره نيويورك، الأحد.

عجز 3 بنوك أميركية

سجل الأسبوع الماضي، عجز ثلاثة بنوك أميركية، وهي بنك "سيليكون فالي"، وبنك "سيغناتشر"، وكذلك بنك "سيلفرغايت" الأصغر حجما لكن المعروف بروابطه الوثيقة مع قطاع العملات المشفرة، وفقا لـ"فرانس برس".

ورغم أنه غير معروف كثيرا للعامة، كان بنك "إي في بي" والمعروف باسم "سيليكون فالي" المصرف الأميركي السادس عشر من حيث حجم الأصول، وفي نهاية 2022، كانت لديه أصولا بقيمة 209 مليارات دولار وودائع مقدارها 175,4 مليار دولار، حسب "فرانس برس".

ويعتبر بنك "سيغنتشر" ومقره في نيويورك البنك الحادي والعشرين الأكبر في الولايات المتحدة، فقد قدر الاحتياطي الفدرالي أصوله بمبلغ 110 مليار دولار في نهاية عام 2022. 

و"سيغنتشر" هو ثالث أكبر بنك يفلس في تاريخ الولايات المتحدة بعد "إي في بي" وواشنطن ميوتشوال عام 2008.

هل تتأثر دول عربية؟

يستبعد الخبير الاقتصادي المصري، أبوبكر الديب، امتداد تأثير إفلاس البنوك الأميركية إلى الدول العربية.

وفي حديثه لموقع "الحرة" يؤكد أن الودائع العربية مستثمرة بشكل آمن ضمن محفظة استثمارية قصيرة الأجل من جانب البنك المركزي الأميركي ووفق أدلة الاستثمار القياسية التي تتجنب المخاطر المختلفة.

ويرى الديب أن مصر على وجه الخصوص آمنة تماما من تداعيات ما أطلق عليه "الزلزال الاقتصادي".

"ولا يوجد تأثير سلبي لإفلاس البنوك الأميركية على القطاع المصرفي المصري لأن مصر لا تمتلك أي ودائع أو معاملات مالية لدى بنك سيليكون فالي" وفقا لحديث الديب.

من جانبه يتحدث الخبير الاقتصادي الجزائري، مراد كواشي، عن تأثير متباين لتلك الأزمة على الدول العربية.

وفي حديثه لموقع "الحرة" يشير إلى دول "منغلقة على نفسها اقتصاديا" وليس لها علاقات مع بنوك أميركية أو محيط خارجي ومنها الجزائر، التي يرى أن اقتصادها لن يتأثر بتلك الأزمة.

ويرى أن "اقتصادات منفتحة" مثل دول الخليج، قد تأثرت وسوف تتأثر بتلك الأزمة بشكل كبير.

لكن على جانب آخر، يؤكد الخبير الاقتصادي السعودي، فهد جمعة، أن جميع الاقتصادات العربية تأثرت بالفعل بالأزمة بـ"درجات متفاوتة".

ويستشهد في حديثه لموقع "الحرة"، بالأداء السلبي لـ"الأسواق وانخفاض أسعار النفط" خلال الأيام الماضية.

والثلاثاء، انخفضت أسعار النفط أكثر من دولار، مواصلة خسائرها للجلسة الثانية إذ أدى انهيار بنك سيليكون فالي إلى هزة في أسواق الأسهم وأثار مخاوف من وقوع أزمة مالية جديدة، حسب "رويترز".

وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت 87 سنتا، أو 1.1 بالمئة، إلى 79.90 دولار للبرميل بحلول الساعة 0345 بتوقيت غرينتش. 

وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 85 سنتا، أو 1.1 بالمئة، إلى 73.93 دولار للبرميل. 

والاثنين، هبط برنت إلى أدنى مستوياته منذ مطلع يناير بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط إلى أدنى مستوياته منذ ديسمبر.

ويقول جمعة إن التأثير الأكبر كان على "الدول المنتجة للنفط والغاز"، نتيجة ارتباط عملتها بالدولار الأميركي.

ويتوقع أن يكون التأثير "أقل حدة" خلال الفترة القادمة مع احتواء الأزمة من قبل الاحتياطي الفدرالي.

وأدى سباق محموم لإعادة تقدير زيادات أسعار الفائدة المتوقعة لاهتزاز الأسواق إذ يراهن المستثمرون على أن يحجم مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) عن رفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، وفقا لـ"رويترز".

ويتوقع المتعاملون حاليا فرصة بنسبة 50 بالمئة ألا يرفع المركزي الأميركي الفائدة في الاجتماع المقبل مع استيعابهم لخفض الفائدة في النصف الثاني من العام. 

وفي مطلع الأسبوع الماضي كانت السوق قد استوعبت تماما رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مع توقعات بنسبة 70 بالمئة أن تبلغ الزيادة 50 نقطة أساس.

هل تتسع الأزمة؟

في 15 سبتمبر 2008، تم الإعلان عن افلاس بنك الأعمال ليمان براذرز  ما أدى إلى أزمة مالية عالمية.

وكانت حينها، أزمة القروض العقارية التي تنطوي على مخاطر تعصف منذ أشهر بالنظام المالي الأميركي والعالمي بالتالي.

ورغم عمليات التأميم، فإن أزمة القروض العقارية أسهمت بدورها في بطء اضافي للنشاط الاقتصادي ودفعت الاقتصادات العالمية الكبرى نحو الانكماش، حسب "فرانس برس".

ويرى كواشي أن هناك "بوادر أزمة مالية عالمية جديدة" بعد إفلاس بنوك أميركية نتيجة أزمة حادة يشهدها الاقتصاد العالمي.

ويشير إلى أن الأزمات المالية تنتقل بين الدول مثل "النار في الهشيم"، متوقعا "توسع واتساع الأزمة".

وقد تتفاقم الأزمة المالية الحالية لتفوق تلك التي شهدها العالم عام 2008، في ظل أزمات "كساد وركود وتضخم" على مستوى العالم حسب حديث كواشي.

من جانبه، يتحدث جمعة، عن "تأثير سلبي متسع للأزمة على جميع الأسواق العربية والخليجية والعالمية".

لكنه لا يتوقع "اتساع الأزمة على غرار ما حدث عام 2008"، مرجعا ذلك لـ"تدخل متوقع مباشر للمركزي الأميركي لاحتواء المشكلة الحالية".

ويتفق معه الديب الذي يتوقع أن "يفرمل الإفلاس" ارتفاعات أسعار الفائدة الأميركية وكذلك الأوروبية والعربية.

ويقول "ستكون الأزمة ذات تأثير محدود على الاقتصاد العالمي الذي اكتسب خبرة وأصبح لديه مناعة"، مستبعدا تكرار سيناريو 2008.

البنك الفدرالي الأميركي خفض أسعار الفائدة - صورة تعبيرية.
البنك الفدرالي الأميركي خفض أسعار الفائدة - صورة تعبيرية.

خفض الاحتياطي الفدرالي الأميركي، الأربعاء، معدل فائدته للمرة الأولى منذ 2020، وذلك بواقع نصف نقطة مئوية بحيث باتت تراوح بين 4,75 و5 في المئة، ويتجه إلى خفض إضافي مماثل بحلول نهاية 2024.

وأوضح المصرف المركزي الأميركي أن "ثقته باتت أكبر" بتراجع التضخم. ولم يتخذ القرار بالإجماع خلال هذا الاجتماع الأخير للاحتياطي قبل الانتخابات الأميركية في الخامس من نوفمبر المقبل، إذ أيدت الحاكمة، ميشيل باومن، خفضا للفائدة بواقع ربع نقطة فقط.

ومن المرجح أن يكون هذا الخفض بمثابة أنباء سارة للمرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، التي تسعى لتسليط الضوء على الإنجازات الاقتصادية للرئيس، جو بايدن، في سباقها ضد المرشح الجمهوري والرئيس السابق، دونالد ترامب، وفقا لفرانس برس.

ويملك الاحتياطي الفدرالي الاستقلالية في تحديد السياسة النقدية على أساس البيانات الاقتصادية فقط.

ولكن من المرجح أن يكون لقراره تداعيات سياسية، نظرا لأهمية مواضيع مثل التضخم وكلفة المعيشة بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، وفقا لفرانس برس.

وانتقد ترامب مرارا رئيس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، الذي عينه، مشيرا إلى أن قرارات البنك سياسية، وهي اتهامات نفاها البنك المركزي الأميركي بشدة.

استغلال سياسي

وذكرت وكالة "بلومبرغ" في تقرير مطول، أن ترامب وهاريس يسعيان لاستغلال قرار خفض معدل الفائدة سياسيا، حيث أشادت هاريس بالخطوة باعتبارها نعمة لأسر الطبقة المتوسطة، بينما لمح ترامب إلى أن الخفض ربما كان بدوافع سياسية.

وسلطت التصريحات حول قرار البنك الضوء على كيف يمكن للبنك المركزي - المؤسسة المستقلة التي تعهد رئيسها جيروم باول بعدم السماح للضغوط السياسية بالتأثير على صنع القرار - أن يؤثر في السباق الرئاسي لعام 2024 قبل سبعة أسابيع فقط من يوم الانتخابات.

كما أكدت التصريحات المتضاربة على المدى الذي أصبح فيه الاقتصاد وأسعار الفائدة بسرعة نقطة محورية في السباق، حيث يسعى كلا الحزبين إلى استخدام هذه الخطوة لتعزيز موقفهما الانتخابي، وفقا لبلومبرغ.

وفي حديثه خلال إحدى محطات حملته الانتخابية في مانهاتن، وصف ترامب الخفض بأنه "رقم غير عادي للغاية".

وقال ترامب: "أعتقد أن هذا يُظهِر أن الاقتصاد سيئ للغاية، بسبب خفض معدل الفائدة بهذا القدر (...) وهذا لعب سياسي (...) لقد كان خفضا كبيرا".

وفي بيان لها، وصفت هاريس القرار بأنه "أخبار سارة بشكل خاص للأميركيين الذين تحملوا وطأة الأسعار المرتفعة". وأظهر ذلك أن حل مشكلة التضخم المرتفع - الذي أثر على الأسر الأميركية بشدة - هو أحد أهم التزاماتها السياسية، وفقا لبلومبرغ.

وأضافت هاريس، سعيا إلى رسم تباين مع أجندة ترامب: "أعلم أن الأسعار لا تزال مرتفعة للغاية بالنسبة لعدة أسر من الطبقة المتوسطة والأسر العاملة، وستكون أولويتي القصوى كرئيسة خفض تكاليف الاحتياجات الأساسية مثل الرعاية الصحية والإسكان والبقالة".

وتابعت "هذا هو عكس ما قد يفعله دونالد ترامب كرئيس. بينما يقترح المزيد من التخفيضات الضريبية للمليارديرات والشركات الكبرى، فإن خطته ستزيد التكاليف على الأسر بنحو 4000 دولار سنويا من خلال فرض ضريبة على السلع والخدمات التي تعتمد عليها الأسر، مثل الغاز والغذاء والملابس".

ومع ذلك، هاجم بعض أنصار ترامب بنك الاحتياطي الفدرالي لتحركه بشأن معدل الفائدة قبل انتخابات نوفمبر، حيث قال الملياردير، جون بولسون، مؤسس صندوق التحوط، وهو مانح رئيسي للمرشح الرئاسي الجمهوري ووزير الخزانة المستقبلي المحتمل إذا عاد ترامب إلى السلطة، إنه يعتقد أن بنك الاحتياطي الفدرالي كان يجب أن "يبقى بعيدا عن السياسة والانتخابات الرئاسية".

وأضاف بولسون: "تقليديا، لم يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة قبل الانتخابات بفترة وجيزة، والمرة الوحيدة التي فعل فيها ذلك هذا القرن كانت في أعقاب الانهيار المالي في عام 2008، والذي تطلب إجراءات دراماتيكية. نحن لسنا في وضع مماثل اليوم".

وتابع: "يثير هذا القرار تساؤلات حول ما إذا كان التوقيت يهدف إلى تعزيز حملة نائبة الرئيس هاريس. يدعي بنك الاحتياطي الفيدرالي أنه لا يتدخل بالسياسة، لكن توقيت الإجراءات يلقي بظلال من الشك على ادعاءاته".

وأشارت بلومبرغ إلى أن الرئيس السابق اتهم بنك الاحتياطي الفدرالي بالعمل ضده من قبل، حيث انتقد رئيسة البنك آنذاك، جانيت يلين، في عام 2016 لإبقائها على أسعار الفائدة منخفضة خلال حملته الانتخابية ضد الديمقراطية، هيلاري كلينتون.

واقترح ترامب أيضا في الأسابيع الأخيرة أن يكون للرؤساء رأي أكبر في تعامل بنك الاحتياطي الفدرالي مع نسب الفائدة والسياسة النقدية - وهي الخطوة التي من شأنها أن تقلب الممارسة القديمة المتمثلة في استقلال البنك المركزي الأميركي عن الجهات الفاعلة السياسية، وفقا لبلومبرغ.

وتجنب الرؤساء الأميركيون لعقود من الزمان انتقاد بنك الاحتياطي الفدرالي علنا بشأن أسعار الفائدة. وقال ترامب، الذي كان ينتقد بنك الاحتياطي الفدرالي بصوت عال أثناء توليه الرئاسة، إنه لن يعيد تعيين باول رئيسا إذا فاز في الانتخابات هذا الخريف.