تباطؤ في النمو الاقتصادي الأميركي واستمرار ارتفاع التضخم. أرشيفية - تعبيرية
تباطؤ في النمو الاقتصادي الأميركي واستمرار ارتفاع التضخم. أرشيفية - تعبيرية

يثير تباطؤ الاقتصاد حول العالم مخاوف من ركود جديد في الوقت الذي يجد فيه الاقتصاديون صعوبة في التنبؤ بالمستقبل بسبب وجود مؤشرات متباينة.

في عام 2022 بدأت التحذيرات من ركود مقبل، بعدما ارتفع التضخم، وبدأ الاقتصاد في دورة تباطؤ بعد سلسلة زيادات في أسعار الفائدة أقرها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، في خطوة تبعتها العديد من البنوك المركزية حول العالم.

ووفق تحليل نشرته صحيفة واشنطن بوست، لم يتحقق الانكماش الاقتصادي بعد مرور أكثر من عام على توقعه، فيما تباطأ التضخم، ومعدلات البطالة تقترب من أدنى مستوياتها في 50 عاما.

وتظهر بيانات صدرت أن النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة تباطأ بشكل ملحوظ منذ بدايةا لعام، إلى معدل سنوي 1.1 في المئة نزولا من 2.6 في المئة في الربع السابق.

ويؤكد التحليل أن خبراء الاقتصاد في حالة انقسام حول ما إذا كانت الولايات المتحدة في حالة ركود، أو ما إذا كانت قادرة على تجنب الركود خلال الأشهر المقبلة، مؤكدين أننا نمر بمنعطف محوري.

النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة

ويشير تحليل لصحيفة نيويورك تايمز إلى أن المستهلكين الأميركيين يبقون الاقتصاد "بعيدا عن الركود" على الأقل في الوقت الحالي.

ويضيف أن جهود الاحتياطي الفيدرالي لتهدئة الاقتصاد أثرت على قطاع الإسكان، فيما تراجع الاستثمار التجاري في المعدات، مؤكدا أن هذا الأمور سببه ارتفاع أسعار الفائدة.

نمو قوي في الوظائف

طلب نشط على التوظيف في الولايات المتحدة. أرشيفية

في أوائل 2020 فقد كثر من 20 مليون أميركي وظائفهم بسبب جائحة كورونا، ولكن بعد ذلك عاد أرباب العمل للتوظيف بحماية مضيفين مئات الآلاف من الوظائف شهريا.

ويبلغ معدل البطالة 3.5 في المئة وهو قرب أدنى مستوياته في نصف قرن.

ورغم ارتفاع التضخم وتباطؤ نمو الأجور، إلا أن المواطنين يشعرون أنه يمكنهم العثور على وظيفة أخرى بسهولة، وهو ما حافظ على حماسهم في الإنفاق.

وانخفضت مطالبات التأمين والضمان بسبب البطالة بنحو 16 الف طلب خلال الأسبوع الماضي، لتصل إلى مستوى 230 ألف طلب، وهو ما يعد من المستويات المنخفضة.

ويتخوف الاقتصاديون من حدوث تدهور اقتصادي يسبب تسريح للعمال، والتي قد تأتي بعد تعاظم الانكماش، فيما يتوقع الاحتياطي الفيدرالي آلا تتجاوز معدلات البطالة 4.5 في المئة خلال العام الحالي.

وخفض صندوق النقد الدولي مطلع أبريل توقعاته للنمو العالمي للعام 2023 بشكل طفيف، مطمئنا في الوقت نفسه إلى أن الاقتصادات الرئيسية ستتجنب الركود، ويتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي هذا العام بنسبة 2.8 في المئة، بانخفاض طفيف عن تقديراته السابقة في يناير.

كما خفض بالنسبة ذاتها توقعاته للنمو الاقتصادي في العام 2024 إذ باتت 3 في المئة مقابل 3.1 في المئة في يناير.

التحفيز الحكومي

تباطؤ في حركة بيوعات المنازل في الولايات المتحدة. أرشيفية

المسألة الأخرى التي يشير إليها تحليل واشنطن بوست تأثير التريليونات غير المسبوقة التي ضختها الحكومة الأميركية في الاقتصاد خلال جائحة كورونا، إذ حصلت العائلات على نقود مباشرة، وحصل أرباب العمل على قروض منخفضة الفائدة.

ويرجح اقتصاديون أن تأثير هذا التحفيز الحكومي استمرت نتائجه حتى في الربع الأول من عام 2023، إذ ساهم الانفاق الحكومي في دعم الاقتصاد.

ورغم الوفرة في السيولة التي تمتع بها الاقتصاد الأميركي خلال الفترة الماضية، إلا هناك دلائل على أن الأميركيين يكبحون إنفاهم على السلع غير الأساسية، وأصبحوا يحتفظون بسيارات وأثاث منازلهم لفترات أطول.

وقال اقتصاديون إنه من غير الواضح إلى متى سيستمر النشاط في قطاعات الخدمات، ولكن الأنباء عن التسريحات الجماعية وإخفاقات بنوك في القطاع المصرفي وتحذيرات الركود، ستدفع المواطنين للحذر أكثر في إنفاقهم حتى لا يتخلفوا على السداد، وفق تقرير نيويورك تايمز.

السفر والخدمات

نشاط كبير في حركة السفر حول العالم. أرشيفية

تراجعت حركة التصنيع في الاقتصاد الأميركي واقتصادات أخرى لأدنى مستوى في ثلاث سنوات، فيما شهدت قطاعات السفر والخدمات حركة نشطة.

وتكشف البيانات أن الأميركيين استمروا في الإنفاق في المطاعم والحانات بزيادة نسبتها 13 في المئة في مارس الماضي، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.

ونتيجة لهذه النشاطات بدأت الفنادق والمتاحف والمطاعم في التوظيف لمواكبة الطلب على الخدمات، وهو ما دعم حركة التوظيف في الولايات المتحدة.

وتشير نيويورك تايمز في تقرير آخر إلى أن التضخم المرتفع قبل عامين ارتبط بجائحة كورونا، تلاها تأثيرات الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة، ورغم تجاوزها أسوأ مرحلة من ارتفاع الأسعار خلال نصف قرن إلا أن طريق العودة إلى الوضع الطبيعي السابق طويلة وغير مؤكدة.

وما زالت معظم البلدان بعيدة عن استعادة وضعها الطبيعي بحسب صندوق النقد، لا سيما بسبب التضخم الذي يتوقع أن يبقى مرتفعا في 2023 مسجلا حوالي 7 في المئة على الصعيد العالمي، من دون الأخذ بالاعتبار أسعار المواد الغذائية والطاقة التي هي بطبيعتها أكثر تقلبا، ما يجعل التضخم الأساسي غير قابل للتحديد بدقة.

مؤشرات عالمية أفضل من المتوقع

صندوق النقد يعدل توقعاته للنمو الاقتصادي. أرشيفية

ليس الاقتصاد الأميركي وحده من تمكن من تجنب الركود حتى الآن، إذ كانت الاقتصادات الرئيسية الأخرى في أوروبا وآسيا تحقق مؤشرات أفضل من المتوقع على الرغم من جائحة كورونا وتأثيرات الحرب الروسية.

وقال بيير أوليفييه جورنشاس، وهو مسؤول في صندوق النقد الدولي "إن التوقعات أقل كآبة مما كانت عليه توقعاتنا الماضية.. نحن لا نشهد ركودا عالميا في الوقت الحالي".

وأضاف في بيان "لا يزال الاقتصاد العالمي يتعافى من الاضطرابات غير المسبوة خلال السنوات الثلاث الماضية، والاضطرابات في القطاع المصرفي زادت من حالة عدم اليقين".

وعلى الرغم من هذه الأوضاع رفع الصندوق توقعاته بالنسبة للولايات المتحدة خلال العامين 2023 و2024، مقدرا أن يشهد اقتصادها نموا بنسبة 1.6 في المئة في 2023 بزيادة 0.2 نقطة عن تقديراته السابقة، و1.1 بالمئة في 2024.

وتوقع الصندوق أن تتمكن منطقة اليورو من تحقيق معدلات نمو أفضل قليلا من المتوقعة سابقا في 2023، وذلك بفعل ارتفاع النمو في إسبانيا وإيطاليا.

ولا تزال ألمانيا تلامس حالة الركود، فبعدما كان الصندوق يتوقع في يناير أن يسجل أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي نموا طفيفا هذا العام باتت بياناته المحدثة تتوقع أن يشهد الاقتصاد الألماني انكماشا طفيفا.

وسيؤدي النمو الصيني مرة أخرى دورا في دفع النمو العالمي في 2023. وسينمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم هذا العام بنسبة 5.2 في المئة، على أن يتباطأ هذا النمو في 2024 إلى 4.5 في المئة. وستكون هذه النسبة الأضعف في الصين خلال الثلاثين عاما الماضية، باستثناء العام 2020 الذي شهد انتشار الوباء، والعام 2022 حين طبقت سياسة "صفر كوفيد".

ديفيد ساكس هو الرئيس التنفيذي السابق لشركة Zenefits" للبرمجيات، ومؤسس شبكة Yammer، والرئيس التنفيذي السابق لشركة Pay Pal
ديفيد ساكس هو الرئيس التنفيذي السابق لشركة Zenefits" للبرمجيات، ومؤسس شبكة Yammer، والرئيس التنفيذي السابق لشركة Pay Pal

قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إنه سيعين، ديفيد ساكس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة باي بال، ليكون "مستشار البيت الأبيض للتكنولوجيا والذكاء الصناعي والعملات الرقمية".

وفي منشور على موقعه على وسائل التواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" قال ترامب: "يسعدني أن أعلن أن ديفيد أو. ساكس سيكون "قيصر الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة في البيت الأبيض". 

وأضاف أنه "وفي هذا الدور المهم، سيوجه ديفيد سياسة الإدارة في مجال الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، وهما مجالان حاسمان لمستقبل القدرة التنافسية الأميركية".

ووفق ترامب،  "سيركز ديفيد على جعل أميركا القائد العالمي الواضح في كلا المجالين. وسيحمي حرية التعبير عبر الإنترنت".

وقال ترامب إن ساكس سيعمل على وضع إطار قانوني "حتى تتمتع صناعة العملات المشفرة بالوضوح الذي كانت تطلبه، ويمكنها الازدهار في الولايات المتحدة. وسيقود ديفيد أيضا المجلس الرئاسي للمستشارين للعلوم والتكنولوجيا".

وكان ترامب، الذي وصف العملات الرقمية في وقت سابق بأنها "احتيال"، قد تبنى الأصول الرقمية خلال حملته الانتخابية، واعدًا بجعل الولايات المتحدة "عاصمة العملات الرقمية في العالم"، وجمع مخزون وطني من البيتكوين.

وتجاوزت عملة البيتكوين حاجز الـ100,000 دولار لأول مرة مساء الأربعاء، وسط توقعات بأن إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، ستوفر بيئة تنظيمية مواتية لسوق العملات المشفرة.

ساكس هو أيضًا الرئيس التنفيذي السابق لشركة "زينفيتس Zenefits" للبرمجيات، ومؤسس "يامر Yammer"، وهو شبكة اجتماعية موجهة للمستخدمين في الشركات.

وزادت قيمة بتكوين بأكثر من الضعف هذا العام وارتفعت بنحو 45 بالمئة منذ فوز ترامب في الانتخابات، الذي صاحبه أيضا انتخاب عدد كبير من المشرعين المؤيدين للعملات المشفرة في الكونغرس.

وتسعى العديد من شركات العملات المشفرة، بما في ذلك "ريبل" و"كراكن" و"سيركل"، للحصول على مقعد في المجلس الاستشاري للعملات المشفرة الذي وعد به ترامب، بهدف التأثير على خططه لإصلاح سياسات الولايات المتحدة المتعلقة بالقطاع.

وقد يكون لترامب نفسه مصلحة في هذا القطاع. ففي سبتمبر، أعلن عن إطلاق عمل تجاري جديد في مجال العملات المشفرة يحمل اسم "World Liberty Financial".

وعلى الرغم من قلة التفاصيل حول المشروع، إلا أن المستثمرين اعتبروا اهتمام ترامب الشخصي بالقطاع مؤشرا إيجابيا.

وحتى الملياردير إيلون ماسك، الحليف الرئيسي لترامب، يُعد من الداعمين للعملات المشفرة.

وشهدت عملة "البيتكوين" انتعاشا سريعا بعد تراجعها إلى أقل من 16 ألف دولار في أواخر عام 2022، مدعومة بالموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة الخاصة بعملة البتكوين المدرجة في الولايات المتحدة في يناير من هذا العام.