صورة تعبيرية من محل لبيع الذهب في العاصمة المصرية القاهرة
صورة تعبيرية من محل لبيع الذهب في العاصمة المصرية القاهرة

سجلت أسعار الذهب في مصر مستويات تاريخية غير مسبوقة، خلال الأيام الأخيرة، بينما كشف مختصون لموقع "الحرة" أسباب ذلك الارتفاع، وتوقعاتهم بشأن سعر المعدن النفيس خلال الفترة المقبلة.

وفي تعاملات الأحد، سجل سعر غرام الذهب من عيار 21، الذي يعد الأكثر مبيعا في مصر، 2650 جنيها، بدلا من 2600 جنيها، بارتفاع 50 جنيها خلال يوم واحد، وفقا لـ"وسائل إعلام مصرية".

ويتم تداول الغرام من عيار 24 عند سعر 3028 جنيه، ويبلغ سعر الغرام عيار 18 قرابة 2271 جنيها، وسجل سعر جنيه الذهب 21300 جنيه.

سابقة تاريخية

في حديثه لموقع "الحرة"، يكشف المدير التنفيذي لشركة ذهب مصر، فادي كامل، أن أسعار الذهب قفزت بالأسواق المصرية بنسبة 21.4 بالمئة خلال تعاملات شهر أبريل 2023، في وقت ارتفعت الأوقية بنسبة تقارب 1 بالمئة بالبورصة العالمية.

ويوضح كامل أن أسعار الذهب ارتفعت بقيمة 470 جنيها بالأسواق المصرية خلال تعاملات شهر أبريل، في سابقة هي الأولى في تاريخ مصر.

وحسب كامل فقد افتتح غرام الذهب عيار 21 التعاملات الشهرية عند مستوى 2200 جنيه، ولامس مستوى 2900 جنيه، واختتم تعاملات الشهر عند مستوى 2670 جنيها.

بينما ارتفعت الأوقية بقيمة 20 دولارا بالبورصة العالمية، حيث افتتحت التعاملات عند مستوى 1970 دولارا، ولامست مستوى 2010 دولارات، اختتمت التعاملات عند مستوى 1990 دولارا، وفقا لكامل.

والجمعة، انخفض الذهب في المعاملات الفورية 0.3 بالمئة إلى 1982.65 دولار للأونصة لكنه ظل مرتفعا 0.8 بالمئة لشهر أبريل، وفقا لـ"رويترز".

وارتفع الذهب إلى أعلى مستوى في عام، حين بلغ سعر الأونصة 2048.71 دولار في منتصف أبريل.

ما الأسباب؟

وفي تصريحات لموقع "الحرة"، يعدد الخبير الاقتصادي المختص بأسواق الذهب، وليد فاروق، أسباب الارتفاع التاريخي لسعر المعدن النفيس.

ويقول إن أسعار الذهب ترتبط بثلاثة عوامل هي "البورصة العالمية، وسعر صرف الدولار في السوق الرسمية، والعرض والطلب بالسوق المحلية".

ويوضح أن الحكومة المصرية أوقفت استيراد الذهب نتيجة نقص العملة الصعبة في السوق المحلية، وتسبب ذلك في تحول السوق المصري من "مفتوحة إلى مغلقة".

وبعدما تحولت السوق المصرية إلى "مغلقة"، بات المتنفس الوحيد هو "التهريب من السوق السودانية"، وكان يدخل مصر ما بين 50 إلى 100 كيلو غرام من الذهب يوميا من السودان، وفقا لحديث فاروق.

ويؤكد أنه بعد اندلاع الاشتباك والاقتتال في السودان "توقف ذلك المتنفس تماما"، مما زاد "الانغلاق داخل السوق المصري"، فأصبح من يمتلك الذهب هو القادر على تسعيره.

ومع تراجع سعر صرف الجنيه، بات الذهب "الملاذ الآمن" لغالبية المصريين، مما زاد من حالة الطلب على المعدن النفيس، وسط قله ونقص المعروض، حسبما يوضح فاروق.

وتعاني مصر، من أزمة خانقة في العملة الصعبة أدت إلى انخفاض الجنيه بنسبة تقارب 50 بالمئة مقابل الدولار.

ومنذ 9 مارس 2023، يتم تداول العملة المصرية، عند حوالي 30.90 للدولار، بينما يبلغ سعرها في السوق الموازية "السوداء" نحو 36 جنيه مقابل الدولار، وفقا لـ"رويترز".

تلاعب وسوق موازية؟

يرى كامل أن أسعار الذهب بالسوق المصرية تسير وفقا لـ"فوضى منظمة"، متحدثا عن "شبهة تلاعب في الأسعار".

ويقول إن الذهب خرج من كونه سلعة مسعرة وفقا لعوامل محددة، مثل السعر العالمي وسعر صرف الدولار بالسوق المحلي، إلى سلعة تخضع لأهواء العرض والطلب.

ويشير إلى "عدم توافر بيانات وإحصائيات حقيقية، ترصد عدد محلات الذهب، وحجم عمليات البيع والتداول في الأسواق".

وتسبب ذلك في ظهور سوقا موازية غير رسمية لتجارة الذهب "لا يمكن حصر حجم إنتاجها"، وفقا لحديثه.

ويتفق معه فاروق الذي يشير لوجود "سوق موازية لتجارة الذهب".

ويقول "الحكومة تستفيد من الوضع الحالي، بمضاربة البعض في الذهب بعيدا عن الدولار في ظل نقص العملة الصعبة".

ويتحدث فاروق عن "احتكار بعض التجار للسوق وتلاعبهم بأسعار المعدن النفيس".

ويلجأ بعض كبار التجار إلى "تخفيض أسعار الذهب لدفع المواطنين لبيع ما بحوزتهم من المعدن النفيس، قبل أن يقوموا بإعادة بيعه بسعر أكبر، مما حول السوق المصري إلى مزاد"، وفقا لحديثه.

ويشير فاروق إلى أن تلك الأسباب مجتمعة جعلت "عيار الذهب يفلت في مصر".

بيع أم شراء الذهب؟

وينصح كامل المواطنين بـ"عدم بيع ما بحوزتهم من ذهب، إلا للضرورة، نظرا لارتفاع متوقع جديد لأسعار المعدن النفيس باعتباره الملاذ الآمن في الوقت الحالي".

ويتفق معه فاروق، الذي ينصح المواطنين بـ"شراء الذهب" لكن دون التعجل عند الإقدام على ذلك.

ويقول "أسعار الذهب غير مستقرة، ويمكن للمواطن الإقدام على الشراء عند انخفاض السعر".

ويمكن للمواطنين شراء "مشغولات ذهبية أو سبائك، حسب حاجة واستعمال كل شخص، نظرا لعدم وجود فروق كبيرة في سعر المصنعية"، حسب فاروق.

زيادة جديدة؟

يرجح كامل تزايد معدلات الطلب على المعدن النفيس الفترة المقبلة، مما سوف يتسبب في ارتفاع جديد لسعر الذهب.

ويتفق معه فاروق الذي يتوقع ارتفاع جديد لأسعار الذهب في السوق المصرية.

المصرف المركزي أمام مهمة صعبة لدعم استقرار العملة. أرشيفية
المصرف المركزي أمام مهمة صعبة لدعم استقرار العملة. أرشيفية

"تحسن" أداء سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار في الأيام الماضية يثير "القلق" والريبة.. لماذا؟ لأنه غير مبني على متغيرات اقتصادية، وأشبه ما يكون بـ"لعبة مضاربات"، وفق خبراء اقتصاد.

ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر، وصل سعر صرف الدولار الواحد في سوريا إلى ذروته، حيث بلغ أكثر من 15 ألف ليرة، لكن شيئًا فشيئًا بدأ بالهبوط ليصل إلى ما دون 7 آلاف و500 ليرة قبل أيام، أي بنسبة هبوط بلغت 50 في المئة.

الصعود، ومن ثم الهبوط المفاجئ، وصولًا إلى استقرار سعر الصرف عند حد 9 آلاف و500 ليرة صباح الخميس، جعل هذه القضية الشغل الشاغل للسوريين، وليس المقيمين في داخل البلاد فحسب، بل أولئك الموجودين في الخارج.

السوريون في الداخل لم يتغير عليهم شيء على صعيد أسعار المواد التي يحتاجونها، رغم "التحسن" الذي لمسوه فجأة في سعر العملة.

وكذلك الأمر بالنسبة للمقيمين في الخارج، إذ بات لزامًا على هؤلاء زيادة قيمة الحوالة التي كانوا يرسلونها لعائلاتهم في السابق بالدولار.

ويفسر البعض أن "التحسن" الذي طرأ على سعر الليرة السورية مرده "الظروف السياسية"، بدءًا من الرفع الجزئي للعقوبات، ووصولًا إلى الوفود التي قدمت إلى دمشق، وما حصل من اعتراف بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.

ورغم أن العوامل السياسية تؤثر إيجابًا على سعر الصرف، إلا أنه عندما يكون التذبذب ضمن "هوامش كبيرة" صعودًا وهبوطًا، "لا يمكن تفسير التغير إلا بحدوث مضاربات قوية على الليرة السورية"، بحسب وزيرة الاقتصاد السابقة في سوريا، لمياء عاصي.

وقالت عاصي: بما أنه لم تطرأ أية متغيرات اقتصادية كبيرة في الأيام الماضية تقود الليرة إلى التحسن، ولم نرَ أسبابًا منطقية أخرى، فإن "أي ارتفاع في سعر الليرة سيكون ضد مصالح المنتجين السوريين، وسيضعف قدرتهم على منافسة البضائع المستوردة".

وأضافت: "والأثر السلبي الذي ينعكس على المنتجين يأتي في ظل السماح بالاستيراد من تركيا بدون تعرفة جمركية".

"ستحل المستوردات محل المنتج المحلي، وهذا ما يسبب إغلاق أبواب كثير من المنشآت الصناعية والزراعية وغيرها، وتسريح آلاف العمال"، كما سيخسر المواطنون مدخراتهم نتيجة بيع الدولار بسعر منخفض، بحسب عاصي.

قبل السقوط.. بلغة الأرقام

بالعودة إلى الوراء، وفي السنوات التي سبقت اندلاع الثورة في سوريا، عانى الميزان التجاري في البلاد من عجز متنامٍ، كما يشير المحلل الاقتصادي، محمد الفتيح.

وكان مسار العجز كالآتي:

قفز من حوالي 570 مليون دولار في 2006 إلى 3.1 مليارات دولار في 2007.

من 3.7 مليارات في 2008 إلى 5.75 مليارات دولار في 2009.

ثم إلى 6.2 مليارات دولار في 2010، وذلك بحسب بيانات البنك الدولي، التي لا توفر معطيات دقيقة لفترة 2011 وما بعدها.

ويوضح الفتيح لموقع "الحرة" أن تنامي العجز التجاري في تلك الفترة كان نتيجة التراجع الحاد في صادرات النفط السورية وصادرات القمح والمنتجات الزراعية الخام، نتيجة الجفاف الذي ضرب البلاد منذ عام 2008.

وكانت صادرات المواد الخام (النفط والمنتجات الزراعية) تشكل ما بين 40 و45 في المئة من إجمالي الصادرات السورية، وبقيت الليرة السورية في تلك الفترة مستقرة فقط بفضل تحويلات المغتربين السوريين.

الفتيح يؤكد أن التذكير بالواقع في فترة ما قبل الثورة ضروري لفهم أن الليرة السورية كانت ستواجه أزمة في قيمتها حتى لو لم تحصل الثورة.

ويضيف أن وتيرة انهيار الليرة خلال الثورة، من مستوى 45 ليرة أمام الدولار، ووصولها في الأيام السابقة لسقوط نظام الأسد إلى مستوى 15 ألفًا، كانت نتيجة التنامي الكبير في عجز الميزان التجاري السوري.

وكان العجز يُقدَّر بحوالي 6 إلى 10 مليارات دولار سنويًا، فضلًا عن تأثير العقوبات والحرب والتراجع الحاد في الإنتاج الزراعي والصناعي.

ماذا جرى بعد الأسد؟

ومع سقوط النظام، ارتفعت الليرة إلى مستوى 13 ألفًا في نشرة الأسعار الرسمية للمصرف المركزي، وذلك منذ أواخر ديسمبر 2024.

وتابعت على ذات المسار في السوق الموازي منذ مطلع يناير، وفقًا للفتيح.

يشرح المحلل الاقتصادي أن "التحسن" الذي طرأ على سعر الصرف الرسمي والموازي جاء نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية.

يرتبط العامل الأول بتوقف عجلة الاستيراد الحكومي والخاص، ورفع القيود عن التحويلات الخارجية، وإتاحة تداول الدولار بدون قيود أو ملاحقة أمنية. وهذا المشهد يشبه تمامًا ما حصل في السودان في 2019، بحسب المحلل.

ففي الأيام السابقة للإطاحة بالرئيس المخلوع، عمر البشير، في 11 أبريل 2019، كان السعر الرسمي للدولار حوالي 45 جنيهًا، بينما يصل السعر في السوق الموازي (المحظور رسميًا) إلى 72-73 جنيهًا.

وفي الأيام التالية لسقوط البشير، انهار السعر في السوق الموازي ليطابق السعر الرسمي. وبقي الحال هكذا لعدة أشهر، ولكن الدولار عاد ليرتفع ويصل إلى 90 جنيهًا سودانيًا مع نهاية العام.

كان الانخفاض مؤقتًا ونتيجة توقف عجلة الاستيراد في السودان، فضلًا عن حصول السودان على مساعدات عينية ومالية كبيرة في الأسابيع التالية لسقوط البشير.

وفي 21 أبريل 2019، دعمت السعودية والإمارات السودان بـ3 مليارات دولار، منها 500 مليون دولار وديعة في المصرف المركزي السوداني، وعُقد سريعًا، في 17 مايو 2019، مؤتمر أصدقاء السودان بحضور دول أوروبية وعربية.

ولكن مع عودة الاستيراد لمستوياته الطبيعية في الأشهر التالية لسقوط البشير، وعدم تنامي المساعدات الدولية، عاد الجنيه السوداني للهبوط.

ما الرابط بين سوريا والسودان؟

الحالة التي عاشها السودان تشبه تمامًا الوضع في سوريا، مع اختلاف جوهري يتمثل في عدم حصول البلاد على أي تعهدات علنية بالمساعدات المالية وعدم عقد مؤتمر للأصدقاء.

ويُضاف إلى ما سبق أن العقوبات المفروضة على سوريا هي أكثر تعقيدًا وبأشواط مما كانت عليه في حالة السودان.

ولا تزال عمليات الاستيراد الكبيرة في سوريا متوقفة، ولم يتم حتى الآن توريد أي شحنة نفط بحرية، كما لم تتجاوب شركات النفط العالمية مع طلب الحكومة السورية الشهر الماضي توريد ما يصل إلى حوالي 6.2 مليون برميل من النفط الخفيف والثقيل والمشتقات النفطية خلال هذا الشهر.

ومثل هذه الشحنة كانت ستكلف ما بين 450 و600 مليون دولار، وهي تمثل الاستهلاك الشهري أو لفترة 6 أسابيع مع التقنين. كما لم يتم عقد صفقات كبيرة لتوريد السكر والأرز وغيرها من المواد الحيوية للاستهلاك السوري، بحسب الفتيح.

ومن ناحية أخرى، يوضح المحلل الاقتصادي أن العامل الثاني الذي يقف وراء تذبذب سعر صرف الليرة السورية الآن يتعلق بالسياسة المالية للحكومة السورية الجديدة، التي قيدت، بشكل مباشر وغير مباشر، السيولة المالية بالليرة السورية.

وأشار الفتيح إلى حصول تأخير كبير في تسليم الرواتب للموظفين (رواتب شهر فبراير لم تُسلَّم حتى الآن، على الأقل حتى تاريخ 5 فبراير).

وقال: "قيدت الحكومة الجديدة السحوبات المالية من الحسابات في المصارف الحكومية والخاصة بسقوف تبلغ في المتوسط 500 ألف ليرة سورية يوميًا، كما أن الشركات لا تستطيع تحريك حساباتها المصرفية لسداد التزاماتها، وحتى شركات التأمين (بأنواعها المختلفة، وخصوصًا الصحي منها) لا تستطيع السداد".

وأضاف أن "تقييد السيولة المالية في هذه المؤسسات جعل الأسواق والصرافين غير المرخصين هم المصدر الوحيد للحصول على الليرة السورية، مما رفع سعرها مقابل الدولار".

"أيدٍ خفية وتجفيف سيولة"

وثمة مظاهر غير مفهومة تجري في دمشق، مثل انتشار الصرافين على البسطات.

وتساءلت وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي: "كيف تنتشر مثل هذه البسطات ولصالح من تُجمع الدولارات؟".

وتتابع: "وبعد انتشار هذه البسطات (غير المرخصة)، لماذا فرض البنك المركزي رسوم ترخيص على شركات الصرافة 20 مليون دولار، وعلى مكاتب الصرافة مبلغ مليون دولار!.. ثمة أسئلة وشكوك حول هذا الموضوع".

ومن جانب آخر، تشير عاصي إلى أن البنك المركزي السوري قام خلال الأيام الماضية بتجفيف السيولة بأكثر من طريقة، وهو عامل أساسي يُضاف إلى ما يحصل على صعيد التذبذب في سعر صرف الليرة.

ومن بين هذه الطرق، كما تستعرضها عاصي:

  • احتفاظ المركزي السوري بأموال التجار التي وضعوها في المنصة التي كانت تمول المستوردات للحصول على ما يحتاجونه من الدولار، وقد وصلت تلك المبالغ إلى مئات المليارات من الليرة السورية، وقال المصرف إنه لن يفرج عنها قبل ستة أشهر.
  • البنك المركزي لا يزود البنوك بالسيولة اللازمة، ولا يسمح بسحب مبالغ من الأرصدة المودعة في البنوك العاملة بأكثر من 300 - 400 ألف ليرة سورية يوميًا، مع العلم أنه متوقف عن تزويد البنوك بالسيولة اللازمة لها.
  • توقف الحكومة عن صرف الرواتب للموظفين لأكثر من شهرين، مما ساهم في تراجع عرض الليرة السورية، ودفع سعر صرفها إلى الارتفاع وسعر الدولار إلى الانخفاض.
    تسريح عدد كبير من الموظفين وتوقف رواتب العسكريين بسبب حل جيش النظام السوري، وبالتالي أصبح هناك مبالغ كبيرة تم التوقف عن ضخها.

"مضاربات"

لا تقتصر الأسباب على ما سبق فقط، إذ يضيف إليها المحلل الاقتصادي الفتيح سببًا آخر يتعلق بعمليات المضاربة على الليرة والدولار.

ويوضح أن المضاربة الحاصلة تستفيد من القيود على السيولة المالية وعدم تدخل الحكومة في عمل شركات الحوالات، التي كانت مُلزَمة سابقًا بتسليم الحوالات بالسعر الرسمي للمصرف المركزي، ولكنها باتت تسلم وفق السعر في السوق الموازي.

وبالرغم من إعلان الحكومة في ديسمبر أن الحوالات يمكن أن تُسلَّم بالدولار، فإن شركات الحوالات ترفض التسليم بالدولار بالرغم من وفرته المفترضة في الأسواق. وعمليات المضاربة هذه وصلت إلى مستويات قياسية في الأيام الأخيرة، وفقًا للمحلل الاقتصادي.

ويضيف أنه وبعد إغلاق السوق في 3 فبراير، كان الدولار عند مستوى 30 ألفًا (شراء) و39 ألفًا و200 (مبيع).

وهبط خلال 4 فبراير ليغلق عند مستوى 7500-7700، أي بانخفاض 16 في المئة في يوم واحد.

وفي اليوم التالي، قفز ليعود إلى 9000-9200 مع الإغلاق (ارتفع 20 في المئة)، مع تداوله لفترة عند مستوى 9600-9800 ليرة.

اللافت أن الانخفاض يوم 4 فبراير حصل بالتزامن مع ارتفاع الدولار الأميركي في الأسواق العالمية ووصوله إلى مستويات قياسية، كما يتابع الفتيح.

ويشير إلى تركيا المجاورة لسوريا، حيث هبطت الليرة فيها إلى مستوى 36 ليرة للدولار للمرة الأولى على الإطلاق، وزاد: "وهذا ما يؤكد أن ما حصل في الأيام الأخيرة في الأسواق السورية هو مضاربة صريحة".

متى تخرج الليرة من "الفقاعة"؟

ولا توجد حتى الآن أي إجراءات فعلية من شأنها أن تدفع بالعجلة الاقتصادية لسوريا إلى الأمام.

وبعد سقوط نظام الأسد، بدت البلاد وكأنها وُلِدَت من جديد، لكن دون أي مقومات أو ركائز من شأنها أن تساعدها على النمو.

وحتى يكون تحسن الليرة السورية مستدامًا، يجب أن يكون ناجمًا عن ازدياد الإنتاج والتصدير فعلًا أو اكتشاف ثروات باطنية بكميات كبيرة تُشكل موارد عامة إضافية لخزينة الدولة، تقول وزيرة الاقتصاد السابقة عاصي.

وتردف: "وحتى يُعتبر سعر الصرف مرنًا حقًا، فإنه يجب أن ينجم عن توازن العرض والطلب على العملة الأجنبية، بدون أي تدخل من المركزي في سعر الدولار أو العملات الأخرى أو بلجم السيولة في الأسواق.. وبشرط أن يكون المركزي قادرًا على البيع والشراء بأسعاره المُعلَنة".

ويعتقد المحلل الاقتصادي الفتيح أن "مستقبل الليرة السورية سيبقى باتجاه الانخفاض، نتيجة عدة عوامل"، أولها فاتورة الاستيراد التي سترتفع بشكل حاد في المرحلة المقبلة.

ويرتبط العامل الثاني بارتفاع فاتورة استيراد الطاقة، خاصة أن سوريا ستحتاج الآن، مع رفع التقنين وعودة الحياة الطبيعية، لما بين 4 و6 ملايين برميل نفط شهريًا.

وتشدد عاصي على أن التحسن في سعر الليرة السورية الآن "قلق وغير مستقر أو مستدام وغير مستند إلى عوامل أو مقومات اقتصادية".

وتضيف أنه "لا يمكن اتخاذ قرارات استثمارية بناءً على أسعار الصرف الحالية".

"لا بد من الاحتفاظ بالمدخرات بأصول متنوعة للحفاظ على القيمة الحقيقية لها، وذلك لتجنب الخسائر المتوقعة فيما إذا حصل عرض كافٍ لليرة السورية في الأسواق"، بحسب ما تؤكد عليه وزيرة الاقتصاد السابقة لموقع "الحرة".