شارفت زيادة أسعار الفائدة ضمن إطار خطة التشديد النقدي لكبح التضخم في الولايات المتحدة الأميركية على نهايتها، لكن الإجماع بشأنها بات أكثر صعوبة وسط الأسعار التي لا تزال مرتفعة وشبح الركود الاقتصادي الذي يلوح في الأفق، وفق ما جاء في تقرير لبلومبرغ.
وذكر التقرير أنه بعد تحقيق رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم بأول، إجماعا شبه كامل على رفع أسعار الفائدة بقوة، سيكون الحفاظ على هذا الاتفاق أكثر صعوبة بعد اقتراب "مسيرة" الزيادات من نهايتها.
وتضامن أعضاء الفيدرالي إثر ارتفاع معدل التضخم إلى 9 في المئة، خلال العام الماضي، من أجل كبح ضغوط الأسعار. إلا أن بلومبرغ تقول إنه، مع توقع زيادة أخرى على الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، الأربعاء، والتي ربما تكون الزيادة النهائية، فإن هذا الإجماع بين الأعضاء بات هشا إذ تظهر علامات الانقسام بين الأعضاء، حسب الوكالة.
وتابع التقرير أن ذلك يأتي في حين لا يزال التضخم مرتفعا للغاية، فيما يرى أعضاء الاحتياطي الفيدرالي، والعديد من الاقتصاديين من القطاع الخاص، ركودا اقتصاديا خلال الأشهر المقبلة.
وتروي بلومبرغ أنه منذ تهديد كورونا للاقتصاد الأميركي خلال أوائل عام 2020، حصل باول على أكثر من 98 في المئة من أصوات لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية لصالح سياساته، وذلك لتحفيز النمو خلال فترة الركود ثم محاربة التضخم في العام الماضي.
لكن التقرير يشير إلى اتجاه لتغير هذا الوضع، في ظل تزايد احتمالية توسع المعارضة بوجه سياسات باول، وذلك لأن أدوات محاربة التضخم أو ارتفاع نسبة البطالة أصبحت أكثر إثارة للقلق.
وأشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى أن لجنة السوق الفدرالية المفتوحة سترفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة أخرى في اجتماعها خلال 2-3 مايو إلى نطاق من 5 في المئة إلى 5.25 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2007، بحسب بلومبرغ.
وإضافة إلى ذلك، يتعرض الاقتصاد لضربة بسبب تشديد الائتمان في أعقاب فشل مصرف سيليكون فالي وسيغنتشر بنك، وتلفت الوكالة أيضا إلى أن عدم اليقين الكبير الآخر في البلاد هو سقف الديون الأميركية الذي يلوح في الأفق.
وتتوقع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أن ترتفع البطالة إلى 4.5 في المئة في نهاية العام من 3.5 في المئة في مارس، وهي زيادة يقول البعض إنها تشير إلى الركود الاقتصادي. ومع بدء حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بالفعل، سيكون بنك الاحتياطي الفيدرالي تحت ضغط أكبر بشأن خياراته، وفق بلومبرغ.
ويتابع التقرير أنه بمواجهة تحديات فقدان الوظائف بسبب سياسة التشديد النقدي وما ينتج عنها من ركود، أصر باول على أن الاحتياطي الفيدرالي لن يخفف سياسته النقدية قبل الأوان ولن ينهي معركة التضخم حتى يتأكد من أن ارتفاع الأسعار يتجه إلى هدفه البالغ 2 في المئة، رغم ارتفاع معدل البطالة.
وساهم انخفاض أسعار الطاقة إلى حد كبير في الحد من التضخم خلال مارس في الولايات المتحدة، لكن ذلك ربما لا يكون كافيا لمنع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من رفع معدلات الفائدة من جديد، وفق تقرير سابق لفرانس برس.
وتقول الوكالة الفرنسية إنه حسب مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي "بي سي إي" الذي نشرت وزارة التجارة الأرقام المتعلقة به، الجمعة، بلغ التضخم 4,2 في المئة في مارس في تراجع كبير عن الشهر الذي سبقه (5,1 في المئة) وأصبح في أدنى مستوى منذ سنتين.
وخلال شهر واحد فقط، تباطأ ارتفاع الأسعار أيضا وبلغ 0,1 في المئة وهذا يتطابق مع توقعات المحللين، كما ذكر الموقع الإلكتروني "بريفينغ.كوم".
لكن التضخم الأساسي الذي لا يشمل أسعار المواد الغذائية والطاقة ويشكل البيانات التي يراقبها بشكل خاص الاحتياطي الفيدرالي، سجل انخفاضا بدرجة أقل إلى 4,6 في المئة خلال عام واحد، مقابل 4,7 في المئة في الشهر السابق، ويتجاوز الآن التضخم. وخلال شهر واحد بلغ التضخم الأساسي 0,3 في المئة أي كما كان في فبراير، حسب فرانس برس.
ورأت كبيرة الاقتصاديين في مجموعة "اتش أف إي"، روبيلا فاروقي، في حديث لفرانس برس أن "التضخم الأساسي يتباطأ بشكل طفيف لكنه ما زال أعلى بكثير من الهدف" الذي حدده الاحتياطي الفيدرالي، معتبرة أن مسار الشهر الماضي ما زال غير كاف لدفع المؤسسة إلى انتظار ارتفاع آخر.
وتذكر فرانس برس أن الاحتياطي الفيدرالي الذي يقوم بمهام البنك المركزي يريد في الواقع إعادة التضخم إلى هدفه المحدد بـ2 في المئة خلال عام واحد.
وحتى الآن، كانت الأسعار مدفوعة بشكل رئيسي بالصدمات الخارجية وتأثيرها على المواد الخام والمواد الغذائية، وحسب فرانس برس، كان للطاقة خصوصا تأثير مباشر على الارتفاع الشامل. وبشكل أعم، عادت أسعار المنتجات إلى المستويات المقبولة بزيادة نسبتها 1,6 في المئة على مدى عام واحد.
ويضيف تقرير الوكالة أن التضخم الآن على قطاع الخدمات التي ما زالت أسعارها تشهد تضخما بنسبة 5,5 في المئة وإن كان الاتجاه، هنا أيضا، يتباطأ مقارنة بالشهر السابق (5,8 في المئة).
وكل ذلك يفترض أن يدفع الاحتياطي الفيدرالي الذي ستجتمع لجنته النقدية الأسبوع المقبل إلى مواصلة رفع أسعار الفائدة التي تبلغ حاليا بين 4,75 في المئة و5 في المئة، مقابل ما بين صفر و0,25 في المئة منذ أكثر من عام بقليل، وتتوقع الأسواق ارتفاعا إضافيا في الأسعار الرئيسية بمقدار 0,25 نقطة مئوية، حسب فرانس برس.
وفي تقرير آخر، أوردت فرانس برس أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي دعا في تقرير نشر الجمعة إلى مزيد من الرقابة المصرفية، مقرا بإخفاقاته في ما يتعلق بانهيار بنك سيليكون فالي (إس في بي) الشهر الماضي.
ونقل التقرير قول نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف مايكل بار في بيان "بعد فشل بنك سيليكون فالي، علينا تعزيز مهام الاحتياطي الفيدرالي في الإشراف والتنظيم بناء على ما تعلمناه".
وأضاف بار أن إدارة "أس في بي" فشلت في إدارة المخاطر بشكل مناسب قبل الانهيار السريع للبنك، بينما فشل مشرفو الاحتياطي الفدرالي في اتخاذ إجراءات قوية بما يكفي بعد أن رصدوا مشكلات في البنك المتخصص في تمويل شركات التكنولوجيا.
وتسبب انهيار البنك في 10 مارس بعد تحمله الكثير من مخاطر أسعار الفائدة في ارتدادات طاولت القطاع المصرفي برمته، ما أدى إلى انهيار بنك أميركي إقليمي آخر واستحواذ بنك "يو بي أس" السويسري على منافسه كريدي سويس، حسب فرانس برس.
وخلص تقرير الاحتياطي الفيدرالي، الذي نقلته الوكالة، إلى أن الأخير "لم يقدر جدية أوجه القصور الحرجة في إدارة الشركة والسيولة ومخاطر أسعار الفائدة" أثناء تضاعف حجم أصول بنك سيليكون فالي بين 2019-2021 في خضم طفرة التكنولوجيا الفائقة".
في هذا الصدد، قال مايكل بار إن الاحتياطي الفدرالي سينظر في تعزيز إشرافه المصرفي لضمان قدرته على تحديد المخاطر ونقاط الضعف بسرعة أكبر.
وصرّح مسؤول كبير في الاحتياطي الفيدرالي للصحفيين قبل إصدار التقرير بأن المراجعة ستكون بعيدة المدى وستنظر بشكل أوسع إلى قواعد الاحتياطي بشأن السيولة ورأس المال.