بينانس تعد أكبر منصة لتداول العملات المشفرة
بينانس تعد أكبر منصة لتداول العملات المشفرة

أثارت الهزة القوية التي ضربت منصة تداول العملات الرقمية أو المشفرة للبيتكوين، "بينانس" Binance، مخاوف أن تطال آثارها قطاع العملات المشفرة.

وسبق أن انهارت بورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" FTX، لتحل محلها منصة "بينانس"، لتجد نفسها بدورها وسط محنة بسبب بعض الأحكام القضائية الأميركية.

وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، غادر أكثر من 10 من كبار المسؤولين التنفيذيين، وقامت البورصة بتسريح ما لا يقل عن 1500 موظف، هذا العام، لخفض التكاليف والاستعداد لانخفاض الأعمال.

وبينما لا تزال منصة بينانس هي المسيطرة في مجال العملات المشفرة، فإن هيمنتها تتضاءل و"تنهار"، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

لكن هل يعني ذلك أننا قد نشهد نهاية لحقبة العملات المشفرة، التي تصدرت عناوين الأخبار خلال السنوات الماضية بتذبذب أسعارها؟.

مستقبل ضبابي

يقول أوز سلطان، خبير في التكنولوجيا الرقمية وأمن المعلومات، إن "بينانس" استغنت على مدار الأشهر القليلة الماضية عن أكثر من 100 موظف من "القيادة العالمية" كما تعرضت لعدد من ضربات القرصنة واختراق لبروتكول DeFi Curve Finance1.

ويشير سلطان في حديث لموقع "الحرة" إلى أن قرار هيئة الأوراق المالية والبورصات بوقف أي "موافقة على صندوق المنصة للتداول، ورفض قاض فيدرالي ذلك يجعل التوقعات بشأن المنصة أكثر ضبابية".

وفازت شركة Grayscale Investments LLC، التابعة لبينانس، بمعركة قانونية رئيسية في سعيها لإطلاق صندوق بيتكوين متداول في البورصة.

ومثل الانتصار القضائي على لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في لجنة استئناف مكونة من 3 قضاة في واشنطن، لحظة فاصلة للعملات المشفرة، وفق تقرير من وكالة "بلومبيرغ"

ويوضح الخبير أن بيع وحدة الأعمال الروسية التابعة لـ"بينانس" كان إلى حد كبير  خطوة من المنصة للاستجابة للتهديدات المتزايدة من الولايات المتحدة، رغم أنه يقر أن "بيع الوحدة الأعمال الروسية إلى CommEx يخفف الكثير من المخاطر الحالية والمستقبلية التي ستواجه المنصة".

يتوقع رولاند أبي نجم، مستشار في أمن المعلومات والتحول الرقمي، أن انهيار المنصة ليس قريبا أي أنه لن يحدث خلال يوم أو يومين، لأنها تعد من أكبر المنصات المتخصصة.

ويقول أبي نجم في حديث لموقع "الحرة" إن العملات المشفرة أخذت "قيمتها من الأشخاص الذين يستخدمونها وتم استخدام مؤثرين من منصات التواصل الاجتماعي وشخصيات مثل إلون ماسك للترويج لها".

وأوضحت "وول ستريت جورنال" أن بينانس تتعامل الآن مع حوالي نصف جميع المعاملات التي يتم فيها شراء وبيع العملات المشفرة بشكل مباشر، بانخفاض من حوالي 70 في المئة في بداية العام، وفقا لمزود البيانات "كايكو" (Kaiko).

ووفقا للصحيفة، فإن ما يحدث لبينانس سيكون له آثار هائلة على العملات المشفرة لأن هذه البورصة كبيرة جدا.

ويقول المنخرطون في القطاع والمراقبون إن البورصات الأخرى ستملأ الفراغ إذا انهارت منصة بينانس، لكن على المدى القصير، إذ يرجحون أن تنكمش السيولة في السوق، ما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار العملات المشفرة بشكل حاد.

وصرح أحد المتداولين المؤسسيين لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن شركته أجرت تدريبات لسحب أصولها من بينانس بسرعة في حالة الانهيار.

وتعهدت المؤسِّسة المشاركة وكبيرة مسؤولي التسويق في بينانس، يي هي، بالتغلب على المشاكل في رسالة إلى موظفي الشركة، في أغسطس الماضي.

وقالت في الرسالة التي اطلعت عليها الصحيفة: "كل معركة هي حالة حياة أو موت، والشيء الوحيد الذي يمكنه هزيمتنا هو أنفسنا، لقد فزنا مرات لا تعد ولا تحصى، ونحن بحاجة للفوز هذه المرة أيضا".

وتعتبر بينانس مستثمرا مؤثرا في مشاريع العملات المشفرة التابعة لجهات خارجية وخارجها. استثمرت بينانس في "إكس"، المعروفة سابقًا باسم "تويتر". ويعد المؤسس المشارك لبينانس، تشانغبينغ زاو، أو "سي زد" كما يعرفه متابعوه البالغ عددهم 8.6 مليون على منصة "أكس"، الوجه الأكبر للعملات المشفرة.

وأوضحت الصحيفة أنه لا يمكن تحديد ما سيحدث للقطاع إذا اختفت بينانس، نظرا لأنها كانت مسؤولة عن تعزيز قدر كبير من الابتكار والنمو في مجال العملات المشفرة".

وأجرت وزارة العدل الأميركية تحقيقا استمر سنوات قد يؤدي إلى توجيه اتهامات جنائية لبينانس وزاو، بالإضافة إلى غرامات بمليارات الدولارات، وفقا لما ذكره أشخاص مطلعون على التحقيق للصحيفة.

هل ينهار قطاع العملات المشفرة

يتوقع أبي نجم في حديثه لموقع "الحرة" أن يؤثر انهيار محتمل للمنصة على قطاع العملات المشفرة، لأنه بحسبه تتجه الدول إلى فرض المزيد من القوانين على هذا القطاع بسبب المخاوف من تبييض الأموال والتهرب من العقوبات وغياب الرقابة.

ويتوقع أن قطاع العملات المشفرة سينهار لأنه "أصلا هذه العملات ستعود بدون قيمة كما كانت في السابق".

وتواجه منصة بينانس أيضا دعوى قضائية أمام لجنة الأوراق المالية والبورصات تزعم أنها وزاو يعملان بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة وسط مزاعم بشأن إساءة استخدام أموال العملاء. واعترفت الشركة بأخطاء الماضي لكنها تقول إن أموال العملاء آمنة وإنها ملتزمة بالامتثال للقواعد والأحكام. 

يقول سلطان في حديثه للحرة إن الاختبار الكبير لقطاع العملات المشفرة لا يمكن في تقلبات السوق على المدى القريب، ولا تصفية الشركات التجارية الروسية التابعة بسبب الولايات المتحدة والعقوبات الناجمة عن الصراع الأوكراني، بل الاختبار سيكون عملات رقمية للبنوك المركزية، وهي المستقبل.

ويتابع "لأن العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية هي على الأرجح 'المشروعة'، ما يرجح احتمالية أن نرى انكماشا قصير إلى متوسط الأجل في سعر البيتكوين ومعظم العملات المشفرة".

وسجلت العملات المشفرة تذبذبا في أسعارها خلال السنوات الماضية. وفي عام 2021، تراجعت عملة "البيتكوين" بنسبة 30 بالمئة قبل أن تستعيد بعضا من عافيتها فيما بعد. 

وأتى الانخفاض الحاد بأسعار "بيتكوين" في أعقاب تحذيرات في الصين من العملات المشفرة وإعلان ماسك أن شركته للسيارات الكهربائية تيسلا ستتوقف عن قبول هذه العملة كوسيلة دفع.

البخار يتصاعد من إحدى محطات الطاقة الألمانية التي تعمل بالفحم الحجري في 28 نوفمبر 2023.
البخار يتصاعد من إحدى محطات الطاقة الألمانية التي تعمل بالفحم الحجري في 28 نوفمبر 2023.

بالتزامن مع انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 28" في دبي، تحدثت مجلة "فورين أفيرز" عن أهمية إشراك القطاع الخاص في خطط القضاء على التلوث الناتج عن الانحباس الحراري، لأن تحويله إلى واقع سوف يتطلب استثمارات رأسمالية أكبر من أن تتحملها حكومات الدول وحدها.

وذكرت المجلة أنه بالنظر إلى تعهد العديد من الدول والمنظمات بخفض الانبعاثات إلى "صافي الصفر" بحلول عام 2050 في مؤتمر غلاسكو في عام 2021، ورغم أنه من الصعب تحديد التكاليف الدقيقة لتحويل الأنظمة الصناعية في العالم بالكامل بحلول منتصف القرن، فإن أفضل التقديرات، مثل تلك الصادرة عن بنك "غولدمان ساكس" تقدر التكلفة الإجمالية بنحو 4 تريليون دولار سنويا على مدى العقد المقبل، أو حوالي أربعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي.

وأشارت المجلة إلى أن إجمالي الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة يبلغ اليوم نحو 1.1 تريليون دولار سنويا، حتى مع ارتفاع الإنفاق الحكومي في هذا المجال إلى أعلى مستوياته على الإطلاق.

ولذلك أوضحت المجلة أنه لا يمكن أن نتوقع من الدول وحدها أن تسد هذه الفجوة، خاصة أن تريليونات الدولارات المطلوبة تتجاوز ببساطة ما يمكن أن تدعمه الميزانيات الحكومية وسط أولوياتها العامة الملحة الأخرى.

ومع ذلك، ترى المجلة أن إمكانية التوسع من المصادر الخاصة كبيرة، موضحة أنه تكمن فرصة واعدة بشكل خاص في صناديق الاستثمار الخاصة التي تخصص مبالغ ضخمة من رأس المال بدعم من مستثمرين مؤسسيين، مثل صناديق التقاعد، وصناديق الثروة السيادية، والأوقاف، وشركات التأمين.

وعلى النقيض من شركات الطاقة والصناعة، والتي يعطي مساهموها الأولوية للتدفقات النقدية في الأمد القريب، أشارت المجلة إلى أن صناديق الاستثمار الخاصة تتمتع بالمرونة اللازمة للقيام برهانات طويلة الأجل على التكنولوجيات والبنية الأساسية الجديدة، ما يسمح لها بالمساعدة في تحويل النظام الصناعي وإحداث فرق أكبر بكثير في المستقبل من خلال وضع السياسات ونماذج الأعمال الصحيحة.

ولتشجيع صناديق الاستثمار بشكل لاستثمار رؤوس أموالها، ذكرت المجلة أنه يجب عرض نماذج جذابة ماليا للممولين وعملية لشركاء الأعمال تشجع مزيدا من مستثمري القطاع الخاص بشأن الفرص المتاحة في مجال الطاقة النظيفة.

لكن "فورين أفيرز" أوضحت أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، ظهرت أمثلة واعدة تعتمد جميعها على الشراكات والمعاملات بين رأس المال الخاص والشركات التي تتمتع بالخبرة اللازمة لبناء وتشغيل أنظمة تكنولوجية نظيفة جديدة، وهو التحول الذي نطلق عليه "البني إلى الأخضر".

ووفقا للمجلة، تعمل هذه الشركات القائمة في صناعات تحتاج إلى تقليص عملياتها الكثيفة من الكربون، ويمكنها القيام بذلك من خلال الاستثمارات المناسبة. لذلك ترى المجلة أن إدراك قيمة هذه النماذج واستخدامها على نطاق أوسع كثيرا أمر ضروري لتحويل الطموحات الجريئة للطاقة النظيفة إلى واقع ملموس.

ووفقا للمجلة، رغم أن المستثمرين على استعداد متزايد للإنفاق على التحول الأخضر، فإن أكثر من 80% من تدفقات رأس المال إلى الطاقة النظيفة، في العام الماضي، ذهبت إلى التكنولوجيات التي تكون فيها المخاطر أقل، مثل تطوير طاقة الرياح والطاقة الشمسية، على سبيل المثال، وهي تكنولوجيات ليست أقل تكلفة من المولدات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري فحسب، بل إن جدواها التجارية مفهومة على نطاق واسع.

مجال آخر تتدفق إليه الاستثمارات الكبيرة أيضا، كما تشير المجلة، وهو الإمدادات والتقنيات المرتبطة بالسيارات الكهربائية مع ارتفاع الطلب على تلك السيارات.

وفي كل هذه التكنولوجيات النظيفة، ترتبط حالة الاستثمار جزئيا بإعانات الدعم الجذابة التي قدمها الحكومات، بحسب المجلة.

وترى "فورين أفيرز" أن الاستثمار في التقنيات التي أثبتت جدواها لا يمكن أن يؤدي إلى إزالة الكربون بما يطمح له العالم، موضحة أنه حتى مع هذه الاتجاهات الاستثمارية، فإن إجمالي الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون، السبب الرئيسي لتغير المناخ، وصل إلى مستوى قياسي في عام 2022، وكذلك لم تؤد طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية سوى إلى خفض بضع نقاط مئوية من انبعاثات الكربون العالمية.

وأوضحت المجلة أن هذه الجهود ليست  كافية لوقف تغير المناخ الذي يتطلب خفض الانبعاثات إلى ما يقرب من الصفر بدلاً من مجرد الانخفاض، مؤكدة أن "الإزالة العميقة للكربون" تتطلب تحولات أكبر وأكثر خطورة في أنظمة الطاقة والصناعة.

وشرحت المجلة أن التقدم على مسار إزالة الكربون بشكل عميق يتوقف على تحولين تكنولوجيين أساسيين. الأول هو التحول إلى طاقة خالية من الكربون، والمعروفة باسم "الإلكترونات النظيفة" (مثل تلك الناتجة عن الطاقة المتجددة أو النووية).

أما التحول الآخر، كما تحدثت عنه المجلة، يتمثل في إيجاد بدائل للوقود الأحفوري التقليدي مثل الديزل ووقود الطائرات، والتي تسمى غالبا "الجزيئات النظيفة".

لكن لا أحد يعرف اليوم ما هو المزيج الصحيح من الإلكترونات والجزيئات الذي سيكون عليه نظام الطاقة النظيفة في المستقبل، بحسب المجلة التي أوضحت أن هذا أحد الأسباب وراء ضخامة مخاطر التحول وعدم دعم المستثمرين حتى الآن سوى في الخيارات الأكثر شيوعًا.

لذلك ترجح المجلة أن الجزء الأكبر من التقدم سيتوقف على الأرجح على الكهرباء، حيث أن الإلكترونات النظيفة مفيدة في حد ذاتها، على سبيل المثال، في شحن السيارات الكهربائية، وهي أيضًا واحدة من أكثر الطرق الواعدة، وإن كانت لا تزال مكلفة، لصنع جزيئات نظيفة. ووفقا للمجلة، يتوقع منظور الطاقة العالمية لشركة ماكينزي لعام 2023 أن يتضاعف الطلب العالمي على الكهرباء بحلول عام 2050. وتقدم الدراسات التي أجرتها مجموعات أخرى، مثل وكالة الطاقة الدولية، تقديرات مماثلة.

وتتطلب إزالة الكربون من قطاع الطاقة نشر أنظمة الطاقة الكهربائية أكثر من مجرد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهي مصادر متقطعة للطاقة، بحسب المجلة.

ولكي تكون الشبكة نظيفة وموثوقة، ستحتاج أيضًا إلى أن تشتمل على محطات طاقة يمكنها توفير الطاقة الأساسية، مثل المولدات النووية أو الطاقة الحرارية الأرضية الجديدة. وستكون هناك أيضًا أدوار للبطاريات والأجهزة الأخرى التي يمكنها تخزين الكهرباء لفترات طويلة وللأنظمة المتقدمة التي تتحكم في شبكات الطاقة هذه بحيث تظل إمدادات الكهرباء ثابتة، بحسب "فورين أفيرز".