أثرت هجمات جماعة الحوثي على حركة الملاحة والشحن بالبحر الأحمر
أثرت هجمات جماعة الحوثي على حركة الملاحة والشحن بالبحر الأحمر

يقرع خبراء اقتصاد ناقوس الخطر بشأن تأثير تصاعد وتيرة النزاعات المسلحة على اقتصادات منطقة الشرق الأوسط في ظل تزايد المخاوف من احتمال اشتعال حرب إقليمية شاملة.

"التداعيات السلبية ستطال الجميع"، يقول الخبراء، "لكن هناك دولا سوف تتضرر بشكل أكبر"

أهمية استراتيجية "كبرى"

تتمتع منطقة الشرق الأوسط بموقع استراتيجي مهم، وتمثل همزة وصل بين القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتوجد فيها بعض "أهم ممرات الملاحة الدولية"، وهي "غنية" بموارد الطاقة، وفي مقدمتها النفط والغاز الطبيعي.

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير الباحث في الاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، إلى أن الشرق الأوسط يمثل "مخزن للطاقة على مستوى العالم"، في ظل وجود كميات ضخمة من النفط والغاز.

ويتابع الديب أن للمنطقة "أهمية استراتيجية واقتصادية كبرى"، إذ يقع فيها كثير من الموانئ البحرية والممرات الملاحية والمضايق وعلى رأسها مضيق هرمز الذي يعد "ممرا بحريا رئيسيا" لنقل النفط الخام، وكذلك مضيق باب المندب "الممر المائي الاستراتيجي" الذي يربط خليج عدن بالبحر الأحمر.

ويوضح الباحث في الاقتصاد السياسي أنه يمر حول منطقة الشرق الأوسط حوالي 45 في المئة من حجم التجارة الدولية في المحيط الهندي، و15 في المئة من خلال البحر الأحمر.

ويمر في البحر الأحمر حوالي 10 بالمئة من النفط و8 بالمئة من الغاز "المحمول بحرا"، وبالتالي فالمنطقة "شديدة الأهمية اقتصاديا"، وأي توترات جيوسياسية في المنطقة سوف "تؤثر سلبا على الاقتصادات العالمية" وترفع نسب التضخم في العديد من المناطق المختلفة، وفق الديب.

"حرب إقليمية" على الأبواب؟

تصاعدت المخاوف من أن يتحول الصراع في قطاع غزة إلى حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط بعد مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، ومقتل القائد العسكري البارز في حزب الله، فؤاد شكر، بغارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت.

وتوعدت إيران وحليفها حزب الله بـ"الانتقام" لمقتل هنية وشكر، وتتأهب إسرائيل والولايات المتحدة لـ"رد إيراني مرتقب".

ويؤكد الخبير في الاقتصاد السياسي، عبدالنبي عبدالمطلب، أن المنطقة تتجه إلى "حرب إقليمية واسعة النطاق"، وربما يترتب على ذلك أن يشهد العالم "حربا عالمية ثالثة".

وأثرت تلك المخاوف بالفعل على البورصات العالمية، وتسببت في ارتفاع أسعار النفط والذهب، وبالتالي فـ"الاقتصاد العالمي مهدد إذا انفجرت الحرب في الشرق الأوسط"، وفق حديث عبدالمطلب لموقع "الحرة".

ويحذر عبدالمطلب من أن تأثر حركة التجارة الدولية بأي صراعات أو حروب في المنطقة، يعني حصول "اضطراب في إمدادات النفط الخام العالمية وزيادة أسعار الغذاء وتكلفة الشحن والمرور والتأمين، وتعرض أسهم بورصات العالم لخسائر كبرى".

من المتضرر "الأكبر"؟

يواجه الإيرانيون البالغ عددهم 85 مليون نسمة تضخما مرتفعا للغاية يصل إلى 40 في المئة، ومعدلات بطالة مرتفعة وانخفاضا قياسيا في قيمة الريال، مقابل بالدولار.

ومبيعات النفط هي المصدر الأساسي لإيرادات إيران. وتبحث البلاد عن طرق للالتفاف على العقوبات الأميركية على صادراتها من النفط الخام، والتي أعاد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، فرضها في 2018 بعد الانسحاب من اتفاق يتعلق ببرنامج طهران النووي.

وقد يدفع هجوم إيراني على إسرائيل الولايات المتحدة إلى فرض حظر على صادرات النفط الإيرانية مما قد يؤثر على إمدادات تبلغ 1.5 مليون برميل يوميا.

وفي جانب آخر، خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لإسرائيل درجة واحدة من "+A" إلى "A"، محذرة من أن حربها ضد حركة حماس في غزة قد تستمر حتى عام 2025 وتلقي بثقلها على النشاط الاقتصادي في البلاد.

والاثنين، هبط الشيكل بما يصل إلى 1.7 في المئة مقابل الدولار، وأغلقت الأسهم منخفضة بأكثر من واحد في المئة في تل أبيب في ظل قلق المستثمرين من هجوم محتمل على إسرائيل.

ولذلك، يشدد الخبير الاقتصادي، محمد المهري، على أن كثيرا من دول العالم سوف تتأثر نتيجة اندلاع أي "صراعات أو حروب في منطقة الشرق الأوسط".

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يشير إلى أن إيران وإسرائيل سوف "يتأثران ويتضرران بشكل كبير في حال اتساع نطاق الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية".

ومن جانبه، يشير عبدالمطلب إلى أن "إسرائيل سوف تتأثر سلبا بشكل كبير في حال اتساع نطاق الصراع بالشرق الأوسط"، لأنها "ستحارب على أكثر من جبهة ويتم استنزاف مواردها".

وسوف تتأثر إيران اقتصاديا كذلك بشكل مباشر لأنها تعاني بالفعل من "عقوبات اقتصادية"، وليس لديها موارد كافية لخوض "حرب على أكثر من جبهة"، وفق الخبير الاقتصادي.

تداعيات "تطال الجميع"

الاثنين، قفزت أسعار النفط أكثر من ثلاثة في المئة، وسط توقعات باتساع نطاق الصراع في المنطقة مما قد يؤدي إلى تقلص إمدادات الخام العالمية.

وفي حال اندلاع حرب بين إيران ووكلائها من جانب وإسرائيل وحلفائها من جانب آخر، سوف "تتضرر مصادر الطاقة في الشرق الأوسط"، ما سيؤثر على إمدادات النفط والغاز العالمية، وقد "تتوقف مؤقتا"، وفق تقديرات الديب.

ويؤكد الباحث في الاقتصاد السياسي أن "كافة اقتصادات دول المنطقة ستتأثر سلبا بشكل كبير"، ومنها الاقتصاد المصري حيث تأثرت قناة السويس بالفعل نتيجة تهديدات الحوثيين في باب المندب والبحر الأحمر.

ومنذ نوفمبر، تستهدف جماعة الحوثي في اليمن والتي تصنفها واشنطن "إرهابية" سفنا تجارية في البحر الأحمر وبحر العرب، وأثرت هجماتهم على حركة الشحن في المنطقة الاستراتيجية التي يمر عبرها 12 في المئة من التجارة العالمية.

ويشير الديب إلى أن اشتعال الحرب في المنطقة سيؤثر "سلبا" على مناطق كثيرة حول العالم، ويؤدي لتضرر التجارة العالمية وارتفاع تكلفة الشحن والتأمين البحري، ما يعني زيادة أسعار السلع بشكل مطرد.

ويرى أن الاتحاد الأوروبي سوف يتأثر بأي "اختلالات في حركة التجارة الدولية أو ارتفاعات في أسعار النفط والغاز"، وكذلك "التداعيات الجيوسياسية في المنطقة".

ويعيش في الشرق الأوسط حوالي 350 مليون مواطن، وإذا اندلعت حرب إقليمية، فقد تبدأ "هجرات غير شرعية" نحو دول الاتحاد الأوروبي، ما سيحدث ضغطا كبيرا على أوروبا، وفق الديب.

من جانبه، يتحدث عبدالمطلب عن تأثر عدة دول بـ"أي اضطرابات" في المنطقة، على رأس تلك الدول الأردن لأنه يعتمد اقتصاديا على "الأنشطة الريعية" المتعلقة بالضرائب وخدمات النقل والشحن والسياحة، وفق الخبير الاقتصادي.

وستواجه الاقتصاد المصري "أزمات كثيرة" تتعلق بتراجع السياحة وعائدات قناة السويس وتوقف إمدادات الغاز الإسرائيلي لمصر، ما يعني "مزيدا من مشكلات الطاقة والكهرباء"، حسب تقديرات عبدالمطلب.

وتمر مصر بأزمة اقتصادية شديدة جراء نقص النقد الأجنبي، كما تواجه تبعات جيوسياسية للحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، والنزاع في السودان إلى الجنوب.

وأدت الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون الموالون لإيران والتي تستهدف السفن عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر إلى تراجع عائدات قناة السويس في مصر بنسبة 23.4 في المئة في العام المالي 2023/24 مقارنة بالعام المالي السابق، مسجلة 7.2 مليارات دولار.

وتشكل عائدات المجرى الملاحي، الذي يربط البحرين الأحمر والمتوسط وتم افتتاحه في العام 1869، أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي في مصر، ويؤمن عبور 10 في المئة من حركة التجارة البحرية الدولية.

ويتوقع عبدالمطلب كذلك زيادة الإنفاق العسكري المصري في حال تحول الصراع إلى "حرب إقليمية" لحماية حدود البلاد، ما يعني مزيدا من الضغوطات على اقتصاد البلاد الذي يعاني من أزمة بالفعل.

ومن جانبه، يؤكد المهري أن دول الخليج ومصر "مستعدة لأي تقلبات اقتصادية"، وهي قادرة على "حماية اقتصادها خلال فترة الأزمة"، لكن الأفراد سوف يتأثرون "بشكل كبير"، ما يعني "زيادة نسب البطالة وفقدان الوظائف"، وفق حديثه لموقع "الحرة".

وفي الدول "غير المستعدة للتقلبات الاقتصادية" سوف ترتفع أسعار الأغذية والمنتجات والخدمات، نتيجة اندلاع أي حرب في المنطقة، حسبما يشير الخبير الاقتصادي.

ويرى أن عدة دول آسيوية مثل بنغلاديش والهند وباكستان وكذلك الفلبين وماليزيا واندونيسيا، سوف تتأثر بأي "اضطرابات في المنطقة"، لأنها "ليست مستعدة للأزمات الاقتصادية".

ويتوقع المهري أن تتأثر دول الاتحاد الأوروبي في حال اشتعال "حرب إقليمية" في الشرق الأوسط، وأن تشهد البورصات العالمية "تقلبات في أسعار الأسهم".

FILE PHOTO: A Swiss flag is pictured above a logo of Swiss bank Credit Suisse in Bern
صورة تعبيرية لمبنى بنك في سويسرا- رويترز

قالت الحكومة السويسرية، الأربعاء، إن هناك أصولا سورية مجمدة في سويسرا تبلغ قيمتها 99 مليون فرنك سويسري (112 مليون دولار)، معظمها مجمد منذ سنوات.

وأضافت أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية السويسرية، بحسب وكالة رويترز، أن الجزء الأكبر من إجمالي الأموال تم تجميده منذ تبنت سويسرا عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا في مايو 2011.

وأضافت سويسرا، هذا الأسبوع، 3 أشخاص آخرين إلى قائمة العقوبات المرتبطة بسوريا في أعقاب خطوة اتخذها الاتحاد الأوروبي.

وقال متحدث باسم أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية لرويترز "هناك حاليا 318 فردا و87 كيانا على قائمة العقوبات"، دون أن يفصح المتحدث عما إذا كانت سويسرا جمدت أي أصول لرئيس النظام السابق بشار الأسد.

وذكرت صحيفة "نويا تسورشر تسايتونج" السويسرية، أن مؤسسات مالية كانت تحتفظ في وقت ما بأصول سورية مجمدة بقيمة 130 مليون فرنك سويسري (147 مليون دولار).

وقال المتحدث باسم أمانة الدولة للشؤون الاقتصادية "الفارق في إجمالي الأصول المقيدة يمكن تفسيره بعدة عوامل، منها التقلبات في قيمة حسابات الأوراق المالية المقيدة وتأثيرات سعر الصرف وشطب بعض الأشخاص أو الكيانات الخاضعة للعقوبات".

وفي تقرير سابق نشر عام 2022 لوزارة الخارجية الأميركية، أشارت تقديرات مستندة لمعلومات مفتوحة المصدر بشكل عام إلى أن صافي ثروة آل الأسد يتراوح بين مليار وملياري دولار أميركي.

وأشاف التقرير "لكن هذا التقدير غير دقيق ولا تستطيع وزارة الخارجية تأكيده بشكل مستقل. وتنتج صعوبة تقدير ثروة الأسد وأفراد أسرته الممتدة بشكل دقيق عن أصول العائلة التي يعتقد أنها منتشرة ومخبأة في العديد من الحسابات والمحافظ العقارية والشركات والملاذات الضريبية الخارجية، ومن المرجح أن تكون أي أصول متواجدة خارج سوريا ولم يتم الاستيلاء عليها أو حظرها مسجلة تحت أسماء مستعارة، أو باسم أفراد آخرين لإخفاء الملكية والتهرب من العقوبات".

 وأوضحت تقارير المنظمات غير الحكومية، ووسائل الإعلام، أن عائلة الأسد أدارت نظام رعاية معقدا يشمل شركات وهمية وواجهات شركات تعمل كأداة للنظام للوصول إلى الموارد المالية عبر هياكل مؤسسية وكيانات غير ربحية تبدو مشروعة وغسل الأموال المكتسبة من أنشطة اقتصادية غير مشروعة، بما في ذلك التهريب وتجارة الأسلحة والإتجار بالمخدرات والحماية والابتزاز، وفق الخارجية الأميركية.