في إطار سياسة "أميركا أولا"، تعهد الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية باتخاذ سلسلة من الأوامر التنفيذية، حيث وقع على بعضها في أول أسبوع من توليه المنصب.
ووعد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على السلع المستوردة من المكسيك وكندا، اللتين تعدان من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وذلك ردا على ما يعتبره فشلا من البلدين في وقف تدفق المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الأميركية.
وفي هذا الصدد، أشار ترامب في مؤتمر صحفي يوم الخميس إلى أن التعريفات ستدخل حيز التنفيذ يوم السبت المقبل، وفي حال تطبيقها، قد تشهد التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا تحولًا كبيرًا، مما قد ينعكس على الاقتصاد الأميركي والعلاقات التجارية الدولية.
وتُعد المكسيك وكندا من أكبر شركاء التجارة مع الولايات المتحدة، وحذر الخبراء من أن فرض الرسوم الجمركية قد يؤدي إلى زيادة الأسعار على المستهلكين الأميركيين لبعض السلع.
كما أشار البعض إلى أن اقتصادات المكسيك وكندا قد تتعرض لأضرار أكبر على المدى الطويل في حال استمرت الحرب التجارية.
قال ترامب الخميس إنه لا يزال يفكر فيما إذا كانت الرسوم الجمركية ستشمل النفط، مشيرا إلى أن قراره سيعتمد على ما إذا كان سعر النفط الذي تفرضه كندا والمكسيك عادلا، رغم أن أساس تهديداته بفرض التعريفات يتعلق بوقف الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات.
وأوضح ترامب إن فرض الرسوم قد يضر بوعده المتكرر بخفض التضخم العام من خلال تقليل تكاليف الطاقة. لكن التكاليف المرتبطة بالتعريفات سيتحملها المستهلك الأميركي جراء ارتفاع أسعار الوقود، وهي قضية كان ترامب قد وضعها في صميم حملته الرئاسية حين تعهد بخفض تكاليف الطاقة إلى النصف في غضون عام.
وأظهر استطلاع لوكالة أسوشييتد برس، أن 60 بالمئة من الناخبين الذين صوتوا لترامب، عبروا عن قلقهم بشأن أسعار الوقود.
واستوردت الولايات المتحدة حوالي 4.6 مليون برميل يوميا من النفط الكندي في أكتوبر الماضي، وأكثر من 560 ألف برميل من المكسيك، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة، في وقت كان الإنتاج اليومي للنفط في الولايات المتحدة في ذلك الشهر يقارب 13.5 مليون برميل يوميًا.
وقال ماثيو هولمز، نائب الرئيس التنفيذي ورئيس السياسة العامة في غرفة التجارة الكندية، إن هذه الرسوم ستُفرض "ضرائب على أميركا أولاً" على شكل زيادة في التكاليف.
لكن ترامب لم يُظهر أي قلق من أن فرض الضرائب قد يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد الأميركي، رغم المخاطر بشأن ارتفاع الأسعار، بحسب الوكالة.
نظرًا لأن النفط الخام الأميركي خفيف النوع، بينما المصافي الأميركية مصممة للعمل مع النفط الثقيل، مثل النفط الكندي والمكسيكي، فقد يؤدي فرض تعريفات بنسبة 25% إلى ارتفاع أسعار الوقود بشكل حاد في محطات الوقود الأميركية، خاصة في الولايات الواقعة في الغرب الأوسط.

تبعات على سوق الطاقة
زيادة الضرائب على واردات النفط الخام من كندا والمكسيك، ستكون له تداعيات على سوق الطاقة، كما أن النزاع التجاري قد يكون له تبعات جيوسياسية طويلة الأمد.
بالإضافة إلى ذلك، قد يخشى شركاء الطاقة في جميع أنحاء العالم أن تستخدم الولايات المتحدة تجارة الطاقة كأداة للضغط السياسي.
ويقول المجلس الأطلسي في تقرير إن كندا تعد أكبر شريك للولايات المتحدة في النفط الخام، بفارق كبير، والعديد من الأسواق الأميركية غير الساحلية تفتقر إلى مورّدين بدلاء، وخلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، شكلت كندا حوالي 62% من جميع واردات النفط الخام الأميركية.
كما أن المكسيك تعد لاعبا كبيرا أيضا، حيث تمثل حوالي 7% من جميع واردات النفط الخام خلال ذات الفترة، كما أنها أكبر مشتري للغاز الطبيعي الأميركي ومنتجات البترول، بالإضافة إلى كونها موردًا للنفط الخام للمصافي الأميركية.
وستؤثر الرسوم الجمركية الجديدة على واردات النفط الخام إلى صادرات الولايات المتحدة من المنتجات النفطية مثل زيت الوقود، والديزل، والبنزين.
علاوة على ذلك، قد يكون لهذه التعريفات تأثيرات سلبية على تجارة الغاز الطبيعي الأميركي على المدى الطويل، حيث ترى العديد من الدول في العالم أن الاعتماد على الإمدادات الأميركية يشكل نقطة ضعف سياسية.
تداعيات جيوسياسية والصين ستستغل الفرصة
قد تستخدم الصين حالة عدم اليقين بشأن سياسة الولايات المتحدة للاستحواذ على حصة في السوق على حساب المصدرين الأميركيين.
ويمكن أن تؤدي الاضطرابات في صادرات المنتجات النفطية الأمريكية أيضًا إلى تداعيات جيوسياسية في أميركا اللاتينية، بما في ذلك فيما يتعلق بالمنافسة بين الولايات المتحدة والصين.
تفتقر العديد من دول أميركا اللاتينية إلى القدرة على التكرير المحلي وتعتمد على الولايات المتحدة لتلبية احتياجاتها من أمن الطاقة.
للتحوط ضد تقلبات السياسة الأميركية، قد تبحث دول أميركا اللاتينية عن ترتيبات أخرى، بما في ذلك العثور على مورّدين بدلاء.
إذا أصبحت المنتجات النفطية الأميركية أقل جاذبية للمستوردين، فقد تحاول الصين استغلال الفرصة. فالصين هي أكبر سوق للتكرير في العالم من حيث القدرة، وقد تكون طلبات الوقود المحلي مثل البنزين والديزل قد وصلت إلى ذروتها بالفعل بسبب مزيج من السيارات الكهربائية والغاز الطبيعي المسال للنقل.
وبالتالي، قد تسعى المصافي الصينية بشكل متزايد إلى تصدير المنتجات النفطية إلى الخارج، بما في ذلك إلى أمريكا اللاتينية، رغم أن صادرات الوقود العالمية للصين تخضع حاليا لحصص تصدير.
تأثيرات على قطاع الذكاء الاصطناعي والقدرات العسكرية
قد تؤدي الرسوم الجمركية على الطاقة الكندية إلى التأثير سلبًا على تطور قطاع الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة وقدراتها العسكرية.
ففي عام 2023، استوردت الولايات المتحدة 33 تيراوات ساعة من الكهرباء من كندا، ما ساعد في تشغيل مراكز البيانات التي تدعم الذكاء الاصطناعي.
ويقول تقرير المجلس الأطلسي الأميركي، إذا ارتفعت أسعار الكهرباء، فقد يؤثر ذلك على قدرات الولايات المتحدة في هذا المجال.
علاوة على ذلك، تعتبر كندا مصدرا رئيسيا لبطاريات الليثيوم أيون التي تستخدم في تطبيقات متعددة بما في ذلك الطائرات بدون طيار.
وبالتالي، فإن فرض الرسوم الجمركية على هذه البطاريات قد يقلل من القدرات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها.
توتر في سوق العملات والأسهم
وأثارت تعهدات ترامب بفرض تعريفة بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا في 1 فبراير صدمة في أسواق الصرف الأجنبي، مما أدى إلى تراجع عملات البلدين مقابل الدولار الأميركي.
وكان المستثمرون في سوق الصرف الأجنبي الذي تقدر قيمته بـ7.5 تريليون دولار يوميًا في حالة من القلق بشأن احتمال فرض رسوم على شركاء التجارة الأميركيين.
بحسب وكالة بلومبيرغ ، ارتفع الدولار الأميركي بشكل حاد منذ انتخاب ترامب، وذلك بسبب توقعات المستثمرين بأن الرسوم ستدعم الدولار نتيجة لارتفاع الأسعار التي ستبقي معدلات الفائدة الأميركية مرتفعة.
في المقابل، تأثرت العملات الكندية والمكسيكية بشكل كبير. حيث خسر الدولار الكندي حوالي 6% مقابل الدولار الأميركي في الربع الأخير من العام الماضي، وبلغ أدنى مستوى له منذ عام 2020 في وقت سابق من هذا العام.
وإذا فرضت الرسوم بنسبة 25%، فقد يواجه الدولار الكندي مزيدًا من الانخفاضات، ما سيجبر بنك كندا على خفض معدلات الفائدة بشكل أكبر، مما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي عميق.
أما بالنسبة للمكسيك، فقد تحمّلت العملة المكسيكية العبء الأكبر من الضغوط في الأسواق الناشئة، حيث شهدت أسوأ عام لها مقابل الدولار منذ الأزمة المالية العالمية. وفي حال فرض التعريفات الجمركية، يتوقع أن يفقد البيزو المكسيكي حوالي 10% من قيمته مقابل الدولار.

ارتفاع أسعار المواد الغذائية
في وقت يشغل فيه البيت الأبيض نفسه بمسألة خفض أسعار المواد الغذائية المرتفعة، فإن الرسوم المهددة ستؤثر على أكثر من 75 مليار دولار من الواردات الزراعية المستوردة من البلدين.
يقول تقرير لمجلة بولوتيكو، إن الواردات من المكسيك، تشمل أكثر من 34 مليار دولار من الفواكه والخضروات، حوالي 4 مليارات دولار من السكر والمنتجات الاستوائية، وأكثر من 3 مليارات دولار من المواشي واللحوم، بالإضافة إلى الحبوب والبذور الزيتية ومنتجات الألبان والدواجن، وفقًا لبيانات وزارة الزراعة الأميركية.
ومن كندا، تستورد الولايات المتحدة أكثر من 10 مليار دولار من الفواكه والخضروات، و9 مليار دولار من الحبوب والأعلاف، و6.5 مليار دولار من بذور الزيت، و6 مليار دولار من المواشي واللحوم، و4.5 مليار دولار من السكر والمنتجات الاستوائية.
المكسيك وكندا هما أيضًا أكبر سوقين للواردات الزراعية الأميركية، مما يضع المزارعين الأميركيين في الخطوط الأمامية لأي رد انتقامي.
زيادة أسعار السيارات
سيتأثر قطاع السيارات الأميركي بشدة من الرسوم الجمركية. ففي العام الماضي، استوردت الولايات المتحدة أكثر من 126 مليار دولار من السيارات وقطع غيار السيارات من المكسيك و46 مليار دولار من كندا.
السيناتور الديمقراطي غاري بيترز قال الأربعاء خلال جلسة تأكيد مرشح ترامب لوزارة التجارة، هوارد لوتنيك:
"شركاتنا المصنعة للسيارات قلقة للغاية بشأن ما قد تعنيه تلك الرسوم على كندا والمكسيك من حيث التكاليف، وخاصة تكاليف السيارات". وأضاف: "لا أعتقد أن هذا شيء يريده الشعب الأميركي".
وفي هذا السياق، دعا "مجلس السياسات الأميركية للسيارات"، الذي يمثل شركات فورد وجنرال موتورز وستيلانتيس، إلى استثناء السيارات وقطع غيار السيارات التي تتوافق مع قواعد التجارة الصارمة في اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا من الرسوم الجمركية بنسبة 25%.
غرفة التجارة الأمريكية أعلنت معارضتها للرسوم الجمركية، محذرة من أن "هذه الرسوم لن تحل مشاكلنا الحدودية، بل ستؤدي إلى زيادة الأسعار، مما يكلف الأسرة الأميركية النموذجية أكثر من 1000 دولار، مع الإضرار الكبير بالمصنعين والمزارعين الأميركيين".