الرسوم الجمركية.. من يدفع الثمن؟
الرسوم الجمركية ضرائب مفروضة على السلع المستوردة. أرشيفية - تعبيرية

"أنا متأكد من أنهم سيدفعون،" قال ترامب لصحفيين في منتجعه، مارا لاغو، في فلوريدا، مطلع فبراير.

وكان يتحدث عن الصين والمكسيك وكندا.

"لقد فرضنا الرسوم الجمركية لأنهم مدينون لنا بكثير من المال،" أضاف، بعد فرضه رسوما جمركية على البلدان الثلاثة.

ويعتبر مسؤولون في إدارة ترامب أن الرسوم الجمركية مصدر محتمل للإيرادات.

فمن يدفع الرسوم الجمركية؟

المستهلك يدفع فاتورة الرسوم الجمركية . أرشيفية - تعبيرية

من يتحمل عبء الرسوم الجمركية؟ سألنا الأستاذ المتخصص في "الاقتصاد التطبيقي" في جامعة جون هوبكنز البروفيسور، ستيف هانك.

"يقع على المستهلكين في الدول التي تفرضها".

وقال هانك لموقع "الحرة" إن "المستهلكين النهائيين للسلع المستوردة في البلد الذي يفرض رسوما جمركية، مثل مستهلكي الفواكه والخضروات المستوردة، يدفعون ما يسمى بـ (تكاليف الاستهلاك)".

وينطبق الشيء ذاته على "المستهلكين الذين يستوردون المواد الخام، كمدخلات إنتاج للمنتجات النهائية، فهؤلاء يتحملون أيضا تكلفة أعلى، في ما يسمى بـ (تكلفة الإنتاج)"، تابع هانك الذي تصنفه "FocusEconomics" بين أكثر الاقتصاديين تأثيرا على مستوى العالم.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "ما لا يعرفه كثيرون أن الجزء الأكبر من تكاليف الإنتاج يتحملها المصدرون في الدول التي تفرض الرسوم الجمركية على السلع المستوردة".

الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن كان قد انتقد خطط خليفته ترامب مبكرا في ديسمبر الماضي، ووصفها بـ "الكارثة".

وقال إن "المستهلكين الأميركيين سيدفعون ثمن الرسوم الجمركية".

ما هي الرسوم الجمركية؟

الرسوم الجمركية تنتقل إلى المستهلكين . أرشيفية - تعبيرية

تشرح الخبيرة الاقتصادية في مجلس العلاقات الاقتصادية، شانون أونيل، في مقطع مصور أن الرسوم الجمركية "هي في الأساس ضرائب مفروضة على السلع المستوردة، تدفعها الشركات إلى حكوماتها".

وتؤكد أن تكلفة هذه الرسوم الجمركية تنتقل "إلى المستهلكين من خلال الأسعار المرتفعة"، مشيرة إلى أنه في بعض الآحيان قد تتحمل شركات كبرى بعضا من التكلفة، بخفض السعر بتقليل هامش ربحها.

وتضيف أن هذه الرسوم الجمركية وجدت لحماية الصناعات المحلية من المنافسة الأجنبية، حتى لا تخسر بسبب السلع المستورة المنافسة، وتستخدمها بعض الدول في إطار الممارسات التجارية للحد من سلوكيات "غير عادلة" من حكومات الدول المصدرة للسلع.

هل ستؤثر الرسوم الجمركية على التضخم؟

التضخم في الولايات المتحدة سيبقى ضمن معدل 2 % في 2025. أرشيفية - تعبيرية

البروفيسور هانك قلل من تأثير الرسوم الجمركية على التضخم.

وقال "لن تؤثر زيادة تكاليف الاستهلاك والإنتاج المرتبطة بالرسوم الجمركية على التضخم، لكنها ستؤثر على الأسعار بشكل نسبي".

واستدرك "أقصد هنا، أن الزيادة ستكون في أسعار المنتجات المستوردة، مقارنة مع البنود الأخرى التي تشكل مؤشر أسعار المستهلك".

ويشرح هانك أن "التضخم ظاهرة نقدية في الأساس، والتغييرات الكبيرة في التضخم تسبقها دائما في أي مكان تغييرات كبيرة في مخزون النقود".

ويرجح أن معدل التضخم في الولايات المتحدة سينخفض إلى 2 في المئة أو أقل من ذلك في عام 2025.

وقال "كنت قد توقعت أن يبلغ التضخم في الولايات المتحدة بنهاية 2024 مستويات 2.5 في المئة و3 في المئة، لينتهي عند 2.9 في المئة، وذلك نظرا للنمو الهزيل للمعروض النقدي في البلاد منذ 2022".

وأشار هانك الذي ابتكر مؤشرا خاصا للتضخم، إلى أنه يعتمد على النظرية "الكمية للنقود" المعروضة في حسابات التضخم في الولايات المتحدة. وتقوم هذه النظرية على مبدأ أن التغييرات في العرض النقدي ستؤثر بشكل يتناسب مع الأسعار والنشاط الاقتصادي.

حالة عدم اليقين السياسي تضع الاحتياطي الفيدرالي في وضع "الانتظار". أرشيفية
تضخم مرتفع وسوق عمل قوية.. الاحتياطي الفيدرالي يتمهل في خفض الفائدة
قال مسؤولون من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الجمعة إن سوق العمل في الولايات المتحدة قوية وأشاروا إلى الافتقار إلى الوضوح لمدى تأثير سياسات الرئيس دونالد ترامب على النمو الاقتصادي والتضخم الذي ما زال مرتفعا، وأكدوا على نهجهم غير المتعجل في خفض أسعار الفائدة.

وأظهر استطلاع لرويترز/إبسوس، صدر نهاية يناير، أن الأميركيين يشعرون بقلق شديد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والإسكان وغيرها من الضروريات.

وينقسم الأميركيون بشأن الرسوم الجمركية، إذ عارض 54 في المئة منهم فرض رسوم جديدة، بينما أيدها 43 في المئة.

وكان الديمقراطيون أكثر معارضة والجمهوريون أكثر دعما في الاستطلاع.

وحذرت الصين في اجتماع في منظمة التجارة العالمية، مطلع فبراير، من أن "هذه الصدمات الجمركية تزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي، وتعطل التجارة العالمية، وتثير أخطار ارتفاع التضخم المحلي، وتشوهات السوق، أو حتى الركود العالمي".

وهذا ما يعبر عنه في الاقتصاد بـ "الركود التضخمي"، أي ارتفاع التضخم وركود النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.

وقال صناع السياسات النقدية في الولايات المتحدة في اجتماع عقد أواخر يناير إن الإجراءات الأولية المقترحة من الرئيس تثير مخاوف في مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن ارتفاع التضخم.

وأبلغت الشركات البنك المركزي بأنها تتوقع رفع الأسعار لتعويض تكلفة الرسوم الجمركية.

ووفقا لمحضر اجتماع المركزي الأميركي في 28 و29 يناير، الذي صدر الأربعاء، أشار صناع السياسات "عموما إلى مخاطر ارتفاع التضخم" وليس المخاطر على سوق العمل، مؤكدين أن المؤشرات أظهرت "ارتفاعا في التضخم في الآونة الأخيرة".

ويقول هانك "التأثيرات الأولية (للرسوم الجمركية) ستكون في خفض القدرة الشرائية للأميركيين، وإرباك الاقتصاد، وانخفاض الإنتاج والنمو عن مستويات ما قبل الرسوم".

الرسوم الجمركية "الأداة" الأكثر تفضيلا عند ترامب في مواجهة الممارسات التجارية غير العادلة.

ولكن آثارها الجانبية تضيق على جيب المستهلكين الأميركيين، ما يجعل ترامب الذي وعدهم بخفض "التضخم" أمام معادلة صعبة. إما بتحقيق وعده أو بانتكاسة تربك أجندته الاقتصادية.

ترامب أمام معادلة صعبة بفرض الرسوم الجمركية والحد من التضخم . أرشيفية
ترامب أمام معادلة صعبة بفرض الرسوم الجمركية والحد من التضخم . أرشيفية

تحمل الرسوم الجمركية التي تفرضها إدارة الرئيس، دونالد ترامب، تبعات على قطاع الطاقة وسط توقعات بارتفاع أسعار الوقود والكهرباء في الولايات المتحدة.

هذه الإجراءات قد تُحدث أيضا اضطرابات أيضا في تدفقات الطاقة بين الولايات المتحدة وكندا، وهي شريك تجاري رئيس في هذا القطاع.

من جانبها، تدافع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن هذه الرسوم باعتبارها خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن الاقتصادي للولايات المتحدة وتقليص العجز التجاري، وترى في هذه الإجراءات وسيلة لتحفيز الصناعة المحلية وضمان استقلالية أكبر في مجال الطاقة، رغم الانتقادات.

واستضاف الرئيس ترامب الرؤساء التنفيذيين لكبريات الشركات في صناعة النفط في البيت الأبيض، الأربعاء، حيث وضع خططا لزيادة إنتاج الطاقة المحلي في ظل تراجع أسعار النفط الخام والحروب التجارية المزمعة.

وكانت هذه أول جلسة لترامب مع قادة النفط والغاز منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير.

تركزت المناقشات حول تعزيز الهيمنة الأميركية في مجال الطاقة، وإصلاح عملية التصاريح، والحاجة إلى بناء شبكة الكهرباء الوطنية لتتنافس مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، بحسب تصريحات وزير الداخلية دوغ بورغوم ووزير الطاقة كريس رايت للصحفيين بعد الاجتماع.

وكان من المتوقع أن يعبر التنفيذيون عن مخاوفهم بشأن تعريفات ترامب الجمركية وأن يبرزوا وجهة نظرهم بشأن ضرورة وجود أسعار نفط أعلى لتحقيق وعد ترامب بزيادة الإنتاج المحلي.

لكن بورغوم قال إنه "لم تتم مناقشة الأسعار فعلاً"، لأن الأسعار تُحدد من خلال العرض والطلب.

رايت أوضح بعد الاجتماع أنه "في نهاية المطاف، الهدف الاقتصادي الكامل للرئيس هو خفض الأسعار وزيادة فرص العمل في الولايات المتحدة".

ترامب هدد صناعة السيارات الكندية- رويترز
من 25 إلى 50%.. ترامب يرفع التعريفات الجمركية على منتجات كندية
أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الثلاثاء، أنه أصدر تعليمات لوزير التجارة بإضافة رسوم جمركية بواقع 25 في المئة على جميع واردات الصلب والألمنيوم القادمة من كندا، ليصل إجمالي الرسوم الجمركية على تلك المنتجات إلى 50 في المئة.

ارتفاع كلف خطوط الأنابيبب والبنية التحتية

بينما جدد الرئيس ترامب دعمه قطاع النفط، فإن سياسته التجارية قد تسببت في زيادة حالة من عدم اليقين للعديد من الرؤساء التنفيذيين للشركات النفطية.

في خطاب ألقاه الثلاثاء في نيويورك، قال نائب الرئيس جي دي فانس إن ترامب "جاد جدا" في إعادة ترتيب نظام التجارة في البلاد.

وأضاف قوله: "نعتقد أن التعريفات هي أداة ضرورية لحماية وظائفنا وصناعاتنا من البلدان الأخرى، بالإضافة إلى حماية قيمة عمل عمالنا في سوق عالمي".

شركات نفط أميركية أعربت عن قلقها بشأن التعريفة الجمركية بنسبة 25٪ على جميع واردات الفولاذ والألومنيوم، على سبيل المثال، وهو ما من المرجح أن يرفع تكلفة خطوط الأنابيب الجديدة والبنية التحتية الأخرى.

وأعلنت إدارة ترامب عن خطط لفرض تعريفة جمركية منخفضة بنسبة 10٪ على منتجات الطاقة الكندية التي لا تغطيها اتفاقية تجارية سابقة مع الولايات المتحدة.

ولا يزال بعض التنفيذيين يأملون في أنهم سيتمكنون من الحصول على استثناءات، على الرغم من أن ترامب قد رفض هذه الفكرة.

أسعار النفط

بجانب المخاوف بشأن التعريفات الجمركية، بدأ الخلاف بين ترامب وحلفائه في قطاع الطاقة يظهر بشكل علني.

ويريد ترامب وفريقه أن تكون الأسعار أقل، بينما ترغب الشركات النفطية الأميركية في أن تكون الأسعار أعلى.

وخلال الحملة الرئاسية العام الماضي، قال ترامب إنه سيخفض تكلفة الطاقة إلى النصف في غضون 18 شهرًا أثناء دفعه لخطة زيادة الحفر المحلي، لكن شركات النفط لا ترغب بالضرورة في حفر المزيد، ولا تريد أن تنخفض أسعار النفط أكثر مما هي عليه الآن.

ويرغب الرئيس ترامب بتحقيق وعده بزيادة إنتاج النفط الأميركي الذي بلغ مستويات قياسية بالفعل بمقدار يصل إلى 3 ملايين برميل يوميًا، وتقليص أسعار الطاقة للأميركيين المتضررين من التضخم.

وتوقع محللون اقتصاديون، بحسب رويترز، وصول أسعار النفط القياسية لخام برنت إلى متوسط 73 دولارًا للبرميل عام 2025، بانخفاض قدره 7 دولارات مقارنة بعام 2024 بسبب سياسات الرسوم الجمركية الأميركية وخطط أوبك+ لزيادة الإنتاج.

وتعارض جهات عدة بينها معهد النفط الأميركي، الحرب التجارية مع المكسيك وكندا، باعتبار هذين الجارين هما المصدران الرئيسيان للنفط الخام المستورد.

وفرض ترامب رسومًا جمركية على النفط الخام المستورد من كندا والمكسيك، ولكن أصدر استثناءات للمنتجين الذين يمكنهم إثبات امتثالهم للاتفاقية التجارية بين البلدان الثلاثة، اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا.

وفي الشهر الماضي، ردًا على الرسوم الجمركية، قال الرئيس التنفيذي لمعهد النفط الأميركي، مايك سومرز "أسواق الطاقة متكاملة للغاية، والتجارة الحرة والعادلة عبر حدودنا أمر بالغ الأهمية لتوفير الطاقة بأسعار معقولة وموثوقة للمستهلكين الأمريكيين".

ويمثل المعهد، مئات الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز في الولايات المتحدة وحول العالم، بما في ذلك الشركات الكبرى مثل شيفرون وإكسون موبيل.

وأطلق معهد النفط الأميركي خطة طاقة من خمس نقاط ليتبعها ترامب والكونغرس تشمل إصلاح التصاريح، وزيادة انتاج النفط من المياه العميقة، وحماية الائتمانات الضريبية لاحتجاز الكربون وإنتاج الهيدروجين، والتراجع عن الدعم المالي للسيارات الكهربائية.

وتشتري المصافي الأميركية النفط من كندا والمكسيك، وتحوله إلى وقود مثل البنزين لتقوم بتصديره من جديد. تم تشكيل هذه الروابط التجارية على مدى عقود، وسيكون فكها مكلفًا وصعبًا، بحسب مراقبين نقلا عن صحيفة نيويورك تايمز.

صادرات الغاز الطبيعي

منحت وزارة الطاقة الأميركية يوم الأربعاء موافقة مشروطة على مشروع كبير لتصدير الغاز الطبيعي في ساحل خليج المكسيك، المعروف باسم CP2 LNG.

هذه المنطقة يرغب الرئيس ترامب الاستثمار فيها من أجل بيع المزيد من الغاز الطبيعي في الأسواق الخارجية.

تعتبر صادرات الغاز الطبيعي أحد المواضيع الهامة في سياسة الطاقة الأميركية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى زيادة دورها كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي في الأسواق العالمية.

تصدر الولايات المتحدة الغاز الطبيعي عبر الأنابيب إلى جيرانها مثل كندا والمكسيك، بالإضافة إلى تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق أخرى مثل أوروبا وآسيا.

لكن الحرب التجارية والرسوم الجمركية قد تعرقل هذا التصدير مع محاولة هذه الدول اللجوء الى مصادر أخرى "انتقاما من الاجراءات الأميركية".

بحسب النشر الاقتصادية لمجلة بوليتيكو، ستتغير تدفقات النفط والغاز ومنتجات البترول بسبب الرسوم الجمركية، فعلى سبيل المثال، قد يتم تصدير الديزل المكرر من شرق كندا إلى أوروبا بدلاً من الولايات المتحدة، وقد تتحرك أكثر من 200000 برميل يوميًا من النفط الخام من ألبرتا، الذي كان يتجه عادة إلى الغرب الأوسط الأميركي، عبر خط الأنابيب ليتم تصديره إلى آسيا.

قد تشهد مشروعات النفط الصخري والبحري الأميركية زيادة في التكاليف بنسبة تتراوح بين 5 إلى 10% فقط من الرسوم الجمركية على الصلب.

وقال الرئيس والمدير التنفيذي لجمعية الوقود والبتروكيماويات الأميريكية، تشيت تومسون، في بيان إن "فرض الرسوم الجمركية على الطاقة، والمنتجات المكررة، وواردات البتروكيماويات لن يجعلنا أكثر أمانًا في الطاقة أو يخفض التكاليف للمستهلكين".