صورة مأخوذة من صفحة انتفاضة المرأة في العالم العربي على موقع فيسبوك
صورة مأخوذة من صفحة انتفاضة المرأة في العالم العربي على موقع فيسبوك



يلدا يونس وديالا حيدر من لبنان، سالي زهني من مصر، فرح برقاوي من الأراضي الفلسطينية ورنا جربو من السعودية، خمس شابات جمعتهن صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتحولت معهن إلى ميدان للمطالبة بربيع عربي من نوع آخر، ربيع يكون للمرأة فيه حضور وحقوق لا تجعل منها مواطنة من الدرجة الثانية في بلدانها العربية.
 
صفحة "انتفاضة المرأة في العالم العربي" والتي استقطبت أكثر من 70 ألف شخص، تحولت إلى منبر لشابات تفاعلن مع الغبن اللاحق بهن، ولشباب رفضوا الواقع الذي تعيشه المرأة العربية من أم وأخت وزوجة وصديقة.
فمن اليمن، قالت مجموعة من الرجال والنساء "أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي لأنني إنسان"، فيما قال وليد ابن فاطمة إنه مع هذه الانتفاضة لأنه "في مجتمعي حتى اسم أمي عيب".
 
الحرية والكرامة
 
ومن مصر، قالت سلمى ناجي إنها مع هذه الانتفاضة "لأنني أرفض أن أكون مواطنة درجة ثانية...فحريتي الكاملة هي معيار كرامتي"، فيما ظهر محي وشقيقته أوليفيا (تعاني من متلازمة داون) في إحدى الصور المنشورة على الصفحة، وهما يحملان لافتة كتب عليها "أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي لأنني أرفض أن أعيش في عالم تنتهك فيه حقوق المرأة كل يوم بشكل يراه المجتمع طبيعيا و مقبولا".
 
وقد اجتذبت بعض التعابير الأكثر جرأة كيلا من الشتائم والتهجم من قبل القراء  المتشددين، إلا أن ذلك لم يوقف تدفق المشاركات والمشاركين.
وكتبت نهاد من مصر "أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي لأن جسمي ملكي ومش من حقك تتحرش بيا"، فيما كتبت فرح جوي من تونس "لا للاغتصاب، لا للعنف".
 
وظهر الفلسطينيان يوسف عباس وتمارا ريم معا في صورة واحدة مع لافتتين منفصلتين. وكتبت تمارا "أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي لأن عذريتي تخصني"، بينما كتب يوسف "لأن عذريتها تخصها".
 
تكفير وترهيب
 
أما الناشطة دانا بقدونس من سورية، فقد نشرت صورتها في سياق الحملة وهي تحمل ورقة كتبت عليها "أنا مع انتفاضة المرأة في العالم العربي لأني كنت محرومة لمدة 20 سنة من أن يلامس الهوا جسدي.. وشعري"، وفوق اللافتة رفعت جواز سفرها حيث تظهر صورتها الشخصية وهي ترتدي الحجاب.
وقد حصدت هذه الصورة حملة مضادة لتكفير دانا وترهيبها. وقد تم سحب الصورة من الصفحة، غير أن  القيمات على الصفحة أعدن نشر الصورة مع صورة أخرى لشابة محجبة كتبت أنها مع انتفاضة المرأة في العالم العربي "حتى لا ينظر المثقفون إلى حجابي على أنه سبب تخلف المجتمع"، ودوّنوا في أسفل كل صورة "فتاة حرّة".
 


إيمان بالمشروع
 
وسعيا لإلقاء الضوء على أنواع التمييز ضد النساء في الدول العربية، قالت يلدا يونس، إحدى  المسؤولات عن الصفحة، في اتصال هاتفي مع موقع "راديو سوا"، انطلقت الصفحة في أكتوبر/تشرين الأول 2011، بعد بدء انتفاضات الربيع العربي، مشيرة إلى أن الهدف منها هو المطالبة بحقوق المرأة "لاسيما أن إعطاء المرأة حقوقها لم  يكن من الأولويات خلال انتفاضات الربيع العربي، كما  أنه ليس من أولويات الأنظمة التي وصلت إلى الحكم بعد ثورات الربيع العربي".
 
وقالت يونس "تجمعنا نحن الخمسة بالصدفة، وإيماننا بهذا المشروع جمعنا أيضا مع العديد من الشباب والشابات من مختلف الدول العربية".
وقالت يونس إن "حقوق المرأة غير قابلة للتفاوض، وفي هذه الصفحة لا نطلب الإذن او الموافقة من أحد لنطالب بحقوقنا".
 
ورغم أن الكثير من الرجال والنساء يعتبرون مواقع التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر والمدونات الخاصة جبهات وهمية لن تعطي المرأة أي نتيجة ملموسة، غير أن الناشطات والناشطين الحقوقيين في مجال حقوق المرأة وحقوق الإنسان يؤكدون أن هذه التحركات بدأت تُحدث تغييرا ما في الدول العربية.
 
مواقع التواصل الاجتماعي والتغيير
 
ورفضت إيمان النفجان صاحبة المدونة "Saudiwoman" أن تصف مواقع التواصل الاجتماعي بالجبهات الوهمية، قائلة إن تواصل الناشطات السعوديات عبر هذه المواقع "هو نقطة تحول كبرى للسعودية"، مشيرة إلى أنها "أحدثت تغييرا في السعودية على مستوى الحكومة وعلى مستوى الشعب. فالكثير من التغيير الذي حصل جاء نتيجة حملة معينة بدأت على مواقع فيسبوك وتويتر وغيرها".
 
بدورها، أكدت السفيرة ميرفت تلاوي، رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، أهمية التواصل عبر التكنولوجيات الحديثة مثل فيسبوك وتويتر، قائلة في اتصال هاتفي مع موقع راديو سوا "حقوق المرأة هي جزء لا يتجزأ من الحريات العامة والنهوض بالمرأة هو النهوض بالمجتمع. والتغيير في المجتمع ويجب أن يواكبه تغيير في نظرة هذا المجتمع لقضايا المرأة". وقالت "اعتقد أن الشباب يقومون بدور لا بأس به باستخدام التواصل الاجتماعي. وأنا أشجعهم أن يكملوا وأن ينشطوا أكثر".
 
وفي لبنان، حيث تعاني المرأة من تمييز على الصعيدين الديني والإداري في حقوقها، دعا المحامي فادي كرم، أمين سر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، المرأة إلى الانتفاضة على واقعها الطائفي لتصل إلى حقوقها، لافتا إلى أن تحرك الشابات والشبان عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو على الأرض يبقى ناقصا ما "لم يتحول إلى كيان معين للضغط في هذا السبيل. وهذا يجب أن يترجم في الانتخابات النيابية"، مضيفا أنه يجب احتضان هذه التحركات "بفكر نظيف ضمن برنامج واضح"، قائلا "لنعمل على قانون للدولة اللبنانية مدني لا يراعي أي قانون مذهبي".
 
أما يونس، فقد أكدت أن فيسبوك كان عاملا أساسيا في إحداث الربيع العربي، "ولا أحد يمكنه إنكار ذلك"، مشددة على أن مواقع التواصل الاجتماعي قربت المسافات بين الناشطات والناشطين "لبناء شبكة قوية كان من الصعب حصولها بدون هذه المواقع في 22 دولة عربية".
وقالت "فيسبوك أتاح للناس من خلفيات مختلفة، اجتماعية سياسية دينية، العمل معا في مكان واحد. وهذا أمر نادر على أرض الواقع إن لم يكن مستحيلا".
 
التغيير والثورة
 
ولكن ما تطالب به النساء في العالم العربي من حقوق كثير جدا، وغير محصور. فعلى سبيل المثال ما تريده المرأة في مصر يختلف عما تريده في السعودية والمغرب واليمن...
 
وفي هذا الإطار، شدد كرم على أنه "لإحداث التغيير لا بد من حصول ثورة"، مشيرا إلى أن "قانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية وقانون الانتخابات، وهم العصب الأساسي لحقوق المرأة" العربية عموما واللبنانية على سبيل الخصوص.
 
فيما قالت النفجان "ما تريده المرأة السعودية هو فرص وظيفية أكثر، وإصلاح وزارة العدل ونظام المحاكم"، مضيفة "أنا لدي قناعة شخصية أنه لن يحصل أي تغيير في وضع المرأة السعودية إلا حين يسمح لها بقيادة السيارة، لأن هذا حدث رمزي يدل على تحول هام في الحكومة والمجتمع على أن المرأة هي على قدر المسؤولية".
 
من ناحيتها، دقت تلاوي ناقوس الخطر، قائلة "وضع المرأة العربية بعد الربيع العربي يتقلص ويُنتقص منه"، مضيفة "على سبيل المثال في مصر إلغاء الكوتا في البرلمان، عدم وجود المرأة في الحكومة بعدد كاف يعكس قدرتها ومكانتها في المجتمع المصري".
 
ولفتت تلاوي إلى حصول محاولات فاشلة في البرلمان لإلغاء القوانين الخاصة بالمرأة التي أعطيت لها لتصحيح وضعها، وقالت "الخطوة التالية أتت من خلال تغيير القوانين عن طريق الدستور وربط المواد الخاصة بحقوق المرأة بالشريعة، فيترك أمر تفسيرها لكل مذهب وكل مجتهد وكل فقيه".
 
وكشفت تلاوي عن أن التحركات التي تقوم بها الجمعيات الأهلية النسوية والحقوق غالبا ما تفسر على أنها "معادية للتيار الحاكم أو مناهضة للثورة"، مشيرة إلى الجو العام في مصر غير مؤاتٍ لهذه التحركات.
 
غير أن يونس، ذهبت إلى أبعد من ذلك، قائلة إن ما تريده المرأة العربية هو ما تريده أي امرأة في العالم: الحرية المطلقة لفكرها وجسمها، واستقلاليتها الذاتية والاجتماعية والدينية وحمايتها من كل أنواع العنف والتمييز بحقها. مضيفة أن المرأة العربية تريد احترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
 
ولكن ماذا تريد المرأة العربية من حقوق؟
 
أجابت تلاوي المرأة "تريد أن تحتفظ بحريتها وحقوقها التي وردت في الدين الإسلامي وأن لا يستخدم الدين كوسيلة قهر لها"، مشيرة إلى أن "الدين والشريعة الإسلامية لم تقهر المرأة، بل على العكس أعطتها مساحة كبيرة من هذه الحقوق".
ودعت تلاوي إلى "ثورة ثقافية تغير الثقافة الذكورية والثقافة المجتمعية التي ما زالت تنظر للمرأة نظرة دونية".
 
فيما قالت النفجان ما تريده المرأة هو "حقوق الإنسان، فإذا حصلنا على حقوق الإنسان يصبح عندنا ديموقراطية، وبالتالي يصبح صوت المرأة مسموعا في الحكومة. وعندما يصل صوت المرأة إلى المواقع الحكومية سيؤثر إيجابا على حقوقها في السعودية"، مضيفة "نحن نطالب كنساء في السعودية أ ن لا تعاملنا الدولة كقاصرين".
 
صحيح أنه كلما مرّ المشرق العربي ومغربه من منعطف سياسي، تقف المرأة العربية جنبا إلى جنب مع الرجل للمطالبة بما هو أفضل للمجتمع من حقوق سياسية واجتماعية. غير أنها، وبعد انقشاع الغبار السياسي، تجد نفسها وحيدة في ميادين الاحتجاج تطالب بحقوقها من دون أن تلقى آذانا صاغية. و"لأن الحق في الحرية لا يعطى بل يؤخذ"، قالت يونس، "نحن لا نطلب الإذن من أحد للحصول على حقوقنا".