أميركي يرفع لافتة أمام البيت الأبيض تقول"أمة واحدة لدستور واحد" و"افصلوا بين الدين والدولة"
أميركي يرفع لافتة أمام البيت الأبيض تقول"أمة واحدة لدستور واحد" و"افصلوا بين الدين والدولة"




"الأديان كلها سواء: قامت على الخرافات والأساطير". هذه العبارة كانت مكتوبة على لافتة وضعتها مجموعة تروج للأفكار الإلحادية جنبا إلى جنب مع لافتات أخرى مسيحية تتناول قصة المسيح على شاطئ مدينة سانت مونيكا بولاية كاليفورنيا.

وقد دفعت السخرية من المسيح وسانتا كلوز في أميركا منظمات مسيحية للتقدم بشكوى أمام القضاء في ولاتية كاليفورنيا.

الأمر ذاته تكرر في ولاية تكساس، حيث رفع عدد من طلاب وأولياء أمور مدرسة كونتزي دعوى قضائية ضد قرار المدرسة حظر الشعارات الدينية في مباريات كرة القدم بعد أن اشتكت مجموعة إلحادية من"خرق" حرية التعبير.

هاتان الحادثتان وغيرهما من الحوادث تلقي الضوء على فئة من الأميركيين ممن لا ينتمون لطائفة دينية وهم الملحدون: لا يؤمنون بوجود الله. واللأأدريون: يقولون إنه ليس هناك سبيل لمعرفة وجود الله من عدمه. وغير منتمين لدين محدد: لايتبعون دينا محددا. وقد  ارتفع عددهم جميعا بشكل هائل حسب دراسة لمركز بيو للأبحاث، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة مازالت أكثر الدول الغربية تدينا.

من هم اللادينيون؟

الدراسة الجديدة أظهرت أن عدد هؤلاء ارتفع من 15.3 في المئة عام 2007 إلى 19.6 في المئة عام 2012 مع وصول هذه النسبة إلى أكثر من الثلث بين البالغين الأميركيين دون الثلاثين عاما.

رسم توضيحي لمعدلات ارتفاع عدد الأميركيين الذين لا ينتمون لطائفة دينية-صورة لمها السويس وحسام البيلي

​​​​​​كما زاد عدد الأميركيين ممن لا يحضرون أو نادرا ما يحضرون طقوسا دينية من 25 في المئة 2003 إلى 29 في المئة عام 2012 .

دان باركر مدير مؤسسة Freedom From Religion التي أقنعت إدارة مدرسة كونتزي باتخاذ قرار منع الملصقات الدينية صرح لموقع "الحرة" بأن رفع لافتات دينية في مباريات كرة القدم ليست جزءا من حرية التعبير، لأن هؤلاء كانوا يتواجدون في مكان حكومي ولا يمثلون أنفسهم فقط.

وتساءل "ماذا لو وضع البعض لافتات تقول إن الحكومة ملحدة؟ وماذا عن تبني الدعوى لأن تكون الانجليزية اللغة الوحيدة للتخاطب؟ لماذا للمسيحيين الحق في سب غير المؤمنين وليس لدينا نفس الحق؟".

لكن الدراسة أشارت إلى أن الملحدين واللاأدريين لا يمثلون إلا حوالي 6 في المئة من الشعب الأميركي وفرقت بينهم وبين غير المنتمين لدين معين والذين يمثلون حوالي 14 في المئة وقالت إن منهم من يؤدي الصلوات ويؤمن بوجود الله.

ويقول باركر إن هناك تأثيرا ملحوظا لهذه الفئة من الأميركيين من خلال نشاطهم الدائم للعمل على فصل الدين عن الدولة على كافة المستويات من البيت الأبيض وعمداء المدن وأعضاء الكونغرس، متوقعا زيادة تأثير الصوت الانتخابي لهؤلاء خلال السنوات العشر القادمة.

تقلص عدد البروتستانت

ولفتت الدراسة أيضا إلى تقلص عدد المسيحيين البروتستانت من حوالي 62 في المئة عام 1972 إلى حوالي 48 في المئة عام 2012.

لكن أندرو هيس من مؤسسة Focus on the Family التي تدافع عن القيم المسيحية اتهم وسائل الإعلام بالمبالغة في تقييم نتائج الدراسة نافيا وجود تهديد للمسيحية.

غالبية هؤلاء يصفون أنفسهم بأنهم روحانيون ولا يعني عدم إتباعهم دين معين أو عدم ذهابهم إلى الكنيسة أنهم فقدوا إيمانهم
أندرو هيس

وقال إن غالبية هؤلاء يصفون أنفسهم بأنهم روحانيون ولا يعني عدم إتباعهم دين معين أو عدم ذهابهم إلى الكنيسة أنهم فقدوا إيمانهم، مشيرا كذلك إلى أن عدد المؤمنين في بعض الطوائف المسيحية مازال ثابتا ولم يتغير.

وأضاف أن غالبية غير المنتمين لطائفة دينية هم ليبراليون ما يبرر اعتراضهم على التقاليد الدينية في الزواج والإجهاض، إذ أظهرت الدراسة أن 72 في المئة منهم يؤمن بحق المرأة و 73 في المئة يؤمن بزواج المثليين.

وبحسب نتائج الدراسة، فإن غير المنتمين لطائفة دينية يمثلون القاعدة الأكبر في الحزب الديموقراطي بنسبة حوالي 24 في المئة، إذ أن 63 في المئة منهم ينتمون أو يميلون لهذا الحزب المعروف بأفكاره الليبرالية.

ولفتت الدراسة أيضا إلى أن 63 في المئة منهم يرون أن الدين بدأ يفقد تأثيره على المجتمع، كما اتهم غالبيتهم المؤسسات الدينية بأنها تهتم بالمال والسلطة، لكنهم يرون في الوقت نفسه أن هذه المؤسسات تقوي من الروابط الاجتماعية.

أسباب الظاهرة

قال مارك شافيز أستاذ علم الاجتماع بجامعة ديوك إن الظاهرة تعود جذورها إلى منتصف خمسينيات القرن الماضي عندما كان عدد هؤلاء لا يتعدى ثلاثة في المئة، وازداد هذا العدد مع ظهور أجيال جديدة تؤمن بهذه الأفكار وخروج الأجيال القديمة من المشهد العام.

وأشار إلى أن "الاتجاه الجديد للاعتراف بعدم الانتماء إلى طائفة دينية دفع الكثيرون إلى الإعلان صراحة عن ذلك، مقارنة بالعهود السابقة".

الاتجاه الجديد للاعتراف بعدم الانتماء إلى طائفة دينية دفع الكثيرون إلى الإعلان صراحة عن ذلك، مقارنة بالعهود السابقة
مارك شافيز أستاذ علم الاجتماع

وأفاد شافيز في تصريحات لموقع "قناة الحرة" إلى أن الزيادة المفرطة في عدد هؤلاء بدأت في تسعينيات القرن الماضي كرد فعل ضد ظهور اليمين المحافظ في الثمانينيات، فأسرع ليبراليون للإعلان عن أنفسهم كأشخاص لا ينتمون لدين معين خشية أن يحسبوا على التيار اليميني الجديد.

ونفى شافيز وهو صاحب كتاب (الدين في أميركا: الاتجاهات المعاصرة) وجود تهديد للمسيحية بالنظر إلى أن الشعب الأميركي مازال متدينا، إلا أنه أشار رغم ذلك إلى ارتفاع نسبة الأميركيين ممن يؤمنون بفصل الدين عن السياسة من 22 في المئة عام 1991 إلى 38 في المئة.

مستقبل الولايات المتحدة

استمرار هذه الظاهرة، يقول شافيز، يعتمد على عدة عوامل منها أن غالبية هؤلاء ليس لديهم أطفال أو لا يرغبون في أن يكون لديهم أطفال على عكس المتدينين الذين يفضلون الزواج وتربية الأبناء، ما يضع تساؤلا حول نسبة الفريقين في الأجيال القادمة.

كما أشار إلى أن أحد العوامل التي تعيق زيادة عدد هذه الفئة هو ارتفاع عدد المهاجرين الوافدين إلى الولايات المتحدة من أميركا اللاتينية والمكسيك وغالبيتهم من المتدينيين الكاثوليك.

تنويه: الرسم التوضيحي من إعداد مها السويس وحسام البيلي.

شارك بتعليق حول تداعيات ارتفاع عدد اللادينيين على مستقبل الولايات المتحدة.

الرئيس جورج واشنطن
الرئيس جورج واشنطن

مترجم

كثر الحديث في مختلف أنحاء العالم عن الانقسامات والنزاع بين المسلمين والولايات المتحدة، لكن التأمل بشكل أعمق في التاريخ الأميركي يكشف مدى تعارض الثقافة الأميركية مع ذلك الاعتقاد.

وكتب كريغ كونسداين، مدير مشروع Journey Into America الذي يجري دراسات وأفلاما وثائقية حول المسلمين في أميركا وتأثير هجمات سبتمبر على قيم الانفتاح والتعددية والاندماج الثقافي في الولايات المتحدة، في مقال على موقع Middle East Voices، أن العالم يبدو في يومنا هذا منقسما، رغم أن قيم "الآباء المؤسسين للولايات المتحدة" وإيمانهم بأن أميركا ستبقي ذراعيها مفتوحتين لاحتضان من يقصدها بغض النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم.

وأضاف أنه لا ينبغي على الأميركيين والمسلمين أينما كانوا أن يتفاجأوا عندما يجدون أن كتابات "الآباء المؤسسين"، وهم الساسة الذين شاركوا في الثورة الأميركية فكتبوا وثيقة استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا في 1776 وشاركوا في حرب الثورة وكتبوا الدستور الأميركي الذي اعتمد في 1787، تكشف عن وجهة نظر منفتحة بل فيها قبول مطلق للإسلام وبالطبع لباقي الديانات على حد السواء.

وأشار إلى ما كتبه جورج واشنطن في عام 1783، قبل أن يصبح أول رئيس للدولة الوليدة (1789-1797)، وجاء فيه أن "صدر أميركا مفتوح لاحتضان المظلومين والمضطهدين من مختلف الأوطان والديانات، وعلينا أن نرحب بهم للمشاركة في كافة حقوقنا وامتيازاتنا... قد يكونون مسلمين، يهودا، مسيحيين من أي طائفة، أو قد يكونون ملحدين".

أما جون أدامز، الذي تولى منصب نائب الرئيس خلال ولاية واشنطن قبل أن يصبح ثاني رئيس أميركي (1797-1801)، فقال إن "الرسول محمد واحد من أكثر الباحثين عن الحقيقة اتـّزانا في العالم".

كما قال أدامز، الذي احتفظ بنسخة من القرآن الكريم في مكتبته، في عام 1797 إن الحكومة الأميركية "لا تشعر بأي عداوة تجاه قوانين أو دين المسلمين".

وذكر كونسداين أن بنجامين فرانكلين، وهو من الآباء المؤسسين، ساهم في تأسيس معبد ديني مفتوح أمام جميع الديانات، مشيرا إلى أن حتى "مفتي القسطنطينية (تركيا) تلقى دعوة لزيارة أميركا ودعوة الأميركيين للإسلام في المعبد".

وفي وثيقة عن الحرية الدينية لتشريعات مستعمرة فرجينيا تعود إلى عام 1777، ذكر توماس جيفرسون، أحد أهم محرري وثيقة إعلان الاستقلال وثالث رئيس أميركي (1797-1801)، أن "اليهود والوثنيين والمسيحيين والمسلمين والهندوس والكافرين من كل الطوائف" مرحب بهم.

​​واليوم يقف تمثال لجيفرسون في جامعة فرجينيا يحمل لوحا كتب عليه "حرية دينية، 1786" نحتت تحتها كلمات: الله (Allah)، غود (God)، يَهْوَه (Jehovah)، وبراهما (Brahma) الإله عند الهندوس.

جسور العالم في أمس الحاجة إليها

وقال كونسداين إنه بروح "الآباء المؤسسين" جاب أكبر أحمد، السفير الباكستاني السابق إلى بريطانيا والرئيس الحالي لفرع الدراسات الإسلامية في الجامعة الأميركية بواشنطن، مع طلابه مختلف أنحاء الولايات المتحدة للتعرف على الهوية الأميركية بعيون المسلمين.

وأضاف أنه تم توثيق الرحلة الاستكشافية عبر تصوير الفيلم الوثائقي Journey into America الذي تابع تحركات أحمد وطلابه في أكثر من 75 مدينة أميركية، ومئة مسجد، فضلا عن منازل ومدارس وأماكن عبادة لأميركيين من مختلف الخلفيات.

وأوضح أن الفيلم يصوّر كيف أعاد كثير من المسلمين الأميركيين إيمان الآباء المؤسسين إلى الحياة، بل ذهب أبعد من ذلك لتوثيق كيف فقد بعض الأميركيين إدراكهم لمكونات الهوية الأميركية مثل التسامح والرحمة والانفتاح، حسب تعبيره.

وكتب "في رأيي إن الرؤية التعددية للآباء المؤسسين هي القيمة الجوهرية التي تميّز الهوية الأميركية عن باقي الهويات القومية حول العالم".

وأضاف أنه "لاستعادة رؤية الآباء المؤسسين الذين أرادوا أن تكون أميركا مكانا يتعايش فيه جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، أطلقت مبادرة "One Film 9/11".

وأكد أنه "من أجل تقدّم الأميركيين والمسلمين في اتجاه يعود بالمنفعة عليهما معا، على الطرفين أن يكرّسا جهودهما لتطبيق المبادئ التي عبّر عنها الآباء المؤسسون"، واصفا مبادرة One Film 9/11 بأنها خطوة هامة لبناء جسور العالم في أمس الحاجة إليها.

تنويه: المقال نشر أول مرة على موقع Commongroundnews.org