يحتفل الأميركيون الخميس 22 نوفمبر/تشرين الثاني بعيد الشكر وهو تقليد أميركي غير ديني يهدف إلى التأمل والشكر وتشاطر الخيرات، وتعود جذوره إلى احتفال بموسم حصاد وفير نظم عام 1621 في ولايات الشمال الشرقي المعروفة باسم نيو إنغلند.
ولعل عيد الشكر هو الاحتفال الأميركي العائلي دون منازع إذ يتم إحياؤه بين الأهل ومع الجيران والأصدقاء الذين يجتمعون حول ولائم فاخرة يكون الديك الرومي أهم عناصرها.
وتتميز هذه الفترة بإقبال الأميركيين على السفر جواً وبراً في الولايات المتحدة، إذ يحاول ملايين منهم الانضمام إلى عائلاتهم وقضاء العيد في أحضان الأهل والأحباء.
ويكرس كثير من الأميركيين وقتهم لإعداد وتقديم الطعام للمحتاجين ويتطوعون في المراكز المعروفة باسم مطابخ الحساء، وكذلك في الكنائس وملاجئ المشردين، فيما يتبرع آخرون لحملات جمع المواد الغذائية أو يشاركون في نشاطات جمع التبرعات التي تنظمها الجمعيات الخيرية المختلفة.
عفو رئاسي
وللبيت الأبيض تقليد خاص به، فعلى الرغم من أن عيد الشكر يعد مناسبة غير سعيدة لطائر الديك الرومي إلا أن الرئيس يصدر في مراسم خاصة عفوا رئاسيا عن ديك سعيد الحظ لن يقف أبدا أمام جزار.
ومساء الأربعاء، أصدر أوباما عفوا عن الديك كوبلر ووصيفه غوبلر اللذين سينتقلان للعيش في أمان وسلام في مزرعة الرئيس جورج واشنطن القريبة من العاصمة حيث سيمضيان بقية حياتهما.
وتم انتخاب الديك المحظوظ ووصيفه، لأول مرة في تاريخ العفو الرئاسي عن الديكة عبر تصويت إلكتروني شعبي على صفحة البيت الأبيض على فيسبوك.
وقال أوباما مازحا "يقولون إن الحياة تعتمد على الفرص الثانية ... وفي نوفمبر الجاري لا يسعني سوى الاتفاق مع هذه المقولة"، وأضاف أن "الشعب الأميركي قال كلمته .. هذان الطائران سيمضيان قدما".
ومنذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض يتم اختيار ديكين حتى إذا تعذر على الأول ممارسة مهامه كديك العام يستلم وصيفه اللقب. في حين بدأ التقليد في عام 1963 خلال عهد الرئيس جون كينيدي الذي كان يبعث بالديك الرومي إلى المزرعة الرئاسية ويمتنع عن ذبحه، إلا أن الرئيس جورج بوش الأب كان أول من أصدر عفوا رسميا عن ديك رومي وكان ذلك عام 1989.
لكن عملية العفو لم تكن دائما محمودة العواقب، فأحد الديكة التي عفا عنها الرئيس السابق جورج بوش الابن خلال فترة رئاسته نكر الجميل وكاد أن يبعث إلى المطبخ بعد أن أعتقت رقبته.
ما هو عيد الشكر؟
اكتسب عيد الشكر طقوسه الخاصة منذ عام 1863 عندما أعلن الرئيس الـ16 أبراهام لينكون رابع يوم خميس من شهر نوفمبر/تشرين الثاني، عطلة وطنية.
ويحيي العيد ذكرى الوليمة التي تمت في عام 1621 للإعراب عن شكر المستوطنين الأوائل للهنود الأميركيين لقيامهم بإطلاع المهاجرين على معارفهم وتعليمهم مهاراتهم التي لولاها لما بقوا على قيد الحياة على الأرجح لقلة خبرتهم بالبيئة الجديدة.
أما أطباق الوليمة التقليدية التي لن يكون كوبلر وغوبلر طرفا فيها، فتشمل الديك الرومي المحشو وبطاطس مهروسة وصلصة من مرق اللحم وبطاطس حلوة وصلصة التوت البري فضلا عن فطيرة اليقطين.
ويرتكز مفهوم عيد الشكر عند الأميركيين على فكرتي العطاء والشكر ويكرس قيمة العائلة في المجتمع، كما قالت كيري لـ"راديو سوا" أثناء تسوقها للوازم العيد من أحد المتاجر في ولاية فرجينيا.
وأضافت "هو بالتأكيد احتفال ببلادنا والتعبير عن امتنانا للإنتماء إلى الولايات المتحدة. وهو احتفال عائلي حيث يلتقي كل أفراد الأسرة ليتناولوا الطعام معا. وهذا شيء لا يتكرر كثيرا في الأيام العادية هنا في الولايات المتحدة".
وتحدثت كيري عن أطباق مائدة عيد الشكر قائلة "الديك الرومي والخبز والسلطة. أظن أن كل عائلة تحضر أطباقا جانبية مختلفة كالبطاطس والذرة. تحضير هذه الأطباق عادة يستغرق نصف يوم".
والجالية العربية في الولايات المتحدة تحتفل أيضا بهذا العيد، وقال السيد شادي الشماق وهو من أصل أردني إن العيد بالنسبة له "جمعة للعائلة فقط فالمدارس معطلة، والناس معطلة، ما يتيح الفرصة لدعوة الأقارب وشراء الديك الرومي والاجتماع للأكل ولا شئ غير الأكل، هو جمعة عائلية فقط لا غير، وهذا أحلى شيء".
كما قال زهير بوحفص، وهو من أصل مغربي، إن العيد بالنسبة إليه "يوم عطلة يقضيها مع أسرته وأصدقائه"، مضيفا أن "أهم ما فيها مشاهدة مباريات كرة القدم الأميركية وتشجيع فريقه The Red Skins".
وبالنسبة لسليمان حسن سليمان فإن عيد الشكر يوم مميز كونه فرصة كبيرة لتقدير قيمة العائلة، فقد قال لـ"راديو سوا" "هو اليوم الوحيد في السنة الذي يلتقي فيه جميع أفراد العائلة في مكان واحد على مائدة واحدة. وهذا الشيء رائع بالنسبة لنا كأميركيين من أصل عربي لأن العائلة تعني الكثير لنا".
أما إلهام بوعرفة، وهي مغربية الأصل، فقالت إن عيد الشكر "مناسبة يجتمع فيها الأهل والأصدقاء حول مائدة شهية يكون الديك الرومي والبطاطس والمقرونة بالجبنة أبرز ما عليها".
الديك الرومي "مهاجر" مكسيكي
ومع أن عيد الشكر تقليد جوهري في الثقافة الأميركية إلا أن الديك الرومي ليس أميركي الأصل بل مهاجر مكسيكي.
فقد قالت الباحثة في وزارة الزراعة الاميركية جولي لونغ لإذاعة صوت أميركا إن الديك الرومي الداجن عاش في ميزوأميركا، التي تسمى اليوم المكسيك، في عام 800 قبل الميلاد تقريبا.
وأضافت أن سكان ميزوأميركا كانوا يأكلون الديك الرومي كل الوقت، مشيرة إلى أن الغزاة الإسبان عندما وصلوا في القرن الـ16 إلى المنطقة اكتشفوا تلك الطيور الداجنة التي كان طعمها ألذ من التي اعتادوا تناولها في أوروبا، حسب لونغ.
وقالت إن الإسبان اعتادوا تناول طيور مثل الطاووس التي كانت جميلة المظهر لكن لحمها كان قليلا بعكس الطيور المكسيكية.
وإلى جانب الذرة والفلفل والطماطم، جلب الإسبان الديكة الرومية معهم إلى أوروبا لينتشر هذا النوع الجديد من الطيور من إسبانيا إلى هولندا وإنجلترا حيث كان الإوز طبق عيد الميلاد حتى قدوم الديك الرومي.
وعاد الديك الرومي من جديد إلى القارة الأميركية مع وصول المهاجرين الأوروبيين الذين جلبوا معهم هذا النوع من الطيور إلى جانب حيوانات أخرى إلى مستوطنة ماساشوسيتس باي في ثلاثينيات القرن الـ17.
تقاليد أخرى
ومن تقاليد العيد بث مباريات لرياضة كرة القدم الأميركية التي يتخللها عرض فني بمشاركة نجوم غناء. وتظهر أجواء العيد طبعا على المشجعين الذين يرتدي كثير منهم ملابس احتفالية مثل قبعات على شكل ديك رومي وغيرها.
كما تنظم استعراضات عيد الشكر في المدن والساحات الرئيسية، حيث تعزف الموسيقى الشعبية وتشارك فرق موسيقية من الجامعات والمدارس بحضور نجوم كرة السلة.
وهذا العام سيشارك في استعراض مدينة نيويورك نجم كرة السلة كريم عبدالجبار وكريس مولن وآخرون. وينضم للاحتفال نجوم الموسيقى والغناء لموكب عيد الشكر في نيويورك بمن فيهم فرقة ذا رووتس وراشيل كرو وفلو ريدا.
ومن أكبر احتفالات العيد أيضا، الاستعراض الاحتفالي الضخم الذي ينظمه متجر ميسيز (Macy's)، أحد أكبر المحلات التجارية في الولايات المتحدة، في نيويورك. ويشمل احتفال ميسيز الشهير تنظيم عروض متنوعة تستقطب كل عام أكثر من ثلاثة ملايين متفرج في المدينة وأكثر من 50 مليونا آخرين يتابعونها عبر شاشات التلفزة.
وغداة العيد يتوجه المتسوقون إلى مختلف المتاجر التي تقدم أسخى العروض والتخفيضات. ويطلق على اليوم اسم الجمعة السوداء ينفق فيه الأميركيون ملايين الدولارات ويعتبر بداية موسم المبيعات والشراء لفترة أعياد الميلاد.
تنويه: رزان سرية ساهمت في إعداد الموضوع.