الأسلحة في أميركا
الأسلحة في أميركا

في صباح يوم الجمعة الموافق 14 ديسمبر/كانون الأول، اقتحم آدم لانزا مدرسة "ساندي هوك" في مدينة نيوتاون الصغيرة في ولاية كونيتيكت وأطلق النار بشكل عشوائي فقتل  26 شخصا بينهم 20 طفلا لم يتجاوزوا ربيعهم السابع، في اعتداء صدم المجتمع الأميركي وأعاد إلى الواجهة الجدل حول الأسلحة وحق امتلاكها.

ويحتمي المدافعون عن حق امتلاك الأسلحة بالدستور الأميركي الذي يعطي الفرد حق امتلاك السلاح في حدود لا تتعدى الاستخدام الشخصي والدفاع عن النفس، فيما يرى المعارضون أن الدستور أعطى ذلك الحق عام 1791 في ظروف وبيئة لا تتماشي مع يومنا هذا.


الدستور والجدل حول السلاح

وينص التعديل الثاني في الدستور الأميركي على أن"حق الناس في الاحتفاظ وحمل السلاح لن يمس، فوجود مليشيات منظمة جيدا هو أمر ضروري لأمن الدولة الحرة".

هذا النص الدستوري قابل للتأويل أيضا، فيقول المدافعون إن كلمة "الناس" في النص تنطبق على جميع المواطنين، فيما يشير آخرون إلى أن "الناس" في سياق الجملة تعني أولئك المنتمين إلى ميليشيا منظمة وليس جميع الأميركيين.

وفسرت المحكمة العليا الأميركية في عدة مناسبات كان آخرها عام 2010 التعديل الثاني المتعلق بامتلاك وحمل السلاح على أنه حق لكل أميركي يقع في نطاق حدود الحرية الفردية والحماية الشخصية التي كفلها الدستور.

وترفض  المحامية شيري أوين، التي ترعرعت في الريف الأميركي حيث يعد الصيد البري هواية واسعة الانتشار ويمتلك معظم السكان سلاحا واحدا على الأقل، تفسير المحكمة للمادة الدستورية. وأوضحت في حوار مع موقع "راديو سوا"  أنها لا تعتقد أن من حق الأميركيين امتلاك السلاح لمجرد أن الدستور يسمح بذلك.

وأضافت أنه إذا تمت قراءة التعديل في سياقه التاريخي فسيتبين أنه لا ينطبق على ما يعتقده كثير من الأشخاص، حسب تعبيرها. وأكدت أن رفضها لتفسير المحكمة لا يعني أنها تعارض حمل السلاح، بل تؤيده تماما، لكنها قالت إن المشكلة تتعلق بالقوانين والنصوص المتعلقة بشراء واقتناء الأسلحة في البلاد.

ومن جانبها، قالت أماندا بونزيو، وهي أم لولدين تعلّمت الرماية منذ كانت في الثامنة من عمرها، إنها لا تمانع أن يملك المواطنون أسلحة، لكنها أبدت تأييدا "لسن قوانين لضبط اقتنائها واستعمالها مثلما توجد قوانين خاصة بقيادة السيارات".

من يتحمل المسؤولية؟

وكثر الحديث في أعقاب مجزرة ساندي هوك، عمن يتحمّل مسؤولية الاعتداء الذي يعد أحد أسوأ حوادث إطلاق النار العشوائي في البلاد.

فهناك من قال إن مرتكب الجريمة وحده مسؤول عما اقترفت يداه، فيما أشار آخرون بأصابع الاتهام إلى الجمعية الوطنية للبنادق (NRA)، وهي من أكبر المدافعين عن التعديل الدستوري الثاني وحق امتلاك الأسلحة وأكبر صوت معارض لقوانين ضبط استخدام وامتلاك الأسلحة، كما أنها لزمت الصمت أربعة أيام بعد الحادث قبل إصدارها بيانا مقتضبا أعلنت فيه استعدادها لتقديم مساهمتها للتأكد من عدم تكرار ما حدث.

وجاء في مقال نشر على موقع صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل تحت عنوان "غموض التعديل الثاني" أن المسلّح لم يطلق النار في المدرسة الابتدائية لوحده "بل كان معه 300 مليون شريك في الجريمة يعرفون أيضا باسم ‘الشعب الأميركي’".

وأضافت كاتبة المقال سوزان فروست أنه "ربما فتح كل مواطن أميركي النار لأننا ركعنا للجمعية الوطنية للبنادق وسمحنا بانتشار أسلحة يستخدمها الجيش داخل حدود بلادنا".

بيد أن بونزيو، التي تحمل شهادة في العلوم السياسية وماجستير في إدارة الأعمال، قالت إنه على الرغم من عدم تأييدها لجمعية البنادق إلا أنها لا تعتقد أنها مسؤولة عن مجزرة نيوتاون أو غيرها من عمليات القتل الجماعية بل إن "مرتكبي تلك الجرائم لديهم مشاكل أعمق وأن نزع السلاح لن يحلّ القضية".

وفي نفس الإطار أعربت المحامية أوين عن اعتقادها أن المسؤول الوحيد عن مأساة ساندي هوك هو مرتكب العملية، مشيرة إلى أنه سيكون هناك دائما أدوات يمكن استخدامها للقتل وإذا تم حظر المسدسات فإن الراغبين في ارتكاب جرائم سيصنعون متفجرات أو سكاكين أو سموما لأن هناك دائما أشخاصا متعطشين للقتل، على حد تعبيرها.

وحسب موقع ماذر جونز فإن هناك حوالي 300 مليون قطعة سلاح لدى المواطنين الأميركيين الذين يبلغ عددهم 314 مليون نسمة تقريبا.

الصحة العقلية

وقالت المحامية أوين إنه لو كان هناك طرف يمكن تحميله المسؤولية عما حدث في المدرسة "فهم الأشخاص الذين كانوا في حياة مطلق النار والذين كانوا على اطلاع باضطراباته العقلية أو ميوله للعنف ولم يفعلوا شيئا لمساعدته أو الحيلولة دون تحوله إلى خطر يهدد المجتمع".

وأشارت تقارير صحافية أميركية إلى أن مطلق النار كان يعاني على الأرجح من اضطرابات نفسية ربما دفعته إلى ارتكاب جريمته، فيما تحدثت عدة تقارير عن طبيعته الانعزالية.

وموضوع رعاية الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية مشكلة أخرى طفت على السطح بعد الاعتداء على المدرسة، كما سلّطت وسائل الإعلام الأميركية عليه الضوء بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

,بحسب المعهد الوطني للصحة العقلية فإن حوالي 26.2 في المئة من الأميركيين فوق سن 18 عاما يعانون من اضطراب عقلي كل عام، أي أن واحد بين كل أربعة أميركيين أو حوالي 57.7 مليون شخص تقريبا.

وعنونت مدونة اسمها ليسا لونغ مقالا نشرته على موقع بلو ريفيو وأعيد نشره في كثير من المواقع "أنا أم آدم لانزا"، تحدثت فيه عن تجربتها المرّة مع ابنها الذي يعاني من اضطرابات نفسية حولت حياتها وحياة طفليها الآخريْن إلى كابوس سلبهم الشعور بالأمن والأمان.

وأكدت لونغ في مقالها أنها على الرغم من حبها الشديد لابنها ومحاولاتها مساعدته، إلا أنه يرعبها. وأشارت إلى أن حادثة ساندي هوك مأساة وطنية تجعل من مناقشة الأمراض العقلية أمرا واجبا على المجتمع والسلطات. وأكدت أن الأهالي الذين يعيشون في خوف دائم مع أبنائهم الذين يعانون من مشاكل نفسية، يحتاجون إلى المساعدة.

وسردت المدونة قصتها مع ابنها الذي هددها بالقتل أكثر من مرة، وقالت إنها عندما لجأت إلى أحد الموظفين الاجتماعيين وسألته عن الخيارات أمامها، أبلغها أن الخيار الوحيد هو أن "توجه أي تهم" إلى ابنها الذي لم يتجاوز 13 عاما، حتى يودع في السجن ويحتجز بعيدا عنها وعن المجتمع. لكنها أكدت أن فلدة كبدها ليس بمجرم بل شاب في منتهى الذكاء يعاني من مشاكل فوق طاقته، مشيرة إلى أنه وآخرين مثله يحتاجون إلى المساعدة وأن الوقت قد حان لفتح حوار وطني حول قضيتهم.

الدين والسلاح

وألقى بعض السياسيين ورجال الدين باللائمة على المناهج الدراسية التي ابتعدت عن تدريس الدين.

وفي هذا الإطار قال حاكم ولاية أركانسو السابق الجمهوري مايك هاكابي الذي لم يحالفه الحظ في انتخابات الرئاسة عام 2008، إن إطلاق النار في المدرسة يعود "بشكل جزئي إلى منع الصلاة والمواد الدينية في فصول الدراسة"، متسائلا في حوار مع شبكة FoxNews  "لماذا نستغرب إذن عندما تصبح المدارس مكانا للمجازر".

وقال القس بيل إليف من كنيسة سميت والعضو في الجماعة الدينية اليمينية OneCry إن هجمات 11 سبتمبر/أيلول وإطلاق النار في ساندي هوك "عقاب إلهي"، موضحا أن الرب سمح بوقوع الاعتداءين المأساويين بسبب ما أسماه بـ"فخرنا الإنساني وحكومتنا العلمانية من أجل أن يعيدنا الله إلى صوابنا ويعيدنا إلى عبادته".

وشكلت المجزرة مأساة أدانها رجال الدين من مختلف الديانات والأطياف واجتمعوا بعد أسبوع على وقوعها بهدف دعم المشرعين الذين يبحثون اتخاذ خطوات من أجل تعديل القوانين الحالية الخاصة بتنظيم حمل الأسلحة النارية.

ويبدو أن الجدل سيبقى محتدما في الولايات المتحدة بين من يدعو إلى قوانين صارمة لحمل السلاح ومن يعارضها ومن يدافع عن حق حملها للدفاع عن النفس، لكن مذبحة ساندي هوك جعلت الأميركيين يتدبرون ويحاولون التضامن من أجل منع وقوع عمليات قتل جماعي تزهق الأرواح البريئة.

وتشير الإحصاءات إلى وقوع  62 عملية قتل جماعي في البلاد ما بين عامي 1982 و2012، فيما لقي أكثر من تسعة آلاف شخص مصرعهم بأسلحة نارية في الولايات المتحدة خلال عام 2010.