مستشار الرئيس باراك اوباما لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان
مستشار الرئيس باراك اوباما لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان

لم يدر الطالب جون برينان الذي وقع بين يديه إعلان مبوب بصحيفة نيويورك تايمز في سبعينيات القرن الماضي عن وظائف للالتحاق بوكالة الاستخبارات المركزية أنه سيصبح في مطلع 2013 مرشحا لرئاستها.

من هو جون برينان؟

ولد برينان في 22 سبتمبر/أيلول 1955 ،لأبوين من أصول أيرلندية، وترعرع في ولاية نيوجرسي، ثم حصل على البكالوريوس والماجستير في العلوم السياسية متخصصا في علوم الشرق الأوسط وحصل على دورات تدريبية في الجامعة الأميركية بالقاهرة ودرس اللغة العربية حتى أتقنها.

تدرج برينان، المرشح لرئاسة الوكالة خلفا للجنرال المستقيل ديفيد بتريوس، في السلم الوظيفي لمدة 25 عاما حيث أصبح محللا لعمليات مكافحة الإرهاب ومدير قسم الشرق الأدنى وجنوب آسيا ثم عمل مساعدا لجورج تينيت نائب رئيس الوكالة ثم نائب المدير التنفيذي في CIA حتى 2003، كما تولى منصب المدير المؤقت للمركز القومي لمكافحة الإرهاب.

لكن الرجل الذي شارك في حملة المرشح الديموقراطي باراك أوباما للرئاسة عام 2008 لم يرشح رسميا لمنصب رئيس الوكالة بسبب ضغوط دفعت أوباما إلى الاكتفاء بتعيينه مستشارا لشؤون مكافحة الإرهاب، وهو منصب استشاري لا يتطلب موافقة الكونغرس، ويشرف بحكم هذا المنصب على خطط مكافحة الإرهاب والاستجابة للكوارث الطبيعية.

وتعرض أوباما لسيل من الانتقادات من جانب الليبراليين بعد أن تواتر اسم برينان كرئيس محتمل لوكالة الاستخبارات في ولايته الأولى لأنه كان قد تولى رئاسة المركز المتكامل لمكافحة التهديدات الإرهابية وهي وحدة مستحدثة تتلخص مهمتها في جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية التي كانت تصل الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش.واتهم برينان خلال هذه الحقبة بتأييد استخدام أساليب تعذيب ونقل مشتبه بهم في جرائم إرهابية إلى بلدان أجنبية حيث يتعرضون للتعذيب.

مواجهة منتقديه

الرئيس باراك اوباما خلال لقاء مع مستشاره لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان

​​هذا الشعور بالتجاهل والهجوم دفع برينان إلى البوح لوسائل الإعلام الأميركية بأنه كان "معارضا قويا لسياسات بوش ومن بينها الحرب الوقائية في العراق وأساليب التعذيب التي تضمنت الإيهام بالغرق"، مؤكدا أن هذه الأمور "ألحقت ضررا بالولايات المتحدة وزادت من عدد الإرهابيين، وقللت من رغبة الدول في التعاون الأمني مع الولايات المتحدة".

وفي لقاء مع شبكة ABC عام 2009 أعاد برينان التأكيد على أنه كان ضد أساليب التعذيب، وأنه غير مسؤول عنها طالما يتخذ الرئيس قرارا بشأنها وتقرها وزارة العدل، لكنه في ذات الوقت لم يبد ندما لأنه قام بما في وسعه "لخدمة الأمن القومي لبلاده" .

وبعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في 2011، اكتفى برينان بالقول إنه لا يدري ما إذا كانت أساليب الإيهام بالغرق ساعدت في الحصول على معلومات استخباراتية أدت إلى قتل زعيم تنظيم القاعدة أم لا.

وفي نهاية عام 2009 تعرض برينان لانتقادات جديدة عندما طالب بمحاكمة المتهم النيجيري في محاولة تفجير طائرة أميركية أمام محاكم مدنية، وهي الانتقادات التي رد عليها برينان بعنف واصفا المشرعين الجمهوريين الذين انتقدوه بـ"النفاق"والاستغلال السياسي لتصريحاته.

لكن يبدو صعبا على برينان تجاوز هذه المرحلة إذ أن ناشطين ذكروه بتصريحات سابقة له أوردتها صحيفة نيويورك تايمز أقر وأيد فيها عمليات نقل المعتقلين خارج البلاد وقال إن "وتيرة العمل بها تسارعت بسبب طبيعة التهديدات الإرهابية".

ليس ذلك فحسب بل أقر أيضا، بحسب هؤلاء الناشطين، أن استخدام أسلوب الإيهام بالغرق ساعد في انتزاع اعترافات ساهمت في إنقاذ حياة آخرين .

الرجل الذي أراد تجاوز منتقديه وحقبة بوش، ومع الوعود بالتغيير وتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم بعد انتخاب الرئيس أوباما، حاول أكثر من مرة التأكيد على القيم الأميركية  في الحرية والكرامة الإنسانية .

لكن في عام 2013، عاد هؤلاء المشرعون مرة أخرى ومن بينهم السناتور الجمهوري البارز جون ماكين لانتقاده مجددا إذ أعرب الأخير عن قلقه حيال قضية استجواب المعتقلين فيما هدد زميله الجمهوري أيضا السناتور ليندسي جراهام بعرقلة تعين برنيان إذا لم تعط الإدارة الأميركية إجابات واضحة بخصوص الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي في شهر سبتمبر/أيلول الماضي الذي راح ضحيته أربعة أميركيين بينهم السفير كريس ستيفنز.

"قيصر الاغتيالات"

ويطلق على برينان لقب Czar أو قيصر وهو لقب غير رسمي تطلقه وسائل الإعلام الأميركية على المسؤوليين المعينين الذين يتولون ملفات معينة ولا يتطلب تعيينهم تصديق مجلس الشيوخ .

ونظرا للدور الذي لعبه برينان في توسيع عمليات استهداف متشددين عن طريق طائرات بدون طيار أطلق البعض على برينان لقب "Assassination czar" أو "قيصر الاغتيالات".

وينتشر هذا اللقب في مقاطع فيديو على موقع يوتيوب وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الهجوم على الرجل، بل ووصفته الصحافية الأميركية ميرسي ويلير التي كتبت سلسلة مقالات عنه بأنه يشبه ديك تشيني بالنسبة لبوش.

وفي تويتر



طائرة أميركية بدون طيار
طائرة أميركية بدون طيار

أثار اختيار الرئيس باراك أوباما خبير مكافحة الإرهاب جون برينان لرئاسة وكالة الاستخبارات الأميركية العديد من التساؤلات حول مستقبل التوجه الأميركي في محاربة الإرهاب، وخصوصا استعمال الطائرات بدون طيار لملاحقة المتشددين، وهي العملية التي تلقى انتقادات كثيرة.

ويعرف برينان بكونه المشرف على برنامج استعمال الطائرات بدون طيار في محاربة الإرهاب، الأمر الذي جعل العديد من المراقبين يتوقعون ارتفاعا في نسق استعمال هذه الطائرات، رغم الحملة التي يلقاها أوباما، في ظل التزايد المستمر في العمليات.

وحذر الجنرال الأميركي المتقاعد ستانلي مكريستال من الإفراط في استعمال الطائرات بدون طيار في المستقبل، في الوقت الذي أشارت فيه تقارير إعلامية أميركية إلى أن أوباما يهدف من خلال اختيار برينان على رأس وكالة الاستخبارات وتشاك هاغل لوزارة الدفاع، وقبلهما جون كيري لمنصب وزير الخارجية، إلى الاستمرار في برنامج مكافحة الإرهاب، الذي يتضمن استعمال الطائرات بدون طيار.

وقال مكريستال إن الطائرات بدون طيار لها أثر إيجابي على القوات الأميركية، لكن الكثير من الناس يمقتونها بشدة والإفراط في استخدامها يمكن أن يعرض أهداف واشنطن الأوسع نطاقا للخطر.

الطائرات بدون طيار لها أثر إيجابي على القوات الأميركية، لكن الكثير من الناس يمقتونها بشدة
ستانلي مكريستال


وأضاف مكريستال الذي صاغ استراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة تمرد طالبان في أفغانستان أن استخدام هذه الطائرات مكنه من تنفيذ مهام بمجموعات أصغر من قوات العمليات الخاصة لأن "العين الموجودة في السماء" وفرت دعما أمنيا كبيرا.


مستقبل العمليات

وليس هناك أرقام دقيقة عن عدد الغارات التي تم تنفيذها بالطائرات بدون طيار، إلا أن تقارير أميركية أشارت إلى أن إدارة أوباما تعتزم توسيع نطاق استعمالها في عدد من مناطق العالم.

وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قد نقلت في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي أخبارا عن مناقشات جدية لإدارة الرئيس أوباما تدرس فيها توجيه ضربات جوية بطائرات بدون طيار لمقاتلي تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" النشطين في دول شمال أفريقيا وجنوب الصحراء.

 ولم ينف جون برينان الذي كان يشغل حينها منصب مستشار الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب هذه المعلومات، إلا أن الصحيفة قالت إن المشاورات يشارك فيها مسؤولون من وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع.

غير أن تومي فيتور المتحدث باسم مجلس الأمن القومي قال في تصريحات "لقد أعلن الرئيس صراحة هدفه في القضاء على تنظيم القاعدة ونحن نعمل يوميا لتحقيق هذا الهدف".

وتشير التقارير إلى أن الإقدام على توسيع العمليات بالطائرات بدون طيار سيمكن الولايات المتحدة من ملاحقة المجموعات المتشددة في منطقة الساحل، لكون نشر قوات على الأرض في المنطقة لن يكون عمليا بالنظر لشساعة المساحة، إضافة إلى التكاليف الكبيرة لمثل هذه العمليات العسكرية.

مقتل مدنيين

ولقي برنامج الطائرات بدون طيار التي نفذت عمليات في باكستان واليمن والصومال، انتقادات كثيرة من قبل مفوضية الأم المتحدة لحقوق الإنسان، خصوصا في ظل ما وصفته بـ"فشل الولايات المتحدة في تحديد أماكن المدنيين قبل تنفيذ عملياتها"، الأمر الذي أدى إلى مقتل العديد منهم.

مناهضون لاستعمال الطائرات بدون طيار

​​
وأظهرت الأرقام التي نشرتها منظمة "نيو أميركا فاوندايشن" أن عدد المدنيين الذين قتلوا في باكستان من جراء عمليات الطائرات من دون طيار، بلغ 305 من أصل 1934 قتيلا.

وكانت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي قد طالبت في يونيو/حزيران الماضي بعد جولة من أربعة أيام لباكستان بإجراء تحقيقات جديدة حول استهداف المدنين، ووصفت الهجمات الجوية بواسطة هذه الطائرات بخرق لحقوق الإنسان.

وفي السياق ذاته قال ستانلي مكريستال في تصريحات الإثنين إن "ما يرعبني من هجمات الطائرات بدون طيار هو كيف يـُنظر لها في أنحاء العالم"، مضيفا أن "الاستياء الذي أثاره توجيه أميركا ضربات بطائرات بدون طيار... أكبر كثيرا مما يتصوره المواطن الأمريكي العادي. إنها مكروهة بشدة حتى بين أناس لم يروا واحدة منها قط".

وأضاف أن استخدام هذه الطائرات يزيد من "الشعور بالغطرسة الأميركية التي تقول: حسنا.. يمكننا أن نحلق في أي مكان نريده.. يمكننا أن نطلق النار في أي مكان نريده.. لأننا قادرون على ذلك."

العمليات بالأرقام

وتشير الأرقام إلى أن الولايات المتحدة نفذت منذ في عهد الرئيس أوباما أكثر من 300 عملية بالطائرات بدون طيار مخلفة مقتل 2500 شخص، فيما أحصت منظمة "نيو أميركا فاوندايشن" 2605 متشددا منذ سنة 2004 إلى غاية 3 يناير/كانون الثاني الجاري في باكستان التي نفذت فيها أكبر عدد من العمليات.

وتظهر الأرقام أن عدد القتلى في صفوف المدنيين في باكستان بدأ في التراجع إلى أن وصل إلى خمسة أشخاص في 2012 بعد أن سجل 107 قتيل سنة 2007.

ورغم غياب أرقام دقيقة عن عدد العمليات التي نفذتها الطائرات في اليمن، إلا أن موقع ويكيبيديا يشير إلى أنها تعد بالمئات، وخلفت مقتل العشرات من المتشددين، إلا أن أشهر عملية للطائرات بدون طيار في اليمن، تلك التي أدت إلى مقتل أنور العولقي في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

كما استعملت الولايات المتحدة الطائرات بدون طيار في أفغانستان والصومال لملاحقة المتشددين.