البابا فرنسيس الأول يحيي الحشود المحتفلة بإعلان انتخابه
البابا فرنسيس يحيي الحشود المحتفلة بإعلان انتخابه



توصل كرادلة المجمع المقدس لمساومة مُرضية، وهي انتخاب بابا أرجنتني، ولكنه من أصول إيطالية، ليكون بذلك ثالث بابا غير إيطالي بعد البابا يوحنا بولس الثاني البولندي الذي اعتلى كرسي البابوية عام 1978، والبابا بنديكتوس السادس عشر الألماني عام 2005.

ولأول مرة يتم انتخاب بابا للكاثوليك من الأميركتين عموما، ومن أميركا اللاتينية خصوصا، وهي القارة التي تضم أكبر عدد من المسيحيين الكاثوليك في العالم، وهو أيضا أول بابا من العالم الجديد، وأول بابا من نصف الكرة الجنوبي.

والبابا فرنسيس، الذي أُعلن عن اسمه مساء الأربعاء 13 مارس/آذار 2013 على الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي، هو البابا رقم 266 على رأس الكنيسة الكاثوليكية، وأول بابا يختار اسما لم يُسمّ من قبل منذ القرن العاشر الميلادي، وتحديدا منذ البابا لاندوس.

واختار البابا، رئيس دولة الفاتيكان وأسقف روما، اسمه الجديد تيمّنا بالقديس فرنسيس الأسيزي مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية أوائل القرن الثالث عشر، وهو قديس ينحدر من عائلة إيطالية ثرية، ولكنه قرر التخلي عن أمواله وعيش حياة زهد وفقر مكرسا وقته للتبشير، ومحصلا قوت يومه بالعمل اليدوي أو الصدقة، وهو من بين القديسين الكاثوليك الأكثر شعبية وقبولا لدى أوساط غير الكاثوليك خصوصا، وغير المسيحيين عموما.

نُبذة عن حياة البابا فرنسيس

هذا الرجل صاحب مسيرة لا تشوبها شائبة
الأب غيليرمو ماركو - مساعد الأسقف خورخي ماريو برغوغليو في إبرشية بوينُس ايرس

ولد خورخي ماريو برغوغليو، وهذا اسمه عند الولادة وحتى قبل اعتلائه كرسي القديس بطرس، في 17 ديسمبر/كانون الأول 1936 في بوينس آيرس لوالدين إيطاليين.

كان أبوه عاملا في سكك الحديد، وقد تم استئصال إحدى رئتيه في طفولته نتيجة إصابته بعدوى.

وتخرّج برغوغليو من المدرسة الثانوية كفنّي كيماويات، قبل أن يتدرج في السلك الكنسي، وحصل على درجة جامعية في الفلسفة، وقام بتدريس الفلسفة والأدب، وانضم لجمعية يسوع في 11 مارس/آذار 1958، ليكون بذلك أول "يسوعي" على رأس الكنيسة الكاثوليكية.

ورُسّم خورخي برغوغليو كاهنا في 13 ديسمبر/كانون الأول 1969، وعمل أستاذا للاهوت في "كلية سان ميغيل للفلسفة واللاهوت" في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس، وحصل برغوغليو على درجة الدكتوراه في علم اللاهوت من ألمانيا.

ورُسّم الكاهن خورخي ماريو برغوغليو رئيسا لأساقفة بوينس آيرس منذ عام 1998 حتى قبل اختياره للجلوس على الكرسي الرسولي، وكذلك تم ترسيمه كاردينالا في عام 2001 من قِبل البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، ولكنه لم يشغل منصبا دائما داخل الفاتيكان من قبل.

مشاركاته في المجمع المقدس

كرادلة المجمع المقدس

​​تُعد مشاركة الكاردينال خورخي برغوغليو في المجمع المقدس لاختيار بابا جديد هي الثانية في 2013، حيث شارك قبل ذلك في طقوس اختيار البابا الأسبق بنديكتوس السادس عشر.

وأشارت بعض المصادر إلى أنه كان من أبرز المرشحين لاعتلاء كرسي البابوية، ولكن الكاردينال راتزينغر، البابا بنديكتوس السادس عشر بعد ذلك، هو من حصد ثلثي الأصوات في 2005.

مواقف في حياة البابا فرنسيس وتحديات متوقعة

الكاردينال خورخي برغوغليو مع رئيسة الأرجنتين فرنانديز دي كيرشنر

​​أشار البعض إلى تغاضي البابا في سبعينات القرن الماضي عن انتهاكات المجلس العسكري الأرجنتيني إبان حكم خورخي بيديلا، وهي الفترة التي تُعرف في تاريخ الأرجنتين بـ"الحرب القذرة"، وتحديدا عندما تم اختطاف كاهنَين يسوعيين "تقدميين" من قِبل العسكر عام 1976، وهو الاتهام الذي نفاه البابا كليا في وقت سابق.

وبالرغم من تأكيده على ضرورة احترام المثليين، إلا أنه عارض بشدة مشروع قانون أرجنتيني، والذي تم إقراره عام 2010 يسمح بزواج مثليي الجنس، وهو الموقف الذي وصفته رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز دي كيرشنر بأنه "رجعي ويعيد للأذهان عصور محاكم التفتيش في القرون الوسطى".

وعارض البابا فرنسيس أيضا مبدأ تبنّى المثليين للأطفال، لكنه انتقد في 2012 بشدة الكهنة الذين يرفضون تعميد الأطفال المولودين نتيجة زواج غير شرعي.

جموع المحتشدين في ساحة القديس بطرس بعد ظهور الدخان الأبيض من كنيسة سيستين

​​وترك البابا بنديكتوس السادس عشر تركة ثقيلة لخلفه، لا تقتصر فقط على القيادة الروحية لأكثر من 1.2 مليار كاثوليكي في العالم، ولكن تنطوي كذلك على ملفات ساخنة على رأسها قضية التحرش الجنسي المتعاقبة في الكنيسة الكاثوليكية، وتحديد النسل، والطرق المثلى لمكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة.

وأظهر البابا الجديد تعاطفا مع ضحايا الفيروس عندما قام بزيارة نُزُل دير لتقبيل وتغسيل أقدام 12 طفلا مصابين بالفيروس عام 2001.

وذلك بخلاف قضايا شائكة تنتظره مثل القتل الرحيم والإجهاض، والتي لا تختلف آراؤه فيهما، السابقة على الأقل، عن البابا بنديكتوس السادس عشر، حيث أدانها بدرجات متفاوتة.

مفارقات في حياة البابا فرنسيس

الفقر المدقع والإجراءات الاقتصادية غير المتوازنة التي لا تحقق المساواة تشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان
الكاردينال خورخي ماريو برغوغليو عام 2009

عُرف البابا فرنسيس بتواضعه الشخصي وحياته المتقشفة، وتطلعه للعدالة الاجتماعية، فقد كان يعيش حياة بسيطة في شقة صغيرة، وليس في مقر فخم لإقامة كاردينال. وكذلك كان يفضّل استخدام وسائل النقل العام بدلا من سيارة يقودها سائق خاص.

ويُعرف البابا الجديد بميوله العقائدية المحافِظة، وفقا لموقع "ناشونال كاثوليك ريبورتر".

وبعد اختياره لاعتلاء الكرسي البابوي، ذهب البابا فرنسيس للفندق الذي كان يقيم فيه أثناء اجتماعات المجمع المقدس، وذلك كي يشكر عاملي الفندق ويدفع فاتورته بنفسه، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي.

وقال عنه مساعده السابق في أبرشية بوينس آيرس الأب غيليرمو ماركو، إن "هذا الرجل صاحب مسيرة لا تشوبها شائبة"، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وفي كثير من كلماته العامة السابقة، تحدث البابا فرنسيس عن الفقر والعدالة الاجتماعية والمساواة والانتهاكات ضد الأطفال، حتى أنه قال في مؤتمر عُقد في بوينس آيرس تحت عنوان "الديون الاجتماعية في عصرنا" عام 2009، إن "الفقر المدقع والإجراءات الاقتصادية غير المتوازنة التي لا تحقق المساواة تشكل انتهاكات لحقوق الإنسان".

ويتحدث البابا الجديد الإسبانية، لغته الأم، بالإضافة للاتينية والإيطالية والإنكليزية والألمانية.

وللمفارقة، فالبابا بنديكتوس السادس عشر، الذي تخلى عن منصبه رسميا في 28 فبراير/شباط 2012، هو أول بابا يستقيل من الكرسي الرسولي منذ استقالة البابا غريغوري الثاني عشر في القرن الخامس عشر.

وترسيم البابا فرنسيس نفسه يرتبط بالاسم "غريغوري" كذلك، حيث أنه أول بابا يولد خارج آوروبا منذ البابا غريغوري الثالث الذي ولد في سوريا، أثناء الخلافة الأموية، ورُسّم كاهنا في 18 مارس 731 ميلادية، أي قبل 1282 عاما بالتمام والكمال.