مسلمون في الولايات المتحدة الاميركية
مسلمون في الولايات المتحدة الاميركية

ينادي المنادي إلى صلاة التراويح فيقف المصلون في مسجد النور صفا منتظما يظهر صورة مغايرة لآرائهم التي اختلفت على تحديد الأول من شهر رمضان وبالتالي أول أيام عيد الفطر.

في المسجد الواقع شمال ولاية فرجينيا قرب العاصمة الأميركية واشنطن، تحدد يوم السبت 28 حزيران/ يونيو الماضي كبداية شهر رمضان، لكن غير بعيد عنه، أعلن مسجد دار الهدى في موقعه على الانترنت أن السبت هو المتمم لشعبان وأن الصيام يبدأ يوم الأحد الموالي.

مساء 29 من شهر شعبان، والذي وافق 27 من حزيران/ يونيو، أمضى أديب صالح، نحو نصف ساعة يبحث في الانترنت عن الموعد الحقيقي لبدء صيامه.

يقول أديب وهو خارج من المسجد بعد أن أنهى ثماني ركعات من التراويح، "لقد كنت مشوشا طوال ليلة الجمعة"، معقبا أنه حاول استجلاء الموعد الحقيقي من خلال المساجد القريبة منه، لكنها اختلفت في تحديد اليوم.

قرر أديب الذي يعمل في مطعم بيتزا، بعدما زاد بحثه في الانترنت من تردده، كما يقول لموقع "راديو سوا" أن يستعين بصديق يثق في رأيه، ليتفقا على الصوم يوم السبت.

أما زاهر رحيمي، الذي ينحدر من باكستان ويعمل في شركة لبيع السيارات، فيوضح بابتسامة على وجهه وهو يرفع رأسه بعد أن يضع حذاءه على الأرض على باب المسجد، أنه صام يوم الأحد اتباعا لفتوى أقرب مسجد يصلي به عادةً.

  المركز الإسلامي في العاصمة الاميركية واشنطن

​​

ويضيف أنه كان موقفا غريبا ومخجلا يوم السبت حين وجد أن زملاءه من المسلمين في العمل صائمون، في حين كان هو مفطرا.

وهذا ما عكسته مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اشتعل الجدل بين المسلمين الأميركيين قبل ساعات من تحديد اليوم الأول للصيام، ما دعا بعضهم لتناول الموضوع في موقع تويتر بسخرية.

​​​​تقول إحدى المغردات، "الشيخ الأول: رمضان يوم السبت، الشيخ الثاني، إنه يوم الأحد، الشيخ الثالث: أختي هل أنت متأكدة أن هذا هو القمر، أنا: ؟". تنشر صورة لها وقد بدى على محياها وإشارة يدها علامات الحيرة. لتجيبها صديقتها بتعليق "بالفعل هذا هي الحقيقة".

​​كما تغرد أخرى بالقول، "هل موعد رمضان هو السبت أم الأحد؟ إن كل هذه التخمينات تجعلك تظن كما لو الأرض لها أربعة أقمار".

 

من يحدد موعد رمضان في الولايات المتحدة؟

تغرد الكاتبة والأستاذة الكندية في الدراسات الإسلامية إنغريد مادسون في حسابها على تويتر ظهر الجمعة 27 حزيران/ يونيو الماضي، بالقول إن موعد رمضان يوم السبت أم الأحد، هو أمر "يعتمد على المجتمع الذي تنتمي إليه".

هذه التغريدة تعكس مدى الجدل الدائر في أميركا الشمالية، على عكس الدول الإسلامية التي يحدد فيها القضاء الشرعي موعد بداية رمضان ويوم العيد، إذ تغيب فيها، وحتى داخل كل ولاية مرجعيات محددة للمسلمين، بسبب تحدرهم من مناطق واتجاهات مختلفة من العالم.

شاهد هذا الشريط لمسلمين يؤدون صلاة جماعية قرب الكونغرس الأميركي:

في هذا السياق يقول عضو إدارة المجلس الأميركي للمنظمات الإسلامية أسامة أبو أرشيد، إن الجهة الرئيسية التي يجري الاعتماد عليها عادة في تحديد الشهر بالولايات المتحدة، هي المجلس الفقهي للتجمع الإسلامي في أميركا الشمالية "إسنا".

ويضيف أبو أرشيد لموقع "راديو سوا"، أن المجلس يأخذ بالتأويل العلمي، حيث يعتمد على ما تقول به المراصد العلمية حول طلوع القمر.

تأويلات فقهية مختلفة

ويقر أبو أرشيد في الوقت ذاته، أنه لا توجد مؤسسة يجمع عليها كل المسلمين الأميركيين لإتباعها في مثل هكذا أمور، وهو ما يولد هذا الخلاف، حسب رأيه.

 

لا توجد مؤسسة يجمع عليها كل المسلمين الأميركيين لإتباعها في تحديد بداية ونهاية رمضان
عضو إدارة المجلس الأميركي للمنظمات الإسلامية أسامة أبو أرشيد

​​غياب مؤسسة تمثل المسلمين في أميركا أو غالبيتهم، من ناحية، والمقاربات الفقهية المختلفة في هذا السياق، أضف إليها اختلاف المرجعيات، هي التي تجعل المسلمين يصومون في أيام مختلفة، وهو ما جرى خلال رمضان الجاري.

ففي حين يستند فقهاء مسلمون إلى أدلة شرعية تفيد بأن الصيام يتحدد مع رؤية العين المجردة للهلال، يقر آخرون أن الأساس هو تحديد الشهر بدقة بغض النظر عن الطريقة، وهو ما يقوم به علم الفلك.

"إن كلا المنهجين معتمد في الفقه الإسلامي، بالاستناد إلى أدلة شرعية"، كما يؤكد أبو أرشيد، ويضيف أن من يرى بضرورة الرؤية يستند إلى حديث للنبي محمد "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين".

أما من يرى بأولوية الحساب، فإنه يستند إلى ما يعتقد أنها روح الآيات القرآنية التي تعلي في رأيه من شأن العلم والحساب، ومن ذلك ما جاء في القرآن "هو الذي جعل الشمس ضياءً والْقَمر نورًا وقَدّره منازل لتَعلَموا عدد السِّنين والحساب".

ويرى أصحاب هذا الرأي أن الرسول محمد، أوضح سبب اعتماد الرؤية، لا الحساب، بقوله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين".

شاهد هذا الشريط لجاني من صلاة التراويح في أميركا

وإن يبدو هذا الخلاف ظاهرا في الولايات المتحدة، ولا سيما هذا العام، فإنه يمتد إلى دول أوروبا كذلك، إذ يعتمد المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث على أن "الحساب الفلكي هو أساس تحديد موعد بداية الأشهر القمرية والعيد، في حين يدور جدل على مدى الاختلاف في مدى اعتبار الوسائل الموصلة إلى اليقين بالرؤية.

  مسلمون يؤدون صلاة الجمعة في آخر يوم من رمضان في أميركا

​​وفي حين يميل أسامة أبو أرشيد إلى الاتجاه العلمي في تحديد الشهر، واعتماد آلية الحساب الفلكي في أميركا، "لأن المسلمين أقلية دينية متفرقة الجغرافيا، وهو ما يسهل عليهم الاتفاق وتسهيل حجز قاعات الصلاة وعطل الأطفال في المدارس والموظفين من أعمالهم"، سواء في تحديد موعد بداية رمضان والعيد، إلا أنه يقر بأن الرأيين الفقهيين معتمدان في الشريعة.

هذا الجدل الفقهي يفسر جانبا كبيرا من اختلاف المسلمين في الولايات المتحدة، إذ اعتمد بعضهم على المرجعيات التي تقر بالصيام بالرجوع إلى مراصد الفلك، فقرروا منذ فترة طويلة أن اليوم الأول من رمضان هو السبت 28 حزيران/ يونيو، وهو ما اعتمده محمد إياسو الذي يعمل حلاقا في منطقة Falls Church كما يفيد في تصريح لموقع "راديو سوا"، مؤكدا أنه مقتنع بوجوب تحديد الشهر وفق الأسس العلمية، ما يجعله سنويا على معرفة بموعد حلول شهر رمضان بفترة طويلة.

أما من اعتمدوا على الرأي القائل بأن الصيام يتحدد مع رؤية القمر، وهو المبدأ الذي تنتهجه السعودية، فأجلوا صومهم إلى يوم الأحد الموالي، كما عمل بذلك فهد العبودي الذي قدم إلى واشنطن قبل عامين لدراسة الهندسة الإلكترونية، مشددا على أنه يعتبر أن بلاده الأم السعودية، هي المرجع الأساسي في هذا الشأن.

تأثير الخلافات السياسية

المسلمون الذين يصلون التراويح في مسجد النور، تكشف لك وجوههم وألسنتهم أنهم قدموا من أصقاع شتى من الكرة الأرضية.

إن هذا الاختلاف وإن كان يعكس اختلافا فقهيا، فإن بعض المهاجرين إلى الولايات المتحدة يجلبون معهم الخلافات السياسية بين البلدان، ولا سيما بعض الدول العربية والإسلامية التي تتهم بعضها البعض بمخالفة القواعد الفقهية وحتى الحسابات الفلكية في بداية شهر رمضان، كما كانت تنتقد ليبيا خلال حكم معمر القذافي.

الخلاف السياسي بين الدول العربية والإسلامية قد تسلل إلى الجاليات
عضو إدارة المجلس الأميركي للمنظمات الإسلامية أسامة أبو أرشيد

​​ويستبعد أبو أرشيد وهو ناشط سياسي في الجالية العربية والمسلمة الأميركيةأيضا، وجود هذا الخلاف في إطار تجربة المسلمين الأميركيين، مرجحا أن تكون أسباب الخلافات هي التأويلات الفقهية وحسب، لكنه لم ينف أن الخلاف السياسي بين الدول العربية والإسلامية قد تسلل إلى الجاليات المقيمة في الولايات المتحدة، عبر أولئك الذين يصرون على اتباع الدول التي جاؤوا منها في صيامهم دون اعتبار لحقيقة الآلية التي اتبعتها دولهم الأصلية في تحديد دخول الشهر، وما إذا كان في ذلك بعد سياسي أم لا.