سورية بعد 40 شهرا من احتجاجات آذار/ مارس 2011 التي تحولت إلى صراع مسلح، نصف شعبها مشرد، و170 ألفا من أبنائها قتلى، والمعارضة السورية التي تقول إنها تقود معركة لإسقاط النظام، تعاني ضعفا في الأداء، واحترابا سياسيا، يقول محللون ومعارضون سوريون لموقع "راديو سوا" إن التدخل الدولي والإقليمي في شؤون الائتلاف السوري سببه الرئيس.
دعم ثم توجيه
منذ اندلاع الأزمة السورية وقفت دول غربية وعربية كثيرة إلى جانب المعارضة، لكن دولا بعينها شاركت، أكثر من غيرها، في دعمها وبلورتها لتكوين جسم سياسي موحد يكون موازيا للنظام، يتم التعامل معه على المستوى السياسي، والاعتراف به لاحقا كممثل للشعب السوري.
وتأسس الائتلاف في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 على أنقاض المجلس الوطني، "المجلس الوطني"، وهو المظلة السابقة للمعارضة، الذي اتهم بخضوعه لهيمنة الإخوان المسلمين، والأجندات الإقليمية.
إلا أن رئيس الائتلاف معاذ الخطيب أعلن استقالته بعد أشهر قليلة على تأسيس الائتلاف وقال إن السبب الرئيس لتلك الخطوة كان التدخل الإقليمي في سياساته، داعيا قبل أسابيع الأطراف السورية إلى الحوار بعيدا عن التدخلات الخارجية، دون أن يكشف عن ماهية المتدخلين.
الدوحة ثم الرياض
إلا أن آخرين مثل الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد زريق، يتحدثون بوضوح عن قطر والسعودية، على أنهما المتدخلان الرئيسيان في الائتلاف، مقسما في حديثه لـ"راديو سوا" المعارضين إلى الانضواء تحت مظلة "الفرع القطري" الذي يمثله تيار الإخوان المسلمين برئاسة مصطفى الصباغ، و"الفرع السعودي" الذي يمثله الرئيس السابق للائتلاف أحمد الجربا.
أما المعارض السوري المستقل عناد سليمان فيقول لـ"موقع راديو سوا" إن
اقتراح توسعة الائتلاف وإدخال "القائمة الديموقراطية" التي عرفت باسم "قائمة ميشيل كيلو"، وهو ما اعتبر نقلا للثقل الإقليمي في الائتلاف من قطر إلى السعودية، مشيرا إلى أن ذلك جاء بعد أشهر من تأسيس الائتلاف الذي كان محسوبا على قطر عبر هيمنة الإخوان المسلمين على مؤسساته.
الإخوان ثم الديموقراطيون
وكان عضو الائتلاف سمير نشر صرح حينها، بأن دولا غربية من مجموعة "أصدقاء سورية" وعلى رأسها الولايات المتحدة كانت "تضغط لقبول قائمة من 22 عضوا من القائمة الديموقراطية"، قبل أن يتم إدخالها على مرحلتين ونقاشات حادة كشف عنها فيديو مسرب للسفير الفرنسي السابق في دمشق إيريك شوفالييه يحتد بنقاش مع أعضاء في الائتلاف انتهى بتوبيخ متبادل.
وعلى الرغم من أن الكتلة الديموقراطية ومنذ توليها قيادة الائتلاف الوطني، بدءا من تولي أحمد الجربا رئاسته وصولا إلى رجل الأعمال الذي يقيم في السعودية هادي البحرة قد نقلت "الولاء" داخل قبة الائتلاف إلى السعودية، إلا أن قطر لا تزال "تشد الحبل لصالحها" وفق المعارض السوري المستقل عناد سليمان، مشيرا إلى أن قائمة الإخوان ومن استطاعت استقطابهم تضم 40 صوتا من أصل 114، إضافة إلى تأسيس الحكومة السورية المؤقتة لتكون نظيرا للائتلاف، و"يدا قطرية في المعارضة".
هذا الصراع طفا على السطح مؤخرا بعدما أقال الائتلاف السوري المعارض في 22 تموز/ يوليو رئيس الحكومة الموقتة أحمد طعمة المقرب من قطر، بدفع من المملكة العربية السعودية الداعمة لرئيس الائتلاف.
وقد اعترف سمير نشار، عضو الائتلاف وعضو الأمانة العامة لـ"إعلان دمشق" في تصريحات صحافية، بأن إقالة طعمة جاءت بالأساس على خلفية دوافع "سياسية"، تتعلق بـ"هيمنة جماعة الإخوان المسلمين (المدعومة من قطر) على الحكومة، ولذلك قامت قطاعات واسعة من الهيئة العامة ضد طعمة، خاصة بعدما أوحت السعودية لأحمد الجربا (الرئيس السابق للائتلاف) بفك التحالف مع الإخوان"، حسب نشار.
الإغاثة ثم رسم الحدود
حسب المحلل السياسي موفق زريق الذي اعتبر أن إنشاء الائتلاف من أصله كان لتحريك دفة الصراع السياسي وفق مطالب الدول التي أنشأته ورعته.
ويقول زريق لموقع "راديو سوا"، إن الائتلاف كان يطمح حين تأسس إلى أن يكون "واجهة سياسية للثورة" والعمل على قيادتها، "إلا أن الدول التي أنشأته هدفت من ذلك إلى أن يكون أداة يمكن استخدامها في أي عملية سياسية مستقبلية يمكن أن ترسم لسورية في المستقبل، ولعب دور مرحلي في الوقت الحالي بعمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية المقدمة من تلك الدول".
أما عن الأسباب التي تدفع بكل من قطر والسعودية تحديدا للتدخل في التفاصيل، فلا يعزلها زريق عن سياسات تلك الدول الداخلية والخارجية العامة بعيدا عن الملف السوري.
والمسعى القطري من تأسيس الائتلاف واحتضانه في بدياته، يأتي في إطار جهود إقليمية تبذلها الدوحة لدعم الإخوان المسلمين في مصر وليبيا والأراضي الفلسطينية، ثم سورية، حسبما قال عضو المجلس الوطني سابقا عناد سليمان لـ"موقع راديو سوا".
أما السعودية فإنها تحاول في إطار حربها الاستراتيجية مع إيران وحلفائها، "تعزيز الصراع الطائفي، من خلال الائتلاف والمؤسسات المدنية والعسكرية التابعة له، كي تكون أدوات للصراع مع إيران وحلفائها في حزب الله ودمشق" على حد تعبير سليمان.
يختلف سليمان مع زريق في تحليله للدور الخارجي في تأسيس الائتلاف، لكنه يتفق معه في فداحة التدخل الخارجي في أدائه. ويقول "التدخل الخارجي في سياسة الائتلاف يعود إلى ضعف المعارضين وارتهانهم للأجندة الإقليمية والمال السياسي"، مشيرا إلى أن قطر وجدت في الإخوان قوة حليفة بعد سيطرتهم على مؤسسات الائتلاف وقبل ذلك المجلس الوطني الذي كان عضوا فيه من خلال "المال السياسي".
الداخل ثم الخارج
كشفت الانتخابات الأخيرة لرئاسة الائتلاف، الذي تعتبره دول "أصدقاء سورية" ممثلا شرعيا للمعارضة، عن مشاكل داخلية باتت تهدد وجوده، حسب معارضين سوريين بعضهم شاركوا في تأسيسه.
وفي الانتخابات، فاز هادي البحرة بـ 62 صوتا، متقدما على موفق نيربية الذي حصل على 41 صوتا، لكن هل يرتق البحرة ما تمزق من ثوب الائتلاف؟
يقول محمد سرميني، وهو أحد الأعضاء المستقيلين من الائتلاف، إن التدخلات الخارجية عنصر واحد فقط من عناصر ضعف كثيرة في أدائه.
يتحدث سرميني لموقع "راديو سوا" عن فساد مالي وخلافات شخصية بدأت تطفو على السطح، وعن علاقات متوترة تربط الائتلاف بهيئة الأركان في الجيش الحر، وبالحكومة المؤقتة، أدت إلى تشتيت الجهود العسكرية. ويقول إن
كل هذه الأسباب، دفعت المعارض السوري عناد سليمان إلى الاعتقاد بأن مصير الائتلاف السوري أصبح مهددا، متوقعا أن تظهر مطالب شعبية واضحة لإنهاء وجوده من قبل المعارضين السوريين داخل البلاد قريبا.
أما مواقف الدول الداعمة، والأجندات الخارجية فهي، حسب سرميني، لافتات يرفعها قادة الائتلاف لـ"تمرير أجنداتهم الشخصية ورفض كل مشروع وطني أو خطوة من أجل تصحيح المسار".