طفل سوري في مدينة حلب يحمل سلاحا بلاستيكيا متأثرا بمشاهد العنف
طفل سوري في مدينة حلب يحمل سلاحا بلاستيكيا متأثرا بمشاهد العنف

الطفل الذي كان سقف همه أن يحظى بلعبة شاهدها من خلف زجاج المتجر أثناء عودته من المدرسة، هو نفسه الطفل الذي بات جزعا طوال اليوم خشية أن يكون رقما آخر في قوائم الموتى بتلك البلدان التي تشهد عنفا مخيفا في دول الشرق الأوسط.

لقد تحول الحلم بمستقبل أفضل قد يسود المنطقة العربية عبر جيل يستفيد من خطة "الاستثمار في المستقبل"، إلى قلق دولي في ظل واقع يجبر الأطفال على أن يكونوا "براعم إرهابية"، أو موتى جدد، أو مرضى جسديين ونفسيين، حسب ما تنذر به منظمات معنية بالطفولة، ما دعاها إلى دق ناقوس الخطر حول مستقبل البشرية في المنطقة العربية التي يشكل الأطفال محورها.

سورية.. اغتيال الطفولة

منذ أشهر تأسيسه الأولى، راح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يجند الأطفال في صفوفه، مستفيدا من فراغ السلطة وحالة التسيب في المناطق التي يسيطر عليها، وذلك عبر "الخيم الدعوية"، وهي دروس ومهرجانات وحفلات يقيمها "المكتب الدعوي التابع للتنظيم" في المساجد والمؤسسات التعليمية.

صورة نشرها داعش لطفل في الرقة انخرط بالعمل المسلح

​​تحول الأطفال في المناطق الخاضعة لهيمنة التنظيم من دراسة العلوم والرياضيات واللغة إلى دراسة فنون القتال واستخدام السلاح وعمليات التفجير والاغتيال، حسبما يؤكده نشطاء في مدينة الرقة السورية، تطابقت رواياتهم مع فيديوهات مصورة بثها التنظيم لدورات تدريبية.

يقول الناشط السوري في مدينة الرقة (ي.خ) إن أطفال الرقة خسروا طفولتهم مع تحول الكثير منهم إلى العدائية، وأضحى من السهل عليهم رفع السكاكين والبنادق في وجوه أقرانهم.

فالجثث والدماء والرؤوس المقطوعة أضحت مشهدا مألوفا لدى الأطفال الذين يستمتعون في بعض الأحيان بمشاهد الإعدام التي تنفذ في مناطقهم، حسبما يضيف الناشط السوري لموقع قناة "الحرة"، مشيرا إلى أن كل ذلك سهل على التنظيم تجنيد الأطفال وتغيير مفاهيمهم بالتحريض على "الجهاد"، مستشهدا بـ"معسكر الزرقاوي" الذي تم فيه تخريج أكثر من 300 طفل.

ولفت في هذا الإطار إلى أن معظم حواجز التنظيم داخل المدينة، فيها عدد من الأطفال الذين يحصلون على رواتب تحفيزية غير دائمة تصل إلى 100 دولار أميركي في الشهر.

جيل بلا تعليم

يختصر الطفل أيمن الإمام (12 عاما) الذي نزح من مدينته حلب إلى كيليس جنوب تركيا أحلامه بأن يصبح طبيبا، ويربط هذا الحلم بأمنيته في أن تنتهي الحرب ويعود إلى بلاده سريعا كي يكمل تعليمه بشكل نظامي.

فأيمن كما تقول منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) هو واحد من ملايين الأطفال الذين خلفت الحرب أزمات مركبة لهم من بينها أزمة الحرمان من التعليم.

​​

تقول المفوضية العليا للاجئين، إنها سجلت في أيلول/ سبتمبر العام الماضي 270 ألف طفل سوري نازح في لبنان تحت سن التعليم، حرم من هؤلاء ما نسبته 80 بالمئة (أكثر من 200 ألف طفل) من التعليم.

هذه النسبة وإن تغيرت، إلا أنها تبقى مرتفعة للغاية، لا سيما في المناطق الملتهبة ودول الجوار. فمن أصل أكثر من 178 ألف طفل سوري نازح موزعين على مراكز الإيواء والمخيمات في الأردن مثلا، فإن 56 بالمئة منهم حرموا من التعلم في هذا البلد، حسب المفوضية.

مستقبل بلا أطفال؟

لقد تعرض الأطفال السوريون لمستوى "لا يوصف" من المعاناة خلال ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، على يد الحكومة والميليشيات المتحالفة معها التي تعتبر مسؤولة عن عدد "لا يحصى من حالات القتل والتشويه والتعذيب" بحق الأطفال، في حين أقدمت الحكومة على تجنيد الشباب للقتال واستخدام تكتيكات الإرهاب في مناطق مدنية تسببت بموت أطفال، وفقا لتقرير للأمم المتحدة الأول حول هذه القضية، والذي نشر في مطلع شباط/ فبراير العام الجاري.

ويبرز التقرير أيضا كيف أن الأطفال في سورية ما برحوا يعانون درجة عالية من الشدة جراء معاينتهم قتل أو جرح أفراد من أسرهم وأقرانهم، أو نتيجة تعرضهم للانفصال عن أُسرهم وتشردهم.

وقدرت الأمم المتحدة، حتى لحظــة كتابــة تقريرها مقتل ما يزيد على 100 ألف سوري، بينهم أكثر من 10 آلاف طفل، فيما جــرح عدد أكبر من ذلك منذ آذار/مارس 2011.

وجمعت الأمم المتحدة تقارير عـن أطفال أصيبوا بجروح خـلال أعمال القتال بسبب عمليات القـصف المكثف بالمدافع وإلقاء القنابل جوا، مضيفة أنه وفي بعض الحالات كانت الإصابات كناية عن صدمات نفسية متعددة ناجمة عن حروق أو جروح ناجمـة عـن الشظايا أو بتر أطراف أو إصابات في العمود الفقري استلزمت في بعض الأحيان بتر الأطراف ما أدى بدوره إلى حـصول التهابات والإصابة بالشلل أو الإعاقة الدائمة.

ضحايا ثم مجرمون 

​​

وإن لم يكن الأطفال في أحداث أخرى جزء من دائرة العنف في بلادهم، إلى أن الحروب ستؤدي إلى تأثرهم فيها وجعلهم عناصر خطيرة في المستقبل، إما من خلال ممارستهم لهذا العنف، أو تحولهم إلى مرضى نفسيين.

فقد أظهرت عدة دراسات أن التعرض لأي نوع من أنواع العنف سيؤدي إلى زيادته في المجتمع وتعديه إلى أنماط أخرى، حسب ما توضح  كارن فولكر مديرة مكتب منظمة Cure violence  في واشنطن، والمديرة السابقة لمكتب المنسق الخاص لتحولات الشرق الأوسط التابع للإدارة الأميركية.

وتوضح فولكر لموقع "قناة الحرة"، أن طبيعة العنف الممارس في المناطق الساخنة، سيزيدان من خطورة عنف الانتقام وباقي أنوع العنف، حتى بعد انتهاء الصراعات الحالية في منطقة الشرق الأوسط.

فبحسب ما تراه منظمتها، فإن العنف مثل الأمراض المعدية، هو "وباء" ينتشر وينتقل من شخص إلى آخر، مشيرة في هذا الصدد إلى أن هناك دراسات أظهرت أن الضحايا يتحولون إلى مرتكبين له في المجتمع ومع الزوجة أو الأطفال الذين سيمارسونه في المقابل على من استطاعوا، كما تظهره هذه الصورة التوضيحية.

صورة توضيحية لدائرة انتقال العنف

​​

وتشدد فولكر التي عملت في مشاريع للتخفيف من وطأة العنف في مناطق الصراع بالشرق الأوسط مثل سورية والعراق، أن خطورته تكمن في تغير معايير السلوك في المجتمعات التي يصبح فيها العنف قيمة إيجابية يحرض عليها المجتمع، وهو ما ينعكس على الأطفال الذين يقلدون أقرانهم، وأصبحوا أشخاصا عنيفين محتملين في مجتمعهم، حتى ولو لم يشاركوا في ارتكاب العنف الجاري حولهم، وفق نظرية اعتباره كوباء ينتشر بالعدوى.