تغادر هبة مع كل زوال منزلها في مشروع دمر، إلى وسط العاصمة السورية دمشق لمتابعة أمور عملها كمحامية، بحياة قد تبدو للناظر طبيعية مقارنة بحياة أخرى معاكسة على الجانب الآخر من ريف دمشق.
لا تختلف حياة هبة اليومية بعد ما يقارب أربعة أعوام من الاحتجاجات التي تحولت في وقت لاحق إلى صراع مسلح، عما كان عليه الحال في السابق، سوى انقطاع متواصل للكهرباء، وحواجز أمنية تطيل الوقت أضعافا للوصول إلى العاصمة، ومشاهد المتسولين الكثر الذين يجلس بعضهم في الأحياء الراقية وقد فقد ساقه أو ذراعه.
غير ذلك، تبدو حياة دمشق على عادتها. حركة مرور اعتيادية، يتخللها في بعض الأحيان تساقط قذائف هاون، أو صوت القصف المنبعث من جبل قاسيون على الأحياء الجنوبية للعاصمة.
فسورية الأزمة المركبة بالحرب الأهلية ومئات ألوف القتلى والجرحى والصراع والدمار والتشدد، هي غير سورية التي تعيش حياة مختلفة أشبه بالحالة الطبيعية.
مطاعم منتشرة داخل سور دمشق في الأحياء القديمة، وأخرى خارج السور، مقاه ونرجيلة، وأسواق مزدحمة، باهتمامات مختلفة للمتسوقين بين الموضة والأكل، وحفلات أعراس بتكاليف باهظة، ومقاه ليلية تفتتح أبوابها لهواة الرقص والمشروبات الروحية حتى ساعات الصباح.
بعض من يعيشون في هذه المناطق لا يكترثون بما يجري للآخرين، كما تقول هبة لموقع قناة" الحرة"، مضيفة أن "الآخرين يضطرون للتأقلم مع حياتهم رغم كل ما تشهده البلاد".
نزحت ليلى، بدورها، من حمص التي تشهد صراعا مسلحا أدى إلى دمار المدينة بشكل شبه كامل، وجاءت إلى مصياف، البعيدة عن الصراع. تقول إن أهالي بلدها تبدو عليهم محاولة سرعة التأقلم مع أي واقع، وتشعر بأن الناس أضحت تبحث عن "النجاة" فقط.
شاهد بعض الصور التي تظهر الحالة الطبيعية في المدن السورية الهادئة:
عرض معرض كامل
تناقض
غير بعيد عن دمشق، يقول محمد صالح، الذي كانت أصوات الاشتباكات تسمع حوله في مدينة دوما، إنه لا "توجد حياة هنا بالمعنى الإنساني".
يوضح صالح أديب لموقع قناة "الحرة"، كيف يفتقد من تبقى في دوما إلى أبسط أمور حياتهم التي اقتصرت على مستوى الأكل إلى خبز الشعير وبعض الخضراوات التي تزرع في منطقة الغوطة.
سألته إن كان يشرب الكولا، فضحك وقال إن آخر مرة تذوقها كانت قبل سنة ونصف ثم يعقب ضاحكا: "قلت لك نأكل شعير".
فدوما كما يقول صالح، غدت "كتلة من الموت والدمار والخراب والتشرد والجوع"، مستشهدا بعشرات مقاطع الفيديو على الإنترنت، هذا واحد منها:
أضحى مشهدا مألوفا هذا التناقض كما تقول ليلى لموقع قناة "الحرة"، مستشهدة بما يشهده حي الوعر من قصف وحصار أدى إلى تدميره بشكل شبه كامل في الوقت الذي يخرج فيه أهالي أحياء عكرمة والزهراء القريبة إلى التنزه والتسوق.
حالة تأقلم
البعض يرى أن هذا ناتج عن حالة تأقلم الناس مع الحرب، ومحاولة عودتهم إلى الحياة الطبيعية كهروب من الواقع المرير.
فمدينة حلب استعادت بعضا من صخب حياتها الليلية بعدما عاد المطربون والموسيقيون ليحيوا الأمسيات في المقاهي والمطاعم التي فتحت أبوابها من جديد في المنطقة الخاضعة لسيطرة النظام، وأيضا في منطقة المعارضة التي تتعرض للقصف اليومي، حسب تقرير مصور لوكالة الصحافة الفرنسية.
وعلى الرغم من ثقل الهموم الناتجة عن النزاع المستعر، فإن الحرب لا تنال من عزيمة نساء كثيرات يبقين وفيات لما يعرف عنهن من شغف بالأناقة والجمال لتغليب إرادة الحياة.
في دمشق حيث يتردد صدى المعارك اليومية المتواصلة على الأطراف، تقول الصيدلانية لبانة مرشد لوكالة الصحافة الفرنسية، وهي تتجول في "المعرض التخصصي الأول للصحة والعناية بالبشرة" الذي استضافته العاصمة هذا الأسبوع، أن الأزمة التي بدأت قبل حوالي أربع سنوات وكأنها مستمرة منذ مئة سنة، مضيفة "كل يوم، موت وقصف وقذائف... كل شيء بشع".
وتضيف "لذلك، أحب أن أحافظ على نفسي ومكياجي واعتني ببشرتي لكي ينعكس هذا على داخلي وتعود نفسيتي حلوة".
ويتضمن المعرض الذي نظمته شركة "مسارات للمعارض" في أحد فنادق العاصمة، أجنحة لعشرات الشركات المتخصصة ببيع مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والصحة والتجهيزات الطبية التي تعنى بالتجميل والبشرة، بالإضافة إلى شركات التأمين الصحي.
ويقول محمد ميبر وهو مدير عدد من العلامات التجارية المعروفة عالميا إن المبيعات تجمدت لبعض الوقت بعد اندلاع الصراع في منتصف آذار/مارس 2011، لكنها "عادت وارتفعت هذا العام بعد ان تاقلم الناس مع زيادة الأسعار" بسبب تدهور اليرة السورية والعقوبات التي "أجبرتنا على استيراد بضاعتنا إلى لبنان ثم شحنها إلى سورية".
أما هبة، التي تحدثت لموقع قناة "الحرة" فتقسم السوريين الذين يعيشون في المناطق الهادئة إلى مستضعفين يعيشون حياتهم المعتادة لكن جل تفكيرهم مشغول بما تشهده بلدهم، وآخرين، يحاولون النأي بنفسهم عن كل شيء والتفكير بأنفسهم.
على الطرف الآخر، يرى مدير مكتب الحراك السلمي في ريف درعا الغربي محمد العمار، الذي نجا من "مجزرة" حدثت على بعد أمتار منه بعدما تعرضت بلدة جاسم لقصف بالبراميل المتفجرة قبل أيام، أن الحديث عن حياة طبيعية أو غير طبيعية في أي منطقة بسورية، هو شيء غير منطقي.
عرض معرض كامل
وأما مظاهر الحياة اليومية من تسوق وغيره، فهي لا تتعدى طبيعة الناس التي تعيش في أي وقت وتحت أي ظروف، حسبما يؤكد العمار لموقع "قناة الحرة".
ويعقب، أنه بات معروفا أن مناطق المعارضة تعاني ما تعانيه من حصار وقطع للكهرباء، يتخللها القصف بالطائرات الحربية والصواريخ، في حين أن مناطق نفوذ النظام تتوفر فيها سبل الحياة بشكل أفضل.
إذا ما هي تلك المناطق التي تعيش الهدوء وتلك المدمرة؟
تقسم سورية إلى 14 محافظة، وتنقسم المحافظات إلى 60 منطقة، والتي بدورها تنقسم إلى مزيد من المناطق الفرعية، وتسمى نواحي، وتحتوي النواحي على المدن والبلدات والقرى، التي هي أصغر الوحدات الإدارية في البلاد.
ولا يزال النظام يسيطر على جميع مراكز المحافظات باستثناء محافظة الرقة التي يحكمها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في حين خسر الكثير من الأرياف، كما تظهره هذه الخريطة التي تبين بشكل تفصيلي الأطراف التي تسيطر على المدن والقرى السورية.
إنقر هنا لمشاهدة خارطة تفاعلية تظهر الأطراف التي تسيطر على المحافظات والمدن والقرى السورية بالتفصيل.