ازدادت الحوادث الأمنية في مصر، واعتاد المصريون مع تكراراها على مشاهد الدم والدموع. يصرخون عندما تصيب رصاصة رأس جندي أو مواطن، لكن تتلاشى الذاكرة بإضافة اسم جديد على قائمة القتلى.
على مدى شهور طويلة، طالت الحوادث المتكررة أفراد أمن ومدنيين في هجمات متقاطعة زمنيا، ومع مرور الوقت اشتدت ضراوتها، وارتفعت أعداد القتلى، واستعرت الحرب الإعلامية وتعمق الانقسام.
ما الذي يحدث في مصر؟ لماذا زادت حوادث القتل؟ ما هي الأطراف التي ساهمت في تعميق الانقسام وزيادة التطبيع مع الدم؟
الإسلاميون متهمون
يؤكد الإسلاميون المؤيدون للرئيس المعزول محمد مرسي في خطابهم الرسمي على سلمية مواقفهم المعارضة ونبذهم للعنف، لكن مع اشتداد قبضة السلطات، وصدور عشرات الأحكام بإعدام وسجن قياديين إسلاميين، خرجت بعض القوى الإسلامية المعارضة في الآونة الأخيرة، لتدعو إلى استهداف المؤسسات، وتحذر الأجانب من القدوم إلى مصر.
وما يزيد من الوضع تعقيدا، افتقار الأحزاب والجماعات الإسلامية لجبهة موحدة، ما يزيد من الغموض من المواقف التي تصدر من أطراف مختلفة. إذ أن ارتفاع معدل الهجمات التي تستهدف المدنيين في الآونة الأخيرة، زاد من التكهنات بأن تلك الجماعات غيرت من استراتيجيتها، كما يقول الخبير الأمني العقيد خالد عكاشة، في حوار مع موقع قناة "الحرة".
يضيف عكاشة أن الإخوان المسلمين يتظاهرون منذ فترة طويلة، ما جعل الرأي العام معتادا على ما يحدث من حوادث واشتباكات، ومتضامنا مع قوات الأمن. فوجود الإسلاميين خلال تلك الحوادث لم يأت بما كانوا يرجونه، حسب عكاشة، ما جعلهم يلجؤون إلى استهداف المدنيين لإحداث حالة من الهلع.
ويتهم المتحدث الإسلاميين باستهداف "محطات الأنفاق، والسكك الحديدية، وأماكن التجمعات، في محاولة لإسقاط عدد أكبر ممكن من الضحايا"، مشيرا إلى وجود قيادات متوسطة تدير العنف في الشوارع.
في مقابل ذلك، يرفض القيادي الإسلامي السابق في الجماعة، عبد الستار المليجي، اتهام الإخوان بممارسة العنف. ويقول إن عدد المؤيدين للإخوان كبير في سائر أنحاء البلاد، وهم قادرون على "جلب السلاح، لكن الجيل الحالي يرفض ممارسة العنف وغير مدرب عليه".
المؤسسة الأمنية "تمارس العنف"
وعلى الجهة الأخرى، يتهم معارضون إسلاميون وعلمانيون الجهاز الأمني بممارسة العنف بحجة مكافحة الإرهاب، وفي مقابل ذلك، تقول السلطات إن البلاد تواجه تهديدات داخلية وخارجية تستدعي تعزيز قبضتها الأمنية، دونما انتقاص من الحريات والحقوق.
جدير بالذكر، أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وجه اتهامات للسلطات المصرية بالاستخدام المفرط للقوة واعتقال صحافيين وقتل أكثر من 1400 شخص منذ عزل مرسي.
وفي الذكرى الرابعة لثورة كانون الثاني/يناير، اتهمت منظمة العفو الدولية الحكومة بمحاولة التستر على مقتل أكثر من 20 متظاهرا غالبيتهم من الإسلاميين المناهضين للسلطات.
مقتل الناشطة المصرية شيماء الصباغ أيضا كان له ردود فعل محلية ودولية غاضبة، واتهمت هيومان رايتس ووتش الجهاز الأمني صراحة بالمسؤولية عن مقتلها.
وجاءت حادثة مقتل مشجعين في مباراة لكرة القدم، وما أعقبها من مشاعر غضب لأهالي الضحايا والناشطين، لتأجيج الرأي العام من جديد.
يرجع المليجي العنف في الشارع المصري إلى "ارتفاع معدلات القتل والإصابات والاعتقال في صفوف المتظاهرين على يد أجهزة الأمن".
ويرى أن ذلك يتسبب في "زيادة أعداد المتظاهرين الغاضبين والمعارضين الذين يؤمنون بأن العنف هو وسيلة لمواجهة العنف".
أما العقيد خالد عكاشة، فيرفض فكرة وجود معتقلين سياسيين في مصر، ويؤكد أن السلطات تعتقل هؤلاء وفق أحكام قضائية سواء كانوا إسلاميين أم غير إسلاميين.
ويدافع عكاشة عن استراتيجية الدولة لمكافحة الإرهاب، والتدخل "بحزم" لحماية المواطنين من "موجة الإرهاب التي تمتد، والإرهابيين الذين تزداد جرائمهم يوما بعد يوم".
التحريض
الإعلام المصري أيضا متهم بالمسؤولية عن بث الفتنة والكراهية والتحريض على القتل، إذ أصبحت القنوات الفضائية داخل وخارج مصر ووسائل التواصل الاجتماعي، مسرحا مهما لتعبئة الجماهير.
يقول الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، في اتصال مع موقع قناة "الحرة"، إن الخطاب الإعلامي المصري يعاني من "درجة عالية من الحس التحريضي"، فهناك محاولة لاستغال مخاوف ومشاعر المواطنين المسبقة.
دأبت أجهزة الإعلام المؤيدة للحكومة، على اتهام جماعة الإخوان بالمسؤولية عن أحداث العنف في سيناء وفي القاهرة والمحافظات. وسوق بعضها لفكرة تدبير الجماعة قتل شيماء الصباغ وضباط الجيش في العريش، وباندساس عناصر إخوانية لقتل مشجعي مباراة كرة القدم.
وفي مقابل ذلك، تركز القنوات المعارضة، والتي تبث من خارج البلاد، على معارضة "الانقلاب" باعتباره المسؤول عن سقوط المتظاهرين، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وزيادة التوتر السياسي في البلاد.
وظهر جليا التحريض على العنف الذي وصل إلى حد الدعوة الصريحة إلى القتل مع كل حادثة أمنية، ومن أبرز هذه الأمثلة: المقدم المصري أحمد موسى يدعو إلى قتل المتظاهرين:
وفي مقابل ذلك، يحرض المذيع المحسوب على جماعة الإخوان محمد ناصر، على قتل الضباط:
يقول العقيد خالد عكاشة، إن قياديين في جماعة الإخوان يخدمون أهداف الجماعة من الخارج عبر وسائل إعلام أو عن طريق الاتصال المباشر مع قواعدهم في مصر عن طريق صفحات إلكترونية تحرض على العنف.
أما المليجي، من جانبه، فيشير إلى أن "تضارب الرؤى والوقائع وعدم نقل الحقيقة للمواطنين في الإعلام الموالي للنظام" تسبب في فقدان الثقة في الإعلام الرسمي وغير الرسمي.
ويضيف أن "الصياغة الإعلامية الغاشمة" هي أحد الاذرع التي تخلق "الإرهابيين".
وكان لافتا أن الإعلام تناول حادث مقتل المشجعين في أكثر من سياق، فمع الساعات الأولى لسقوط الضحايا، عكست الآراء المتضاربة التي خرجت من هذه المنابر الواقع المنقسم في البلاد.
ففريق اتهم رابطة "وايت نايتس"، وهي رابطة مشجعي نادي الزمالك بإثارة الفوضى وإطلاق الألعاب النارية على قوات الأمن، وآخر اتهم جماعة الإخوان بالاندساس وسط المشجعين، وفريق اتهم الجهاز الأمني بالتراخي أو اللامبالاة أو حتى تعمد قتل المشجعين.
وبين هذا وذلك، يتوالى سقوط الضحايا ويظل الفاعل مجهولا أو لا يتفق الجميع حول هويته.
انعكاسات سلبية
يقول الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز إن "الأنماط الإعلامية الحادة والمنفعلة جعلت المصريين أكثر ميلا للسواد والقتامة وتقبلا لمشاهدة العنف، وأكثر حدة في التعامل مع الآخرين".
في مقابلة تلفزيونية، فسر المحلل النفسي طلال فيصل حالة المصريين بأنها تشبه "اللاوعي"، ويدلل على ذلك بمقطع فيديو لمواطنين متجمعين حول قنبلة، غير مبالين بمخاطر وقوفهم من مسافة قريبة أثناء محاولة تفكيكها.