قبل 20 عاما بالتحديد، وصلت الناشطة والقانونية الباكستانية الأصل، المسيحيةالديانة إلى واشنطن قادمة من لاهور للحياة بصفة دائمة بمعية أفراد عائلتها.
لم يكن هذا الانتقال سهلا على ريمة وهي تترك وراءها هناك في ذلك الوطن الذي يظهر من نافدة بيتها هنا بضواحي العاصمة واشنطن في مكان قصي وبعيدمن هذا العالم، كما لم يكن سهلا عليها تماما أن تتخلص من ذاكرة حزينة وموجعة لا تستطيع أن تستيقظ صباحا من ذون أن تسترد تلك المعاناة التي أصابتها وتلك التهديدات التي طالت حياتها وحياة زوجها من مجموعة متطرفين اختاروا العداء وسيلة للتعامل معها فقط بسبب اختلافها الديني عنهم حتى لو كانت الجوامع الأخرى بينهم كثيرةومتعددة و على رأسها المواطنة الواحدة لكن للتطرف منطق منحرف تماما عندما يقسم بين أبناء البلد الواحد على أسس عرقية أو دينية أو طائفية وفي حالات اخرى على أسس مناطقية.
ذلك هو الواقع المؤلم الذي أخرج ريمة من ديارها في باكستان وجاء بها إلى مدينة "ريستن" في الجزء الشمالي من ولاية فرحيينا المحاذية لواشنطن على الساحل الشرقي الأميركي، لكن ريمة هذه التي وجدت خلاصها الفردي وعائلتها بقدومها إلى واشنطن واستيفائها شروط الحصول على الجنسية الأميركية، اختارت أن تظل وفية لآلام يعيشها آخرون من بنات وطنها الأم باكستان وأن تجعل من حياتها في الولايات المتحدة لخدمة جميع الذين تم اضطهادهم لأسباب دينية أو عرقية .
مستندة إلى هذا الايمان العميق بادرت ريمة وبالشراكة في الفكرة والمشروع مع زوجهاإلى إطلاق منظمتها الخيرية غير النفعية، والتي أطلقت عليها تسمية "أيادي الخير الدولية" حتى تجد لنفسها الغطاء القانوني والاجتماعي الذي يسمح لها بالدفاع عنالنساء المقهورات في باكستان
من هناك بدأت رحلة الـ 20 عاما لهذه المناضلة الحقوقية في واشنطن التي تقول لي، وهي تدعوني لاحتساء كأس من الشاي في صالون بيتها، إنها تفتتح يومها في ساعة مبكرة من كل صباح بقراءة الأذكار من الكتاب المقدس والصلاة والدعاء لأفراد عائلتها ولكل الذين تركتهم وراءها هناك قبل أن تباشر سلسلة اتصالاتها في واشنطن وفي باكستان ومتابعة كل القضايا التي تعنيها في الوطن الأم .
تعمل ريمة على تقديم المساعدات على اختلاف أنواعها للمحتاجين في باكستان، فهي توفر المبالغ المالية للمتضررين من التطرف والاقصاء الاجتماعي والديني والمساعدات الغذائية للفقراء وتوفر محامين للدفاع عن النساء المضطهدات دينيا، ومن بعد كل ذلك تفاوض السفير الباكستاني في واشنطن في كثير من قضايا العالقين في وطنها الأم وتتظاهر أمام البيت الأبيض عندما تدعو الحاجة لذلك وتكتب إلى المؤسسات الأميركية عندما تقتضي الضرورة.
تنظم تجمعات في مختلف الولايات الخمسين مع شركاء آخرين لها من مواطنيها الأميركيين ومن آخرين من أبناء وبنات وطنها الأم .
كل هذه الأعمال على كثرتها هي أقل محبة في قلبها عندما تتذكر ذلك الاعتداء الكبير الذي تعرضت له مجموعة كنائس في باكستان واتصال اتباع هذه الكنائس بها راجين منها مساعدتهم على اعادة بناء كنائسهم حتى يستطيعون ممارسة صلواتهم وتجمعاتهم الدينية واحتفالاتهم الاجتماعية في أماكن صلاتهموهم عندما يخاطبونها يدركون جيدا أن ميزانية منظمتها الخيرية لا تقدر على حجم هذه الأعمال الكبيرة ومع ذلك يفعلون لأنهم يتوسمون فيها كل الخير أو ربما لأنها نافذتهم الوحيدة لإعادة مقرات تعبدهم إلى الحياة مجددا بعد أن أطفأ أنوارها متطرفون .
فكرت كثيرا في مبادرة تجد من خلالها مخرجا لحيرتها، فكتبت رسائلها إلى جهات عدة في واشنطن واحدة من هذه الرسائل تلقاها مركز آدامز الاسلامي في شمال فرجينيا ورحب بها وبمبادرتها و بدأت النقاش حول فكرة دعوة المسلمين في منطقة واشنطن الكبرى للحضور الى تجمع كبير بهدف جمع التبرعات لإعادة بناء الكنائس التي أحرقها متطرفون في باكستان .
لقيت المبادرة ترحيبا واسعا من المسلمين الأميركيين وحضر جمع كبير من العائلات وتم جمع مبالغ هائلة تبرع بها الحاضرون وتم إرسالها إلى باكستان وكانت المبالغ كافية لإعادة إعمار أغلب الكنائس التي تم إحراقها فيما تم جمع المبالغ المتبقية في مناسبات أخرى إلى حين اكتمال مشروع اصلاح ما أحرقه المتطرفون في أماكن تعبد المسيحيين الباكستانيين.
تقول ريمة عن هذه اللحظة إنها مؤمنة دوما أن الأصل في العلاقات الانسانية هو المحبة والتواصل، لكن ايمانها بهذه القيم العالية والسامية ازداد يقينا ورسوخا في نفسها بعد هذه التجربة مع المسلمين في منطقة واشنطن الكبرى.
منذ ذلك العهد تشدد رئيسة منظمة أيادي الخير الدولية وصلاتها مستمرة وقائمة ودائمة مع مركز آدامز في كل ما يتعلق بمسائل الحوار بين اتباع الأديان السماوية لأجل فهم أفضل وأعمال مشتركة تنفع الناس في باكستان وفي أميركا وفي كل مكان آخر من العالم .
يؤمن الشركاء الآخرون في منظمة أيادي الخير أنهم شركاء لاتباع الديانات الأخرى في السعي لأجل تكريس قيمة التعايش والتسامح بين الجميع وأنهم جميعا حريصون على تعزير الشراكة فيما بينهم لأجل القيام بالمزيد من المبادرات بهدفتكريس هذا المعنى وتحقيقه في خطوات عملية على أرض الواقع لذلك تجد هذه المنظمة دائما لنفسها مقعدا محجوزا في الصفوف الأولى لكافة أنشطة مركز آدامز الاسلامي وفي كل أنشطته الدينية والاجتماعية وعلى موائد إفطاره في شهر الصيام من كل عام.
هذه الاطلالة الروحانية في علاقة ريمة مول بالمسلمين الأميركيين في مركز آدامز تؤكد هذه الناشطة بشأنها أن هذههي الصورة التي تتمناها أن تحدث في وطنها الأم وأن تجمع أبناءهم على مزيد من التعاون فيما بينهم وليس المزيد من التنافر لأن في ذلك كما تقول ريمة، وهي تودعني عند عتبة باب بيتها المحاط بأضواء خافتة في مقدمة حديقته الأمامية، أفضل الصور لمحاربة كل فكر متطرف وكل نفس تعمل على نشر الحقد بين الناس في أي مكان من العالم لأن المحبة والسماحة والتعايش هي القيم الوحيدة التي تستطيع أن تجعل من حياة الناس جميعا تحدث سلاما ومحبة وفي أي مكان من أطراف العالم الكثيرة والكبيرة .