يعيش معظم اليهود المغاربة في المدن الكبرى، كالدار البيضاء والرباط وفاس
يعيش معظم اليهود المغاربة في المدن الكبرى، كالدار البيضاء والرباط وفاس

خاص بـ"موقع الحرة"- إبراهيم مِطار

في ظل غياب أرقام رسمية، يصعب الحديث عن عدد اليهود المغاربة الذين فضلوا الاستقرار بالمغرب على الهجرة إلى أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية أو إلى إسرائيل حيث يوجد أكثر من مليون يهودي مغربي، وفق فدرالية اليهود المغاربة في واشنطن.

رغم ذلك يكفي أن تقوم بجولة صغيرة في المدينة القديمة بفاس أو أن تزور إحدى أسواق مدينة الدار البيضاء لتشاهد العشرات من اليهود المغاربة، ووفق الجمعيات الناشطة في مجال حماية التراث اليهودي المغربي، فعددهم يزيد عن 3000 نسمة في الدار البيضاء وحدها. ​

وفي مدينة أكادير مثلا جنوب المغرب، توجد طائفة تضم 60 فردا، يداومون على القيام بشعائرهم الدينية ويمشون في شوارع المدينة جماعات بزيهم "التليت"، ويتبادلون التحية مع من يصادفون في طريقهم بـ"الدارجة" المغربية أو باللغة الأمازيغية.

فلماذا فضلوا الاستقرار بالمغرب على الهجرة؟

لم تفكر عائلة هيرفي ليفي، عضو الطائفة اليهودية في مغادرة مدينة أكادير التي يدير بها مشاريع والده، الذي كان برلمانيا. ويشدد في تصريح لموقع "الحرة" على أن التاريخ اليهودي الأمازيغي يمتد في المغرب لأكثر من 2500 سنة.

ويتابع: "أنهيت تعليمي الإعدادي في أكادير بعدها ذهبت إلى الدار البيضاء حيث نلت شهادة الثانوية، غادرت المغرب لفترة قصيرة للدراسة في كندا، بعد التخرج من هناك رجعت إلى بلدي، نحن أبناء البلد".

يستعرض هيرفي الذي يشتغل في قطاع السياحة مجموعة من المبررات الأخرى التي دفعته إلى البقاء في بلده، "في المغرب العشرات من المزارات الدينية التي هي بمثابة حج سنوي يحرص المغاربة اليهود على زيارتها قادمين من كل البقاع، هنا دفن الأجداد وأولياؤنا الصالحون".

غير بعيد عن أكادير، وفي مدينة تارودانت يوجد مزار ديني يستقبل سنويا الآلاف من اليهود القادمين من إسرائيل ومن أوروبا، يجتمعون هناك لإحياء "هيلولة ربي دافيد بن بروخ"، وهو طقس ديني يحرص اليهود المغاربة على حضوره للتبرك بـ"الولي الصالح"، و"صلة الرحم مع أقاربهم وبلدهم الأصلي".

​​

​​

موسم تارودانت أو باقي المواسم الأخرى وسط وشمال المغرب، يحضرها ممثل للعاهل المغربي محمد السادس، ويستحضر الزوار حماية الملك محمد الخامس لهم ورفضه طلب حكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا التي كانت تريد ترحيلهم في خضم الحرب العالمية الثانية.

ويعتبر اليهود المغاربة هذه التجمعات صلة وصل بين الذين فضلوا الاستقرار بالمغرب وبين الذين رحلوا منذ ستينيات القرن الماضي إلى إسرائيل أو إلى الدول الأوروبية.

 "هنا نعيش في تعايش وتآخ ولا نشعر بأي تمييز، نعيش في احترام تام متبادل مع إخوتنا المغاربة المسلمين"، يضيف هيرفي لموقع "الحرة".

كم تبقى من اليهود المغاربة؟

تعددت المبادرات الحكومية في المغرب الرامية إلى إعادة الاعتبار للمكون اليهودي، منها مشاريع تابعها عاهل البلاد الملك محمد السادس، كترميم الكنائس اليهودية كـ"صلاة الفاسيين" عام 2013، كما تقود الجمعيات الناشطة في نفس المجال الكثير من المبادرات الأخرى.

لعزيزة دليل

​​

"من خلال المبادرات الميدانية التي نقوم بها نعتقد أن عددهم حاليا يصل إلى 4000 شخص، غالبيتهم يستقرون في المدن الكبرى"، تقول لعزيزة دليل نائب رئيس جمعية ميمونة لموقع الحرة.

​​

​​

وقالت المتحدثة إن المغرب يوفر لليهود فضاء من التعايش قل نظيره في الدول العربية، وأضافت: "نقوم في الجمعية بتنظيم مجموعة من اللقاءات وبالاحتفال بالمناسبات الدينية، الغاية منها هو إحياء الذاكرة المشتركة للمغاربة، نقوم مثلا بتنظيم إفطار في رمضان حيث يجتمع المغاربة باختلاف دينهم حول نفس المائدة".

وأوضحت دليل أن المسلمين يحتفلون من جهتهم بميمونة، وهو طقس متجذر في الثقافة اليهودية المغربية. 

شاهد احتفالات "ميمونة" عام 2016:

​​

​​​​

​​

جمعية ميمونة، إطار غير حكومي تأسس عام 2007، وفي عام 2011 نظمت الجمعية ندوة دولية حول الهولوكوست، وصفتها نيويورك تايمز بـ" الأولى من نوعها في العالم العربي"، وحظي اللقاء بدعم ورعاية عاهل البلاد.

وأوضحت دليل أن الاستقرار السياسي الذي يعيشه المغرب من العوامل التي تجعل اليهود يستقرون فيه.

وتابعت "يتمتع المغرب اليوم بمستوى أمان عال مقارنة بدول المنطقة. فيعيش اليهود بأمان بجانب المسلمين، يتعاملون تجاريا مع بعضهم البعض و يعايدون بعضهم البعض في الأعياد والمناسبات.

وقال رئيس فدرالية اليهود المغاربة بواشنطن شارل دحان من جانبه إن الكثير من اليهود المغاربة يريدون الآن العودة إلى الاستقرار بالمغرب.

شارل دحان

​​

"معظم اليهود المستقرين حاليا بالمغرب من كبار السن، ويفكر الكثير من اليهود المستقرين خارج البلاد في العودة إليه ومعظمهم من الجيل الجديد، الذين ازدادوا خارج المغرب، يريدون العودة للتعرف على بلدهم وموطن أجدادهم"، يتابع لموقع الحرة.

واستعرض المتحدث مجموعة من العوامل التي حافظت على روابط التعايش بين المغاربة، ويضيف قائلا "المغرب أفضل بلد في العالم العربي، إنه بلد الاستقرار السياسي والاقتصادي".

من الأوراش أيضا الرامية إلى إعادة الاعتبار لليهود المغاربة، مبادرة رسمية أخرى أمرت بإعادة الأسماء الأصلية إلى الحي اليهودي في مدينة مراكش، وعنها يقول دحان: "تصور معي أن يعود مغربي إلى هذه المدينة ويجد أن الحي الذي ترعرع فيه يحمل اسم عائلته حتما سيكون له أثر بليغ".

​​صور الحي اليهودي "الملاح" بمراكش:

​​

​​

​​​​

​​

خاص بموقع الحرة